Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حملة على بطريرك الموارنة بسبب انتقاده صواريخ "حزب الله"

رأى البعض في موقف الراعي تذكيراً ببيان المطارنة الشهير الذي طالب بانسحاب الجيش السوري من لبنان

الراعي خلال مشاركته في الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس الحالي (أ ف ب)

لم يكد البطريرك الماروني، بشارة الراعي، ينهي كلامه الذي دعا فيه الجيش اللبناني إلى منع إطلاق الصواريخ من لبنان، من دون أن يذكر "حزب الله" بالاسم، حتى فتح عليه الحزب النار بالواسطة، عبر مؤيديه وحلفائه في حملة إعلامية وسياسية بلغت حد اتهام الراعي بالعمالة لإسرائيل.
كلام البطريرك الراعي جاء بعد إطلاق "حزب الله" صواريخ نحو إسرائيل، كما أتى ترجمة طبيعية لسلسلة انتقادات ومواقف نددت بتفرد الحزب في قرار الحرب والسلم. واللافت أن الانتقادات لم تقتصر على المواقف السياسية بل تعدتها إلى اعتراض أهالي بلدة شويا الجنوبية، ذات الغالبية الدرزية، من حيث أُطلقت الصواريخ، عناصر "حزب الله"، فكانت سابقة أظهرت حجم الاعتراض الشعبي اللبناني على سياسات الحزب وتبعاتها على لبنان.

وكان الراعي دعا الجيش اللبناني والقوات الدولية (يونيفيل) إلى "السيطرة على كامل أراضي الجنوب وتنفيذ دقيق للقرار 1701 ومنع إطلاق الصواريخ من الأراضي اللبنانية"، مؤكداً الوقوف "إلى جانب أهلنا في الجنوب لنشجب توتر حالة الأمن وقد سئموا الحرب والقتل والتهجير والدمار".

تهديد بالشنق

التزم حزب الله بمسؤوليه وسياسييه الصمت ولم يعلقوا مباشرة على كلام البطريرك، لكن في المقابل شُنت على مواقع التواصل الاجتماعي حملة ضده، استخدم فيها جمهور الحزب ومناصروه كل العبارات. وعلى الصفحة الرسمية للضاحية الجنوبية على "فيسبوك" وُضِعت صورة للراعي مع حبل المشنقة حول عنقه، مرفقة بالعبارة التالية "شو نحنا ما منعرف نشنق، العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم".
وفي موازاة نيران التواصل الاجتماعي، تولى حلفاء الحزب من المنتمين إلى ما يُطلق عليه اسم "محور الممانعة" الرد نيابةً عن الحزب، فأصدر الحزب السوري القومي الاجتماعي بياناً اعتبر فيه أن كلام البطريرك "لا يعكس مسؤولية صاحبه بحمل أمانة بطريركية أنطاكية وسائر المشرق أو سائر سوريا". وأشار بيان "القومي" إلى أن "لا خلاص للبنان وعموم بلادنا إلا بفصل الدين عن الدولة، وعودة رجال الدين إلى نشر قيم الحق والخير وفضائل الإيمان".

"حزب الله": لا قرار حزبياً بالرد

في إطلالته في أول أيام عاشوراء، لم يتطرق الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، إلى كلام البطريرك الراعي، فيما أكدت مصادر مقربة من الحزب أن لا قرار حزبياً بالرد على بطريرك الموارنة، كما لم يصدر أي موقف من أي مسؤول حزبي. وبررت المصادر المقربة من "حزب الله" الحملات التي تُشن على الراعي بأنها "طبيعية، فمواقف الراعي حول المقاومة ودورها لا بد أن تثير ردود فعل في بيئة الحزب والبيئة المؤيدة للمقاومة من خارج الحزب مثل الحزب السوري القومي الاجتماعي، خصوصاً في هذه المرحلة، التي تتزايد فيها الضغوط الإسرائيلية على لبنان والمقاومة". وتعتبر المصادر المقربة من الحزب أن "الموضوع يحتاج إلى حوار وطني فلا يجوز السكوت عن الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، والأفضل الذهاب إلى حوار وطني شامل لمعالجة هذا الملف وغيره".

"بكركي" فوجئت بالحملة ضدها

من جهته، يرفض البطريرك الماروني التعليق على الحملة التي يُفترَض أن "حزب الله" يقف وراءها. وتقول مصادر مقربة من الصرح البطريركي لـ"اندبندنت عربية" إن الراعي فوجئ بالحملات غير المبررة التي شُنّت ضده. كلام البطريرك بحسب مصادر "بكركي" "كلام موضوعي قال فيه مباشرة: نحن لا نريد سلاماً مع إسرائيل لكننا لا نريد أيضاً حرباً معها، وهذا ما يطالب به كل اللبنانيين، بمَن فيهم حزب الله المسرور بالحفاظ على قواعد الاشتباك مع إسرائيل، التي تعني لا حرب ولا سلم"، وهذا يتوافق مع ما قاله البطريرك الراعي. وتذكر مصادر "بكركي" أن البطريرك دعا في كلامه إلى احترام اتفاق الهدنة وهو موقف الدولة اللبنانية، ودعا إلى احترام القرار الدولي رقم 1701 وهو القرار الذي كان "حزب الله" قبِل به بعد حرب يوليو (تموز) 2006. وإذ تتعجب مصادر "بكركي" من الهجوم الذي شنه الحزب، تعتبر أن كلام الراعي يستدعي حواراً ولا يستدعي هجوماً وحرباً، لا سيما أن التواصل بين "بكركي" والحزب موجود بالحد الأدنى، وبالتالي كان يمكن التواصل مباشرة والحوار بدل الهجوم الذي تعرضت له
"بكركي". وتضيف مصادر الصرح متعجبةً من الحملة، تأكيدها أن الوضع الحالي كان يجب أن يدفع بـ"حزب الله" إلى التعاطي بطريقة مختلفة، لا سيما بعدما حصل في خلدة ولاحقاً في شويا الجنوبية.

أين رئيس الجمهورية من خرق السيادة؟

بعض المقربين من "بكركي" يسألون عن صمت رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء والوزراء المعنيين من إطلاق الحزب الصواريخ من الأراضي اللبنانية وجر لبنان إلى حرب لا يمكنه تحملها. فالكلام الذي أدلى به، الأحد، البطريرك الماروني بحسب ما يقول كثيرون، كان يفترض برئيس الجمهورية ميشال عون أن يقوله، لا سيما أن خرق سيادة لبنان هو موضوع مرتبط بالقسم الذي تعهد به الرئيس يوم تسلم منصبه، كما أن الاعتداء لم يطاول "بكركي" بل سيادة لبنان وهيبة الدولة وسلطة الجيش اللبناني وكل المؤسسات الرسمية، وقرار السيادة منوط برئيس الجمهورية ومجلس الوزراء، لكن للأسف الدولة غائبة وقسم منها مغلوب على أمره، والقسم الأساسي أي رئيس الجمهورية وفريقه، هما حليفان لـ"حزب الله" ويغطيان أعماله ويتجنبان معارضته، بدءاً من ملف تشكيل الحكومة وصولاً إلى الوضع جنوباً.
بعض المقربين من "بكركي" يعتبرون أن الحملة التي شنها حزب الله على الراعي، كشفت نيات الحزب وحلفائه في رفض كل كلام يمكن أن يحد من فلتان التصرف بسلاحه في الجنوب وغير الجنوب.

امتداد لما كان بدأ به صفير

وفي مقابل المنتقدين، لاقى كلام البطريرك الراعي ارتياحاً وتأييداً لدى الكثير من اللبنانيين وقادة الرأي، ومنهم من غير المسيحيين أيضاً. وعلق الباحث السياسي اللبناني، خلدون الشريف، على كلام الراعي فقال إن "ما صرح به البطريرك الراعي هو امتداد لما كان قد بدأ به البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في عام 2000، عندما طالب في نداء المطارنة الشهير بانسحاب الجيش السوري من لبنان". ويصف الشريف موقف الراعي بالتاريخي، لا سيما في دعوته الجيش اللبناني إلى السيطرة على كل الحدود اللبنانية سواء مع سوريا أو مع فلسطين المحتلة، وبالتالي ليس غريباً أن يصدر موقف كهذا عن البطريرك، وليس غريباً أن يطالب بأن يكون الجيش هو الحامي الوحيد ومانع إطلاق الصواريخ. ووصف الشريف الحملات التي شُنت على الراعي بأنها "طبيعية كونها شبيهة بالحملات التي شُنت على البطريرك صفير سابقاً، وكلنا يذكر أنه مع انطلاق لقاء قرنة شهوان في ذلك الحين، الذي أُسس برئاسة أحد المطارنة بهدف العمل على تحرير لبنان من الوجود السوري، انطلقت خلية حمد الممانِعة لمواجهته. ما يعني أن الأسلوب نفسه يُستخدم ضد كل مَن يريد أن يبدي برأيه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


ماذا بعد كلام الراعي؟

كذلك اعتبر المحلل السياسي، خلدون الشريف، أن "الحاجة باتت ملحة الآن للعودة إلى الحوار والرجوع إلى النقطة التي توقف عندها إعلان بعبدا (الذي تُوصل إليه في أيام الرئيس السابق ميشال سليمان)، والبحث بالاستراتيجية الدفاعية بشكل جدي، خصوصاً أن الأجواء في لبنان باتت شديدة التوتر على كل الصعد، بدءاً من خلدة مروراً بشويا، وبالتالي الأولوية يجب أن تكون اليوم لتشكيل حكومة بأسرع وقت، والدعوة إلى حوار وطني تكون الاستراتيجية الدفاعية بنده الأساس، حتى يتمكن اللبنانيون من حماية أرضهم وممتلكاتهم. صحيح أن دور البطريرك الراعي يمكن أن يقتصر على إعطاء التوجيهات الأساسية وتحديد العناوين الإنقاذية للبلد، لكن البطريرك الماروني وإن كان مرجعية وطنية دينية كبيرة فهو ليس مرجعية سياسية، من هنا على السياسيين أن يلتقوا على تبني أو عدم تبني توجيهات الراعي، وهذا يعني أننا بتنا في حاجة إلى حكومة تشرف أولاً على الانتخابات النيابية والقرار الفاصل بطبيعة الحال لن يكون إلا بعد إجراء هذه الانتخابات، وبعد أن يكون الشعب اللبناني قد حدد خياراته السياسية والوطنية والاقتصادية، واختار في صندوق الاقتراع مَن يريد أن يمثله ووفق أي مشروع يريده للبنان".

حملة متضامنة مع الراعي

وبعد مرور يومين على الحملة التي تعرض لها البطريرك الماروني أجرى رئيس الجمهورية الثلاثاء 10 أغسطس (آب) الحالي، اتصالاً هاتفياً بالبطريرك. وأصدر مكتب الرئيس الإعلامي بياناً اعتبر فيه أن "ما تعرض له المقام البطريركي مدان ومرفوض، والرأي الآخر يجب أن يبقى في الإطار السياسي ولا يجنح إلى التجريح والإساءة". ولم يتطرق رئيس الجمهورية لا بالمباشر ولا بغير المباشر إلى إطلاق الصواريخ ودور "حزب الله" في اتخاذ القرارات عن الدولة كما كان ألمح البطريرك. وبانتظار معرفة ما سيكون عليه صدى كلام الراعي داخلياً وخارجياً، لا بد من التوقف عند الترددات الداخلية التي أعادت فرز القوى السياسية على شاكلة الاصطفاف السياسي الذي ساد بعد عام 2005 حتى التسوية التي أوصلت ميشال عون إلى القصر الجمهوري. فمقابل الانتقادات التي طاولت الراعي من قبل مؤيدي الحزب وحلفائه والصمت المريب الذي التزمه حلفاء له ومَن يدورون في فلكه، انتفضت قيادات ما كان يُعرف بقوى "14 آذار" مدافعةً عن الراعي. فغرّد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على حسابه في موقع "تويتر" قائلاً "كنت أتساءل عن الجريمة التي ارتكبها البطريرك الراعي إذا ذكر باتفاق الهدنة فانهالت عليه راجمات الشتائم من كل حدب وصوب. وأذكر الاستراتيجية الدفاعية التي ناقشناها مع الرئيس ميشال سليمان ثم أُجهضت. يبدو أنه ممنوع أن نناقش أي شيء خارج أدبيات جماعة الممانعة. جو ديمقراطي بامتياز".
وأصدر رئيس الحكومة السابق، سعد الحريري، بياناً رفض فيه الإساءة إلى المقامات الروحية بحملات الإهانة والتحريض والتخوين، واعتبر أنها تشكل تطاولاً مرفوضاً ولغة غير مقبولة ضمن أصول التخاطب السياسي. واعتبر الحريري أن ما أعلنه الراعي يعكس رأي الأكثرية اللبنانية، ولا يستدعي لأي سبب من الأسباب ردات فعل لا تستقيم مع مصلحة لبنان، وتسيء إلى قيم الحياة المشتركة بين أبنائه.
في السياق أكد رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، أن "بكركي تتحدث باسم أكثرية اللبنانيين والحملة مرفوضة ولا تجوز". وتوجه إلى المفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان بالقول "لبنان كان دائماً بلاد سيادة وحرية واستقلال، وكان هكذا قبل حزب الله وهكذا سيبقى ولا يمكنك قمع الرأي الآخر". ودعا جعجع نصر الله إلى استخلاص العبر مما حصل في بلدة شويا الجنوبية.

المزيد من العالم العربي