Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هكذا يُحرم مهاجرون لا يحملون وثائق من لقاحات كورونا في بريطانيا

مئات الآلاف منهم قد يتعذر عليهم تسجيل أنفسهم لدى طبيب عام، ما يحول دون إدراجهم بسهولة ضمن حملة التطعيم

لا خلاص من الجائحة من دون تطعيم الجميع بلا تمييز، لكن بريطانيا تخالف ذلك (رويترز)

يمكننا الكشف عن أن مئات الآلاف من المهاجرين ممن لا يحملون وثائق ثبوتية، يواجهون إمكانية الحرمان من لقاح كورونا، لأن عيادات الأطباء العامين ترفض تسجيلهم لديها، في خطوة تعد انتهاكاً للإرشادات الرسمية.

 يُشار إلى أن خدمة الصحة الوطنية "أن أتش أس" تنصح المرضى بالتسجيل عبر طبيبهم العام، كي يحصلوا على لقاح "كوفيد"، أو تطلب منهم تقديم رقم الـ"أن أتش أس" الخاص بهم كي يُستَكمل ذلك الإجراء، إذا كانوا يرغبون بحجز مواعيد التلقيح عبر الإنترنت، علماً أن الطبيب العام يتولى إصدار ذلك الرقم في العادة. ووجد تحقيق أجرته صحيفة "اندبندنت" بالتعاون مع "مكتب الصحافة الاستقصائية"، أن أقل من ربع الأطباء العامين في بريطانيا يقبلون أن يُسجل لديهم شخص لا يحمل بطاقة تعريفية تثبت هويته، على الرغم من أن سياسة الـ"أن أتش أس إنجلترا"  تنص على أن الوثائق ليست مطلوبة في إجراء عملية التسجيل.

ولدى الاتصال بعيادات أطباء عامين بهدف تسجيل مريض وهمي لا يستطيع إبراز وثائق تثبت هويته أو يفتقد إلى دليل عن مكان إقامته، رفض حوالى 62 في المئة من العيادات تسجيل هذا المريض نهائياً، فيما ذكر 14 في المئة منهم، أنهم غير واثقين من أن بوسعهم تسجيله.

يُشار إلى أن وزراء أفادوا في فبراير (شباط) الماضي، أن اللقاح سيتوفر لأي راغب في تلقيه "بصرف النظر عما إذا مقيماً بصفة شرعية". بيد أن النتائج التي توصلنا إليها تفيد بأنه بالنظر إلى وجود ما قد يصل إلى  1.2 مليون مهاجر لا يحملون وثائق ثبوتية في المملكة المتحدة، يغدو متعذراً على مئات آلاف الأشخاص تسجيل أنفسهم لدى أطباء عامين،  بالتالي لا يمكنهم أن يأخذوا اللقاح، ما يجعلهم معرضين أكثر من غيرهم للإصابة بفيروس "كوفيد"، وكذلك معاناة التداعيات الأوسع نطاقاً المتأتية من فيروس كورونا.

 في ذلك الصدد، ذكر خبراء أن الأمر ينطوي على المجازفة بتقويض عملية التلقيح. واعتبروا أن "حواجز مؤسساتية وبنيوية" تقف في وجه الرعاية الصحية، وقد فرضتها سياسات "البيئة المعادية" المُصَممة بهدف منع حصول المهاجرين غير الشرعيين على الخدمات، ما يجعلها مسؤولة عن التقويض المحتمل لعملية التلقيح.

 تواصلت "اندبندنت" مع امرأة في وضع هش وغير آمن [في ضوء قوانين الهجرة البريطانية]، وهي عاملة منزلية يشتبه في أنها ضحية للعبودية الحديثة. وقد نقلت إلى "اندبندنت" أن عيادات أطباء عامين رفضت طلب تسجيلها ثلاث مرات منذ مارس (آذار) الماضي، لأنها لم تستطع إبراز الوثائق المطلوبة.

 ووفق تلك المرأة، " شعرتُ بمزيد من الخوف في كل مرة رفضوني فيها مطالبين بإبراز الوثائق". وأضافت، "حاولت أن اشرح لهم أنني أحتاج إلى أن أُسجل لديهم كي أستطيع الحصول على اللقاح، بيد أنهم أصروا على أن ذلك غير ممكن".

 ثمة أسباب عدة تفسر لماذا قد ينتهي الأمر بمهاجرين يعيشون وضعية غير آمنة، إلى عدم الحصول على هوية أو وثائق تثبت عنوان إقامتهم، فلربما أضاعوا تلك الوثائق خلال رحلتهم إلى المملكة المتحدة، أو قد تكون قد سرقت منهم في إطار الإساءات التي استهدفتهم منذ وصولهم إلى هذه البلاد.

 يُحظر على المهاجرين ممن لا يحملون الوثائق ذات العلاقة، فتح حسابات مصرفية، واستئجار أماكن للإقامة، لذلك يُستبعد أن يكون بوسعهم تقديم كشوف حسابات مصرفية أو عقود إيجار.

 منبوذون من النظام

 خلُص تحقيقنا إلى أن عدداً من العيادات قدمت معلومات غير صحيحة إلى مرضى حاولوا التسجيل لديها، مع عدم امتلاكهم الوثائق والإثباتات المطلوبة. في هذا الإطار، أوضحت عيادة في مدينة "لوتون" لمُراجِع اتصل بها في محاولة تسجيل مريضة زائفة "أنها لن تتمكن من تلقي اللقاح حتى تحصل على رقم الـ"أن أتش أس" الخاص بها". في إطار مواز، ذكرت عيادة في برمنغهام أنه "لن يكون بوسعنا أن نعطيها اللقاح إذا لم تكن مقيمة بصورة مشروعة في المملكة المتحدة".

 ولدى الاتصال بعيادة في "كوفنتري" بهدف تسجيل المريضة الوهمية، جاء ردها على شكل سؤال "هل أفترض أنها لا تخطط للعودة إلى بلادها  في وقت وشيك؟"، ثم ذكرت أنه "ما لم نُنصح بخلاف ذلك، وهو أمر لم يحصل حتى الآن، فلن تكون هناك وسيلة لإعطائها اللقاح من دون رقم الـ"أن أتش أس" الخاص بها".

 وأشارت آنا ميلر، وهي رئيسة السياسات والدعم في فرع المملكة المتحدة لمنظمة "أطباء العالم" التي تعمل في ضمان حصول الأشخاص المقيمين بشكل غير قانوني على الرعاية الصحية اللازمة، إلى أن عملية التلقيح قد سلطت الضوء على مشكلات موجودة في النظام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 وأضافت، "إن ذلك يعبر عن تجربتنا اليومية، فبرنامج التلقيح لم يُظهر أن الناس لا يحصلون على الرعاية الأولية فحسب، بل برهن أيضاً على أن نظام الرعاية الصحية لا يشملهم على الإطلاق".

 وكذلك رأت ميلر أن عدم تلقيح الجزء الكبير من الأشخاص الذين لايملكون الوثائق المطلوبة، يمثل تهديداً صحياً لهؤلاء الناس، لاسيما أنهم غالباً ما يؤدون أعمالاً تعرضهم لمخالطة الآخرين، إضافة إلى كونه تهديداً للصحة العامة أيضاً.

 وزادت، "ينطوي ذلك الأمر على المجازفة بتقويض برنامج التلقيح  بكامله، وكذلك حمايتنا المشتركة من كوفيد والأنواع المتحورة منه".

 وفي ذلك الصدد، أشار بامبوس شارالمبوس، وهو وزير دولة لشؤون الهجرة في حكومة الظل، إلى أن حرمان أي شخص من اللقاح يشكل "خطأً" ترتكبه الحكومة، ودعا الوزراء المعنيين إلى "ضمان عدم استبعاد أي شخص" من التلقيح.

 وبالاستعادة، تمثل "لوتون" المنطقة التي أبدت عيادات الأطباء العامين فيها استعداداً أقل من كل عيادات المناطق الأخرى، لتسجيل شخص لا يملك الوثائق الضرورية، إذ رفضت كل عياداتها التي جرى الاتصال بها  أن تسجل لديها المريض الوهمي، (أي الذي أوحى المتصلون بالعيادات أنه موجود من دون أن يكون كذلك فعلياً). في المقابل، أبدت عيادات مانشستر الاستعداد الأكبر في تسجيل المرضى من غير أصحاب الوثائق، مع أن نسبة العيادات التي جرى التواصل معها كانت أقل من 50 في المئة من إجمالي عيادات تلك المنطقة.

 وقد سُئلت عيادات في 113 مكالمة إذا كان بوسعها اقتراح خيارات تلقيح بديلة للمريض الزائف. وأجاب ما يزيد على نصف هذه العيادات بأنها لا تعرف عن وجود خيارات بديلة، أو أفادت بأن المريض لن يكون مؤهلاً لتلقي اللقاح، إما لأنه لا يملك رقم الـ "أن أتش أس"، أو بسبب وضعية الهجرة الخاصة به.

حلول مختلطة وغير متوازنة

 واستطراداً، تمثل الخيار الآخر المتاح للمهاجرين غير الشرعيين في التوجه إلى مراكز التلقيح التي لا تتطلب مواعيد مسبقة، ولا يفترض بمن يراجعها أن يكون مسجلاً لدى طبيب عام، أو أن يبرز ما يثبت أن لديه مكان إقامة و له عنوان محدد. لكن، لا توجد مراكز كتلك في كل المناطق، لا سيما أن السلطات المحلية ليست ملزمة إنشاء فروع لها. وفي المقابل، يرى خبراء أن "الطبيعة المختلطة" في عمل هذه المراكز الذي يشبه الترقيع غير المتوازن، تعني أنها لا يمكن أن تمثل حلاً كاملاً.

 في هذا السياق، حاولت عاملة منزلية فليبينية تسكن في منزل مخدومها، وتعيش في المملكة المتحدة منذ 2018، أن تسجل نفسها عند طبيب عام للمرة الأولى في مارس الماضي. وباعتبار أن صلاحية التأشيرة الأولية لدخول العاملة التي سنطلق عليها اسم شام كي (نحمي خصوصيتها)، قد انتهت، فإن المرأة التي يبلغ عمرها 30 سنة، مقيمة بصورة غير قانونية.  وتذكر أن مخدومها السابق المسيء لايزال يحتفظ بجواز سفرها.

ووفق تلك العاملة الفليبينية، "أسافر يومياً من وإلى العمل. فكرتُ أنني حقاً في حاجة إلى التلقيح. فكرت أنني إذا أصبت بـ"كوفيد" فلن أستطيع العمل، وتوفير اللقمة لأسرتي التي تعيش في الوطن؟".

 وتذكر شام، أنها حين اتصلت بعيادة الطبيب العام، طُلب منها تقديم وثائق "بهدف إثبات أنها لم تكن مهاجرة غير شرعية". وعندما أوضحت لموظفة الاستقبال في العيادة أن جواز سفرها في حوزة رب عملها السابق المسيء، أجابتها الموظفة أن تسجيلها غير ممكن طالبة منها أن تعود حين يكون بوسعها إبراز بطاقة تُعرّف بهويتها.

 وأعادت شام الكرة مرتين، غير أنها تلقت الجواب نفسه في الحالتين. وفي نهاية المطاف، توجهت الشهر الماضي إلى مركز تلقيح في منطقة "تاور هاملتس" في شرق لندن، من النوع الذي لا يحتاج إلى موعد مسبق أو إبراز أي وثائق، علماً أنها قضت 3.30 ساعة في الطريق إليه.

 وبحسب العاملة الفليبينية "شعرت حقاً بالخوف، لكنني لم أشأ أن استسلم. كانت الرحلة طويلة، بيد أن ذاك شكل الخيار الوحيد المتاح لي".

 ويُذكر أن عيادة "تاور هاملتس" تطبق منذ 19 يونيو (حزيران) الماضي سياسة تمنع طرح أي سؤال على المراجعين. وكذلك من الملفت أنها استقبلت في يومها الأول حوالى 1000 شخص ممن قصدوها من مختلف أنحاء لندن وخارجها كي يتلقوا اللقاح.

 وفي ذلك الصدد، أفادت تريسي كانيل، الرئيسة التنفيذية في "مجموعة رعاية أطباء تاور هاملتس العامين" بأن 80 في المئة ممن أخذوا اللقاح في أول أيام عمل المركز، اختاروا عدم الإفصاح عن بياناتهم، ما يشير إلى أنهم كانوا على الأرجح مقيمين بشكل غير مشروع، ولا يحملون الوثائق ذات الصلة.

 وكذلك أشارت كانيل إلى أن "هؤلاء الأشخاص لا يريدون أن يلفتوا النظر إلى أنفسهم". وأضافت، "هذه مجموعة خفية لا نعرف عنها إلا أقل مما يجب. ويحتاج أعضاؤها إلى اللقاح كي يشعروا بالأمان، بيد أنهم يريدون أن يكونوا في أمان من نواح أخرى".

البيئة المعادية

 يذكر خبراء أن بعض العمال ممن لا يملكون الوثائق، صاروا ينفرون من اللقاح كله بسبب الخوف الذي يشعرون به جراء سياسة "البيئة المعادية" الحكومية، التي اشتملت على مجموعة الإجراءات التي دخلت حيز التنفيذ في 2012، من أجل منع  المهاجرين غير القانونيين من الحصول على الخدمات الأساسية.

 يضم أحد هذه الإجراءات مذكرة تفاهم بين "أن أتش أس" الرقمية  ووزارتي الصحة والداخلية، ما يعني إمكانية مشاركة بيانات المرضى وربما استعمالها أيضاً، بهدف التعرف على الأشخاص الذين ينبغي ترحيلهم. وقد توقف العمل بهذا الإجراء منذ 2018، غير أن الخوف منه لايزال سائداً.

 وعلى نحو مماثل، ترى الدكتورة ديبتي غورداساني، وهي عالمة أوبئة سريرية في "جامعة كوين ماري" في لندن أن هناك "حواجز مؤسساتية بنيوية واضحة" تعيق ضمان حصول الجميع على اللقاح، ويتمثل السبب في ذلك "إلى حد بعيد" بسياسة "البيئة المعادية".

 وفي وقت سابق أمام البرلمان، أكد ناظم الزهاوي، وزير اللقاحات، أنه بالنظر إلى كون اللقاح مجانياً بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعيشون في المملكة المتحدة، لا يحتاج المريض إلى إبراز دليل على حيازته عنواناً، أو على وجوده في البلاد بشكل مشروع.

 وفي حديث مع "اندبندنت"، ذكر متحدث باسم الحكومة في سياق رده  على التحقيق الذي أجريناه، أن اللقاحات "متوفرة لكل شخص بالغ يعيش في المملكة المتحدة". وأضاف أن الحكومة تعمل عن كثب مع الـ"أن أتش أس" والسلطات المحلية كي يجري الاتصال بكل الأشخاص، بمن فيهم المهاجرين غير المسجلين لدى طبيب عام، أو ربما لا يملكون رقم الـ"أن أتش أس"، سعياً إلى ضمان حصولهم على اللقاح.

 في سياق مُغاير، ذكرت الدكتورة غورداساني، أن ذلك (الكلام الذي أدلى به متحدث باسم الحكومة) ليس أكثر من "بيان فارغ"، معتبرة أن الحكومة لم تفعل سوى "القليل للغاية" في ضمان توفر اللقاح  للجميع. وأضافت، "إن الواقع على الأرض مختلف تماماً (عما ذكره ذلك الناطق)".  

© The Independent

المزيد من تحقيقات ومطولات