ملخص
الأوضاع الاقتصادية الهشة التي أفرزها الصراع الدائر بين طرفي الحرب، وحال العوز والفقر المدقعين اللذين يشكلان أعباء ثقيلة على الأسر منذ اندلاع هذا النزاع في ظل فقدان مصادر الدخل، قاد الطفلة أمل إلى الانتظام في سوق العمل وممارستها صناعة وبيع الشاي والقهوة بأدوات بسيطة بهدف الحصول على المال الذي يلبي حاجات أسرتها تحت نيران القصف والعمليات العسكرية المحتدمة في محاور إقليم كردفان.
أثارت واقعة الطفلة السودانية أمل التي لم يتجاوز عمرها الـ15 سنة، وتسكن قرية كايا الواقعة غرب مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان، ردود فعل واسعة في المجتمعات السودانية، إذ اعتقلها الجيش بتهمة التخابر مع قوات "الدعم السريع"، وقيدت ضدها دعوى قضائية تصل عقوبتها إلى الإعدام أو السجن المؤبد أو قضاء طفولتها خلف قضبان السجون.
وبحسب مصادر محلية فإن الأوضاع الاقتصادية الهشة التي أفرزها الصراع الدائر بين طرفي الحرب، وحال العوز والفقر المدقعين اللذين يشكلان أعباء ثقيلة على الأسر منذ اندلاع هذا النزاع في ظل فقدان مصادر الدخل، قاد الطفلة أمل إلى الانتظام في سوق العمل وممارستها صناعة وبيع الشاي والقهوة بأدوات بسيطة بهدف الحصول على المال الذي يلبي حاجات أسرتها تحت نيران القصف والعمليات العسكرية المحتدمة في محاور إقليم كردفان.
هذه القضية وجدت تفاعلاً كبيراً من ناشطين مؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب حقوقيين ظلوا يدافعون منذ بدء الحرب عن النساء والفتيات والأطفال الذين يتعرضون لانتهاك صارخ لحقوقهم من طرفي الحرب.
خطأ فادح
عثمان صالح محامي الطفلة أمل قال "تواجه هذه الطفلة تهمة التخابر لمصلحة قوات ’الدعم السريع‘، مما أدى إلى تقييد بلاغ ضدها تحت مواد قانونية خطرة، وهي المادة 50 من القانون الجنائي السوداني المتصلة بتهمة تقويض النظام الدستوري، وعقوبتها تصل إلى الإعدام أو السجن المؤبد، إلى جانب المادة 51 إثارة الحرب ضد الدولة وعقوبتها أيضاً الإعدام أو السجن المؤبد، والمادة 65 إنشاء وإدارة أو مساعدة جماعات إرهابية، إضافة إلى المادة 186 الجرائم ضد الإنسانية التي قد تصل عقوبتها إلى الإعدام".
وأضاف صالح "هناك خطأ قانوني وإجرائي في هذه القضية يتمثل في أن الطفل الذي لم يتجاوز الـ18 من عمره يفترض أن يحاكم بموجب مواد قانون الطفل لسنة 2010، وليس بموجب القانون الجنائي الذي لا يطبق على هذه الفئة العمرية".
واستطرد المحامي قوله "الشخص الذي يواجه تهماً مثل تقويض النظام الدستوري أو إثارة الحرب قد يتصور أن الطفلة قامت بعمل خطر، في حين أنها كانت تدير مقهى وتقدم خدمات الشاي والقهوة للزبائن، فضلاً عن أن الاتهام بني إثر تردد عناصر ’الدعم السريع‘ على المكان الذي تعمل فيه، وأن هذا التصرف يمثل خطأ إجرائياً يستوجب التصحيح".
وأشار صالح إلى أن "تجاهل قانون الطفل لم يكن الخطأ الوحيد، إذ كان يفترض أن يفتح البلاغ في وحدة حماية الأسرة والطفل كونها الجهة المتخصصة في التعامل مع الأطفال، أما استجوابها أمام وحدة أو عبر الخلية الأمنية فهو خطأ إجرائي فادح، لأن الخلية الأمنية لا تملك أي اختصاص في التحريات أو فتح البلاغات أو التعامل مع الأطفال".
ولفت محامي الطفلة إلى أنه "لا يوجد ما يسمى الخلية الأمنية كجهة متخصصة بهذه الإجراءات، وأن سلطة القبض والتحري من اختصاص الشرطة وتحت إشراف النيابة العامة بموجب قانون الإجراءات الجنائية لعام 1991، لا سيما أن أي جهات غير منصوص عليها في القانون بهذه الإجراءات تعتبر مخالفة للقانون والأوضاع الطبيعية، ويزداد الأمر تعقيداً عندما يتعلق بالأطفال"، منوهاً بأن الطفلة الآن محتجزة داخل سجن للنساء في مدينة الأبيض مع نساء كبيرات في السن، مما يعرضها لانتهاك صارخ لحقوقها.
معارك للبقاء
في السياق أوضحت الناشطة النسوية اعتماد الرشيد أن "الحرب أجبرت الأطفال على دخول سوق العمل، إذ إن موقعهم الطبيعي الالتحاق بمقاعد الدراسة، غير أن معاناة أسرهم المتفاقمة جعلتهم في مواجهة مسؤوليات فوق إرادتهم، مما قاد طفلة أن تكون ضحية تبادل التهم بين طرفي الحرب".
وأشارت الرشيد إلى أن "الطفلة كانت تمارس مهنتها في بيع الشاي والقهوة باستمرار، على رغم احتدام المواجهات بين الجيش و’الدعم السريع‘ في منطقتها، إذ إن وضع أسرتها لا يسمح لها بالتوقف، بيد أن مزاولتها المهنة في ظل الأوضاع التي يشهدها إقليم كردفان يعد مغامرة ومخاطرة تحاط بها، مما أدى إلى اعتقالها بواسطة الخلية الأمنية التابعة للجيش بحجة نقل معلومات لأفراد من ’الدعم السريع‘ كانوا يتناولون الشاي والقهوة في المقهى الذي تديره في نطاق نفوذ الأخيرة قبل أن يستعيد الجيش منطقتها من قبضة تلك القوات".
ومضت الناشطة النسوية قائلة "النساء والفتيات والطفلات طاولتهن انتهاكات جسيمة بسبب تمدد رقعة الصراع، بخاصة اللاتي لم يتمكن من النزوح وظللن عالقات يخضن معارك من أجل البقاء".
فقر مدقع
من جانبها، تقول الاختصاصية الاجتماعية ثريا إبراهيم إن "الظروف الاقتصادية والفقر الحاد دفع الأسر نحو ضرورة إيجاد مصادر دخل لتحقيق مكاسب من خلال أعمال هامشية، وهي في الأصل لا تدر أموالاً سوى القليل في حين لا تكفي لتلبية الحاجات المنزلية الملحة، لا سيما أن ممارسة النساء والفتيات والطفلات أعمالاً، بخاصة بيع الشاي والقهوة كانت الأكثر رواجاً أثناء الحرب تحت نيران القذائف، إذ وجدن أنفسهن من دون إرادتهن يعلن أسرهن".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضافت إبراهيم "هناك دراسة حديثة أكدت أن نحو 60 في المئة من العاملات في المقاهي هن فتيات دون سن 18 سنة، أجبرتهن أوضاعهن القاسية على العمل، إذ إن الأعراف الاجتماعية تعترف بعملهن، ولا يوجد ما يمنعهن من مزاولة أي نوع من المهن المشروعة، وفي الوقت نفسه يعتبر عمل الأطفال للجنسين من أخطر أشكال الاستغلال بخاصة أثناء النزاعات لكن شدة العوز أجبرتهم على خوض تجارب تفوق أعمارهم".
وأردفت المتحدثة "من المستغرب أن تتهم طفلة بالتعاون مع أحد طرفي الصراع ويتم احتجازها داخل السجون النسائية مع صاحبات سوابق، ولو ليوم واحد، إذ هناك أحداث وإصلاحيات خاصة بالأطفال، علاوة على أنها تعد بيئات غير ملائمة لنموها والتعلم الاجتماعي، مما يسهم في اكتساب سلوك مغاير لطبيعتها إذا ما جرى إدانتها، إضافة إلى نظرة المجتمع والوصمة التي تظل تلاحقها مدى الحياة، إذ يجعلها عرضة للتنمر والاستغلال والانتهاكات بسبب صغر عمرها". وزادت إبراهيم قولها "هناك تأثيرات نفسية طويلة المدى يصعب التخلص منها بسبب تعاملها مع نساء كبار في السن تفقد معه الإحساس بالطفولة، مما يسبب لها اضطرابات ما بعد الصدمة".
ونوهت الاختصاصية الاجتماعية بأن "الحرب اللعينة أدت إلى دفع الفتيات إلى الشارع لتخفيف الأعباء المادية لعائلاتهن، وفي الغالب ينتهي بهم الأمر لحال الطفلة أمل أو الزواج القسري أو العنف الجنسي، والخروج من هذه الأزمات يستوجب توفير مشاريع للأسر المتعففة التي تعولها النساء في مختلف أعمارهن تكون مدرة للدخل وتكفل لهم الحماية الأسرية".
تدني الحياة
وتشير تقارير رسمية إلى أن نسبة الفقر في السودان ارتفعت من 21 إلى 71 في المئة بسبب الحرب الحالية، في حين يعيش 23 مليون شخص تحت خط الفقر الذي يعرف بأنه أدنى مستوى من الدخل يكفي لتوفير حد من متطلبات الحياة من غذاء وكساء ومسكن، في وقت تسعى الدولة إلى خلق مشروعات إنتاجية لدعم الأسر المتعففة بعدما دمر النزاع سبل العيش في الريف والحضر، مما أدى إلى ممارستهم أعمالاً هامشية.
ولاحقاً أظهرت بيانات لمنظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة أن 86 في المئة من الأسر السودانية تعاني صعوبات في شراء حاجاتها الأساسية بسبب انخفاض الدخل وتصاعد مستويات التضخم الاقتصادي.