Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"شيطان" توفيق الحكيم يفر من بطش زوجة متسلطة

عرض مسرحي مصري يبحث عن مقاربة مختلفة للفن الكوميدي

مشهد من مسرحية "الشيطان في خطر" (الخدمة الإعلامية للمسرحية)

احتل الشيطان مكانة لافتة في أعمال عدة للكاتب المصري توفيق الحكيم، قصصية ومسرحية. وقد ظهر في أغلب هذه الأعمال بصورته التي نعرفها أو نتخيلها عنه، فهو مصدر الشر دائمًا، وتنحصر مهمته في تزيين الشر للبشر، والوسوسة لهم بارتكاب المعاصي، فما من عمل سيء يقوم به الإنسان إلا ويكون الشيطان هو المحرض عليه.

وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف حول هذه الرؤية التي تبناها الحكيم ، فقد اختلف أمرالشيطان، وإن نسبيًا، في نصه المسرحي القصير "الشيطان في خطر"، حيث أظهره، هذه المرة، في صورة المستجير بالإنسان لينقذه من خطر وجودي يتعرض له، جراء مايحدث في العالم من حوله، في مفارقة حرص عليها الكاتب لتأكيد رؤيته.

النص كتبه الحكيم في عام 1951، مستشعرًا قيام حرب عالمية ثالثة، تهدد بفناء الجنس البشري، لذلك يشعر الشيطان بالخطر. فوجوده مرتبط بوجود الإنسان الذي لو تعرض للفناء، فإن مهمة الشيطان ساعتها ستنتهي، وسيخلد في النار، بحسب التصورات الدينية.

يلجأ الشيطان إلى فيلسوف يطلب مساعدته بفكرة تمنع حدوث الحرب، بعد أن فشل في إقناع قادة العالم بخطورة الحرب الثالثة، التي يتوقع حدوثها، وتنذر بها الأحداث الجارية حوله. وفي مقابل تلك الفكرة يطلب الفيلسوف من الشيطان أن يوسوس لهؤلاء القادة باحترام أصحاب الرأي والفكر، وتقديرهم ماديًا، مثلما يقدرون مخترعي القنابل والأسلحة الفتاكة. وخلال المساومة تدخل زوجة الفيلسوف المتسلطة، وتوبخه على تركه المصباح مضاءً طوال الليل، وتبدأ في تعنيفه، وقلب مكتبه رأسًا على عقب، حتى أن الشيطان نفسه يصاب بالرعب، ويفر من المعركة.

تناول كوميدي

هذا النص عملت عليه المخرجة شيرهان قطب، الطالبة في الدراسات العليا في قسم الإخراج والتمثيل بالمعهد العالي للفنون المسرحية - مصر، في عرضها المسرحي الذي قدمته على مسرح المعهد، تحت إشراف علاء قوقة الأستاذ بالقسم. ومن هنا يكون الفيصل لكيفية التناول من خلال رؤيتها الإخراجية التي تبرز بواسطتها الخبرات التي اكتسبتها من دراستها.

وإذا كانت أغلب التفسيرات التي تناولت هذاالنص الذهني، كما أغلب نصوص الحكيم المسرحية، قد أرجعت الهدف منه إلى رغبة توفيق الحكيم في إدانة فكرة الحروب، والتأكيد أن الشيطان نفسه غير قادرعلى إقناع العالم بخطرها على الجنس البشري، وكذلك تأكيد ما يكابده الكتاب والمفكرون من متاعب نتيجة عدم تقدير جهودهم، بحيث يفضل قادة الدول مخترعي أسلحة الدمار عليهم، ويغدقون عليهم الأموال. وثمة إدانة كذلك لمستوى التفكيروالثقافة لدى هؤلاء القادة. وعرج على المرأة التي كان متهمًا دائمًا بعداوته لها، فأظهرها في هذه الصورة من التسلط. وذهبت شيرهان قطب في رؤيتها الإخراجية، إلى الجانب الكوميدي، الذي يميل إلى إدانة المرأة في تسلطها ورغبتها في السيطرة على مقدرات أمور زوجها والتحكم في تصرفاته، وقيادته إلى ماترغب هي فيه وليس هو، وتصويرها على أنها "المرأة التي غلبت الشيطان"، وهو عنوان إحدى قصص الحكيم التي تحولت إلى فيلم سينمائي.

أدوات المخرج

في مثل هذه العروض يكون الرهان على كيفية استخدام المخرج لأدواته، وقدرته على قيادة ممثليه، وتسكين كل منهم في دوره المناسب، وصياغة الفضاء المسرحي بما يخدم رؤيته، بغض النظر هنا عن قوة النص أو ضعفه، عن الاتفاق أو الاختلاف حول الفكرة نفسها. هي لعبة يمارسها المخرج لتقديم نفسه، لايحاسب فيها على الفكرة بقدر مايحاسب على كيفية تنفيذها. وحسنًا مافعلت باختيارها نصًا بسيطًا، يضم ثلاث شخصيات فقط، يمكن التعامل معها بشكل جيد.

اختارت المخرجة، وهي ممثلة موهوبة أيضًا، ثلاثة ممثلين، علاء هلال في دور الفيلسوف الذي أداه بطريقة بسيطة وهادئة، وشكل مقنع، وكريم عبدالعليم في دور الشيطان الذي اقتصد كثيرًا في فكرة التفاصيل الخاصة بالشيطان، ولم يلجأ إلى تجسيدة بالصورة النمطية المعتادة، وريهام عبدالرازق في دور الزوجة. وقد اعتمدت المخرجة على الأخيرة أكثر في توصيل رؤيتها، وهو اختيار ذكي، نظرًا لموهبة هذه الممثلة، التي لم تلعب دورًا كوميديًا من قبل لكنها هنا أدت الدور بشكل مختلف تمامًا، ولم تلجأ، هي الأخرى، إلى استعارة طريقة أداء أي من الممثلات اللاتي اشتهرن بأداء دور الزوجة المتسلطة في شكل كوميدي، حيث قدمت نفسها بطريقة تخصها، بعيدًا عن فكرة التقليد أو الاستعارة التي يستسهلها البعض. فقد اجتهدت في تقديم الشخصية التي تعد صلب هذا العرض، ومن دونها، أو من دون أداء جيد ومحسوب، يفقد العرض كثيرًا من حيويته، وأهدافه، ولايعكس رؤية المخرجة بالشكل الذي سعت إليه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

اهتمت المخرجة أيضًا بضبط إيقاع العرض، الذي جاء في مشهد واحد خاطف، كوتر مشدود، بعيدًا عن إغراءات الكوميديا، التي يمكن أن تصيبه بالترهل. وتضافرت كل عناصر العرض لتشكل معًا، في النهاية، قوامًا متماسكًا، ولم يتحول العرض إلى مجرد "اسكتش" ضاحك، بحيث حرصت على أن يأتي عرضها على قدر من العمق، والاحترافية، والاقتصاد في كل شيء، من خلال الحركة المنضبطة، وخطوطها المعتنى برسمها، والإضاءة التي صممها محمد طايع. وجاءت بمنطق اللعب، ومن الحس الكوميدي نفسه الذي اعتمده العرض. وكذلك الديكور الذي صممه هادي جمال، وهو عبارة عن حجرة مكتب الفيلسوف، جاء تصميمها بشكل بسيط ومبهج من دون إسراف في التفاصيل أو إضفاء أي لمسات لمجرد الاستعراض. وفي الخط نفسه سارت الموسيقى التي وضعها فادي سمير، وتماست مع لحظات التوتر، والدهشة، والترقب، والكوميديا. وشكلت هذه العناصر معًا قوام عرض مسرحي، يبدو خفيفًا وبسيطًا، وإن عكس قدرات مخرجته وفهمها لطبيعة عملها.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة