Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصناعات التقليدية... من الازدهار إلى الاندثار

4 تحديات تواجهها المهن اليدوية في العالم العربي: كورونا والتكنولوجيا واختفاء العمال المهرة والمنتجات المقلدة المستوردة

الصناعات التقليدية هي مكون من مكونات الحضارة التي ينتمي إليها هذا البلد أو ذاك. فالحضارة الطينية، على سبيل المثال، أنتجت المصنوعات الفخارية. والحضارات التي نشأت في بيئة جبلية، اغتنت بالمنحوتات الحجرية والخشبية، سواء للاستخدام اليومي أو الزينة، والحضارات الساحلية استمدت صناعاتها من حاجتها لعبور البحار.

ولهذا دخلت تلك الصناعات، أو الحرف، أو المهارات اليدوية، في باب التراث، لكنها أيضا، كانت ولا زالت تمثل جانبا محل اعتبار في الدورة الاقتصادية لهذا البلد أو ذاك.

غير أن هذه الصناعات اليوم تكافح على أكثر من جبهة، أولها جبهة الركود والكساد الاقتصادي التي سببتها جائحة كورونا، وثانيها انصراف الناس عنها إلى ما وفرته التكنولوجيات الحديثة من بدائل، وثالثها تخلي أكثر العاملين في هذا القطاع عن مهنهم التقليدية بحثا عن مصادر للرزق أوفر وأيسر، ورابعها توفر منتجات مقلدة لأكثر الأدوات "خصوصية" و"وطنية" و"تراثية" من لدن مصانع تمتد من سنغافورة إلى الصين...

عن واقع هذه الصناعات تستطلع "اندبندنت عربية" آراء المعنيين بها في كل من: السعودية، ومصر، ولبنان، وفلسطين، والمغرب، والجزائر، واليمن...   

المقار الحكومية السعودية الزبون الأول للمشغولات التراثية في البلاد

لأهمية التراث، بذلت السعودية جهوداً للحفاظ على الحرف اليدوية، وركزت في رؤيتها 2030 على الأهمية الاستراتيجية للتراث الثقافي السعودي والإسلامي، فتعمل وزارة الثقافة متمثلة في هيئة التراث على تعزيز هذه الاستراتيجية من خلال تطوير الحرفيين والوصول بمنتجاتهم للعالمية.

وتشتهر كل منطقة فيها بحرف معينة تتابع على ممارستها الأجيال، بحسب توفر الخامات الأولية التي لها دور في توطين الحرف في المكان، فمثلاً تشتهر صناعة الخوصيات في مناطق زراعة النخيل، والحلي والمجوهرات في المناطق الساحلية، والعطور في المناطق الزراعية، وتتمثل أبرز الحرف التقليدية في السعودية في المشغولات الخشبية اليدوية والنخيلية والمعدنية والفخارية والجلدية والنسيج والحلي والمجوهرات والتجليد والتذهيب، وتتفرع منها مجالات حرفية مفصلة تصل في مجملها إلى 44 حرفة.

ولأن الحرف اليدوية تعد مشروعاً اقتصادياً وتنموياً ومصدر دخل لكثير من الأسر، قامت الرياض بتنظيم هذا القطاع بإصدار السجل الحرفي ومنصات تمكين الحرفيات والحرفيين لاستخراج تراخيص مزاولة الحرفة، من أجل الاستمرار في العمل وتبادل الخبرات فيما بينهم، وللاستفادة أيضاً من جوانب دعم تقدمها الحكومة لهم. ويصل عدد الحرفيين المسجلين في السجل الحرفي إلى 4415 ألف حرفية وحرفي سعوديين.

تطوير الحرفيين

تصدرت منطقة مكة المكرمة مناطق البلاد من حيث عدد الحرفيين المسجلين، إذ بلغ عددهم 915، ووصل عدد الحرفيين في المنطقة الشرقية إلى 696 حرفياً وحرفية، تليها العاصمة الرياض 566.

وأخذت هيئة التراث على عاتقها تطوير الحرفيين لمنافسة البضائع الحديثة محلياً وعالمياً، وذلك من خلال التعاون مع الجهات والمنظمات والأفراد ذوي الخبرة من مصممين وحرفيين عالميين، لجعل المنتجات الحرفية أكثر عصرية ومناسبة للاقتناء وملاءمةً لمتطلبات الحياة مع المحافظة على روح الأصالة. ولرفع جودة تلك المنتجات، وضعت هيئة التراث السعودية معايير ومقاييس عالمية للمنتجات الحرفية من خلال استخدام علامة هوية الحرف السعودية.

تأثر هذا القطاع بفعل كورونا

وكباقي القطاعات، تأثر الحرفيون من أزمة كورونا بعد توقف الفعاليات والمهرجانات التراثية، التي تعتبر المنفذ الرئيس لعرض منتجاتهم وتسويقها. وجاءت برامج دعم لهم من هيئة التراث، وذلك بتزيين المقار الحكومية وبعض المواقع التجارية والسياحية مثل الفنادق والمطاعم بقطع لحرفيات وحرفيين سعوديين، وكذلك اعتمدت الهدايا الحرفية للوفود الرسمية القادمة والجهات الحكومية والقطاع الخاص، وعملت على خطة من أجل تجهيز منافذ بيع المنتجات الحرفية في الأماكن السياحية كالفنادق والمواقع الأثرية والسياحية والمطارات.

وتحدثت الخزافة السعودية فاطمة حسنين عن أكبر مشكلة تواجه الحرفيين، وهي ضعف التسويق لمنتجاتهم وغياب برامج الهيئة عن الكثير منهم، فهم لا يعرفون عنها ولا تصلهم إلا بعد الانتهاء من الفعالية أو الدعم. وتذكر أن أزمة كورونا ما زالت تؤثر على عملهم، وأن الدعم المادي المقدم من الوزارة كان خلال فترة كورونا 1000 ريال (266 دولاراً).

وأوضحت الخزافة عن المنافسة الكبيرة من البضائع الحديثة للأعمال اليدوية، وذلك لرخص البضائع الحديثة، ولتوفرها بكثرة في السوق السعودية، لافتة إلى أن المجتمع السعودي بات يقدر أكثر من ذي قبل قيمة هذه الأعمال اليدوية.

 

 

جهود رسمية وشبابية تبعد خطر اندثار حرف مصر التراثية

على الرغم من الهجمة الشرسة للمنتجات الصينية الرخيصة والمبهرة الشكل، والهجرة الجماعية للجيلين الثاني والثالث من متدربي اليوم "أسطوات" الغد، وعلى الرغم مما ألمّ بقطاع السياحة من مآس متتالية على مدار عقد مضى، تظل الحرف التراثية التقليدية تجاهد وتناضل وتحارب من أجل البقاء على قيد الحياة في مصر.

في هذه البلاد، وتحديداً في المعاقل الرئيسة للحرف التقليدية، معالم الصراع جلية، لكن ملامح الإنقاذ أيضاً واضحة، من التطعيم بالصدف الذي يستهلك العيون ويختبر ثبات الأيدي على العلب والإطارات وقطع الأثاث الخشبي، تقابله الأوراق المطبوعة على شكل الصدف والمثبتة بعناية صينية فائقة، إلى منتجات الخوص المجدولة بالأيدي من قش الأرز، وجريد النخل على هيئة صحون وسلات وأسرة أطفال، والتي تجد نفسها في مواجهة مع مصانع بلاستيك تنتج أضعاف الكميات في ربع الوقت على شكل الخوص، والنقش على النحاس بحرفية كبيرة ودقة متناهية لتخرج لوحات وأطباق كل منها يمثل عملاً فنياً قائماً بذاته، تنافسه أطباق ولوحات تخرج من المصانع بالملايين بنقوش مطبوعة لا يفرق بينها وبين المرسوم باليد إلا خبير محنك وغيرها كثير من الحرف اليدوية المصرية التي تصارع من أجل البقاء على قيد الحياة.

صراع الواقع والمأمول

الحياة في مصر في عام 21 من الألفية الثالثة لا تعكس صراعاً بين القديم والجديد، أو تناقضاً بين الأصالة والمعاصرة، أو حرباً بين اليدوي والممكنن بقدر ما تعكس صراعاً وتناقضاً وحرباً بين الواقع والمأمول.

المأمول كان أن تمضي مصر قدماً في الحفاظ على عشرات الصناعات اليدوية التراثية المتميزة على الرغم من أنف هروب الأجيال الجديدة من "أسطوات" الصنعة إلى براح الـ"توك توك" وأعمال السمسرة، وعلى الرغم من القلاقل السياسية والأمنية التي أعقبت أحداث يناير (كانون الثاني) 2011 التي أثرت سلباً على قطاع السياحة، ووباء كورونا الذي أضاف مسماراً إضافياً في نعش الحرف، فإن جهوداً عديدة تبذل لمدها بأكسجين البقاء.

غرفة صناعة الحرف اليدوية التابعة لاتحاد الصناعات المصرية بدأت العمل الفعلي في عام 2017، هدفها الأوسع والأهم هو الحفاظ على التراث المصري المتمثل في الحرف اليدوية من خلال دعمه وتطويره والعمل على البعد الاجتماعي الذي يعد إحدى أكبر المشكلات التي تواجه هذا القطاع المهم.

حسين فخر (38 سنة) يعمل على "توك توك" منذ نحو خمس سنوات، قبلها ظل يجاهد للجمع بين حرفته الأصلية وهي النقش على النحاس التي تعلمها منذ كان في السابعة من عمره في ورشة في "خان الخليلي" وأتقنها على مدار سنوات عمره، وعمله على "توك توك" لأربع أو خمس ساعات يومياً تأميناً لدخل إضافي يمكنه من الإنفاق على بيته.

لكن الجمع بين العملين كان مستحيلاً، ويقول "النقش على النحاس يحتاج إلى الصبر والوقت الطويل والذهن الصافي واليد الثابتة، لكن للأسف، ظلت الصنعة تتعرض لضغوط عديدة، وأثرت منافسة الأطباق المطبوعة من الصين ثم الضربات المتواترة سلباً على السياحة، وعلى الرغم من حبي الشديد لهذه الصنعة التي أعشقها، فإنه لم يعد في الإمكان الاعتماد عليها كمصدر للرزق. حاولت أن أجمع بينها وبين العمل على توك توك، لكن لم أتمكن من ذلك".

مفاضلة صعبة

المفاضلة بين عملين أحدهما يدر ربحاً كبيراً، والآخر لا يدر إلا القليل جعل البعدين الاجتماعي والاقتصادي في الحرف اليدوية في مصر كلمة السر في إغراقها أو إنقاذها، عملية إنقاذ الصناعات والحرف اليدوية التراثية حظيت بدفعة قوية، واهتم بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

فعلى الرغم من وجود العديد من الكيانات المنشأة تحت مسمى حماية ودعم الصناعات التراثية، فإن التفعيل الحقيقي لا يأتي عادة إلا بدفعة رئاسية. في عام 2017 حظيت هذه الحرف والعاملون فيها بدفعة قوية حين وجه الرئيس المصري بتشكيل مجموعة من الشباب تتولى مهمة الاهتمام بهذه الصناعات في مختلف المحافظات، لا سيما وأن لكل محافظة مصرية صناعات يدوية تتميز بها، مهام هذه المجموعة تتراوح بين القيام بنقطة التواصل بين أصحاب الحرف والدولة لإقامة المعارض وتسويق المنتجات في داخل وخارج مصر، والتدريب وتذليل الصعوبات التي يواجهها أصحاب الحرف حتى لا يهجروها مع استقطاب الأجيال الجديدة لضمان بقاء الحرف نفسها على قيد الحياة.

"تراثنا" للإنقاذ

وخرج "تراثنا" إلى النور، وهو كيان دائم يحوي معرضاً سنوياً وموقعاً على الإنترنت فيه إمكانية الشراء "أون لاين" والتواصل مع المصنعين، إضافة إلى أنشطة وفعاليات لإحياء هذه الحرف ومساعدة صغار المصنعين بفتح منافذ تسويق جديدة لهم، وإتاحة فرص تدريب وتشجيع الشباب على الانضمام لورش التدريب المختلفة.

يشار إلى أن صندوق التنمية الثقافية التابع لوزارة الثقافة المصرية أطلق مبادرة "صنايعية مصر" قبل عامين، بهدف إعادة الحرف التقليدية والتراثية إلى دائرة الضوء والعمل على تأهيل جيل جديد من "الصنايعية".

المبادرة تحوي ورشاً تدريبية على أعمال قديمة، لا سيما الصدف و"الخيامية" والخزف والحلي التراثية، ويتم منح المتدربين شهادة معتمدة بعد فترة التدريب التي تمتد ثمانية أشهر بين مواد نظرية وعملية وتطبيقية.

ومعروف أن في مصر عشرات الحرف التراثية، كلها معرضة لدرجات متفاوتة من الاندثار، منها على سبيل المثال لا الحصر، "الخيامية" والفخار و"التلي" و"الكليم" والجلود والفضة والذهب والأخشاب والزجاج والمنسوجات الصوفية والحريرية و"البردي" والحديد والأختام والمقشات اليدوية وغيرها.

الـ"توك توك" تبتلع "صنايعية" مصر

الطريف أن البعض يتوقع أن يؤدي إعلان الحكومة المصرية عن خيارات محددة لأصحاب الـ"توك توك"، ومن ثم العاملين عليه ليختاروا إجبارياً بين الترخيص أو الإحلال بمركبات أخرى.

يشار إلى أن عدد مركبات الـ"توك توك" المرخصة بحسب وزارة التنمية المحلية يبلغ 255 ألف مركبة، في حين لا تقل أعدادها الفعلية عن ثلاثة ملايين مركبة ترتع في أرجاء مصر من دون ضابط أو رابط أو رادع.

ولم تساهم منظومة الـ"توك توك" فقط في ضرب قواعد السير في مقتل ولكنها متهمة بتحقيق الربح الكبير والسريع من دون تكبد عناء الضرائب أو الترخيص، وهو ما أسهم بشكل كبير في ابتلاع "صنايعية مصر" القدامى والقادمين.

 

 

إقبال على المهن التقليدية بعد الأزمة اللبنانية

فرضت الأزمة الاقتصادية القاسية على لبنان، العودة إلى المهن التقليدية بحيث استطاعت هذه المهن أن تحقق نموّاً كبيراً في الأعمال ومن ضمنها برزت مهنة الخياط، السكافي، صناعات الشمع والصابون والصناعات الغذائية المنزلية، إضافة إلى بعض الأعمال الحرفيّة التي أصبحت ضرورة لتحل بديلاً عن السلع المستوردة الباهظة التكلفة جراء الوضع الاقتصادي والمالي الخانق. وفي الأسواق الداخلية للعاصمة بيروت، الإقبال على المهن التقليدية الفردية لم يعد يفرّق بين غني وفقير.

صناعة الشّمع

اتقن جميل صاحب معمل "شموع عفيف" أصول مهنة الشمع من والده الذي بدأ بصناعتها يدوياً بواسطة القوالب الألمنيوم أو النحاس، وكان كل أفراد أسرته صغاراً وكباراً يتعاونون على العمل لأنه مصدر عيشهم. وبعد أن أصبح شاباً قرر تطوير هذه المهنة من خلال شرائه الماكينات الحديثة من ألمانيا وجلبها إلى معمله الصغير في بيروت.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقول جميل "هذه الصّناعة لا تُبطل بل تتطور لأن الشمع غير حاجته للإضاءة يتميّز بأشياء روحانية نابعة من تقاليد دينية تجلب البركة. عدا عن ذلك، فهو أيضاً مرتبط بالأجواء الرومانسية الجميلة. وأحياناً يُستخدم الشمع الذي يحتوي على عطور مختلفة في المطابخ والمطاعم والحمامات وغيرها من الأماكن المغلقة".

أما بالنسبة لأزمة الكهرباء، يوضح "عدنا للعصور القديمة والأيام السابقة التي مرّ فيها لبنان بأسوأ ظروفه وتلك التي تُذكّرنا بأيام الحرب جرّاء انقطاع الكهرباء المتواصل وزيادة التّقنين"، مشيراً إلى أنه "قبل الأزمة وبعدها هناك مناطق لبنانية لا تصل إليها الكهرباء مثل طرابلس في شمال لبنان، وجراء ارتفاع الأسعار لم يعد هناك طلب عليها كما في السابق خصوصاً مع تدني القدرة الشرائية لدى التجار"، لافتاً أن "سعر الشمعة كان يبلغ 250 ليرة لبنانية إلا أنه مع ارتفاع الأسعار بالدولار وكلفة الشحن الباهظة وخصوصاً أن لبنان يستورد الشمع، تجاوز سعر الشمعة منذ عام 2021 إلى الدولار".

يُذكر أن المواد المستخدمة في صناعة الشمع تعتمد بشكل أساسي على مادّة البترول التي تستورد من الخارج. بالتالي، يوضح جميل أنه "قديماً كانت المواد الأوليّة لصناعة الشموع هي الشّحوم الحيوانية ولكن في أوائل القرن العشرين ومع النّهضة البترولية أصبحت الشموع تصنّع من مادة البترول عبر تذويبها في قوالب الشمع المختلفة الأشكال".

صناعة الصّابون

يعمل جميل أيضاً في صناعة الصابون السائل والصلب لتلبية حاجات عائلته خصوصاً بعد ارتفاع الأسعار وازدياد كلفة المعيشة. وتتم صناعة الصابون الصلب من الزيوت الطبيعية والصناعية ومن ثم تذويبها مع مواد كيماوية لتصبح في ما بعد جاهزة للاستعمال. وبالنسبة للصابون السائل يضيف إليه العطور المركّزة ومواد لترطيب اليدين والبشرة. ومن ثمّ يضعها في محله التجاري الصغير ليبيعها للزبائن "ولو بسعر الكلفة" لتسهيل المعيشة على المواطنين الذين يبحثون عن البديل.

الإسكافي

أما بالنّسبة لمهنة "الإسكافي" أو "الكندرجي" فقد بدأت تزول في السنوات الأخيرة من القرن الماضي مع وجود المعامل الكبرى والأحذية المستوردة من الخارج. إلا أنها عادت وبقوة جرّاء الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة.

محمد حريدلي، صاحب محل "مركز التصليح الحديث" في بيروت، يؤكد أن هذه المصلحة لها عائدات مفيدة ولكنها فرقت مع ارتفاع الأسعار. ويقول "لم تعد الناس قادرة اليوم على شراء الأحذية ولا حتى تصليحها مع وصول الليرة مقابل الدولار إلى 18500 ليرة، فعلى الرغم من أن إنتاجية العمل ازدادت إلا أنها لم تعد كافية مع ازدياد كلفة المحروقات والتنقل ومشكلة الكهرباء، إذ بات اشتراك المولّدات مكلفاً".

 

ويضيف "أنتظر الفرصة المناسبة لكي أهاجر من هذا البلد إلى فرنسا حيث لا تزال هذه المهنة مقدّرة خصوصاً أنه لديّ عدّة مكنات حديثة ذات صناعة إيطالية تمكنني من تسهيل عملي بشكل حرفي ومتقن ومتطور". ومن ضمن الأشياء الأخرى التي يعمل عليها حريدلي، صبغ كافة أنواع الجلود من الحقائب إلى الأحذية إلى الأحزمة وغيرها من الأمور ليعيدها كما وكأنّها جديدة.

الخياطة

في المقلب الآخر، انتعشت مهنة الخياطة مع ارتفاع أسعار الملابس في المحلات التجارية الكبيرة التي أقفل بعضها أبوابه جراء الأزمة بحيث لم تعد شريحة كبيرة من المواطنين قادرة على شراء الألبسة التي باتت تعدّ من "الكماليّات" والتي باتت تذكّر بشيء من الرفاهية، إذ بات هم المواطن اليوم تأمين أبسط حقوقه من الغذاء، خصوصاً مع رفع الدعم عن مشتقات القمح والحليب. ويقول بلال، صاحب معمل للخياطة في بيروت "في السابق، كانت ترمي الناس ملابسها الممزقة أو القديمة أما اليوم يحاول الغني كما الفقير أن يصلّح ملابسه بدلاً من أن يرميها"، مشيراً إلى أن "العمل والإنتاجية ازدادت مع ارتفاع حدّة الأزمة". أما بالنسبة للأسعار، يشير بلال إلى أنه "ارتفعت مع ازدياد التكلفة، وتغير سعر الصرف في السوق السوداء".

ويضيف "من أجل تسهيل الحياة على الزبائن، أطلب منهم أن يجلبوا معهم المواد الأساسية مثل الأزرار والخيط وسحاب البنطلون وغيرها من الأمور". أما بالنسبة للإنتاجية، يشير بلال إلى أن "هناك فوق المئة شخص يأتون إلى المحال يومياً إلا أنه مع أزمة الكهرباء وتقنين المولدات وارتفاع أسعار الاشتراك زاد مصروفنا أكثر وبتنا نتأخر في تلبية حاجات الزبائن". 

وتتنوع مهنة الخياطة هذه لتشمل الترقيع وتضييق الألبسة وفساتين السهرة وغيرها. أما بالنسبة لحرفة "الرتي" فأسعارها مرتفعة أكثر لأنها تحتاج لخياطين محترفين يتمتعون بالدقة والانتباه للتفاصيل الصغيرة.

 

 

الحرف اليدوية الفلسطينية تواجه الصناعات المقلدة

"أنا لا أعرف القراءة والكتابة، ولكنني ماهر في حفر ما يكتبه الزبائن على خشب الزيتون، وقد تعلمت هذه المهنة منذ طفولتي"، يقول الستيني موسى شعيبات الذي يجلس بشكل شبه يومي على زاوية أحد الأرصفة في مدينة رام الله، واضعاً عربته الصغيرة وعدته البسيطة للنحت والحفر والكتابة على الخشب أمامه، ممضياً وقته في حفر أسماء زبائنه السياح على خريطة فلسطين، أو أنصاف قلوب للمحبين، وغيرها من الأشكال المصنوعة من خشب الزيتون.

تعلم شعيبات حرفته هذه في بيت ساحور في محافظة بيت لحم، وجاب كثيراً من المعارض في فلسطين ومختلف دول العالم، عارضاً مهاراته الفنية، ومتحدثاً عن صناعة الخشب الفلسطينية، وفي وجوده على جانب الرصيف يشكل وجهة لمن يريد التقاط الصور، وشراء تذكارات صغيرة من خشب زيتون.

أما ميخائيل أبو سعدة، وهو أيضاً من بيت ساحور، ويعمل في صناعة التحف الخشبية منذ 20 عاماً، تنقل بين عديد من الورشات في بيت لحم، وانتهى به الأمر في ورشة صغيرة يتجاوز عمرها مئة سنة، قرب مغارة الحليب المجاورة لكنيسة المهد، ويجلس فيها خلف آلة لتخريم الخشب، خلال إعداد هدايا عيد الميلاد التي تصدر وتباع للسياح والحجاج القادمين إلى كنيسة المهد في أواخر كل عام.

وتعد حرفة الخشب من الصناعات القديمة في فلسطين، وتعود إلى ما قبل 500 عام، إذ كانت آنذاك على شكل مسابح من بذور الزيتون، ولاحقاً تطورت إلى تحف خشبية.

حرفة الزجاج متوارثة منذ مئات السنين 

أما الحرفة التقليدية الأخرى التي تشتهر بها فلسطين وتضررت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، فهي صناعة الزجاج الصافي والملون والخزف والسيراميك، وهي منتشرة بشكل أساسي في محافظة الخليل، إذ يمكنك كزائر أن ترى كيف يجلس العمال أمام أفران تعمل بحرارة مرتفعة جداً وينفخون ويشكلون قطع الزجاج المختلفة.

 ويقول حمدي النتشة، وهو صاحب مصنع للخزف والزجاج على مدخل مدينة الخليل، إن هذه حرفة متوارثة لعائلته منذ أكثر من 150 عاماً، وبدأت بإسوارات العرائس الزجاجية الملونة، وكاسات سحب الدم، بالاعتماد على أفران الحطب.

ويوضح النتشة، أن العائلة افتتحت أبواب مصنعها الصغير الأول في حارة القزازين في البلدة القديمة في الخليل، التي سميت بهذا الاسم بسبب وجود 14 مصنع زجاج يدوي في الماضي، ومن ثم لاحقاً خلال السبعينيات تناقصت أعداد العاملين في هذه المهنة، وأغلقت بعض المصانع أبوابها، فيما نقلت عائلته مصلحتها إلى مدخل المدينة.

ومع تطور التكنولوجيا ووصول الكهرباء لمناطق عديدة، بدأ الاعتماد على الطاقة الكهربائية في الإنتاج بخاصة في التبريد والتلوين، ما جعل العمل مستمراً طوال السنة، بعد أن كان مقتصراً فقط على شهرين أو ثلاثة، إضافة إلى إدخال ألوان متعددة أبرزها لون الزجاج الفينيقي، وصناعة قطع جديدة كالمزهريات والأباريق الزجاجية والكؤوس والمسابح وتعليقات الأضواء والشمع، وإدخال السيراميك والخزف الملون والمزخرف بنقوش فلسطينية أو إسلامية، أو صور ورموز تعكس الحضارة الفلسطينية كالزيتون والمسجد الأقصى وقبة الصخرة، أو علم فلسطين وأسماء بعض المدن الرئيسة.

كورونا أضعفت الحرف اليدوية السياحية

بالنسبة إلى أبو سعدة والنتشة، فإن محالهم في فترات الصيف عادة ما تعج بالزوار، ولكن السياح لم يأتوا إلى المنطقة منذ عام ونصف العام تقريباً، إثر انتشار فيروس كورونا في فلسطين، ما أثر بشكل كبير على الصناعات التقليدية كخشب الزيتون والزجاج، لأن هذه الحرف بشكل أساسي تعتمد على وجود الزوار، ومع غيابهم اضطر أصحاب بعض الورش إلى الإغلاق وتسريح العمال، أو تقليل ساعات وأيام العمل وعدد الموظفين، وخفض الإنتاج، ما يعني خسارة هذا القطاع لعديد من المهرة الذين توجهوا للعمل في حرف أخرى أو إلى إسرائيل.

"الحرفة باقية لأن الجودة عالية"

أما عن مستقبل هذه الحرف في مواجهة الصناعات المقلدة، فيقول أبو سعدة، إن ظهور تقنية الليزر أثر على حفر الخشب التقليدي، ولكن السياح عادة ما يميزون بين الخشب الأصلي والمقلد، ويختارونه، وهذا ما يبقي مهنتهم على قيد الحياة، أما النتشة، فيرى أن البضائع المقلدة أو المستوردة لا تؤثر بشكل كبير على الزجاج، لأن الجودة مختلفة، ولكن التحدي الرئيس هو الوصول للأسواق الخارجية أو حتى إسرائيل، نتيجة كثير من المعيقات والصعوبات.

حرف يدوية كثيرة في فلسطين

هناك كثير من الحرف اليدوية والصناعات المنتشرة في فلسطين، التي تشكل مصدر رزق لعديد من الفئات، كالتطريز وصناعة الصابون، وسلال القش، والفخار، والشمع، والصدف، والبسط اليدوية وغيرها، التي يواجه بعضها خطر الاندثار نتيجة تطور التكنولوجيا وانخفاض أسعار البضائع المقلدة المنافسة القادمة إما من مصانع محلية أو مستوردة من الخارج، وعدم القدرة على المنافسة والوصول إلى الأسواق العالمية أو حتى إلى السوق الفلسطينية، وعدم توفر المواد الخام اللازمة دائماً أو ارتفاع أسعارها.

 

 

الكساد يهدد الصناعة التقليدية في المغرب

تعرف الصناعة التقليدية في المغرب في الأعوام الأخيرة، تراجعاً ملحوظاً من حيث الإقبال على منتجاتها، فيشتكي عدد من الصانعين من حالة ركود، زادت حدتها تداعيات جائحة كورونا، إذ أدى الإغلاق الذي فرضته السلطات خلال عام 2020، بهدف وقف انتشار الفيروس، إلى توقف النشاط السياحي الذي يشكل الداعم الأساسي لسوق الصناعة التقليدية. وتراجع حجم صادرات القطاع خلال عام 2020  بنسبة 12.4 في المئة مقارنةً بعام 2019.
ففي الوقت الذي يشهد بعض المنتجات التقليدية إقبالاً موسمياً، تشكو أخرى من كساد مطبق، إضافة إلى المنافسة المحتدمة من السلع المقلدة الآتية من الخارج التي تغزو الأسواق.

حالة كساد

ويشتكي الصانعون التقليديون من تراجع الإقبال على منتجاتهم التي تتطلب جهداً وتركيزاً كبيرين. ويؤكد محمد الخليفي وهو أحد المكلفين تسيير "بازار" في العاصمة الرباط، التراجع الكبير في مجال الصناعة التقليدية على مستوى المبيعات، مشيراً إلى أن "الصنّاع يتكبدون عناءً كبيراً في إنتاج تحف فريدة لكنها تبقى مكدسة في محال العرض". ويعتبر أن "تداعيات الجائحة زادت من سوء الوضع وأصبح العاملون في القطاع يعيشون أزمة خانقة إثر تكدس الضرائب وأقساط القروض".

ويأمل في انتعاش القطاع إثر تخفيف المغرب الإجراءات الاحترازية لمواجهة الجائحة، خصوصاً بعد فتح المجال أمام دخول المهاجرين المغاربة خلال عطلة الصيف، معتبراً أن "هؤلاء إضافة إلى السياح الأجانب يُقبلون بشكل كبير على اقتناء منتجات الصناعة التقليدية".
من جانبه، يوضح زكريا، وهو صاحب محل لبيع الأزياء التقليدية في الرباط، أن "الوضع مقلق كون الإقبال على تلك الأزياء يظل موسمياً، في الأعياد والأفراح، بالتالي يطبع الكساد بقية فترات العام"، متوقعاً أن "يتطلّب تجاوز تأثير الجائحة في القطاع أعواماً".
ويرى صالح، صاحب أحد البازارات في العاصمة المغربية، أن "الأثرياء هم مَن ظلوا يُقبلون على منتجات الصناعة التقليدية، باعتبار أن تقلّص القدرة الشرائية عند السواد الأعظم من المغاربة، الذي زادت من حدته تداعيات جائحة كورونا، لا يسمح باقتناء الكثير من تحف تلك الصناعة التي تُعرض بأثمان باهظة".
في السياق ذاته، شددت أستاذة العلوم الاقتصادية والقانونية المغربية سهام إخميم، على "الدور المهم الذي يضطلع به قطاع الصناعة التقليدية في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بالبلاد"، مشيرةً إلى أن "من شأن تطوير قطاع الصناعة التقليدية، عبر التركيز بشكل أكبر على الجانب الاجتماعي، أن يساعد على دمج الأشخاص الأكثر تضرراً لتمكينهم من الحصول على دخل ثابت، من خلال إنشاء تعاونيات تلبّي حاجاتهم".

 

وللمساعدة في الخروج من الأزمة، تشجع إخميم على إنشاء التعاونيات لأن إدارتها تتميز بالمرونة وتقوم على التشارك وتبادل الخبرات بين أعضائها.

منافسة خارجية

يشتكي قطاع الصناعة التقليدية في المغرب من منافسة حادة بوجود منتجات أجنبية، تحديداً الصينية منها التي تعتمد على التقليد وتُعرض بأسعار زهيدة جداً، بالتالي يفضل بعض المغاربة من ذوي الدخل المحدود إقتناءها بدل المنتجات المحلية التي تُعرض بثمن أكبر.
وصرحت وزيرة السياحة والصناعة التقليدية نادية فتاح العلوي أن "مجال الصناعة التقليدية يعرف منافسة من المنتوجات المستورَدة"، مشيرةً إلى أن "المغرب يشهد إطلاق ورَش عدة تنموية للحفاظ على المنتج الوطني وتطويره، وتتمحور حول توسيع حقل الانفتاح على مجالات البحث العلمي والتنمية، ووضع مجموعة من المواصفات وتبنّيها في عدد من فروع الصناعة التقليدية، التي فاق عددها الـ 300، من بينها 13 إجبارية التطبيق، تتعلق بالصحة والسلامة وحماية المستهلك وتشجيع استهلاك المنتَج الوطني".

خطر الانقراض

على الرغم مما سبق، يتجه بعض الحرف التقليدية إلى الانقراض، إذ لم يعُد يعمل بها إلا عدداً ضئيلاً جداً من الصناع. وتقول وزارة السياحة والصناعة التقليدية المغربية إن "مجموعة من حرف الصناعة التقلیدیة معرّضة للزوال، سواء لأسباب طبیعیة ترتبط بالمواد الأولیة، أو بشریة تتعلق بالتقلص الكبیر في عدد الصنّاع المهرة الحاملین للمعارف والخبرات والتقنیات المرتبطة بهذه الحرف، أو لعدم توافر تكوین ملائم من شأنه ضمان استمراریة هذا التراث وتناقله بین الأجیال"، ولذلك فهي تولي عنایة خاصة لبرنامج المحافظة على حرف الصناعة التقلیدیة ذات الحمولة الثقافیة، وعلى المعارف والمهارات المرتبطة بها.

وتعتمد الوزارة في هذا البرنامج ثلاثة محاور أساسیة، هي المحافظة على هذه الفنون عبر التوثیق والتوصیف الدقیق للمعارف والتقنیات، وضمان توارثها عبر الأجیال من خلال التكوین، وتثمينها عبر عملیة مندمجة للإنعاش، بحیث أثمر هذا البرنامج بفضل التعاون بين المعنيين، نتائج ملموسة ومشجعة، تمثلت في وضع المنهجية الملائمة والمقاربة العلمیة المناسبة للإبقاء على هذا الموروث مع الأخذ في الاعتبار أهمية المحافظة على البیئة والتنمیة المستدامة.

صنعاء أصلها صنعة

منذ آلاف السنين لا يزال اليمن شاهداً على ازدهار الصناعات اليدوية التقليدية، فتميزت بتعددها من منطقة إلى أخرى، لتحظى بإعجاب السياح الأجانب، حيث تتصدر الأسواق الشعبية التي توجد بها هذه الصناعات المرتبة الثانية بعد المناطق الأثرية، ويغادر السياح في الغالب وقد أخذوا ما يحلو لهم منها. هذا ما كان عليه الحال قبل أن تضرب الحرب أرجاء اليمن، لتلقي بأثرها الكارثي على الصناعات الحرفية التقليدية.

 

 

بحسب بعض الروايات التاريخية، سميت صنعاء بهذا الاسم لاشتهارها بالصناعات المختلفة، بينها الصناعات التقليدية في كل المناطق ابتداء من الفخار والأواني المنزلية وخزانات المياه المصنوعة من الطوب كثلاجات لتبريد المياه وحفظها، وكذلك حياكة المعاوز بأنواعها وصناعة الحصير من سعف النخيل في المناطق الحارة، والعسوَب (أغماد الخناجر اليمنية المعروفة بالجنابي) وملابس النساء، وكذلك صناعة الجنابي الثمينة المعروفة بمسمى (الصيفاني) والتي تصنع من قرن وحيد القرن.

الجنبية

وتمثل الجنبية الصيفاني أحد مظاهر التباهي والتراث الشعبي، ويحرص زعماء القبائل خصوصا في المناطق الجبلية على اقتنائها، وتتراوح أسعارها ما بين 3 آلاف إلى 30 ألف دولار.

وعلى مدى قرون مثّلت الجنبية رمزا للهوية اليمنية التي تُميز مواطنيها عن غيرهم، ويعبر شكل كل جنبية عن القبيلة التي ينتمي لها الشخص، فشكل جنبية مأرب والبيضاء والجوف وشبوة تختلف عن نظيرتها في صنعاء وعمران وذمار وحجة، إضافة إلى أن هناك تنوعاً في الجهاز أو العسيب (غمد الجنبية)، فهناك الحاشدي والبكيلي.

ومرّت الجنبية بعدة مراحل في اللبس أو الشكل، فقديما كانت توضع في يمين خاصرة الرجل، وحاليا تُلبس في الجزء الأمامي من الصدر، وهو تحول من استخداماتها كسلاح إلى أداة تقليدية للزينة حالياً، واليوم تواجه صناعة الجنابي والعسوب تحديا كبيراً بعد أن غزت "الصينية" منها الأسواق اليمنية وبأسعار متواضعة، حيث تباع كحد أعلى بـ 50 دولاراً وتصنع من البلاستيك.

الفضيات

تحظى أيضاً صناعة الفضيات في صنعاء بشهرة عالية لما لها من تعدد في فنون صياغتها وأشكالها الفريدة وتعكس حرفية أصيلة وجذوراً عريقة لليمن، ومن أهم الصناعات الفضة البوسانية وتنسب إلى الحرفي يحيي البوساني من يهود اليمن، ومن أهم الأنواع التي صاغها (الثومة) أو (التوزة) بطريقة معينة، التي كانت تصاغ على العسيب اليمني (الغمد) الذي توضع فيه الجنبية بشكل زخرفي جذاب، كذلك الصناعة الأكوعية نسبة إلى صاغه مشهورين من أسرة الأكوع تخصصوا في صياغة أغمده الجنابي.

وعلى الرغم من تميز الفضيات اليمنية إلا أن جانباً كبيراً منها تأثر بفعل عوامل كثيرة منها كما يقول فني صياغة الذهب والفضة محمد عادل العريفي، "ضعف تسويق المنتجات إضافة لغياب الأجانب الذين يبحثون عن الأعمال الحرفية القديمة، فضلاً عن تكدس الأسواق بالفضيات المستوردة الإيطالية والتركية والتايوانية والتايلاندية". وعن أسعار بعض الفضيات المستوردة يقول عادل، "إن الأحزمة أو طواقم الملبوسات أغلى من الأعمال الحرفية، بينما تنافس بعضها بسعر أقل كخواتم العقيق".

تحديات

 وعلى الرغم من أن اليمن اشتهر بالصناعات التقليدية، إلا أن هذا القطاع يعاني الاندثار والمنافسة الشديدة أمام البضائع المستوردة سواء كانت من الأقمشة أم من الأغراض التي يتم استخدامها في المنازل كالقمرية اليمنية التي تعاني الاندثار أيضاً في المباني والمدن الجديدة ليحل محلها الألومنيوم، بعد أن ظلت لعقود عدة رمزاً وانفراداً لفن العمارة اليمنية.

ومن الأسباب التي أدت إلى تراجع الطلب عن القمرية يقول مُلاك معارض وصناعة القمرية، "إن ارتفاع كلفتها جعل الناس تذهب لاستخدام قوالب جاهزة مع النوافذ من الألومنيوم خالية من أي تشكيل هندسي، وتعود أهمية القمرية إلى رمزيتها حيث تعتبر جزءاً من التميز الحضاري في الحضارات التي قامت في اليمن مثل سبأ وحمير".

 

 

"أوفياء الصنعة" في الجزائر يقاومون العصرنة

استطاع "أوفياء الصَنعة" كما يسميهم حِرفيون جزائريون، في المحافظة على الصناعات التقليدية والحيلولة دون اندثارها من خلال الاستمرار في اقتناء قطع من المخزون التراثي الذي تزخر به البلاد، كالفخار والنحاس والزرابي والحليّ، وغيرها من المصنوعات التي تحمل كثيراً من الرمزية التاريخية والثقافية.

شراء قطع تقليدية

ويقدر هؤلاء الذين لا يزالون يداومون على شراء قطع تقليدية، لتزيين منازلهم أو لاستعمالاتهم اليومية، أن الأشياء المصنوعة باليد لها طابع مميز، وذات قيمة كبيرة مقارنة بما هو موجود في السوق من سلع استهلاكية ومقلدة تفتقد في معظمها الجودة والأصالة، كما تقول السيدة نادية (55 سنة) لـ "اندبندنت عربية"، وتضيف، "أكل الكسكسي في صحن مصنوع من الفخار له نكهة خاصة، ولا يمكن مقارنته مع الأواني التي تباع في السوق، فهو يرمز للجماعة والبركة، والأصالة التي تخلت عائلات جزائرية كثيرة للأسف".

وتعتبر الجزائر من بين أشهر الدول في صناعة الفخار، إذ دعم اعتماد المطبخ الجزائري على الأواني الفخارية بشكل كبير، بقاء واستمرار هذه الصناعة في القرى والقبائل.

صناعة الفخار

ومادة الفخار الأساسية تعتبر الطينة الحمراء المادة الأساسية في صناعة الفخار، إضافة إلى بعض المواد الأخرى التي تجعل من الطينة مادة سهلة التشكيل، وقد يستخدم الفخار بلونه الطبيعي، وهو البني المائل إلى الأحمر، وقد تضاف بعض الصبغات والمواد الأخرى لتغيير اللون، أو توضع عليه بعض الرسومات للزينة، مثل الأزهار والأشكال الهندسيّة المختلفة.

ويمكن التأكيد أن الصناعات التقليدية في الجزائر تتنوع بحسب مناطقها الشاسعة، في وقت تزخر الصحراء الجزائرية بالحصة الكبرى من الصناعات التقليدية، لما تحتويه من معالم سياحية وأثرية تعود لعقود غابرة، تروي حضارات شعوب مروا من هناك.

الصناعات التقليدية

ولا تزال الرسوم المنقوشة على الصخور في عمق الصحراء، والتي تمتد إلى العصور البدائية الأولى، شاهدة على ذلك، حيث كان الإنسان يسكن الكهوف ويعتمد بشكل كلي على الصناعات التقليدية في كل ما يلبسه وما يفترشه وما يستخدمه من آلات وأدوات وما يحتاج إليه من أوان وأثاث منزلي.

ويسعى حرفيو الصحراء إلى التسويق لمنتوجاتهم في المدن الكبرى، كما يقول الصانع قويدر هشام أمين، المتخصص في مجال الكتابة على الفخار واللوحات، "نشارك في معارض عدة بالعاصمة والمدن الساحلية، وهدفنا التعريف بالصناعات التقليدية التي تزخر بها منطقة بشار جنوب الجزائر".

ويشكل موسم الصيف فرصة مؤاتية للحرفيين لعرض منتوجاتهم في المناطق الساحلية التي تسجل إقبالاً كبيراً للمواطنين، من أجل الرفع من نسبة المبيعات، لا سيما بالنسبة للقادمين من المدن المجاورة الذين يفضلون العودة إلى ديارهم بشراء قطع تذكارية.

كورونا

ويقول الصانع قويدر هشام أمين، "الإقبال على هذه الصناعات تراجع مع جائحة كورونا، إذ حال تعليق الرحلات الجوية دون قدوم المهاجرين الجزائريين في الخارج، وهم المعروفون باقتناء القطع التذكارية، وكذلك السياح الأجانب الشغوفون بكل ما له علاقة بالصحراء الجزائرية".

ويتوارث الأبناء في المناطق الصحراوية المهنة عن أجدادهم، ويقتصر العمل في الصناعة بالعادة على العائلة التي توارثت المهنة عن الأجداد وترفض التخلي عنها لما تمثله من قيمة، إذ تعتبر الصناعات التقليدية جزءاً من الهوية والشخصية الجزائرية.

صناعة الحلي

ولا تزخر الجزائر بنوع واحد من الصناعات التقليدية، فهي معروفة بصناعة الحليّ بشكل عام، والفضية بشكل خاص، لا سيما في منطقة القبائل، شرق الجزائر، وتعرف أيضاً بصناعة الجلود.

وفي حي "القصبة" العتيق، بالعاصمة، تقاوم صناعة النحاس، وهي حرفة متوارثة عن الأجداد، من أجل البقاء، بعدما كانت في السابق ركيزة أساسية، وتشترط العائلة على العروس أخذ قطع نحاسية إلى بيت زوجها مثل "السني"، وهي عبارة عن صينية توضع فوق أرجل خشبية لتشكل طاولة في المنزل، وكذلك "المحبس"، وهو عبارة عن إناء حديدي كبير توضع فيه الحلويات التقليدية مثل "المقروط" المصنوع من السميد الخشن، والزبد، ويُقدم بعد وضعه في العسل، وهو من أشهر الحلويات التقليدية في الجزائر.

ومن بين الأواني النحاسية التاريخية، نجد "البقراج"، وهو كناية عن إناء يستخدم لتقديم الشاي، ويعود ظهوره إلى الدولة العثمانية، كما يعدّ رمزاً لقواتها المسلحة، والجيش "الإنكشاري"، إذ إن "البقراج" كان يأخذ في شكله ما يرمز لرداء الجندي التركي، وفق ما تذهب إليه الروايات المتداولة.

تشجيع المنتوجات التقليدية

وتسعى الجزائر إلى تشجيع المنتوجات التقليدية، من خلال المعارض والبيع المباشر للحرفيين، وفق تصريحات إذاعية للمدير العام للصناعة التقليدية بوزارة السياحة، كمال الدين بوعام الذي كشف عن برمجة حوالى 75 تظاهرة و75 معرضاً للترويج للمنتوجات التقليدية بمشاركة 2700 حرفي إلى جانب 135 جمعية على مستوى الولايات الساحلية الـ 14.

 

 

ووفق المسؤول الجزائري، فإن "قطاع الصناعات التقليدية أسهم في إنشاء أكثر من مليون و90 ألف منصب عمل، وبحسب هذا الرقم، فإن هذا القطاع يعد مصدر رزق مهماً لنحو خمسة ملايين مواطن جزائري"، مشيراً إلى أن هناك 420 ألف حرفي ناشط في مجال الصناعات التقليدية.

لكن في الجهة المقابلة، يقول مهنيون إن مستقبل هذا القطاع ما زال ضبابياً بسبب غلاء المواد الأولية ونقص اليد العاملة المحترفة وضعف التشجيع والترويج من طرف الحكومة ممثلة في وزارتي السياحة والثقافة والقطاعات التي لها علاقة بهذه الصناعات، والتي تحتاج إلى رعاية خاصة واستراتيجية لتطويرها والحيلولة دون اندثارها.

ركود قطاع السياحة

ويعود السبب الأساس في عدم تطور قطاع الصناعات التقليدية في الجزائر إلى ركود قطاع السياحة، الذي لا يحظى بالأولوية من قبل الحكومة، على اعتبار أن الجزائر تعتمد على المحروقات (نفط وغاز) في تمويل الخزينة العمومية.

لكن، على الرغم من العراقيل التي تواجه الصناعات التقليدية، إلا أن أنامل الحرفيين لا تتوقف عن الإبداع، كما يقول الحرفي محمد عرباوي، "هذه المهنة هي قطعة من الروح ومصدر فخرنا بتاريخنا وهويتنا وأصالتنا ولا يمكن أن نتخلى عنها"، ويأمل كغيره من المهنيين في تسويق منتوجاتهم إلى خارج الوطن لأنها قطع تستحق أن ينبهر بها العالم.

المزيد من تحقيقات ومطولات