تعيش مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور السودانية، التي تشهد اشتباكات قبلية دامية مستمرة منذ أيام عدة، أوضاعاً إنسانية كارثية متفاقمة في ظل حالة الطوارئ وحظر التجوال المعلنة، وعدم توافر مياه الشرب، والكهرباء، والمواد الغذائية، والأدوية، إضافة الى صعوبة توفير الرعاية الصحية للجرحى، وعلى الرغم من بعض الهدوء الحذر الذي شهده وسط المدينة، منذ مساء الأربعاء، السابع من أبريل (نيسان)، فإن أعمال العنف والحرق والنهب ما زالت مستمرة في أطرافها الجنوبية الغربية.
وكشف أحدث الإحصاءات عن أرقام متزايدة للضحايا، بلغت أكثر من 132 قتيلاً و208 جرحى، وفقاً لوالي الولاية، ولجنة الأطباء، ومن بين الضحايا مدنيون، كما فقد مصابون حياتهم لعدم التمكن من نقلهم إلى مستشفيات الخرطوم لتلقي العلاج اللازم.
وضع حرج ونداء إنساني عاجل
وتعثر إجراء معظم العمليات الجراحية الدقيقة، في مستشفى الجنينة، نتيجة عدم توافر المستلزمات الطبية، وزاد الأمر سوءاً، انسحاب معظم منظمات العون الإنساني، بما فيها التابعة للأمم المتحدة، باستثناء الصليب الأحمر.
كما تعيش غالبية الأسر التي نزحت من منازلها في المناطق التي تحتدم فيها الاشتباكات أوضاعاً مأساوية، إذ تفترش الأرض في العراء، وعلى الطرقات، وتحت الأشجار، في المناطق الأقل تهديداً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووجه والي الولاية بالإنابة محمد زكريا، عبر "اندبندنت عربية"، نداء إنسانياً عاجلاً إلى الحكومة المركزية والمنظمات الأجنبية والمحلية كافة، للتدخل والمساعدة جراء التدهور الخطير في مختلف القطاعات لا سيما الصحية، فضلاً عن انقطاع الكهرباء، ومياه الشرب، وشح المواد الغذائية.
غياب للحكومة المركزية
وأوضح زكريا أن الولاية تعيش معاناتها وحيدة، والوضع سيئ للغاية، إذ لم تصلها أي تعزيزات عسكرية أو دعم لوجستي، أو إمدادات غذائية، ودوائية، وغيرها، كما لم يتفقدها أي مسؤول في الحكومة المركزية، منذ بداية الأحداث الدموية، على الرغم من قرارات مجلس الأمن والدفاع الوطني، باتخاذ حزمة من الإجراءات الأمنية والقانونية، وتفويض الجيش باستعادة الأمن في المدينة والولاية، بإرسال تعزيزات أمنية للسيطرة على الأوضاع وحماية المواطنين والمرافق الحيوية.
وضع كارثي وجثث متحللة
ووصف إسحق يونس آدم يحيى المدير الطبي في مستشفى الجنينة، الوضع الإنساني في المدينة بالكارثي، لا سيما في القطاع الصحي، وكشف عن أن أعداد القتلى والجرحى ما زالت في ازدياد، كما وصلت جثث متحللة، منذ اليوم الأول للاشتباكات إلى المستشفى، وقال إن نحو ست جثث و20 جريحاً تم نقلهم إلى المستشفى حديثاً، بعد صدور البيان الأخير للجنة الأطباء، ما يرفع الإحصائية إلى 138 قتيلاً و228 جريحاً حتى اللحظة، وأضاف "على الرغم من الهدوء النسبي الذي شهده وسط المدينة، الخميس، وانتقال العنف الشديد إلى الأطراف، فإن حالات الوفاة بسبب القنص ازدادت".
الوالي يحذر من الصراعات
وفي الخرطوم، أعلن محمد عبد الله الدومة، والي الولاية، أن المجموعات المتفلتة ما زالت مستمرة في أعمال السرقة والنهب وحرق مساكن المواطنين في أطراف مدينة الجنينة، وقال إن ميليشيات مسلحة، جاء بعضها من ولايات شمال وجنوب دارفور ودولة تشاد المجاورة، شاركت في الاشتباكات، وشدد الدومة، في مؤتمر صحافي، على ضرورة فرض هيبة الدولة، مبيناً أن عدم التواصل بين حكومة الولاية ووزارتي الدفاع والداخلية المركزيتين أسهم في تأجيج الأوضاع، وحذر من انعكاس وتداعيات الصراعات بين المكونات السياسية، على أمن واستقرار الولاية، داعياً إلى ضرورة التدخل العاجل من الحكومة المركزية لإنهاء حالات الصراع والتأكيد على وحدة الرؤية والهدف.
وأبدى الوالي تحفظه بشأن أي تدخل أممي أو دولي في الولاية، مبدياً، في المقابل، عدم الممانعة في قبول أي معونات لوجستية من قبل المنظمات الأممية والدولية والأصدقاء.
لجنة الأطباء
وفي سياق متصل، جددت لجنة أطباء ولاية غرب دارفور نداءها إلى السلطات المركزية والولائية، بضرورة تأمين المرافق الصحية، والوصول إلى مخازن الإمدادات بعد نفاد كثير من أصناف الأدوية والمستلزمات الطبية من المستشفيات، وأكدت اللجنة في بيانها الأخير، أن تواصل أعمال العنف والاشتباكات في المدينة، منذ الثالث من أبريل، صاحبه تسجيل أعداد متزايدة من الضحايا.
أضاف البيان أن الجرحى والمصابين يتلقون الرعاية الطبية في مستشفى الجنينة التعليمي، ومستشفى السلاح الطبي، وبعض المستوصفات الخاصة، وأن اللجنة تبذل جهودها من أجل التواصل مع الجهات الحكومية المختصة لإيجاد حلول عاجلة للحالات التي تحتاج إلى جراحات متخصصة يمكن إجراؤها في الجنينة بواسطة أطباء زائرين.
أحداث دموية متجددة
وكانت مدينة الجنينة، قد شهدت قبل أقل من أربعة أشهر، في يناير (كانون الثاني) الماضي، أحداثاً قبلية دامية مماثلة، بين مكوني العرب و"المساليت" من ساكنيها، أسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 83 قتيلاً و160 جريحاً، وقرر مجلس الأمن والدفاع الوطني حينها إرسال تعزيزات أمنية لحسمها وحماية المواطنين ومرافق المدينة، كما شكل لجنة عالية المستوى بغرض التقصي والتحقيق وتحديد أسباب المشكلة والتوصية بشأن الحلول.
وتعود خلفية الاشتباكات الحالية، بحسب الوالي بالإنابة، إلى تعرض مواطنين، تعطلت عربتهم على مشارف مدخل المدينة، مساء السبت الماضي، إلى إطلاق نار من مجهولين، أدى إلى وفاة اثنين منهم، وجرح الثالث، وفرار الجناة إلى داخل أحياء المدينة، من دون أن يتم التعرف عليهم، ما أدى إلى اندلاع احتجاجات، أشعلت لاحقاً شرارة الاشتباكات، وهاجمت، فجر اليوم التالي للواقعة، ميليشيات مسلحة المدينة، ما أدى إلى مواجهات قبلية عنيفة، تركز معظمها، في البداية، في المناطق الجنوبية في حيي الجبل والجمارك.
أكبر مدن البلاد
وتقع مدينة الجنينة (عاصمة الولاية)، ومن أكبر مدن البلاد، في أقصى غرب السودان، وتبعد نحو 28 كيلومتراً من الحدود السودانية التشادية، وتمثل مركزاً تجارياً تاريخياً مهماً، وتقطنها بصورة أساسية قبيلة "المساليت"، ومجموعة من القبائل العربية الأخرى، وتبلغ مساحة ولاية غرب دارفور، إحدى ولايات إقليم دارفور الخمس، نحو 79460 كيلومتراً مربعاً، ويقدر عدد سكانها بنحو مليون نسمة.