Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل دارفور مقبل على حرب أهلية ثانية؟

شهدت مدينة الجنينة معارك عنيفة أدت إلى سقوط 132 قتيلا

تراجعت وتيرة النزاعات في إقليم دارفور لكنها لم تتوقف (أ ف ب)

 

ارتفع عدد القتلى جراء الاشتباكات القبلية في مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور بالسودان، إلى 132 قتيلاً، بحسب ما أعلن مسؤول محلي اليوم الخميس.
وقال محمد عبدالله الدومه، والي ولاية غرب دارفور، في مؤتمر صحافي عقده في الخرطوم، "عدد القتلى حتى الآن بحسب التقارير الطبية (...) 132 قتيلاً". وأضاف أن الأوضاع الآن "مستقرة نوعاً ما، لا قتال، وخدمات الكهرباء والمياه عادت إلى المدينة"، لكنه أشار إلى "أعمال نهب".
وطرح تجدد الأحداث الدموية في دارفور، تساؤلات عدة حول مصير اتفاق السلام الموقع بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة في 3 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في عاصمة جنوب السودان جوبا، وهل يقبل هذا الإقليم على حرب أهلية ثانية؟ 

يوضح رئيس حزب الأمة القومي السوداني في ولاية شمال دارفور محمد آدم عبد الكريم، أن "تجدد هذه النزاعات سببه غياب هيبة وسلطة الدولة، فمن أهم الواجبات والمهام المنوطة بالحكومة بسط الأمن، وما يحدث في الجنينة هو في المقام الأول دليل على عدم تمكن الدولة من السيطرة"، مشيراً إلى أن "النزاع له بعد سياسي واضح جداً، فإذا تمعنت في أحداث الجنينة التي وقعت سابقاً وحالياً تجد أن لها علاقة وطيدة بمرحلة النظام السابق الذي عمل على زرع الفتنة من خلال سعيه لتفتيت وانقسام الإدارة الأهلية ليضمن ولاءها بعد أن تيقن من أن الإدارة القديمة لا يمكن أن تواليه، لذلك لجأ إلى إقامة كيانات هشة يستطيع تحريكها لصالحه متى ما شاء". 

ويضيف عبد الكريم، "هذا التوتر الذي ينحصر الآن بين طرفين (العرب والمساليت) وصل إلى مراحل بعيدة. فطرف يعتقد أن الآخر لا يريده ويدافع عن وجوده، والآخر يتهم الحكومة بتسليح الخصم لكي ينهي وجوده من خلال الاستيلاء على الأراضي"، موضحاً أنه "لا يمكننا أن نتحدث عن حلول والمدينة مستباحة بالكامل من قبل ميليشيات مسلحة، من دون أن تستطيع أي قوة عسكرية حكومية إيقاف هذا النزيف على مدى ثلاثة أيام وأكثر". 

وإذ يدعو إلى اعتماد معالجات سياسية واجتماعية تبدأ بقبول الآخر وتبادل المنافع الزراعية والرعوية وغيرها، يرى أن "مؤشرات الحرب الأهلية متوفرة، بخاصة أن هناك جهة سياسية تنشط في الإقليم لتغذية تلك النعرات والصراعات القبلية".

الأرض والحواكير 

في سياق متصل، يشير الأمين العام لهيئة محامي دارفور الصادق علي حسن، إلى أن "النزاعات في مختلف مناطق دارفور ظلت مستمرة ولم تتوقف وإن تراجعت وتيرتها عقب الثورة، ثم عادت بصورة أوسع نطاقاً نتيجة استمرارا المكون العسكري بخطط النظام السابق الأمنية نفسها، من خلال التجييش وتمكين القبائل والسعي إلى استقطابها لضمان تأييدها بالاستمرار في السلطة".

وترتبط هذه النزاعات، وفق حسن، بالتنافس على الأراضي والحواكير والموارد والقيادة المحلية والإدارات الأهلية، قائلاً إن استغلال القبيلة في الصراع واضح، من خلال الحركة الكثيفة التي تشهدها الحدود للميليشيات المسلحة نظراً للتداخل القبلي مع دول الجوار.

أصوات قبلية 

وحول علاقة هذه النزاعات باتفاق سلام جوبا، يقول حسن "قد لا يكون ما يحدث من نزاعات متكررة نتيجة مباشرة لاتفاق السلام الذي رعته دولة جنوب السودان، لكن عند البدء في تنفيذه ظهرت أصوات قبلية تطالب بمنحها وظائف على مستوى الإقليم والمركز، باعتبارها حقاً مكتسباً في إطار رمزيتها ومكانتها الاجتماعية. وإذا توسعت هذه المطالب، فإن اتفاق جوبا سيفتح منازعات جديدة على مستوى المحليات والولايات والمركز في دولة هشة تضم مئات القبائل، وبالتالي ستظهر المنازعات حتى بين أبناء العمومة كما حدث في منطقة السريف بني حسين بشمال دارفور، حيث قتل وجرح العشرات من أبناء العمومة في الصراع على النظارة في الأيام الماضية".

ويشير حسن إلى أن القصور الذي صاحب هذه النزاعات تركز في السياسة العامة للدولة التي سارت في طريق تقنين القبلية على حساب مؤسسة الدولة المدنية، وبالتالي أصبحت القبائل حواضن سياسية للطامحين من أبنائها. 

ويرى أن معالجة هذا الوضع المتأزم تتطلب إصدار القوانين المانعة والمجرمة لاستخدام القبائل في الأنشطة السياسية، كما فعل والي نهر النيل في شمال البلاد بإصداره قانوناً يحظر تكوين أي مجموعة أو تنظيم على أساس قبلي منعاً للفتن والانفلات الأمني، مشيراً إلى أنه كان من الأفضل أن يصدر هذا المرسوم من قبل الحكومة المركزية ليشمل كل الولايات، لكن "الدولة تمارس الاستقطاب القبلي، وبذلك تشارك في إضعاف مظاهر الحكومة المدنية". 

أصل الأحداث 

وأحداث الجنينة التي اندلعت مطلع هذا الأسبوع تأتي ضمن سلسلة متواصلة من الأحداث الدموية في الإقليم خلال الأشهر الثلاثة الماضية، لكنها تعد الأعنف في تاريخ المدينة، حيث استخدم فيها المئات من المسلحين القبليين أسلحة ثقيلة وخفيفة، فضلاً عن قيامهم بعمليات حرق ونهب واسعة شملت أحياء سكنية ومحلات تجارية عديدة، مما تسبب في دمار كبير في المرافق والمنشآت الحيوية المختلفة في المدينة. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب سكان في المدينة المنكوبة، فإنهم يعيشون أوضاعاً مأساوية نظراً لتواصل القتال لمدة أربعة أيام متتالية، ما تسبب في وجود نقص كبير في الغذاء والدواء والمأوى للفارين من المعارك المستمرة في المدينة.  

ويعود أصل هذه الأحداث، وفقاً لمراقبين، إلى عام 1995، عندما هاجمت قبائل من خارج حدود البلاد أراضي ومزارع في المنطقة الواقعة في غرب الإقليم، واستولت عليها بالقوة مستخدمة مختلف أنواع الأسلحة.

وشهد إقليم دارفور منذ عام 2003 واحدة من أعنف الحروب الأهلية في العالم، راح ضحيتها أكثر من 300 ألف قتيل، ونزوح وتشريد نحو 4 ملايين شخص إلى مناطق مختلفة داخل الإقليم وأخرى حدودية مع دول الجوار كتشاد وأفريقيا الوسطى. 

وقد استنكرت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والعديد من دول العالم عمليات القتل الوحشية التي تجددت في الإقليم منذ السبت الماضي، ودعت إلى وقف القتال في الجنينة والتحقيق مع المسؤولين عن العنف ومحاسبتهم. 

كما دانت غالبية الأحزاب السودانية ومنظمات المجتمع المدني والحركات المسلحة اندلاع هذه الأحداث، فيما طالبت حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور بإعادة النظر في قرار مجلس الأمن بشأن خروج بعثة القوات الدولية المشتركة (يوناميد) الذي تم تطبيقه في يناير (كانون الثاني) الماضي. 

وحمل تجمع المهنيين السودانيين والعديد من القوى المدنية الأجهزة الأمنية الحكومية مسؤولية ما يحدث، بخاصة أنها لم تحرك قواتها للقيام بواجبها.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير