Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يسعى بايدن إلى إعادة تشكيل الرأسمالية الأميركية؟

يعتبر اليمين الرئاسة الحالية كابوساً بسبب زيادة الضرائب والإنفاق الذي سيغرق اقتصاد الولايات المتحدة الهش حالياً

بايدن وزوجته جيل يحييان الصحافيين بمناسبة عيد الفصح في البيت الأبيض الإثنين 5 أبريل الحالي (أ ف ب)

يسابق الرئيس الأميركي جو بايدن الزمن لإقرار قانون البنية التحتية الذي يثير جدلاً واسعاً حول الرأسمالية الأميركية، وما إذا كان بايدن سيجعل الحكومة من خلال هذه الخطة هي المحرك الرئيس لنمو الاقتصاد، وليس القطاع الخاص، بل إنه سيمول خطته بفرض ضرائب مرتفعة على المؤسسات والشركات من أجل تشغيل العمالة وتحريك الاقتصاد ومساعدة الطبقات المتوسطة والفقيرة إرضاءً لأجندة التيار التقدمي القوي داخل الحزب الديمقراطي، فهل ستتغير العلاقة بين الحكومة والقطاع الخاص لسنوات وعقود؟ أم ستحتفظ الرأسمالية الأميركية بعنفوانها وقوتها؟ 
يتجه بايدن والديمقراطيون إلى استخدام قواعد خاصة بالميزانية في مجلس الشيوخ تعود إلى عام 1974 لتجنب تعطيل الحزب الجمهوري تشريعين آخرين، يمهدان الطريق أمام تنفيذ "أجندة الرئيس لإعادة بناء أميركا"، عبر إنفاق 2.25 تريليون دولار في مشاريع البنية التحتية، فضلاً عن حزمة أخرى بنهاية العام الحالي تلبي احتياجات الطبقة المتوسطة والعاملة في الولايات المتحدة عبر إنفاق مزيد من الأموال لجعل رياض الأطفال شاملة في البلاد، وتوسيع خدمات "الإسكان ميسور التكلفة"، وتقديم خدمات تعليمية مجانية لمعاهد الدراسة الجامعية التي تستغرق سنتين بعد التعليم الثانوي.

من يحرك الاقتصاد؟

غير أن مشروع قانون البنية التحتية الذي يدفع البيت الأبيض نحو إقراره بسرعة يمكن أن يعيد تشكيل النقاش حول الرأسمالية، إذ يبدو أنه يجعل الحكومة الفيدرالية، المحرك الأساسي لعمل الاقتصاد ونموه، فبالإضافة إلى مشاريع البنية التحتية التقليدية، فإن خطة خلق مزيد من الوظائف الأميركية، ستضخ استثمارات حكومية واسعة لدعم إنتاج السيارات الكهربائية وتطوير التقنيات المستقبلية وتغير المناخ ورعاية المسنين، الأمر الذي سيعيد تعريف مشاريع البنية التحتية التقليدية من خلال تحمل الشركات والمؤسسات الأميركية أعباءها المالية من خلال زيادة الضرائب الفيدرالية عليها.

ومن شأن هذه الخطة الطموحة المراهنة على قدرة الحكومة الفيدرالية على دفع النمو الاقتصادي بشكل مستدام، وتغيير العلاقة المعتادة في الولايات المتحدة بين الحكومة والقطاع الخاص بشكل مؤثر، ما يؤدي إلى تغييرات جذرية في القطاعات الرئيسة للاقتصاد قد يستمر تأثيرها لسنوات طويلة مقبلة وتجعل الثقة في المؤسسات والشركات مهتزة.

تقويض للرأسمالية

ولهذا، من المؤكد أن خطة الديمقراطيين ستفتح الباب أمام هجمات الجمهوريين الذين يعتبرون أن هذه الخطط الحكومية ستقوض الرأسمالية الأميركية التقليدية عبر تنفيذ أجندة اشتراكية، عقب انتخابات ساخنة كانت تحذيرات وصيحات الرئيس السابق دونالد ترمب وغيره من الجمهوريين إزاء الاشتراكية، قضيةً مركزية في حملاتهم.
ويرى محللون اقتصاديون معارضون لخطة بايدن أن ما تعتزم إدارته تنفيذه من إجراءات، يناقض تماماً النهج الذي سارت عليه الحكومات الأميركية المتعاقبة منذ عهد الرئيس رونالد ريغان الذي بدأ فيه الحديث عن ضعف الأداء الحكومي، والرغبة في تقليص الدور الحكومي في تحريك الاقتصاد.

الدور الحكومي

لكن إدراة الرئيس بايدن تنظر إلى الوضع الاقتصادي الآن من منظور مختلف يستند إلى أن الحكومة فقط يمكنهما حل المشكلات والتحديات التي تواجهها الولايات المتحدة الآن، لأنها هائلة جداً، وتتجاوز قدرات أي طرف، بالإضافة إلى أن إعادة تطوير وبناء البنية التحتية، لا تزال مشكلة جماعية تحدث عنها ترمب نفسه في حملته الانتخابية لعام 2016.
ويشير محللون مؤيدون لخطة الإدارة الأميركية إلى أن هناك حاجة ماسة إلى ضخ استثمارات كبيرة في البنية التحتية لأن الدول الأخرى تحقق تقدماً في إنشاءات السكك الحديدية عالية السرعة وأنماط النقل الأخرى، كما تفتقر بعض الأماكن داخل الولايات المتحدة حتى الآن إلى خدمات النطاق العريض عالي السرعة للإنترنت، وهو ما يضر بالاقتصاد في البلاد.
وبينما تؤكد الإدارة الأميركية أنها ستسعى من خلال الحزمتين المقترحتين إلى معالجة القضايا المنهجية المرتبطة بالهيكل الرأسمالي للاقتصاد، مثل عدم المساواة الاقتصادية والتفاوت على أساس العرق والنوع، دافع بايدن مجدداً عن خطته، موضحاً أن رفع معدل ضريبة الشركات لن يضر بأي شخص يربح أقل من 400 ألف دولار سنوياً، وأنه لا يحمل أي شيء ضد أصحاب الملايين والمليارات، ويؤمن بالرأسمالية الأميركية، ولكنه يريد أن يقوم الجميع بعمل جيد.
تأثير التقدميين

ومع ذلك، فإن التقدميين في الحزب الديمقراطي يدفعون بايدن إلى اتخاذ خطوات أكثر جرأة، على اعتبار أن الفرصة مهيأة الآن أمام الديمقراطيين المسيطرين على البيت الأبيض ومجلسي الشيوخ والنواب في الكونغرس لتنفيذ السياسات التي انتخبوا من أجلها بهدف إحداث تحول في بيئة العمل.
وفي حين يحلو لبعض التقدميين عقد مقارنات بين بايدن والرئيس السابق فرانكلين روزفلت، وتشبيه ما يحاول الرئيس الأميركي الحالي القيام به بمشروع روزفلت الشهير "صفقة جديدة" الذي نجح في إخراج الولايات المتحدة من الكساد الكبير، يرى التقدميون أن حزمة البنية التحتية جيدة، لكن حقائق السياسة والميول المعتدلة لبايدن أدت إلى مشروع قانون عاجز عن وضع تصور يغير من الرأسمالية، وهو ما يشعر معه التقدميون بقدر من الخذلان، وبأن قوتهم بين الناخبين غير كافية لتحقيق المكاسب وإنشاء اقتصاد عادل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تحذيرات يمينية

في المقابل، فإن خطة البيت الأبيض الطموحة، والتي ستغير جذرياً الطريقة التي يعمل بها الاقتصاد، أدت إلى فتح جبهات ضد بايدن من اليمين، وبخاصة من ترمب وغالبية الجمهوريين الذين ينظرون إلى خطة بايدن على أنها تحول نحو الاشتراكية، كما يعتبرون رئاسته كابوساً من زيادة الضرائب والإنفاق الذي من المؤكد أنه سيغرق الاقتصاد الأميركي الهش حالياً.
ووفقاً لرؤية ترمب، فإن هذا التشريع سيسبب أكبر الجروح الاقتصادية في التاريخ، لأن النتيجة ستكون مزيداً من الأميركيين العاطلين عن العمل، ومزيداً من العائلات المتفرقة، ومزيداً من المصانع المهجورة، ومزيداً من الصناعات المحطمة.
وفي حين تقر بعض المجموعات اليمينية المحافظة، بالحاجة إلى تحسين البنية التحتية للبلاد، فإنها تعتبر ضخ تريليونات الدولارات من الأموال الفيدرالية من ضمن بنود جدول أعمال يساري النزعة، لا يضع في الحسبان الأضرار المالية التي يمكن أن تقع على كاهل الدولة مستقبلاً.

تجاهل ديمقراطي

ويتجاهل الديمقراطيون انتقادات وهجمات الجمهوريين، ويصفونها بأنها من وحي اتهامهم السائد بأن كل شيء يفعله الديمقراطيون هو اشتراكي، وبخاصة عندما يضع الديمقراطيون خططاً تحظى بشعبية. ويعتبر الديمقراطيون أن هذا تكتيك يستخدمه الجمهوريون، كما استخدموه ضد جو بايدن الذي وصفوه بأنه اشتراكي على مدى العامين الماضيين.

لكن بايدن أعلن بنفسه أن الوقت حان لوضع حد لعصر رأسمالية المساهمين، ورفض فكرة أن المسؤولية الوحيدة التي تتحملها الشركات هي تجاه المساهمين، معتبراً إياها "مهزلة مطلقة، لأنها تتجاهل مسؤولية هؤلاء تجاه عمالهم ومجتمعهم وبلدهم".

رأسمالية راسخة

غير أن إعلان بايدن الجريء بإنهاء قاعدة "الربح أولاً"، هو في حقيقة الأمر جزء من الرغبة المتزايدة بين الأميركيين والعديد من الشركات والمستثمرين، لجعل عالم الأعمال أكثر شمولاً وإنصافاً، والاستفادة من قوة القطاع الخاص.
ويعتبر محللون أن تحويل نظام راسخ، من الرأسمالية المدفوعة بالربح إلى نظام رأسمالي من أصحاب الأسهم، ما زال يتطلب كثيراً من العمل الجاد لتمرير تشريعات ملموسة، وهو ما لا يبدو ظاهراً في الأفق بعد شهرين من رئاسة بايدن.

المزيد من تقارير