Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هجوم "داعش" في موزمبيق "اختبار" لاستراتيجية بايدن الأفريقية

واشنطن تتأهب للمساعدة ومحللون يحذرون من تكرار فشل المواجهات العسكرية

شكّل استيلاء جماعة مسلحة تابعة لتنظيم "داعش" على مدينة بالما في شمال موزمبيق لأيام عدة، نقلةً نوعية جديدة جعلت الجماعات التابعة لهذا التنظيم الإرهابي في أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء، تستحوذ على موجة من الزخم التي لا يتمتع بها المنتسبون لـ"داعش" في أماكن أخرى حالياً، لكن الهجوم المنسق جيداً، من شأنه أن يجعل الغرب وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن يدركون جيداً حجم التحدي الذي تشكله هذه الجماعات، وهذا من شأنه أن يدفعهم إلى مواجهتها قبل أن ينتشر التهديد بشكل أكبر في القارة الأفريقية، فما الاستراتيجية الأميركية لمواجهة المتطرفين الإسلاميين الذين ينتشرون في وسط وجنوب أفريقيا بشكل متسارع؟ وهل ستكون المواجهة عسكرية- أمنية أم ينبغي التركيز على معالجة دوافع الصراع؟

علامات الخطر

على الرغم من الأنباء المتضاربة عن مصير مدينة بالما الآن، وبعد استيلاء التنظيم الذي يطلقون عليه محلياً اسم "تنظيم الشباب"، على المدينة لخمسة أيام، أظهرت عودة تنظيم "داعش" إلى تنفيذ أحد أكبر الهجمات وأوسعها انتشاراً، تعقيداً وتخطيطاً لم تكشف عنه الهجمات السابقة للمجموعات الإرهابية، ما أكد في الوقت ذاته على مدى تطور "داعش" في وسط أفريقيا خلال الأشهر الماضية وتمتعه بموارد مالية وبشرية كافية تنذر بمزيد من الخطر إزاء المستقبل في هذه المنطقة.

ويكمن الخطر الرئيس هنا في أن الاستيلاء على بالما يُعد خطوة استراتيجية لتأمين تدفق إيرادات للتنظيم الإرهابي من خلال التحكم في طريق أساسي على المحيط الهندي، يقع على بعد 10 كيلومترات فقط من موقع يقطنه عمال نفط أجانب يعملون على تطوير مشروع غاز بمليارات الدولارات تابع لشركة توتال. كما أن المهاجمين تغلبوا بسهولة على قوات الجيش والشرطة وفرق من المتعاقدين الأمنيين الخاصين تابعين للشركة الفرنسية.

وفي حين توقعت السلطات أن تعاني "جماعة الشباب" من نقص في الأسلحة والذخيرة والطعام في هذه المنطقة القريبة من الحدود مع تنزانيا، فإن المفاجأة تمثلت في أن الهجوم جرى على مراحل، وسبقه تسلل منظم لعناصر التنظيم الذين استولوا على طرق الهروب وشاطئ المحيط، ما مكنهم من إحكام سيطرتهم على المدينة خلال 48 ساعة فقط.

مزيد من الهجمات

وبينما لا تزال الجهات الرسمية المعنية بمكافحة التمرد والإرهاب في موزمبيق والدول الأفريقية المجاورة، تقلل من قدرات "داعش" وتغلغله في البلاد، فإن التشدد الديني والفكري يتوسع ويزيد من قدرته وتعقيد عملياته وسيشكل بحسب كثير من المراقبين تهديداً أكبر في الأيام المقبلة، خصوصاً بعدما سلّط الهجوم الضوء على مرونة الجماعة المتطرفة وتكتيكاتها الخطيرة، ما يُرجَّح معه أن يشنّ التنظيم هجمات واسعة النطاق في مختلف المناطق، ما يفرض توحيد الجهود المحلية والإقليمية والدولية لمواجهة الأخطار المحتملة المقبلة، بخاصة بعدما تعهد الحلفاء الدوليون لموزمبيق بمساعدتها في قمع التمرد.

لكن ما يثير القلق هو أن التنظيم ذاته استخدم تكتيكات مماثلة قبل أشهر قليلة، عندما هاجم واستولى على ميناء "موسيمبوا دا برايا"، على بُعد 50 كيلومتراً إلى الجنوب، وهو هجوم اعتُبِر بمثابة انتصار استراتيجي كبير لحركة متطرفة في أفريقيا كانت حتى وقت قريب تُعتبر غير منظمة إلى حد ما، على الرغم من أن علامات التمرد في شمال موزمبيق بدأت بالواقع في عام 2017.

ماذا ستفعل أميركا؟

وتعترف الولايات المتحدة بأن الهجوم يظهر التحدي والجرأة المتزايدة لـ "داعش" في موزمبيق. وتعهد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بتقديم المساعدة لموزمبيق والدول المجاورة من أجل مواجهة "داعش"، إلا أنه لم يحدد كيف ستكون طرق الدعم في وقت يرى محللون ومسؤولون أميركيون أن الجماعات المحلية المتطرفة والعنيفة تركب موجة من الزخم في أفريقيا جنوب الصحراء، ما يعزز العلاقات مع "داعش" ويشكل تحدياً أكبر للحكومات هناك.

وما يضع واشنطن في موقف صعب، هو أن وزارة الخارجية الأميركية صنفت في مارس (آذار) الماضي، تنظيماً يُدعى "السُنة والجماعة"، كمنظمة إرهابية وربطته رسمياً بتنظيم "داعش"، بعد أشهر من النشاط المتزايد في موزمبيق. ويمثل هذا التصنيف خطراً من زاوية أخرى، عبر إضفاء "الشرعية" على هذه الجماعة، ما يمكن أن يجعلها أكثر جاذبية للمتطرفين والمتعاطفين معها في شمال موزمبيق التي تشمل عدداً كبيراً من السكان المسلمين الفقراء الذين لا يستفيدون من مشاريع الغاز الأجنبية في مناطقهم.

ورصدت شركات أمنية أميركية مثل مؤسسة "شارع بابل"، أن جماعة "السنة والجماعة" كانت تعمل لجذب انتباه "داعش" بهدف الاستفادة من الموارد المالية التي تتمتع بها المجموعة الأكبر وقنوات الاتصال التي تستحوذ عليها، وأنه منذ ذلك الحين، أصبح تورط "داعش" في الصراع الحالي أكثر وضوحاً.

كما يبدو أن المتمردين المحليين و"داعش" حاولوا إقامة روابط مع بعضهم البعض قبل فترة، حيث تشير البيانات الإعلامية في قنوات الاتصال الخاصة بـ"داعش"، واستخدام المتمردين لعلم التنظيم المتشدد، إلى وجود علاقة أقوى ليس فقط من حيث الأيديولوجيا والأهداف، بل يمتد إلى الدعم اللوجستي وإدارة العمليات.


تحذير من تكرار الفشل

إلا أن مؤسسات أميركية أخرى مثل "معهد الولايات المتحدة للسلام"، تحذر من تكرار فشل المواجهات العسكرية المتزايدة في وقف انتشار الإرهاب، وتطالب بأن يكون التركيز على معالجة دوافع الصراع، فعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، نما تمرد إسلامي محلي في مقاطعة كابو ديلغادو شمال موزمبيق، ما أدى إلى تطوير العلاقات مع الجماعات الإرهابية الدولية وتهديد أحد أكبر مشاريع الغاز الطبيعي في العالم، وحوّل هذا التمرد كابو ديلغادو إلى ساحة قتال.

وفي حين أن أميركيين كثراً يبدون قلقهم بشكل متزايد من الالتزامات المرتبطة بمكافحة الإرهاب في الخارج حالياً، إلا أن هناك إجماعاً متزايداً بين الخبراء على أن الردود العسكرية بهدف مكافحة الإرهاب والتي هيمنت في فترة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 قد فشلت، لا سيما في أفريقيا، وأن الوضع في موزمبيق يمثل فرصة لإعادة توجيه هذه الجهود من خلال معالجة الدوافع الكامنة وراء الصراع والتطرّف.

خلفيات متشابكة

ويُطلق السكان المحليون في كابو ديلغادو على الجماعة المتمردة اسم "الشباب"، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنها تذكرهم بالمنظمة الإرهابية الصومالية المرتبطة بتنظيم "القاعدة" والتي تحمل الاسم نفسه، وقد تضاعف العنف ضد المدنيين في عام 2020 مقارنة بمستويات عام 2019، ففي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أحرق مسلحو حركة الشباب قرية زراعية بالكامل، واقتادوا 50 من سكانها إلى ملعب لكرة القدم وقطعوا رؤوسهم. وأدت هذه الفظائع التي ارتكبتها "حركة الشباب"، بالتوازي مع انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها قوات الأمن الموزمبيقية المنتشرة في المنطقة، إلى إجبار أكثر من 350 ألف شخص على الفرار من ديارهم.

وبينما يروّج "داعش" لاستغلال "حركة الشباب" ويدعم المتمردين بمستويات متزايدة من الدعم العملياتي والتكتيكي، بما في ذلك الاندماج الرسمي في صفوفه في ولاية وسط أفريقيا في أبريل (نيسان) 2019، يحذر محللو مكافحة الإرهاب في أفريقيا من أن الانتهاكات الحكومية من شأنها تعزيز جهود "داعش" عبر القارة، وأنه من دون تدخل دولي محسوب ومدروس، قد يتجذر الإرهاب في مسرح جديد، ستكون له آثار طويلة الأمد على الأمن والاستقرار الإقليميَين.

صراع مرير

ويشير هؤلاء المحللون إلى أن رد حكومة موزمبيق على مذابح "داعش" عبر نشر وحدات الجيش لمواجهة المتمردين، أدى إلى نتائج عكسية كانت على حساب الأرواح وشرعية الدولة، بعدما قامت قوات الأمن المنتشرة في كابو ديلغادو بالاحتجاز التعسفي والإعدام الفوري ضد مدنيين مشتبه بهم، ما يهدد بتفاقم وتوسيع خطر التطرف العنيف على طول ساحل شرق أفريقيا، وهو ما جرى بالفعل حين نفذت "حركة الشباب" هجمات عبر الحدود في تنزانيا المجاورة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولأن موزمبيق لم تتمكن من إدارة هذه الأزمة بمفردها، بدأت الحكومة بعد سلسلة هزائم عسكرية على يد المتمردين، في البحث عن مساعدة خارجية، حيث التقى الرئيس فيليب نيوسي، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أغسطس (آب) 2019، لتأمين مساعدة "مجموعة فاغنر"، وهي جماعة مرتزقة تربطها علاقات مباشرة بالكرملين، لكن الوضع زاد سوءاً وتسبب المتمردون بخسائر فادحة للقوات الموزمبيقية ولمجموعة فاغنر الروسية، ما أجبر الروس على انسحاب مفاجئ بعد أشهر فقط من وصولهم.

مسار تنازلي

ونتيجة لسوء الإدارة الحكومية انتقلت حركة الشباب في غضون ثلاث سنوات فقط، من مهاجمة القرى الصغيرة إلى تصاعد الهجمات المعقدة على قوات الأمن الموزمبيقية والمدن الاستراتيجية الساحلية، ما أثار قلق دول مجاورة مثل جنوب أفريقيا، التي عرضت تقديم الدعم العسكري لهذه الاستراتيجية الفاشلة، خشية أن يهدد انعدام الأمن حدودها الشمالية الشرقية.

غير أن الأزمة في موزمبيق استمرت في مسارها التنازلي، وتشبه بشكل متزايد تحديات مكافحة الإرهاب التي طال أمدها في القارة في منطقة الساحل والقرن وحوض بحيرة تشاد.

إعادة تقييم

ويُعدّ حذر صانعي السياسة الأميركيين في تعاملهم مع مجموعات مثل متمردي موزمبيق أمراً مفهوماً، فمنذ 11 سبتمبر 2001، انخرطت الولايات المتحدة وحلفاؤها في ما يسمى بـ"الحرب الأبدية ضد الجماعات الإرهابية في جميع أنحاء العالم"، وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، أقامت واشنطن شراكات عسكرية واستخبارية في البلدان الضعيفة على أمل أن تتمكن القوات المحلية المدرّبة والمجهّزة بشكل أفضل من هزيمة الجماعات الإرهابية عسكرياً.

لكن التركيز على الردود العسكرية فشل إلى حد كبير في وقف انتشار الإرهاب، ففي الصومال ونيجيريا ودول الساحل، تمتص الجماعات الإرهابية الضغط العسكري وتواصل شنّ الهجمات ضد قوات الأمن وقوات حفظ السلام والمدنيين، وفي الوقت ذاته أصبحت الانتهاكات الروتينية التي ترتكبها قوات الأمن الحكومية ضد المدنيين الذين يُفترض بها أن تحميهم، لا تؤدي سوى إلى تغذية المظالم المحلية وخلق تحالفات تعيد توطين الجماعات المتطرفة العنيفة في هذه المناطق.

وفي سياق فشل جهود مكافحة الإرهاب في أماكن أخرى من أفريقيا أيضاً، يطالب محللون بضرورة أن يشجع الوضع المتدهور في موزمبيق الآن، صانعي السياسات على إعادة تأطير ردود الفعل العسكرية لمكافحة التمرد والإرهاب، لتصبح استراتيجية متكاملة للأمن تتناول الأبعاد السياسية والاقتصادية والدينية والاجتماعية.

مكاسب الطاقة وتوزيع الثروة

ولا يبعث التاريخ الحديث في أنحاء أفريقيا على التفاؤل حيال إمكانية أن تكون الاستثمارات في مجال النفط والغاز أداةً للنمو الاقتصادي الشامل، إذ لم تكن هناك فوائد تُذكر للسكان المحليين من الثروة النفطية في كل من تشاد وأنغولا ودلتا النيجر في نيجيريا، بينما تغذي هذه الثروة الفساد وتثري النخب الحاكمة. وبينما التزمت موزمبيق بتأسيس صندوق ثروة سيادي لتحقيق مكاسب قدرها 96 مليار دولار من التنقيب عن الغاز الطبيعي قبالة سواحل كابو ديلغادو، فإن هذا الصندوق يمكن أن يحدث فرقاً في حياة الموزمبيقيين العاديين وبخاصة الذين يعيشون في منطقة الصراع إذا توافرت استراتيجية توزيع شاملة وشفافة للثروة الآن، وليس لاحقاً، ذلك أنه إذا لم يشعر سكان المنطقة بالفوائد من استثمار شركات النفط متعددة الجنسيات، فسيؤدي ذلك إلى زيادة الغضب وخيبة الأمل التي تساعد على تأجيج التمرد.

ويطرح البعض أن تساعد شركات البترول والغاز في دعم تمويل المساعدة الإنسانية للمجتمعات المتضررة من النزاع وإقامة شراكات بين القطاعين العام والخاص مع الحكومة المحلية لتوسيع تقديم الخدمات الأساسية في كابو ديلغادو، فضلاً عن إمكانية إخضاع صندوق الثروة السيادية الموزمبيقي لعمليات تدقيق منتظمة وذات صدقية لمنع الكسب غير المشروع ونشر النتائج على الملأ حتى يتمكن الموزمبيقيون من رؤية مَن يستفيد من الثروة الطبيعية للبلاد.

الأمن وبناء السلام

ولا شك في أن الفساد والانتهاكات التي ترتكبها قوات الأمن أسهمت في تآكل الثقة المحدودة للمواطنين بحكومتهم قبل أن تشن حركة الشباب هجماتها الأولى. ولكي تبدأ عملية إعادة بناء الثقة، يجب على الحكومة معاملة سكان كابو ديلغادو كشركاء متساوين في تطوير رؤية مشتركة للأمن، توضح التزام الحكومة بحماية المجتمعات من هجمات "حركة الشباب" وتضييق الخناق على انتهاكات الأمن مع مساعدة تلك المجتمعات على تلبية احتياجاتها الإنسانية الأساسية.

التعاون الدولي

ويحذر دعاة السلام من أنه من دون قيادة إقليمية أو دولية ملتزمة، ستسير موزمبيق في مستنقع مكافحة الإرهاب من دون أن تحقق نجاحاً في حين ينبغي تضافر الجهود بين كل من الاتحاد الأفريقي والجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي والأمم المتحدة و"التحالف العالمي لهزيمة داعش"، للعمل معاً عبر تكثيف التنسيق بسرعة لتطوير ودعم استراتيجية متكاملة بقيادة أفريقية. وقد يشمل التركيز قصير المدى، إضعاف قدرة المتمردين على التخطيط للهجمات وإغلاق تدفقات الأسلحة والتمويلات التي تعزز قدرة المتطرفين.

لكن التركيز على بناء السلام على المدى الطويل يجب أن يكون حاضراً طوال الوقت للتغلب على مصادر الخلاف التاريخي، الذي أثّر في قدرة حكومة موزمبيق على معالجة المظالم.

المزيد من تقارير