Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جودي فوستر والمعجب الذي حاول اغتيال رئيس أميركي كرمى لعينيها

حاول جون هينكلي جونيور اغتيال رونالد ريغان قبل أربعين سنة للفت نظر نجمة هوليوود

لفتت جودي فوستر الأنظار إليها عبر أداء دور مومس مراهقة في فيلم "سائق التاكسي" (غيتي)

في 1981، خلال مكالمة هاتفية مع رجل دأب على ملاحقتها، أوردت جودي فوستر، ابنة الثامنة عشرة آنذاك، "آه، يا إلهي. لقد بدأ هذا الأمر يزعجني بالفعل. هل لديك مانع إذا أنهيتُ المكالمة؟". بعد بضعة أشهر، وفي محاولة مجنونة كي يكسب حبها، أطلق ذلك الرجل النار على رئيس الولايات المتحدة.

عندما تسأل أي شخص عما يتبادر إلى ذهنه حينما يسمع اسم جودي فوستر، فعلى الأرجح سيتذكر دورها الشائك كناجية من الاغتصاب الجماعي في فيلم "المُتَهَم" The Accused الذي أكسبها أول جائزة أوسكار، أو شخصية المتدربة في مكتب التحقيقات الفيدرالي كلاريس ستارلينغ في فيلم "صمت الحملان" The Silence of the Lambs الذي أضاف الأوسكار الثاني إلى رصيدها. أو ربما سيتحدث عن أدوارها في فيلم الإثارة "غرفة الذعر" Panic Room أو "باغزي مالون" Bugsy Malone أو "الجمعة العجيبة". إذاً، يُحسب لفوستر أن اسمها لم يبق مرتبطاً إلى الأبد بالمعجب جون هينكلي جونيور (الذي حاول اغتيال الرئيس رونالد ريغان).

بدأت حكاية فوستر مع هذا الرجل من فيلم "سائق التاكسي" Taxi Driver. ففي 1975، حين كانت في سن الثانية عشرة، أدت دور مراهقة تدعى إيريس تعمل بائعة هوى في فيلم المخرج المعروف سكورسيزي الذي يغوص في تفكك حياة المدينة. وتلفت إيريس انتباه ترافيس بيكل الشخص الغريب الأطوار والجندي السابق في حرب فيتنام، وقد أدى دوره روبرت دي نيرو. وإذ يفشل بيكل في اغتيال مرشح رئاسي، يعمد إلى إطلاق النار على القواد الذي تعمل إيريس لمصلحته، فيضحي بطلاً. وآنذاك، كرهت فوستر البلوزات عارية الصدر وأحذية الكعب العالي التي توجب عليها ارتداؤها في ذلك الفيلم. ونقلت مجلة "فانيتي فير" عنها، "لقد كنت فتاة ترتدي ثياب الصبيان وجوارب قطنية طويلة"، لكن الدور استحق ذلك العناء. لطالما تلقى فيلم "سائق التكسي" إشادات واحتل مكانة شبه ثابتة في قوائم أفضل الأفلام على الإطلاق، وشكل انطلاقة في مسيرة فوستر المهنية. في المقابل، حدث أنه حفز بشكل غير مقصود سلسلة من الحوادث الغريبة والمؤلمة.

وآنذاك، ظهر شاب يدعى جون هينكلي جونيور في هوليوود، حيث شاهد "سائق التاكسي" للمرة الأولى. إن ذلك الشاب المبعد عن عائلته، المدمن على حبوب فاليوم المهدئة، والمطرود حديثاً من مجموعة مناصرة للنازيين الجدد بسبب تطرفه الشديد، رأى نفسه في البطل المضطرب والساخط (ترافيس بيكل) في فيلم "سائق التاكسي". ولاحقاً، اعتبر أن خلاصه يكمن في شخصية إيريس، بالتالي جودي فوستر التي تؤديها. ثم بدأ الشاب يتبنى مظهر ترافيس بيكل، ويرتدي ملابس عسكرية وجزمات طويلة ويكتب يومياته على غرار ترافيس. وأصبح مهووساً بفوستر.

في هذه الأثناء، أنهت فوستر تعليمها المدرسي وبدأت الدراسة في "جامعة ييل" Yale سنة 1980. وفي الوقت الذي شهد تضخم شعور الجمهور بأن له الحق في اختراق حياة المشاهير، لم تكن فوستر مهتمة فعلياً بكونها شخصية معروفة. إذ أرادت أن تكون فتاة عادية. وبحسب ما توضح لاحقاً، "لم يكن الأمر كأنني خسرت طفولتي أو شعرت بالإنهاك، ببساطة لم تكن لدي أدنى فكرة كيف سيكون شعوري إذا خرجت تماماً وصرت تائهة تماماً من دون أي تجربة سابقة". بعد ذلك، تبنت "إطلالة لا تكترث برأي العالم". ودأبت على قضاء أوقاتها مع أشخاص متمردين على المجتمع. وانغمست تماماً في الحياة الجامعية. وطوال الوقت، لم تكن مدركة أن هينكلي جونيور قد تبعها إلى ولاية كونيتيكت.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لم تكن فوستر تعرف حتى بوجود جون هينكلي إلا عندما بدأ بتوصيل رسائل باليد إلى مسكنها. لقد تجاهلت الرسائل، إذ لم يكن هينكلي الشخص الوحيد الذي كان يعبر عن إعجابه برسائل مكثفة. وراح هينكلي يكتب مزيداً من الرسائل. ترك لها عشرات القصائد والرسائل والملاحظات التي يعبر من خلالها عن "حبه" لها. وعندما لم ترد على مراسلاته، بدأ يتصل بها هاتفياً. سألت خلال المكالمة الهاتفية الأولى بينهما، وقد سجلها ذلك الشاب، "من المتصل؟". فأجاب، "إنه الشخص الذي ترك لك ملاحظات في صندوق البريد طيلة يومين". وفي النهاية ، سلمت فوستر رسائل هينكلي إلى عميد الكلية.

في العادة، تُخْبَر النساء أنهن إذا لم يُلقين بالاً إلى محاولات الرجال غير المرغوب فيهم للتقرب منهن، فسيتركهن الرجال لحالهن. ولكن، يعرف معظمنا أن العكس قد يكون صحيحاً. فكلما تجاهلت فوستر هينكلي، زاد هوسه. وقد ذكر في تسجيل خلال ليلة رأس السنة الجديدة عام 1981: "جودي هي الشيء الوحيد المهم الآن. كل ما أفعله في1981 سيكون من أجل جودي فوستر وحدها. أعتقد أنني أفضّل رؤيتها وقد اختفت من الوجود على أن تكون برفقة رجال آخرين".

في مارس (آذار) 1981، كتب هينكلي رسالته الأخيرة إلى فوستر. وأوجز فيها خطته بشأن إنجاز "عمل تاريخي" يعكس حبكة الفيلم الذي افْتُتِنَ به. لاحقاً، سيحاول قتل الرئيس. كتب في مقدمة الرسالة، "كما تعلمين جيداً الآن، أنا أحبك كثيراً. جودي، سأصرف النظر عن فكرة اغتيال ريغان مباشرة إذا تمكنت من الظفر بقلبك وتمضية بقية حياتي معك، سواء أكان ذلك في السر تماماً أو أي صيغة أخرى. سأعترف لك أن السبب وراء مضيي قدماً في هذه المحاولة الآن يتمثل في أنني لا أستطيع الانتظار أكثر كي أثير إعجابك. يجب أن أفعل شيئاً الآن لأجعلك تفهمين بما لا يدع مجالاً للشك أنني أفعل هذا كله من أجلك".

لم يرسل هينكلي تلك الرسالة أبداً. لقد تركها في غرفته في الفندق، وتوجه إلى فندق "واشنطن هيلتون" بعيد إنهاء الرئيس ريغان خطاباً. وراح ينتظر. حينما ظهر ريغان، أطلق هينكلي النار. أطلق ست رصاصات في غضون 1.7 ثانية، لكنه لم يكن رامياً جيداً.

لقد أصابت الرصاصة الأولى السكرتير الصحافي للبيت الأبيض، جيمس بريدي، الذي أصيب بشلل دائم وتوفي في نهاية المطاف نتيجة إصابته بعد 33 عاماً. شكّل ضابط الشرطة توماس ديلاهانتي الضحية التالية، ثم عميل الخدمة السرية تيم مكارثي، الذي جعل جسده درعاً في مواجهة النار. أطيح بهينكلي أرضاً بعد عراك واعتُقِل، لكن ليس قبل أن ترتد الرصاصة السادسة والأخيرة من سيارة ليموزين الخاصة بالرئيس وتصيبه تحت ذراعه. في خضم كل تلك الفوضى، لم يلاحظ ريغان حتى أنه تعرض لإطلاق النار، إلى أن بدأ الدم يخرج من فمه. عندما وصل إلى مستشفى "جامعة جورج واشنطن"، بدا مشارفاً على الموت.

في عشية ذلك اليوم، تسكعت فوستر في الجامعة مع أقرب أصدقائها. ثم صرخ أحدهم بهما بأن ريغان تعرض لإطلاق نار. لكن فوستر واصلت يومها بشكل طبيعي، ولم تعرف المستجدات بسبب جهاز الراديو المعطل. وتالياً، لم تدرك مَن الشخص الذي كان وراء محاولة الاغتيال إلا في وقت لاحق من ذلك المساء، حين عادت إلى غرفتها في السكن الجامعي. وكانت أول كلمة نطقتها زميلتها في الغرفة هي "جون".  لقد تهشم الأمان الهش الذي يحيط بحياتها العادية.

في مقال نشرته مجلة "إسكواير" سنة 1982 وروت فيه فوستر للمرة الأولى والأخيرة تفاصيل التجربة، تحدثت بشكل مؤلم عن الوهم الذي يحيط بالمشاهير. وكتبت، "يمكن للرجل أن يشتري ملصق أحد الأفلام، ويعلقه على خزانة ملابسه، ويتخيل أدق التفاصيل حول النجمة الصغيرة. سيعرف كل شيء عنها. سيتملك واقعها الخارجي. وتالياً، بالطبع كان هينكلي "يعرفني". فتلك المرأة التي تظهر على الشاشة تمنح كل ما لديها وتقدم نفسها أمام الجميع كي يعملوا على تقييمها والتعرف عليها واصطحابها إلى منازلهم".

بعد عملية إطلاق النار، عُقِدَت مؤتمرات صحافية، واجتماعات مع كبار الشخصيات في "جامعة ييل". وكذلك جرت محادثات مع المحامين و"مكتب التحقيقات الفيدرالي"، مصحوبة بمعجب مهووس آخر تراجع عن خططه لإطلاق النار على فوستر لمجرد أنها "شديدة الجمال". ولقد لاحقها الصحافيون في كل مكان. ووفق ما تذكرته في مقال مجلة "إسكواير"، "لقد ملأوا الصحف بالعناوين، واقتحموا الحرم الجامعي مثل غزاة على الأحصنة. لم أستطع حماية نفسي من التعرض للدهس". لم تتحدث إلى الصحافة، باستثناء قولها، إنها تخطط "استئناف حياتها الطبيعية". عندما أخبرت المحكمة أن لا علاقة لها بهينكلي، صرخ الرجل، "سأصل إليك يا فوستر!". وقد ثبتت براءته من 13 تهمة بسبب الجنون، ثم احتُجز في مستشفى للأمراض النفسية. (أُطلق سراحه في 2016 بشرط ألا يتواصل مع فوستر).

 

وفي مقابلة أجرتها هادلي فريمان لمصلحة صحيفة "الغارديان" في 2018، ذكرت الصحافية، "تخيلوا حجم القدرة على ضبط النفس الذي ستحتاجونه كي تصمدوا في حياة شبيهة بحياة فوستر ومواصلة العمل". لا تكتفي فوستر بمواصلة العمل، بل إنها تزدهر. خلال الأربعين عاماً التي تلت محاولة هينكلي تدمير حياتها، فازت بجوائز "أوسكار" و"غولدن غلوب" و"إيمي" و"سيسيل بي ديميل" (الفخرية التي تُمنح من قِبل "رابطة هوليوود للصحافة الأجنبية" لأصحاب الإسهامات البارزة في صناعة الترفيه)، مع حرصها على تجنب أداء أدوار سهلة. وكذلك ليس من الممكن حصر الشخصيات النسائية التي أدتها، ضمن إطار معين. وينطبق ذلك أيضاً عليها شخصياً. إلى يومنا هذا، ما زالت غير مهتمة بأن تكون معروفة.

في 2013، خلال استلامها جائزة "سيسيل بي ديميل" في حفل "غولدن غلوب"، انتظرت الصحف الشعبية بفارغ الصبر أن تعلن فوستر أنها مثلية، لكن الممثلة أعلنت أنها... "عزباء". لم تنكر الأمر شخصياً. ولسنوات طويلة، عاشت بعيداً عن أعين الناس ولكن ليس في السر، مع شريكتها السابقة سيدني برنارد، لكنها رفضت أن تتناول الصحف حياتها بسهولة. ولقد وصفت ذلك، "حطمت ذلك التابو بالفعل منذ نحو ألف عام في العصر الحجري. في تلك الأيام الغريبة، حينما كنت تلك الفتاة الصغيرة الضعيفة التي تبوح للأصدقاء والأقرباء والزملاء الذين تثق بهم، ثم بشكل تدريجي وبكل فخر تخبر كل من عرفها وفعلياً كل شخص قابلته". إن تلك الكلمات القليلة الأخيرة واضحة ودقيقة.

أضافت لاحقاً، "إذا كنتِ شخصية عامة منذ كونك طفلة صغيرة، وإذا توجب عليك مجابهة كل الصعاب من أجل حياة تبدو حقيقية وصادقة وطبيعية، فربما تقدّرين الخصوصية أيضاً قبل كل شيء. في يوم من الأيام، في المستقبل، سيسترجع الناس الماضي ويتذكرون كم كانت الخصوصية جميلة ذات يوم".

لن نتمكن أبداً من معرفة إذا كان هينكلي السبب وراء شعار "الخصوصية قبل كل شيء" الذي تتبناه  فوستر، أو ما إذا كان مجرد تأكيد عنيف لتلك المقولة. وفي مقال مجلة "إسكواير" عينه، جاء حديثها عنه مزيجاً من الغضب والتعاطف والاشمئزاز.

ووفق كلماتها، "أشعر بالأسف تجاه الأشخاص الذين يخلطون بين الحب والهوس، وأشعر بالأذية من قبل الأشخاص الذين عكسوا حيرتهم عليّ. إن الهوس ألم وتوق إلى شيء غير موجود. تمثلت الجريمة الكبرى التي ارتكبها جون هينكلي في الخلط بين الحب والهوس. لن أسامحه أبداً على تتفيه الحب. يدفعني جهله إلى الاكتفاء بالإشارة إلى أنه افتقد أشياء كثيرة. الحب مُفرح. في المقابل، يثير الهوس الشفقة، وانغماس في الأهواء الشخصية. إنه درس تعلمته. سأكون حذرة دائماً من الأشخاص الذين يعلنون حبهم لي. أنا أعرف ما هو الحب. لكن، هل يعرفون ذلك؟".

© The Independent

المزيد من سينما