Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عودة عصر سكورسيزي الذهبي في فيلم "الأيرلندي" مع روبرت دي نيرو وجو بيشي

قد لا يتمتع العمل بنفس الجاذبية المباشرة لأفلام مثل "الأصدقاء الطيبون" أو حتى "كازينو"، لكنه تكوين مختلف في الصميم

(رويترز)

إخراج: مارتن سكورسيزي

بطولة: روبرت دي نيرو - آل باتشينو - جو بيشي - هارفي كيتل - بوبي كانافيل - آنا باكوين و ستيفن غراهام.

التقييم الرقابي: 15 سنة

المدة: 208 دقائق

يرافق فيلم "الأيرلندي" شعور بأنه يجب أن يكون موجوداً في الزمن الماضي. إنه شبيه بذاكرة باهتة، أو قصة تكررت مراراً، وبدأت تفاصيلها تصبح مشوشة. هل عرفت خدمة نيتفلكس عندما قدمت مبلغاً جسيماً قدره 150 مليون دولار لتمويل مشروع مارتن سكورسيزي الشغوف أنها ستحصل على عمل كهذا بالمقابل؟ قد يكون من الصعب الإجابة على هذا التساؤل، لكن هذه هي عظمة فيلم "الأيرلندي"، الذي يشكل عودة في مرحلة متأخرة من المسيرة المهنية للمخرج إلى نمط أفلام العصابات الذي ساعد شخصياً في تشكيله. قد لا يتمتع العمل بالجاذبية المباشرة لأفلام مثل "الأصدقاء الطيبون" أو حتى "كازينو"، لكنه تكوين مختلف في صميمه. وتستمر آثاره لمدة طويلة. فبعد ساعات (أو حتى أيام) من شارة النهاية، لا يزال شعور صامت بالحزن يرافق المشاهدين.

استمد سكورسيزي وحيه من الاعترافات التي قدمها "فرانك شيران الأيرلندي" في مرحلة متأخرة من حياته، والتي وصفتْ حياته المهنية السابقة كقاتل محترف. قام المحامي تشارلز براندت بتدوين الاعترافات في كتابه الذي صدر عام 2004 بعنوان "سمعتُ أنك تطلي المنازل". كان شيران (الذي يؤدي دوره روبرت دي نيرو) سائق شاحنة في فيلادلفيا وقع تحت سيطرة اثنين من رجال المافيا البارزين، وهما راسل بوفالينو (جو بيشي) وأنجيلو برونو (هارفي كيتل). وكما يوحي الفيلم، فإن الوقت الذي أمضاه في القتال في إيطاليا خلال الحرب العالمية الثانية قد استبدل بوصلته الأخلاقية بالتزام ثابت باتباع الأوامر. جعله هذا الخيارَ المثالي للقيام بأعمال العصابات القذرة. وبالنتيجة، انتهى به الأمر إلى العمل مع جيمي هوفا (آل باتشينو)، رئيس أقوى اتحاد في أميركا، والذي تربطه صلات وثيقة بالمنظمات الإجرامية في البلاد.

يترك أسلوب سكورسيزي المميز في التصوير أثراً في المشاهدين مثل نخب معتق، حيث تمر اللقطات بانسيابية وأناقة كما يمكنكم أن تتوقعوا. يتم تقديم العنف في جرعات حادة مكثفة وصادمة. حتى أن السيناريو الذي وضعه ستيفن زيليان ينقل بكل دقة طريقة كلام رجال العصابات، مع وجود جدال حول الأسماك والتثاقل، والمصطلحات القصيرة المميِّزة لهذا النوع من الأعمال والتي يبدو أنها ستصبح أقوالاً مأثورة إلى الأبد ( من نمط "هذا مضحك كأنني مهرج، هل أثير إعجابك؟").  وبناء على ذلك، يبدو الفيلم وكأنه عودة لعصر المخرج الذهبي، خاصة مع لم شمل اثنين من أعظم الممثلين الذين تعاونوا معه: دي نيرو وبيشي. وعلى الرغم من أنها قد تكون المرة الأولى التي يعمل فيها مع آل باتشينو، فإن الأخير لا يزال أحد عمالقة هذا النوع من الأفلام.

لم يكن دي نيرو وباتشينو يسعيان وراء مشاريع رفيعة في الآونة الأخيرة، في حين أن بيشي كان قد تقاعد تقريباً خلال العقد الماضي. ولكن هنا، تمت إعادة شحن النجوم الثلاثة ليقدموا أداءات مذهلة. ويتمكن دي نيرو من رسم موت ضمير شيران بدقة.

التحولات في مزاجه بالكاد تكون محسوسة - وباديء ذي بدء، إنه الرجل الهادئ والصلب الذي ينفّذ كل ما يُطلب منه - لكنكم تشعرون في النهاية أن شيئاً عميقاً قد تغير في داخله. وفي الوقت نفسه، ينضح باتشينو بالطاقة ويقول  كلمة "سافل" أكثر مما قاله أي رجل على مر التاريخ. لكن يبدو أن الكاريزما الهذيانية التي يتمتع بها تُهزم مرة أخرى في النهاية، ولا تغشى على التهكم من الذات بعد الآن.

وعلى الرغم من الضجة التي أثيرت حول استخدام الفيلم للصور المنشأة بواسطة الحاسوب لإزالة علامات التقدم في السن (وهي السبب في ميزانية العمل الضخمة)، فإنها أقل إزعاجاً مما تعتقدون. في الواقع، إن المشكلة الأكبر هي تأثير العدسات اللاصقة ذات اللون الأزرق الفاقع التي يرتديها دي نيرو من أجل التأكيد على الإرث السِّلتي لشيران.

مع ذلك يبدو بيشي أنه أكثر شخص انتقامي هنا. حياته المهنية المتمثلة في التلاعب بالرجال المتقلبين والسوقيين قد انقلبت بأكملها رأسا على عقب. يكون راسل في أقصى حالات قوته عندما لا يتفوه بكلمة. حيث تستطيع نظرة عارفة واحدة تغيير مجرى حياة رجل. كما أن الشخصيات النسائية في فيلم "الأيرلندي" تتواصل أيضاً من خلال النظرات. على الرغم من أنه من المؤكد أن هذا الأمر لن يخفف من الادعاءات القائلة إن سكورسيزي يهمل الشخصيات النسائية في أعماله، فإن الخيار كان مدروساً هنا. فالنساء هن المراقبات الصامتات لهذا الاضمحلال. إنهن الشخصيات التي تراقب بغضب وتصدر أحكامها من بعيد. إنه فيلم تمت رواية حكايته من وجهة نظر ذكورية تماماً، لكنه عمل لا يتجاهل تقاطعاته مع المنظور الأنثوي.

بنفس القدر الذي يحيا فيه فيلم الأيرلندي في ظلال ماضي سكورسيزي، فإنه أكثر تروياً واحتراماً من الأعمال التي سبقته. لم تعد لقطات التعقب تأخذنا عبر الباب الخلفي لنادي كوباكابانا الليلي الصاخب في نيويورك، ولكن من خلال الممرات البيضاء الساطعة لدار رعاية المسنين، حيث نقابل شيران لأول مرة. في أحد مشاهد استرجاع الماضي، نراه يجبر الجنود الإيطاليين على حفر قبورهم بأيديهم قبل إعدامهم. بطريقة ما، فإن رجال العصابات هؤلاء قد رسموا المصير ذاته لأنفسهم. حيث لا يلقون حتفهم في وقت مبكر دائماً. بل ينتهي المطاف ببعضهم في السجن، والبعض الآخر يصبحون شاهدين على انهيار وجودهم من حولهم. لكن فيلم الأيرلندي يذكرنا، بطريقة أوضح من أي عمل من أعمال سكورسيزي السابقة، أن الانتقام أمر لا مهرب منه.

يُطرح فيلم ’الأيرلندي’ للعرض في دور السينما في المملكة المتحدة في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي وعلى خدمة نيتفلكس في 27 من الشهر نفسه.

© The Independent

المزيد من فنون