Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المحافظون مهووسون بعلم المملكة المتحدة... لماذا؟

بغض النظر عن جهود اليمين المتطرف لسرقته، وعن الإفراط في استخدامه من قبل بعض أعضاء حزب المحافظين غريبي الأطوار، فإن علم الاتحاد كان غير سياسي إلى حد كبير

سيدة متحمسة لعلم المملكة المتحدة خلال مؤتمر حزب المحافظين لعام 2018 (غيتي)

باعتبار أن لدى الناس ميلاً ليكونوا عشائريين، فإن رفع الأعلام واللافتات والشعارات، أو عدم رفعها، سلوك مرشح لإثارة الجدل، حتى في أكثر الديمقراطيات ليبرالية التي يكون سكانها عادة متسامحين. وحتى في دول تجرم حرق العلم أو تدنيسه بشكل أو آخر، مثل فرنسا، لأنها تعتبر ذلك تصرفاً غير قانوني، فإن إظهار عدم الاحترام للعلم يتم أحياناً بهدف الإعراب عن معارضة سياسية، أو تحدٍ من هذا النوع.

وكما هو الحال مع التماثيل والنصب التاريخية، تتمتع الأعلام، في معظم الأحيان، بالقدرة على تقسيم المجتمعات وتوحيدها. وحين تحاول الأحزاب السياسية الاستئثار بعلم والتفرد به وكأنه يخصها وحدها، فإن ردود الفعل بين الآخرين تكون حادة بشكل خاص.

ويتجلى أحد الأمثلة على ذلك، من خلال حالة الشعبية المفاجئة لعلم الاتحاد (المملكة المتحدة) بين الوزراء البريطانيين وغيرهم من سياسي حزب المحافظين. كان المحافظون في الماضي، وهم ينتمون إلى حزب الإمبراطورية، أكثر سعادة من الآخرين بوضع علم الاتحاد على الطاولة في اجتماع عام، أو بتزيين بيانهم الانتخابي بعدد من هذه الأعلام، وذلك لتذكير الناخبين بافتقار خصومهم المفترض والضمني إلى الوطنية، لكن كان ذلك عبارة عن خدعة استخدمت في مناسبات قليلة، حتى من جانب أشخاص من نسيج مارغريت ثاتشر، رئيسة الوزراء السابقة التي غطت ذات يوم بشيء من المزاح ذيل نموذج لطائرات شركة الخطوط الجوية البريطانية الجديدة حينذاك الذي حمل زخرفات مستقاة من تصاميم ذات أصول إثنية بدلاً من ألوان العلم التقليدية الأحمر والأبيض والأزرق التي كانت ترتسم على الذيل في الماضي، لكن لم تعد الاستعانة بالعلم نادرة كما كانت قبل عقود قليلة.

ويتبارى حالياً أعضاء مجلس الوزراء البريطاني في الزج بالعدد الأكبر من أعلام الاتحاد وأضخمها في مكالماته المصورة عن طريق تطبيق زوم. وحين تعرض روبرت جينريك وزير المجتمعات للمضايقة بشكل لطيف من خلال سؤاله في سياق مقابلة أجريت معه في برنامج "بريكفاست" الذي تبثه القناة التلفزيونية الأولى التابعة لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" عن "تصنيفه" من حيث الاهتمام بعلم الاتحاد، تم توبيخ مقدمي البرنامج ناغا مونشيتي وتشارلي ستايت بشكل علني من قبل إدارة "بي بي سي"، حتى إن نائباً من حزب المحافظين سأل عن سبب عدم استعمال "بي بي سي" للمزيد من أعلام الاتحاد خلال إجرائها المراجعة السنوية.

بعبارات أخرى، إن العلم الوطني يتحول حالياً إلى جبهة جديدة في إطار الحروب الثقافية التي تشهدها بريطانيا، وتزداد سخونة المعركة وحدتها. وأعرب أوليفر دودن، وهو وزير الثقافة، عن اعتقاده أخيراً أن قواعد جديدة تتعلق بالعلم ستكون عبارة عن "تذكير ينطوي على الفخر بتاريخنا والروابط التي تشدنا بعضاً إلى بعض". وتفيد الدلائل الأولى بأن هذه القواعد لن تكون كما وصفها الوزير على الإطلاق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويريد بوريس جونسون أن يرفع العلم على كل المباني الحكومية على مدار العام، وذلك بدلاً من أن يرفرف عليها فقط في أيام القديسين وأعياد الميلاد الملكية والمناسبات المهمة في حياة الأمة، كما هو الوضع حالياً.

وذكر أن المجالس البلدية المحلية "ستشجع على القيام بذلك" أيضاً، ربما مع العلم بأن إرسال عناصر شرطة لتمزيق علم للاتحاد الأوروبي أو للمثليين أو المتحولين جنسياً، سيكون تصرفاً سياسياً محفوفاً بالمخاطر حتى بالنسبة لهذه الإدارة المحافظة، حتى إن هناك اقتراحاً يقضي بجعل رفع علم الاتحاد الأوروبي المرصع بالنجوم مشروطاً بالحصول على رخصة رسمية من النوع المسمى "إذن تخطيط" (من المفترض أن ذلك سينطبق فقط على السلطات العامة، لكن لا سبيل للتأكد من ذلك)، وإذا تم ذلك فإنه سيمثل معاملة فريدة، ولا سيما أنه لا يوجد حظر صريح على العلم النازي بصليبه المعقوف أو على علم "داعش" الأسود.

ويبدو هذا الإجراء مبالغاً فيه قليلاً حتى بالنسبة لأنصار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تماماً كالفكرة التي أسقطت حالياً من الحساب، وكانت تنص على وجوب تزيين قوارير لقاح كوفيد الصغيرة بأعلام الاتحاد البريطاني الصغيرة.

وبالطبع، لا ينفرد السيد جونسون بإدارك قوة الرموز الوطنية، فهناك من يشاطره هذا الموقف، مثل نيكولا ستورجين، رئيسة الحكومة المحلية في اسكتلندا، هي نظيرته في هذا المجال. من المنصف القول إن من النادر أن ترى علم الاتحاد البريطاني في أي مكان في اسكتلندا منذ بعض الوقت، إلا أن رئيسة الحكومة هناك تريد الآن أن تذهب إلى أبعد من ذلك.

وخلافاً لما أوردته بعض التقارير، فهي لم "تحظر" رفع علم الاتحاد البريطاني في أي مكان، كما لم "تستبدل" علم الاتحاد الأوروبي به، غير أنها قررت عدم رفع علم الاتحاد في أعياد الميلاد الملكية، فيما يبقى علم الاتحاد الأوروبي خفاقاً في سماء اسكتلندا على مدار العام تقريباً. وحيث لا تتمتع الحكومة الاسكتلندية بالصلاحيات القضائية، كما هي الحال بالنسبة لمكاتب الحكومة البريطانية، سيبقى علم الاتحاد خفاقاً بشكل ينطوي على التحدي، يتمايل مع هبات النسيم الاسكتلندي، أياً كان المناخ السياسي السائد هناك.

وتعد إيرلندا الشمالية، حيث الحروب الثقافية مألوفة، مستثناة من مرسوم المملكة المتحدة الجديد. وكان رفع علم جمهورية إيرلندا بألوانه الثلاثة في إيرلندا الشمالية قبل عقود عدة مخالفاً للقانون (عملياً)، ويمكن أن يبدي الأفراد وعناصر "شرطة ألستر (إيرلندا الشمالية) الملكية" بعض التشدد والقسوة في إزالته من النوافذ وغيرها، على نحو لم يساعد في تعزيز علاقات التفاهم بين المجتمعات المحلية في ستينيات القرن الماضي وساهم في دفع الأوضاع إلى التفجر وبدء الاضطرابات في الإقليم.

ولم يلغ قانون أعلام وشعارات إيرلندا الشمالية لعام 1954 حتى 1987، ويحاول اليوم السياسيون الالتفاف بحذر على استخدام هذه الرموز القوية والاستفزازية أحياناً، والتي لا تزال أشبه بالمؤشر الذي يحذر من أمور خطيرة، حتى بعد مرور عقدين من الزمن على عملية السلام. وإن الراية التي ترتسم عليها اليد الحمراء والتاج، وهي في الواقع أقرب شيء إلى علم ما حظيت به إيرلندا الشمالية، لم تكن يوماً راية رسمية ونظر إليها على الدوام بأنها رمزاً للتفوق البروتستانتي، وذلك تماماً كما اعتبر علم الجمهورية الإيرلندية رمزاً مكافئاً للجيش الجمهوري الإيرلندي. وليست هذه التجربة سابقة تدعو للبهجة بالنسبة لما خططت حكومة بوريس جونسون لتطبيقه في البر الرئيس للبلاد. وإن الطرق التي استولت بها أحزاب يمينية متشددة، مثل "الجبهة القومية"، و"الحزب القومي البريطاني" على علم الاتحاد البريطاني، كما حصل مع علم إنجلترا لسانت جورج أيضاً، هي بمجملها إشارات إلى ذكريات غير سارة تعيد إلى البال الأخطار الناجمة عن تسييس شعارات يجب أن تبقى غير مثيرة للجدل.

في الواقع، إن روح القانون الذي يسعى بوريس جونسون إلى تطبيقه ونصه، يتعارضان مع تشريعات أخرى كان الهدف منها هو تجريد العلم من عنصري الاستفزاز وإثارة الجدل اللذين يمكن أن ينطوي عليهما. ويعد كل من قانون النظام العام لعام 1986، وقانون الإرهاب لعام 2000، تشريعين بارعين في ردع الاستخدام المستفز والسياسي للأعلام، وهو أمر يجري الآن اقتراح تبنيه كسياسة حكومية، ذلك أن أولئك الذين يعارضون الحكومة وحزب المحافظين بشدة سيرون أن العلم يستخدم على يد الحكومة كرمز سياسي وليس كرمز وطني، وهو ما يتعارض مع الهدف المعلن من استعماله.

كان علم الاتحاد على امتداد الشطر الأكبر من العقود القليلة الماضية دائماً جزءاً من الوعي القومي البريطاني، كما ارتبط أحياناً بالحرية والديمقراطية وهزيمة الفاشية، لكن من المنصف أن يضاف إلى هذه الدلالات أيضاً أن علم الاتحاد ترافق في أوقات أخرى مع الفتوحات والقمع الإمبرياليين. وأياً كان الأمر، فقد كان علم الاتحاد ضمن المملكة المتحدة، وبعيداً عن مناسبات اليوبيل المختلفة، وحفلات الزفاف الملكية، ويوم النصر في أوروبا، وغيرها من اللحظات الوطنية الهامة المشتركة، في الغالب الأعم رمزاً غير مزعج، لا يحمل أي صبغة إكراه. ولم يرَ الملوك ورؤساء الحكومات، ضرورة للتلويح به بشكل أخرق في كل فرصة سانحة، وحذا الوزراء وأعضاء المجالس البلدية حذوهم بإصرار أكبر. وبغض النظر عن جهود اليمين المتطرف لسرقته، وعن الإفراط في استخدامه من قبل بعض المحافظين غريبي الأطوار، فإن علم الاتحاد البريطاني كان غير سياسي إلى حد كبير، لكن ذلك لن يبقى كذلك لوقت طويل، كما يبدو.

© The Independent

المزيد من آراء