قد تكمن المشكلة الكبيرة مع "الوضع الطبيعي الجديد" الذي نعيشه في أن كثيرين منا يمارسون الآن عملهم من المنزل، ويتعين عليهم تالياً الاعتماد في إنجازهم أي شيء، على عدد من وسائل الاتصال الرقمية التي لا تحصى ولا تعد. وفي ما يتعلق بي، كطالب وصحافي، أجد نفسي مقيداً برسائل البريد الإلكتروني في معظم مهامي (على الرغم من اشمئزازي منها). في المقابل، تتمثل أفضل وسيلة لمواصلة العمل في هذا المجال، في استخدام متعقب البريد الإلكتروني لدي، والذي لا أدري كيف يمكنني الاستغناء عنه.
جاءت المرة الأولى التي تعرفت خلالها على نظام تتبع رسائل البريد الإلكتروني، سابقةً لأوانها، إذ كنت أحضر ورشة عمل مع زملائي الصحافيين، ومن الواضح أنني عانيت إحباطاً وقلقاً متزايدين من أن مقترحات المواد التي أرسلها إلى أحد ما عبر البريد الإلكتروني، قد لا يجري الاطلاع عليها. وتملكتني رغبة شديدة في معرفة إذا كان الأشخاص يفتحون فعلاً أي من تلك الرسائل.
في ذلك الحين، حدث أن أخبرني أحدهم عن نظام تعقب رسائل البريد الإلكتروني الذي يعد أداة مراقبة أساسية لصندوق الرسائل الواردة. ويستخدم عادةً صورةً مصغرة غير مرئية مرفقة ببريدك الإلكتروني المرسل إلى المتسلمين، لكن عند فتح البريد، تحمل الصورة من أحد الخوادم الذي يسجل تلك البيانات لمصلحة وكالة التتبع.
في المقابل، ثمة تفاوت في مدى الدقة بين أجهزة التتبع (ملاحظة المحرر - وسائل التعقب لا تستطيع سوى تسجيل الوقت الذي يفتح فيه المتلقي الرسالة الإلكترونية، وليس كلما يستخدم الأخير بريده الإلكتروني، ولا تنهض تلك الوسائل دوماً بالمهمة المطلوبة منها بشكل موثوق. لذا، فإن استخدام متعقب البريد الإلكتروني كإجراء ملموس في تتبع عدد المرات التي يطلع فيها الفرد على رسالة، لن يكون دقيقاً مئة في المئة).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في ما يتعلق بي، أستخدم متعقب "غوغل" المجاني للرسائل الإلكترونية. وعلى الرغم من أن النسخة المدفوعة جذابة على نحو كبير، فإنها باهظة الثمن، ويكلف الاشتراك فيها شهرياً؛ 10 جنيهات استرلينية (14 دولاراً أميركيا). ويمكن استخدام متعقبات البريد الإلكتروني بشكل سري، ولا يمكن لأحد معرفة ذلك ما لم تخبرهم بالأمر.
وفي هذا السياق، كشف تحليل أجرته شبكة "بي بي سي"، أخيراً، أن ثلثي رسائل البريد الإلكتروني المرسلة إلى حسابات شخصية تتضمن "بيكسل" تتبع التحويل. وفي 2017، أشارت مجلة "وايرد" Wired إلى أن خمس الاتصالات عبر البريد الإلكتروني، يجري تعقبها. وعندما اقترح عليّ استخدام أداة تعقب، بدا الأمر بالنسبة لي كأنه حل بسيط لمشكلة مزعجة، لكنني لم أدرك حينها أن هذه الأداة الوسيلة العملية، ستكون سبباً في تعرضي لمشكلات جمة.
وقعت أولى تلك المشكلات قبل بضعة أشهر، حينما تابعت رسالةً إلكترونية بعثت بها إلى رئيسة تحرير، وسألتها إذا كانت مهتمة بالعرض الذي اقترحته. لقد أظهر متتبع بريدي أنها قرأت الرسالة الإلكترونية 14 مرة، لكن جوابها لم يكن لطيفاً. فقد بادرتني بالسؤال "ألا تعتقد أن معرفة عدد المرات التي قرأت فيها رسائلك الإلكترونية يشكل تعدياً كبيراً على الخصوصية؟" لم أقوَ على الإجابة، ربما بسبب الخجل أو الإحراج، أو ببساطة لأنني لم أكن أعرف كيف أرد.
في المقابل، لقد واصلت استخدام نظام التعقب، إلى حين أن اتهمتني إحدى المعلمات السابقات "بالتدخل في شؤونها الخاصة" عبر استخدامه. وأخبرتني أنني فقدت ثقتها بسبب اقتحامي نطاقها الشخصي، وأعربت أيضاً عن اعتقادها أن ما أفعله قد يثير مخاوف مرتبطة بالحماية الشخصية، وأبلغتني بأنني قد أصبتها بخيبة أمل.
وعلى الرغم من أنه بدا واضحاً أن الأمر بات شديد السوء، فإن أياً من هاتين الحادثتين لم يكن كافياً لردعي عن استخدام متتبع البريد الإلكتروني. فأنا الآن لا أبعث برسالة من دون أن أستخدمه. أعترف بأنني لطالما كنت لجوجاً في التدقيق والبحث الجاد. ومثلاً، ثابرت على معرفة إذا كان شخص ما قد أخذ قطعة شوكولاتة واحدة من علبة الحلويات الخاصة بي. ولكن، مفعول وباء كوفيد-19، وضرورات العمل من بعد من المنزل، قد فاقمت هذا الأمر. إنني أمضي ساعات بالاستمتاع في التحديق في الرسائل الإلكترونية التي أبعث بها، لمعرفة إذا كان الناس يقرؤونها أم لا. ولست وحدي واقعاً في هذا الإدمان.
كاتي توبين، الطالبة البالغة من العمر 22 عاماً، تحذو حذوي في استخدام نظام التعقب في جميع رسائلها، إذ أخبرت صحيفة "اندبندنت" أنها تعتبر "ذلك الأمر مفيداً للغاية، خصوصاً للأفراد الذين يعملون لحسابهم الخاص، لكن أكثر ما استمتعت به أثناء استخدام نظام تعقب البريد الإلكتروني، حدث عندما قدمت شكوى، وفتحت رسالتي 87 مرةً في يوم واحد، ولقد واجهتهم بذلك الرقم".
من جهة أخرى، ترى سالي بايكر، وهي من كبار المعالجين، أن استخدامي المفرط لمتعقب البريد الإلكتروني "يأتي بنتائج معاكسة". وتعتقد أيضاً أن الأشخاص الذين يستخدمون أداة تتبع الرسائل الإلكترونية يفتقرون إلى الثقة في أنفسهم، ويعيشون شعوراً بعدم الأمان، ويخشون من الفشل. وعندما أخبرت المعالجة عن ردة الفعل السلبية التي تعرضت لها، طلبت مني الإصغاء إلى ما يقوله هؤلاء الأشخاص.
وتضيف بايكر "حينما تستخدم نظام تعقب البريد الإلكتروني، وتعلق على الزمن الذي يرد فيه الأشخاص على رسالة إلكترونية، فإنك تكون قد انتهكت خصوصيتهم، وقد يضر ذلك تالياً بحصولك على الرد الذي تبتغيه". وأضافت "نحن لا نعلم ما إذا كان متلقي الرسالة مشغولاً في عمله، وما الظروف التي تحيط به، لذا قد يكون مربكاً ومزعجاً أن نشير إلى الوقت الذي فتح فيه المتلقي الرسالة الإلكترونية".
مما لا شك فيه أن اتهام الناس لي بأنني "أنتهك خصوصيتهم"، أو "أقوض ثقتهم بي"، يشكل مسألة شديدة الإزعاج بالنسبة إليّ، لكن هذه ليس نيتي. فبالنسبة إليّ، تبدو ذلك طريقة ذكيةً في ممارسة الأعمال.
وفي ذلك المضمار، واستناداً إلى تقرير شبكة "بي بي سي"، يجري استخدام أدوات تعقب البريد الإلكتروني من قبل بعض أكبر العلامات التجارية، ولا سيما منها "الخطوط الجوية البريطانية" British Airways، وشركة "توك توك" TalkTalk لخدمات الاتصالات والتلفزيون، وشركة "فودافون" Vodafone للاتصالات عبر الخليوي، وسلسلتا "ساينزبوريز" Sainsbury’s و"تيسكو" Tesco لمتاجر السوبرماركت، وبنك "أتش أس بي سي" HSBC، ومتاجر "ماركس أند سبنسر" Marks & Spencer، وموقع "أسوس" Asos الإلكتروني لبيع الألبسة والأزياء، وشركة "يونيلفر" Unilever لمبيعات السلع الاستهلاكية.
وفي الشأن نفسه، ترى أوليفيا كريلين، مؤسسة منصة "برس باد" Press Pad لتطبيقات النشر الرقمي، أن "العامل الرئيس وراء استخدام هذا النظام يكمن في تعزيز مستوى الفاعلية والراحة في العمل، إضافة إلى تخفيف حدة التوتر والاحتقان التي يمكن أن يتعرض إليها العاملون لحسابهم الخاص في تعاونهم غير المتكافئ مع رئيس تحرير الذي لديه الحق الكامل في تكليف المهمات، والقدرة على التحكم المالي بالبدل لقاء العمل. أعتبر ذلك بمثابة خطوة صغيرة من شأنها أن تعيد التوازن إلى تلك العلاقة، وتجعلها أكثر إنصافاً إلى حد ما. وبواسطتها، يمكن تحسين أوضاع العمل بالنسبة إلى الجميع".
في حقيقة الأمر، أدرك أن اعتماد متعقب للبريد الإلكتروني لا يعني أن الناس سيكونون أكثر ميلاً إلى الرد على رسائلي الإلكترونية، ولا يضاعف في المقابل من فرصي في الحصول على تكليف بعمل ما من جانب رئيس تحرير. في المقابل، تتمثل محاسن استخدامه في أنه يخفف من حدة القلق لديّ، والتساؤل على مدار ساعات عما إذا كان المتلقي قد اطلع على رسالتي أم لا.
وبمجرد أن أعرف أن الرسالة وصلت بأمان، وجرت قراءتها، يزول إلى حد ما الشعور بالقلق. وإذا كان أحد الأشخاص مشغولاً للغاية، أو شديد الفظاظة بحيث لا يمكنه الرد عليها، فذلك جل ما أود معرفته.
© The Independent