Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عقدة "ممانعة" داخلية و"مقاومة" حل خارجي

"مهما كابرت المافيا وتنمرت وتصورت أن لا شيء يهز سلطتها وتسلطها فإن نهايتها حتمية تاريخية"

قدم لبنان التزامات بالإصلاح في "مؤتمر سيدر" تبلورت في المبادرة الفرنسية (أ ب)

لطالما كان لبنان من المسارح المفتوحة أمام الصراعات الأكبر منه، التي صارت مختصَرة بتعبير "لعبة الأمم". حتى البعد الداخلي الطبيعي في أزماته، كان تحريكه يتسارع مع هبوب العواصف الخارجية. والمفارقة حالياً وسط تراكم الأزمات واستعصاء تأليف حكومة أن العقدة داخلية والحل خارجي. ظاهر العقدة هو الصراع على الحصص بين القوى المحلية، وباطنها هو حسابات العامل الإيراني المؤثر جداً والذي صار عاملاً محلياً وقضية داخلية في لبنان. وليس أمراً قليل الدلالات أن يكون العرب والغرب أحرص على لبنان واللبنانيين من التركيبة السياسية الحاكمة والمتحكمة. فما يطلبه منا ولنا أشقاؤنا العرب وأصدقاؤنا الدوليون هو تحقيق تطلعات الشباب ومطالب الناس في الشارع: حكومة "فاعلة ذات صدقية" تجري إصلاحات، وتستعيد ثقة الناس والدول، بحيث تكون الشريك الذي تبحث عنه الصناديق الدولية والعواصم لمدّه بالمساعدات والقروض.
مافيا متسلطة
 والمطالب ليست ثورية ولا راديكالية بل التزامات قدمها لبنان في "مؤتمر سيدر" وتبلورت في المبادرة الفرنسية التي وافق عليها نظرياً أمراء الطوائف في الاجتماع مع الرئيس إيمانويل ماكرون في بيروت، إلى جانب توصيات صندوق النقد الدولي. وهي باختصار تحسين الحوكمة، ضبط الإنفاق المالي والهدر، تطوير النظام الضريبي وترشيق القطاع العام. وهذه مجرد بداية لوقف الانهيار الذي يكاد يكتمل، ولمسار طويل من التعافي المالي والاقتصادي والحد الأدنى من الإصلاح السياسي واستقلالية القضاء. وهذه التوصيات مرفوضة من المافيا السياسية والمالية والميليشياوية المتسلطة والخائفة على امتيازاتها و"حريتها" في الفساد والسطو على المال العام والخاص. حتى في جريمة الانفجار الذي دمّر مرفأ بيروت وأحياء من المدينة في 4 أغسطس (آب) 2020، وأوقع مئات الشهداء وآلاف الجرحى ودفع عشرات الألوف إلى العراء بعد تدمير منازلهم ومحالّهم ومصادر رزقهم، تمّ كفّ يد المحقق العدلي فادي صوان لأنه طلب رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين إلى التحقيق كمتهمين. والأخطر هو أن التحقيق في الأساس يبدو ممنوعاً: كشف من هم أصحاب الشركة التي جاءت بنيترات الأمونيوم؟ لماذا صارت في مرفأ بيروت شحنة النيترات التي كانت ستمضي نظرياً إلى موزمبيق؟ ومَن كان يأخذ من المخزون الذي نقص من 2750 طناً إلى 500 طن هي التي انفجرت؟

المسألة لم تعُد "حكومة أو لا حكومة" ولا نوع الحكومة. فالحكومة ليست كل شيء، ولكن لا شيء من دون حكومة. المسألة هي "وطن أو لا وطن". دولة قوية تقدّم الخدمات و"تحتكر العنف الشرعي" بحسب تعبير ماكس فيبر، ولا سلاح سوى سلاحها أو مجرد سلطة خادمة لأمراء الطوائف. حرية وإبداع أو قمع وظلامية. استقلال و"نأي بالنفس" عن صراع المحاور أو إلتحاق بالمحور الإيراني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


المحور الإيراني
المشهد البارز حالياً هو حرص "حزب الله" وحلفائه على دمج لبنان بالمحور الإيراني المسمّى محور "الممانعة والمقاومة". ممانعة الإصلاح. الممانعة لكل ما يأتي من الغرب الأميركي والأوروبي سياسياً وثقافياً، وحتى في إطار المساعدات المقدّمة إلى الجيش وقوى الأمن تسليحاً وتدريباً. لا بل إن التفاوض مع صندوق النقد الدولي على برنامج مالي جرى تصويره على أنه "احتلال مقنّع" للبلد. والمقاومة ضد أي اعتداء إسرائيلي على لبنان، بدل أن تكون هذه مهمة الجيش. وهي في أي حال جزء من مهمات "حزب الله" في سوريا والعراق واليمن وبلدان أخرى. مقاومة نجحت في تحرير الأرض عام 2000، ثم صارت تكديس صواريخ يُقال إنها تضمن ردع إسرائيل عن الاعتداء وتحدد شروط اللعبة. لكن الصواريخ لا تحرر أرضاً محتلة، ولا تمنع العدو من شنّ حرب إذا صارت الخيار الوحيد، ولا تحول دون تدمير لبنان، وإن كانت تؤذي إسرائيل. وهي، في رأي كثيرين، تردع خطراً لا وجود له من دونها.

خطف لبنان
والسؤال هو: هل يمكن قطع لبنان عن أشقائه العرب وفطمه عن الثقافة والتكنولوجيا والحضارة ونمط الحياة في الغرب الأميركي والأوروبي؟ أي رهان على ذلك، هو رهان على أوهام ولو كانت مسلحة. ومهما كابرت المافيا وتنمرت وتصورت أن لا شيء يهز سلطتها وتسلطها ويسقطها ويأتي ببديل منها ويوقف السرقة ويحدّ من الفساد، فإن نهايتها حتمية تاريخية. فهي لن تبقى إذا اكتمل انهيار البلد، ولن تبقى حين تنضج عوامل الثورة الشعبية السلمية. وليس في ادعائها الإصلاح سوى ما يعيد التذكير بآية من القرآن الكريم: "إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون لكنهم لا يشعرون".

المزيد من تحلیل