Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المؤتمر الدولي لإنقاذ لبنان رهان على "الدبلوماسية الصامتة" للفاتيكان

ازداد الالتفاف المسيحي حول الراعي بعد رفض "حزب الله" دعوته بشدة فعارضها باسيل بحياء

البطريرك الراعي في زيارة سابقة إلى قصر الرئاسة في بعبدا (دالاتي ونهرا)

أثارت دعوة البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي إلى مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة من أجل إنقاذ لبنان من الأزمة التي يغرق فيها، ردود فعل متعددة خلال الأسبوعين الماضيين، بين رفض لها اتسم بالحدة من قبل "حزب الله" وأحد رجال الدين الشيعة وبعض مؤيدي الحزب، واعتراض بحياء من قبل "التيار الوطني الحر" الحليف للحزب، مقابل تأييدها من قبل غالبية القوى السياسية اللبنانية المسيحية والإسلامية.
السؤال البديهي المطروح في الوسط السياسي، هو ما المقصود بالمؤتمر الدولي الذي يقترحه البطريرك، ويؤيده عدد واسع من القادة، وأي نوع من التدويل يهدف إليه؟ وهل المجتمع الدولي جاهز لذلك؟
وكان لافتاً اجتماع نائبة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة نجاة رشدي إلى البطريرك الراعي يوم الاثنين 22 فبراير (شبط) الحالي، وإعلانها في اليوم التالي أنها "استمعت إلى طرح وآراء البطريرك الراعي بشأن عقد مؤتمر دولي من أجل لبنان". وشددت رشدي على "دعم الأمم المتحدة الطويل الأمد والمستمر للبنان، بالتعاون مع شركاء دوليين آخرين"، مذكِّرةً بالمؤتمر الدولي الذي عُقد في 2 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، برئاسة فرنسا والأمم المتحدة لدعم الشعب اللبناني. لكنها أملت في "أن يعطي قادة لبنان الأولوية للمصلحة الوطنية اللبنانية وأن يتجاوزوا خلافاتهم بسرعة لتشكيل حكومة جديدة ومعالجة التحديات العديدة في البلاد وتلبية تطلعات الشعب اللبناني وتطبيق الإصلاحات اللازمة".
وزار الراعي متضامناً السفير السعودي في بيروت وليد البخاري، وقال إن "مواقفه الوطنية تستقطب الاهتمام الداخلي والخارجي"، مشدداً على "ضرورة حسن تطبيق اتفاق الطائف حفظاً للسلم الأهلي".

مَن سيهتم غير فرنسا؟

وتساءل مصدر دبلوماسي عمَن سيهتم من الدول بأن يأتي إلى لبنان في إطار تدويل للأزمة في ظل الانشغال الدولي بجائحة كورونا وانعكاساتها الاقتصادية والأزمات الدولية الأخرى التي تتقدم بالأهمية؟ وأوضح مصدر دبلوماسي دولي لـ "اندبندنت عربية" أن في أروقة الأمم المتحدة "لم تجد الدعوة إلى التدويل صدى حتى الآن. ولا آلية لطرح مسألة التدويل إلا من خلال مجلس الأمن الذي يبحث الأمر في حال طرحت إحدى دوله الأمر عليه، أو في حال طلبت الدولة المعنية ذلك، وهذا متعذر حتى إشعار آخر. فالأمم المتحدة تتعامل مع الدول لا مع الشعوب ولا أحد يهتم بلبنان إلا الفرنسيين".
ويشهد المسرح السياسي اللبناني تزايداً في طرح الاستعانة بالمجتمع الدولي لمعالجة أزماته المتنوعة. وإضافة إلى مأزقه الاقتصادي الذي لا حل له إلا بالتفاهم مع صندوق النقد الدولي الذي تشترط الدول المانحة اتفاقاً معه كي تساعد لبنان الذي يعاني من فجوة مالية هائلة، عادت المطالبة بتحقيق دولي في انفجار مرفأ بيروت الكارثي في 4 أغسطس (آب) الماضي إلى الواجهة، وقدمت كتلة نواب حزب "القوات اللبنانية" طلباً رسمياً إلى نائبة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في بيروت السيدة رشدي طلباً بإرسال لجنة تقصي حقائق لجمع الوقائع، بعد مرور أكثر من 6 أشهر والتحقيق القضائي اللبناني يتعرض لتجاذبات سياسية أدت إلى كف يد المحقق العدلي القاضي فادي صوان، وتعيين بديل له، هو القاضي طارق بيطار الذي سيدرس الملف ويُتوقَع أنه سيتأخر في التوصل إلى نتيجة، في وقت تحوم شبهات حول دور لرجال أعمال سوريين في استقدام نيترات الأمونيوم إلى المرفأ عام 2013، ويتحدث البعض عن معرفة "حزب الله" بتخزينها في العنبر الرقم 12.

الانقسام الداخلي حول التدويل

وإذا كان إرسال لجنة تقصي حقائق لا يحتاج إلى قرار من مجلس الأمن، لأن صلاحيات الأمين العام أنطونيو غوتيريش تتيح له ذلك، فإن بحث أزمة لبنان في مؤتمر دولي يحتاج إلى قرار من المجلس، غير متوافر الآن.
والدعوة إلى تدويل الأزمة اللبنانية تتسبب بإشكالية وانقسام بين الفرقاء الداخليين، مع أن الوضع اللبناني خضع منذ عقود لأنواع عدة من التدويل، لا سيما منذ عام 2005. فالانسحاب العسكري السوري من لبنان تم بناءً لقرار مجلس الأمن رقم 1559 في 3 سبتمبر (أيلول) 2004، ولم يُنفَذ الشق المتعلق بالانسحاب منه إلا في 26 أبريل (نيسان) 2005 بسبب تفاعلات اغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري في 14 فبراير (شباط) من ذلك العام، فيما بقي البند المتعلق بسحب سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية معلقاً. وبين تاريخ هذا القرار وصدور القرار 1701 لوقف العدوان الإسرائيلي على لبنان صيف 2006، ثم لاحقاً في عام 2007، صدرت قرارات عدة عن مجلس الأمن بترسيم الحدود بين لبنان وسوريا (1680)، وإنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان للنظر في جريمة اغتيال الحريري (1757).
ومنذ ذلك الحين، صدرت تباعاً قرارات التجديد لقوات الأمم المتحدة (يونيفيل) التي جرى تعزيزها وفق القرار 1701، والذي لم يُنفَذ منه سوى وقف الأعمال العدائية، والانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان. ومع كل جلسة لمجلس الأمن ناقشت التجديد لـ"يونيفيل"، كان الوضع اللبناني مدار بحث بين الدول الأعضاء، لا سيما من منظار دور "حزب الله" في الجنوب اللبناني واستمرار حمله السلاح خارج إطار الشرعية، التي تحصر القرارات الدولية، السلاح بيدها. كما كان الوضع الداخلي في لبنان يخضع أحياناً للنقاش من زاوية العوائق أمام بسط سيادة الدولة على أراضيها، والذي ينص عليه القرار 1701. وسبق أن شاركت الدول الكبرى ولا سيما الولايات المتحدة، بعيداً من الأضواء، في صوغ مسودة الإصلاحات الدستورية التي أنهت الحرب الأهلية باتفاق الطائف في السعودية في عام 1989، والذي عاد مجلس الأمن فتبناه في بيان.

بين القرارات الدولية و"الاهتمام" الدولي

مظاهر "تدويل" ا­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­لأزمة اللبنانية، كانت تتفاوت وفقاً لمراحل التأزم ولم تنحصر بصدور قرارات وبيانات رئاسية عن مجلس الأمن، وحصل تدخل دولي على أرضه، مثل دخول قوات متعددة الجنسيات في عام 1982 إثر الاجتياح الإسرائيلي، فتصدى لها "حزب الله" مع تأسيسه. ويمكن الحديث عن "اهتمام دولي" بلبنان، بسبب وجود "حزب الله" فيه خلال العقدين الأخيرين، كتهديد لأمن إسرائيل (بعد انسحابها عام 2000 تنفيذاً للقرارين 425 و520).  فالولايات المتحدة الأميركية ودول الغرب تعتبر الحزب ذراعاً فاعلة لسياسة إيران في المنطقة، يتلقى المال والسلاح منها، ويقاتل في سوريا ويتواجد في اليمن والعراق ودول أخرى بالتناغم مع "الحرس الثوري الإيراني"، ومتهم بعمليات إرهابية في بعض دول العالم، وليس مجرد فريق محلي يحوز على تأييد أكثرية الطائفة الشيعية ومجموعات في طوائف أخرى.
اجتماعات دولية عدة انعقدت لمساعدة لبنان اقتصادياً، بغض النظر عن أزماته السياسية ودور "حزب الله"، مثل باريس -1 (2001)، باريس -2 (2002)، وباريس -3 (2007) ثم مؤتمر "سيدر" (2018)، ناهيك عن مؤتمرَين نظمهما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتأمين مساعدات عاجلة إثر كارثة انفجار مرفأ بيروت. وفي كل تلك المؤتمرات حضر ممثلو الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى دول غربية وآسيوية وعربية مانحة.

مجموعة الدعم الدولية وإفشال "النأي بالنفس"

وفضلاً عن متابعة مجلس الأمن وضع لبنان عبر تقارير دورية حول تنفيذ القرارين 1701 و1559، نشأت عام 2013 "مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان" في عهد الرئيس السابق للجمهورية ميشال سليمان، وتضم وزراء خارجية الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا، إيطاليا، السعودية، مصر، الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية. وعقدت اجتماعات عدة على المستويين الوزاري والدبلوماسي. وسفراء الدول الأعضاء والهيئات المعنية يلتقون في بيروت دورياً، ويصدرون بيانات كثرت في السنتين الماضيتين، تشدد على ضرورة تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، وعلى حماية التظاهر السلمي بعد اندلاع انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، ثم أخيراً الدعوة إلى تسريع تأليف حكومة قادرة على الإصلاح بعد مضي أكثر من 6 أشهر على الفراغ الحكومي نتيجة الخلافات السياسية. لكن البند شبه الدائم في مواقف "مجموعة الدعم" كان تذكير اللبنانيين بالعبارة المفتاح: التزام مبدأ "النأي بالنفس" عن حروب وأزمات المنطقة، والتأكيد، كما في بيانات مجلس الأمن على "إعلان بعبدا" الذي أُقرّ عام 2012 وأكد إبعاد لبنان عن التجاذبات الإقليمية. وهو الأمر الذي كان موجهاً إلى "حزب الله" بشكل أساسي بعدما انغمس في الحرب السورية، ثم في اليمن. لكن "الحزب" لم يلتزم بهذا المبدأ على الرغم من موافقة وزرائه على تضمينه في البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة، فأمعن في الانخراط في خطط التوسع، وتطويع السلطة اللبنانية التي مارس نفوذاً حاسماً عليها، بعد انتخاب حليفه ميشال عون رئيساً للجمهورية أواخر عام 2016، لمصلحة المحور الإيراني. ولم يأبه الحزب بما خلّفته تلك السياسة من مقاطعة عربية للبنان بدأت منذ عام 2013 وبلغت ذروتها بوقف أي مساعدات واستثمارات مالية خليجية في لبنان، وحظر سفر رعايا دول الخليج إليه، ما أسهم في الاختناق المالي الذي بلغه في عام 2019، مع تفاقم الفساد ونهب موارد الدولة ومراكمة الديون من الطبقة الحاكمة. كما أن "الحزب" تخطى العقوبات الأميركية على حركة أمواله ومؤيديه، بالدعم الإيراني. ويرى مراقبون أن "مجموعة الدعم" يمكن أن تكون مدخلاً للمؤتمر الدولي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


الخشية من إسقاط الدولة

قبل أن تصدر الدعوة الصريحة من الراعي إلى عقد مؤتمر دولي في 7 فبراير (شباط) الحالي، تدرّج رأس الكنيسة المارونية منذ يوليو (تموز) الماضي، في مواقفه من الدعوة إلى حياد لبنان الذي أصدر وثيقة بشأنه في أغسطس (آب)، مروراً بالإصرار على المسؤولين والرئيس عون الإسراع في إنهاء الفراغ الحكومي والاتفاق مع الحريري على إنجاز حكومة من اختصاصيين غير حزبيين توحي بالثقة إلى الداخل والخارج، وصولاً إلى مطالبته الأمم المتحدة برعاية المؤتمر الدولي. وبرر الراعي دعوته بأن "كل المبادرات والوساطات اللبنانية والعربية والدولية استُنفذت كأن هناك إصراراً على إسقاط الدولة". قوبل البطريرك بالتهديد من قبل الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، حين رفض التدويل واستخدم تحذير أحد النواب من إمكان وضع لبنان تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة (يتيح إرسال قوات إلى البلد) للتحذير من أن ذلك "يؤدي إلى الحرب"، على الرغم من أن البطريرك لم يأتِ على ذكر الفصل السابع. وقال المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان المقرب من الحزب، إن "الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي كما هي إجهاز بشدة على صيغة لبنان". وفي وقت تجنبت حركة "أمل" التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري الهجوم على الراعي، زادت الحملة على الأخير من التفاف الجمهور المسيحي حوله. أما الرئيس عون ورئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل فوقفا بحياء ضد التدويل، انسجاماً مع "حزب الله"، لإدراكهما أن دعوة الراعي تلاقي تأييداً وسط الرأي العام المسيحي، واكتفى باسيل بالقول إن "الحل موجود في لبنان وفي الدستور، لا خارج الوطن ولا خارج الدستور. الدول تساعدنا لكن لا تأخذ محلنا".

مواكبة دبلوماسية الفاتيكان الصامتة

رد الراعي على الحملة ضده نافياً اتهامه بأنه يقود البلد إلى الحرب، وقال "دعونا إلى مؤتمر دولي خاص بلبنان برعاية الأمم المتحدة، من أجل إعادة إحياء لبنان، عبر تحصين وثيقة الوفاق الوطني الصادرة عام 1989، وتطبيقها نصاً وروحاً، وتصحيح الثغرات في الدستور والهدف الأساسي والوحيد هو تمكين الدولة اللبنانية من أن تستعيد حياتها وحيويتها وهويتها وحيادها الإيجابي وعدم الانحياز، تبني سلمها على أساس مصلحتها الوطنية لا على أساس مصالح دولٍ أخرى".
ودأب البطريرك في عظاته منذ الصيف الماضي على التلميح إلى هيمنة "حزب الله" على السلطة وإلى آثار إلحاقه بالمحور الإيراني السلبية اقتصادياً وسياسياً وعلى "هوية" البلد، وهو يهدف باستنجاده بالمجتمع الدولي إلى إخراجه من الهيمنة. وثمة مَن يقول في الأوساط السياسية إن صرخته ترمي، في زمن قد يشهد تسويات دولية في المنطقة، إلى الحؤول دون أن تأتي على حساب الهوية اللبنانية فتكرس نفوذ إيران في لبنان بحكم اختلال ميزان القوى الداخلي بفعل امتلاك "حزب الله" السلاح.
وينسب مقربون ومستشارون للراعي مثابرته على المطالبة بالتدويل، إلى تفهم الفاتيكان لمخاوفه من زوال الهوية اللبنانية، وإلى "دبلوماسية صامتة" يقودها البابا فرنسيس مع الدول الكبرى والإقليمية، وصولاً إلى معالجة دولية لأزمته، فيما يواكبه الراعي بمراكمة الموقف المطالِب بالتدويل إلى أن يأتي ظرف مناسب لتحقيقه.

المزيد من تقارير