Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يعاد النظر بعد 15 سنة في تفاهم "حزب الله" والتيار الوطني الحر؟

يرى فيه مؤيدوه اتفاقاً وطنياً بينما يعتبره منتقدوه مجرد التقاء مصالح وتمكين للنفوذ الإيراني في لبنان

سمح التفاهم بين التيار و"حزب الله" بحصول عون على الدعم للوصول إلى كرسي الرئاسة (غيتي)

منذ 15 سنة في مثل هذا التاريخ، حصل اتفاق ثنائي في لبنان بين "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" ترجم بتفاهم وقع عليه رئيس التيار آنذاك، رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون والأمين العام للحزب حسن نصر الله، عرف بـ"تفاهم مار مخايل" نسبة إلى الكنيسة التي جرى حفل التوقيع فيها، والتي تقع في منطقة حارة حريك، إحدى ضواحي بيروت، حيث أحد خطوط التماس في الحرب اللبنانية.
قيل حينها إن التفاهم بين "التيار والحزب" كان بمثابة رد فعل على "الاتفاق الرباعي" الذي خاضت قوى لبنانية سياسية أخرى على أساسه، الانتخابات النيابية عام 2005 مستثنية "التيار الوطني الحر" منه. لكن الأكيد أن "ورقة التفاهم" التي تضمنت 10 بنود، وناقشت في مضمونها وعناوينها الاختلافات والأهداف المشتركة للحزبين، شكلت أيضاً نقطة ارتكاز استفاد منها الطرفان في أكثر من استحقاق، وخلقت توازنات جديدة فرضت "قوة أمر واقع" لم يكن سهلاً تخطيها في المرحلة الممتدة من عام 2006 حتى تاريخه. لكن بعد مرور 15 سنة على توقيعه، ما الذي بقي من التفاهم، وما الذي تحقق، وهل يمكن لرئيس التيار الحالي جبران باسيل أن يستفيد منه كما استفاد الرئيس ميشال عون، فيحصل على دعم "حزب الله" للوصول إلى الرئاسة مقابل دعم التيار مشروع الحزب في لبنان والمنطقة، وهل سيتمكن "حزب الله" مع باسيل، من أن يكسب الغطاء المسيحي الذي حصل عليه عندما كان الرئيس عون رئيساً للتيار، وكان "التيار" القوة المسيحية الأكثر تمثيلاً في الشارع المسيحي؟

لماذا حصل التفاهم؟

في آخر إطلالاته الإعلامية أقر رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل بعد تعرضه لعقوبات أميركية تحت قانون "ماغنيتسكي" المختص في الفساد، بأن وثيقة التفاهم مع "حزب الله" تحتاج إلى إعادة نظر في بعض بنودها، وشكلت لجنة مشتركة بين الفريقين للبحث بتحديث التفاهم، إلا أن اللجنة لم تجتمع بعد لأسباب عدة ربطها البعض بمستجدات على الساحتين المحلية والإقليمية، مع استمرار التباين في وجهات النظر حول عدد من القضايا المطروحة، أقله على مستوى القاعدة الشعبية لدى الطرفين.

وتعليقاً على ذلك، قال المحامي عادل يمين، المقرب من التيار الوطني الحر، إن "تفاهم مار مخايل قائم واستمراره مفيد للفريقين"، مقراً في الوقت ذاته بأن "له كأي تفاهم آخر أعباؤه أيضاً، التي كان آخرها العقوبات التي فرضت على رئيس التيار، لكن النتائج الإيجابية لهذا التفاهم أكبر بكثير من الأعباء. والتفاهمات الوطنية العابرة للطوائف، كتفاهم التيار والحزب، هي مصلحة للبنان ويفترض تعميمها".
ولدى سؤاله حول ما إذا كان التفاهم سيستمر في الزخم ذاته مع باسيل كما كان مع عون، أجاب يمين، التفاهم بين "الحزب" و"التيار" يفترض أن يستمر عملاً بقاعدة الاستمرارية، حتى لو تبدل أحد الزعيمين أو كلاهما، وأي تحالف أو تفاهم من الطبيعي أن يعطي قوةً للفريقين. وشرح يمين، مرشح رئيس الجمهورية لتولي وزارة الداخلية في الحكومة المقبلة، أن تفاهم 6 فبراير (شباط) 2006 حصل لأكثر من هدف، إذ احتاج "حزب الله" بعد خروج الجيش السوري من لبنان وفي ظل ارتفاع الأصوات المنادية بإنهاء السلاح غير الشرعي، إلى نسج تفاهم مع فريق وطني مسيحي وتصحيح التوازنات التي لم تكن لمصلحته بعد عام 2005 واغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري. وقال إن "حزب الله تمكن من أن يحقق امتداداً وطنياً له من خلال التفاهم وأراح وضعيته السياسية وقطع الطريق على محاولات عزله في الداخل والخارج".
أما من وجهة نظر "التيار الوطني الحر" فالأسباب التي دفعته إلى عقد هذا التفاهم هي بحسب يمين، الرغبة في إقامة تفاهم مع فريق وطني كبير يمكنه من تحقيق أهدافه السياسية على صعيد ما كان التيار يسعى إليه لتحقيق الشراكة الميثاقية الوطنية، بدءاً من تصحيح قانون الانتخاب ولبننة سلاح "حزب الله" ووضعه على طاولة الحوار تمهيداً للتوصل إلى استراتيجية دفاعية.


اختلال في التطبيق
إلا أنه وفي قراءة نقدية موضوعية اعترف المحامي المقرب من التيار الوطني الحر، أن تقصيراً في التطبيق حصل في نقطتين أساسيتين هما بناء الدولة والاستراتيجية الدفاعية. إذ نصت الفقرة الرابعة من التفاهم على بناء الدولة العصرية التي تحظى بثقة مواطنيها والقادرة على مواكبة احتياجاتهم وتطلعاتهم وتوفير الشعور بالأمن والأمان لحاضرهم ومستقبلهم. هذه الفقرة لم تتحقق بحسب يمين بسبب موازين القوى التي لم تكن لمصلحة إقامة الدولة، وبسبب الفشل في استقطاب قوى أخرى إلى ورقة التفاهم الثنائية.
ولدى سؤاله عما إذا كان "حزب الله" يريد فعلاً قيام الدولة؟ أجاب يمين أن "الحزب" أراد قدر الإمكان الابتعاد عن المناكفات الداخلية وأولويته كانت الصراع مع العدو الإسرائيلي التي لم تسمح له بالانخراط بقوة في مهمة قيام الدولة، فضلاً عن حرصه على عدم إثارة الحساسيات مع أفرقاء في الداخل، وتحاشيه الدخول في تحديات فئوية وطائفية ومذهبية، كل ذلك دفعه إلى عدم الانخراط حتى النهاية بعملية بناء الدولة حتى الآن.
من النقاط التي لم تنفذ أيضاً في "ورقة التفاهم"، البند الثالث من الفقرة عشرة المتعلق بالاستراتيجية الدفاعية تحت عنوان حماية لبنان وصيانة استقلاله وسيادته، والتي تنص على "عقد حوار وطني يؤدي إلى صياغة استراتيجية دفاع وطني يتوافق عليها اللبنانيون وينخرطون فيها. وقال يمين تعليقاً على ذلك إن هذا البند لم يتحقق حتى اليوم بسبب غياب التوافق، مذكراً أن طاولة الحوار التي عقدت في عهد الرئيس (السابق) ميشال سليمان لم تتوصل إلى اتفاق في هذا الشأن.
ولكن لماذا لم يحاول الرئيس ميشال عون عقد طاولة حوار ويستفيد من علاقته الوطيدة بـ"حزب الله"؟ أجاب يمين أن الرئيس عون لم يدع إلى طاولة حوار لبحث الاستراتيجية الدفاعية لأن الأمور تشعبت والصراع الإقليمي تطور ودور حزب الله توسع خارج لبنان. كما أنه في ظل الأزمة الاقتصادية ومحاولات وقف الانهيار، كان من المهم إبعاد المسائل الخلافية ووضعها جانباً. التصدع الكبير الحاصل على المستوى الاقتصادي والاجتماعي أجل موضوع الاستراتيجية الدفاعية، لكن بمجرد التقاط الأنفاس يمكن أن يعود الموضوع إلى البحث، لكن على قاعدة الحوار والتوافق الوطني وفي سبيل تأمين مصلحة لبنان العليا.
وأشار يمين إلى أنه من النقاط التي لم تنفذ أيضاً، البند المتعلق بالمفقودين خلال الحرب (الأهلية) والذي نص التفاهم على حق ذويهم في معرفة مصيرهم إلا أن أحداً من القوى السياسية لم يتعاون لكشف حقائق لا تزال مخفية.


إيجابيات التفاهم من وجهة نظر "التيار"

صحيح أن في التفاهم نقاطاً لم تتحقق لكن الصحيح أيضاً من وجهة نظر "التيار" أن النقاط التي أنجزت "أسهمت في إحداث تغيير كبير". وتحدث المحامي عادل يمين عن نقطتين أساسيتين تحققتا. الأولى، تتعلق بقانون الانتخاب. والثانية، مرتبطة بصيانة الديمقراطية التوافقية. وتابع "نص البند الثالث من وثيقة التفاهم، على أن إصلاح وانتظام الحياة السياسية في لبنان يستوجبان الاعتماد على قانون انتخاب عصري قد تكون النسبية أحد أشكاله، بما يضمن صحة وعدالة التمثيل الشعبي. هذا البند تحقق بقانون عام 2017 بعد الاتفاق على قانون انتخاب جديد أسهم في توفير صحة التمثيل السياسي لكل طائفة، وجرت انتخابات عام 2018 النيابية على أساسه، وأفضت إلى تحسين التمثيل المسيحي، فتمكن المسيحيون بقوتهم الذاتية من اختيار ما يفوق الـ50 مقعداً في البرلمان من أصل الـ64 المخصصة لهم (مناصفةً مع المسلمين الذين لهم 64 نائباً أيضاً) بعد ما كانوا في القوانين السابقة لا يوصلون أكثر من 17 نائباً.
أما النقطة الإيجابية الثانية في تفاهم 6 فبراير فهي بحسب يمين "العمل على أساس الديمقراطية التوافقية لتكون القاعدة الأساس للحكم في لبنان. وترجم هذا البند بتوافق التيار الوطني الحر في أكثر من محطة واستحقاق، كان أهمها الانتخابات الرئاسية الأخيرة، إذ استمر الفراغ الرئاسي أكثر من سنتين إلى حين انتخاب عون، ووقوف التيار ضد حكومة رئيس الوزراء فؤاد السنيورة في عام 2008 عندما استقال الوزراء الشيعة منها واعتبرت غير ميثاقية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


مراجعة التفاهم في مقلب "حزب الله"

في المقابل، وفي ظل حديث "التيار" عن ضرورة إعادة النظر بمضمون التفاهم ومراجعة بعض بنوده، لا سيما تلك التي لم تتحقق، استبعدت مصادر "حزب الله" أن يكون المقصود هو صياغة جديدة للتفاهم، واعتبر الصحافي فيصل عبد الساتر المقرب من "الحزب" أن "الامتحان الصعب الذي حدث في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 وما تلاه من انهيار شامل إضافة إلى استقالة الحكومة وما تعرض له رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من شيطنة في كل أنحاء البلاد، كل ذلك جعل الطرفين يذهبان إلى مثل هذه المراجعة، التي لا تعني إعادة صياغة للتفاهم أو تفاهم جديد". وكشف عبد الساتر أن "عدم تحديد موعد للجنة الثنائية المكلفة بهذه المهمة يعود لانكباب كل طرف على تحضير ورقته تمهيداً للاجتماع الأول، أما التعديلات التي ستشمل بعض البنود فستكون من الناحية العملانية، لتصبح قابلة للتنفيذ. والبنود المعنية بالتعديل هي بناء الدولة ومحاربة الفساد والإصلاح الاقتصادي والإصلاح القضائي".

وأقر عبد الساتر بأن التباينات بين الطرفين على مستوى مقاربة موضوع مكافحة الفساد وإجراء الإصلاحات اتسعت في المرحلة الأخيرة، وكل فريق يلقي اللوم على الآخر محملاً إياه مسؤولية عدم تحقيقها. ففيما التيار الوطني الحر يشكو من أن "حزب الله" غير جاد في موضوع محاربة الفساد لأن ذلك يقتضي أن يقارب بعض الملفات المتعلقة ببعض حلفائه كحركة "أمل"، فيما يرفض الحزب في المقابل أسلوب الاستهداف، معتبراً أن محاربة الفساد لا تكون بطريقة مزاجية بل بإعداد ملفات كما يفعل "الحزب". واستغرب عبد الساتر اتهام ""حزب الله" بالتقاعس في ملف الإصلاح القضائي، مذكراً أن ملف التشكيلات القضائية الذي أحيط بكثير من الالتباسات وضعه رئيس مجلس القضاء الأعلى (القاضي سهيل عبود) الذي اختاره رئيس الجمهورية، والتشكيلات لا تزال مسجونة ولم يفرج عنها بتوقيع الرئيس عون.
كذلك استبعد الصحافي المقرب من "الحزب" أي خلاف على ما يسمى "سلاح المقاومة"، مؤكداً أن "التيار الوطني الحر" لا يعارض فكرة أن سلاح "الحزب" هو قوة لبنان وحاميه، لكن قد يكون هناك بحسب رأيه وجهات نظر مختلفة في كيفية إدارة هذه القضية. قد تكون الاستراتيجية الدفاعية مخرجاً أو طرحاً، لكن هذا الموضوع ليس على نار حامية الآن، كما قال.
وبالعودة الى تفاهم 6 فبراير 2006، أكد عبد الساتر أن "وثيقة مار مخايل قدمت خدمة كبيرة للطرفين وللبنانيين عموماً، لأن مثل هذه التفاهمات تساعد في إيجاد أرضية مناسبة للتفاهم بين اللبنانيين". ورأى عبد الساتر أن تفاهم "التيار" و"حزب الله" استطاع أن يبقى صامداً على الرغم مما تعرض له من إطلاق نار سياسي، وسيستمر مع باسيل لأنه تفاهم مع "التيار الوطني الحر" و"التيار" باق. أما إذا كان باسيل سيستفيد من التفاهم كما فعل عون قبله ويحظى بدعم الحزب في الاستحقاق الرئاسي المقبل، أجاب عبد الساتر بحزم أن موضوع الرئاسة غير مطروح الآن، و"حزب الله" لا يريد مقاربته حالياً. ولا وعود من قبل الحزب والموضوع لم يطرح بعد.


تفاهم مصلحي

في المقلب الآخر، يقف منتقدو "تفاهم مار مخايل"، إذ يعتبرون أنه أسهم بإمساك "الحزب" بالقرار اللبناني، ما أوصل البلد إلى الانهيار. ويذكر هؤلاء بأنه في 6 فبراير 1984 انتفض الفريق الشيعي الممثل حينها برئيس حركة أمل، رئيس البرلمان الحالي نبيه بري، وانقسم الجيش اللبناني، في محاولة لعودة نفوذ نظام حافظ الأسد إلى لبنان، وفي 6 فبراير 2006 اختار الفريق الشيعي الممثل بـ"حزب الله" التفاهم مع الفريق المسيحي الأكبر المتمثل بالتيار، لتمكين تمدد نفوذ النظام الإيراني في لبنان.

واعتبر القيادي في "تيار المستقبل"، النائب السابق مصطفى علوش، أن التفاهم بين الحزب والتيار مصلحي بالنسبة إلى الطرفين. وأضاف علوش أن "حزب الله" يتعاطى مع كل القوى السياسية على قاعدة أنهم أدوات، ويشبه في ذلك كل القوى ذات الأفكار العقائدية الصلبة، التي تعقد التفاهمات على أساس المصلحة فقط. وتابع علوش "الهدف الأساسي للحزب من خلال هذا التفاهم هو قسم الصف المسيحي الذي كان ممثلاً بحركة "14 آذار"، وضرب القوة المسيحية ونجح في تحقيق ذلك". وإضافة إلى تأمين غطاء مسيحي لحركته ومشروعه، أراد "حزب الله" ـ بحسب علوش ـ مواجهة السنية السياسية، وعمل على خلق مواجهة مسيحية - سنية، "واستخدم ميشال عون لتنفيذ ذلك. فترك له هذه المهمة، فخاض عون ولا يزال معارك الحقوق المسيحية التي يتهم الفريق السني بحجبها عن المسيحيين في اتفاق الطائف، إضافة إلى معارك الإبراء المستحيل واتهامات الفساد. في المقابل تخلى عون ومعه التيار، نتيجة التفاهم مع "حزب الله"، عن المبادئ والأفكار التي كان ينادي بها عندما كان منفياً في باريس، كالسلاح غير الشرعي، وأمل مقابل ذلك الحصول على الغطاء الأمني والسلطوي للوصول إلى الرئاسة. كل واحد كان يريد أن يأخذ من التفاهم ما يرضيه وما يحقق مصالحه".
ولم يكن التفاهم، وفق علوش، تفاهماً على مبادئ أو رؤية سياسية، "ويدرك باسيل أن ما حققه عون من التفاهم قد لا ينسحب بالضرورة عليه، لكن الوقت لم يحن بعد لحصول الطلاق وتخلي "حزب الله" عن "التيار الوطني الحر"، وذلك للحفاظ على القرار في القصر الرئاسي وفي مجلس النواب وفي الحكومة".

المزيد من تقارير