Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هجوم فرنسي جديد لاخراج الحكومة اللبنانية من "عنق الزجاجة"

ماكرون قصد سلاح "حزب الله" بإشارته إلى "الحلف الشيطاني بين الفساد والترهيب"

أشارت المعطيات الواردة من باريس إلى أن ماكرون تحدث بلهجة "ضاغطة" مع عون (رويترز)

بدأت فرنسا جولة ديبلوماسية هجومية جديدة في لبنان في محاولة لإخراجه من حال الفراغ الحكومي القاتل والمستمر منذ 10 أغسطس (آب) الماضي، وتفعيل مبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون لإنقاذ البلد من أزمته المالية الاقتصادية، والتي أطلقها في 6 أغسطس 2020 خلال زيارته التضامنية مع بيروت بعد الانفجار الكارثي في مرفئها (4 أغسطس)، وبلورها في زيارته الثانية في 1 سبتمبر (أيلول) الماضي.
ودشّن ماكرون هذه الجولة باتصال أجراه بنظيره اللبناني ميشال عون يوم السبت 30 يناير (كانون الثاني) الماضي، في حملة ضغط من أجل حضّه على إنهاء الفراغ الحكومي وتشكيل الحكومة الجديدة العالقة في عنق الزجاجة منذ تكليف زعيم تيار "المستقبل" سعد الحريري بتأليفها في 22 أكتوبر (تشرين الأول) 2020. واكتفى بيان للرئاسة اللبنانية بالقول إن ماكرون تداول مع عون "في ما آل إليه مسار تشكيل الحكومة العتيدة وجدد الرئيس الفرنسي التأكيد على وقوف بلاده إلى جانب لبنان في الظروف الراهنة التي يمر بها، ومساعدته في مختلف المجالات، لا سيما في ما يتعلّق بالملف الحكومي". وذكر البيان أن عون "شكر الرئيس ماكرون على مواقفه الداعمة للبنان وحرصه على تعزيز العلاقات اللبنانية-الفرنسية وتطويرها في المجالات كافة، منوهاً خصوصاً بالمبادرة الرئاسية الفرنسية في المسألة الحكومية، ومجدداً الترحيب بزيارة الرئيس ماكرون للبنان".

لهجة ماكرون "الضاغطة" وسجال عون - الحريري

لكن المعطيات الواردة من باريس أشارت إلى أن ماكرون تحدث بلهجة "ضاغطة" مع عون مستغرباً العراقيل أمام ولادة الحكومة، وداعياً إياه إلى تحمل مسؤولياته في إنجازها لأنه لم يعد جائزاً تأخيرها بسبب التناحر على تسمية الوزراء. فالجانب الفرنسي مطّلع على تفاصيل العراقيل التي حالت إلى الآن دون ولادة الحكومة، لا سيما بعد أن قدم الحريري تشكيلةً من 18 وزيراً لعون في 10 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قابلها الأخير بالرفض. وأعقب ذلك حملة ضد الحريري من قبل "التيار الوطني الحر" ورئيسه صهر رئيس الجمهورية، النائب جبران باسيل، حول الصلاحيات الرئاسية في الاشتراك بطرح أسماء الوزراء، لا سيما المسيحيين منهم، بلغت حد اتهامه بالتفرد في التأليف، والإيحاء بأنه لا يمكن ائتمانه على الإصلاحات المطلوبة. أطلق ذلك سجالاً غير مسبوق بين الجانبين، منذ مطلع يناير الماضي، كان الحريري يرد خلاله باقتضاب ويترك المهمة لنواب "تيار المستقبل"، لا سيما حيال تسريب الفيديو الشهير الذي اتهم فيه عون الرئيس المكلف بأنه "يكذب". وكان ذلك مؤشراً إلى أن فريق الرئاسة يدفع الحريري إلى الاعتذار عن متابعة مهمة التأليف، ما دفع البعض إلى وصف الخصومة بينهما بأنها أقرب إلى "حرب إلغاء"، في حين أن الأخير أخذ قراره بعدم التخلي. لكن عون خرج في 29 يناير بحديث صحافي، ليتحدث عن الخلاف حول صيغة الحكومة فاتهم الحريري بالتقلب في اقتراحاته، والإخلال بالتوازن في توزيع الوزراء، وإعطاء المسيحيين حقائب ثانوية وتجاهل دور رئيس الجمهورية في اختيار الوزراء المسيحيين، وبأنه يريد صرف الانتباه عن التدقيق الجنائي بالأموال في مصرف لبنان وسائر مؤسسات الدولة، نافياً أن يكون طالب بالثلث المعطل، ومشترطاً أن تضم الحكومة 20 وزيراً لا 18.

الحريري يعد بكشف وقائع أكثر

في المقابل، خرج الحريري عن صمته ورد ببيان مطول مفنداً ما ساقه عون من وقائع، متحدثاً عن "روايات غير صحيحة" ومتهماً القصر الرئاسي بـ "توجيه الاشتباك الحكومي نحو مسارات طائفية" وبـ "الإنكار والتجني". وجاء في بيان المكتب الإعلامي للحريري أنه ليس هو "من يفرّط بحقوق المسيحيين ومكانتهم في الدولة والسلطة والمؤسسات، وإلا لما كان العماد عون في موقع رئاسة الجمهورية الآن"، مذكراً بذلك أنه كان وراء انتخابه عبر ما يسمى التسوية الرئاسية في عام 2016. وكشف الحريري أنه اختار وزراء مسيحيين من لائحة سلمه إياها عون. وأشار إلى أنه في كل مرة كان يغادر القصر الرئاسي بعد البحث مع عون بشأن الحكومة "محمّلاً بالأجواء الإيجابية حتى تطل العقبات من الغرف المحيطة"، ملمحاً إلى دور باسيل في نقض الاتفاقات معه. ورافق خروج الحريري عن صمته تأكيد مصادر مواكبة لاتصالات معالجة العقد التي تعترض الحكومة، أنه أبلغ مَن يَلزَم بأنه لن يسكت بعد الآن عن الحملات ضده وأن لديه الكثير من الوقائع سيكشفها، لا سيما في خطابه في الذكرى السادسة عشرة لاغتيال والده رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري في 14 فبراير (شباط) المقبل.
كذلك تطوّر السجال على وقع انفجار التظاهرات في طرابلس احتجاجاً على تردي أحوال فقرائها المعيشية، الذين يعتمدون على العمل اليومي، وفاقم الإقفال العام لمنع تفشي وباء كورونا سوء أوضاعهم، وما رافق هذا الانفجار من أحداث أمنية هزت البلد، وسط اتهامات متفرقة باستغلال النقمة الشعبية لأهداف تتعلق بالخلاف على الحكومة.

التوافق مع بايدن

وإضافة إلى المعطيات الكثيرة عن الصراع على المواقع، الذي يعطل تأليف الحكومة، ويملك مستشارو ماكرون كل الوقائع حوله من خلال اتصالاتهم شبه اليومية بالسياسيين في بيروت، هناك عوامل عدة دفعت الجانب الفرنسي إلى إطلاق موجة جديدة من الضغوط لإحداث خرق في جدار الأزمة، استند إليها الرئيس الفرنسي، بعد أن كانت باريس أبلغت أكثر من جهة لبنانية بأنها تنتظر أن يخطو الفرقاء المتنازعون خطوات باتجاه التقارب في ما بينهم قبل أن تبادر هي إلى اتخاذ أي خطوة جديدة. وكان مسؤولون فرنسيون نفوا لسياسيين لبنانيين ما تردد عن نية باريس دعوة عون والحريري إلى باريس لحملهما على التوافق حول الحكومة، أو بدعوة الحريري وباسيل. وعلمت "اندبندنت عربية" أن أكثر من مستشار لماكرون قال لسياسيين لبنانيين حين استفسروا من باريس عن تلك المعلومات، إنه من غير الوارد دعوة أحد إلى فرنسا، ولا إيفاد أي من مساعدي الرئيس إلى بيروت، قبل أن يُظهر المسؤولون اللبنانيون مؤشرات لنية إحداث بعض التقدم.
وشكّل تدهور الوضع الأمني في طرابلس والتظاهرات الاحتجاجية على الوضع المعيشي جرس إنذار لما يمكن أن يؤدي إليه الفلتان بسبب العجز عن معالجة الأزمة.
كما تناول ماكرون وضع لبنان خلال أول اتصال بالرئيس الأميركي الجديد جو بايدن في 24 يناير، حين أكد الرئيس الفرنسي ضرورة تكثيف الضغوط لتأليف حكومة لبنانية جديدة. وقال سياسيون لبنانيون اطلعوا من الجانب الفرنسي على جانب من فحوى الاتصال، إن بايدن وافق ماكرون، وأكد له أن واشنطن تتفق مع باريس على نظرتها للحلول المطلوبة للأزمة اللبنانية، وتتمنى أن تنجح في إحداث الخرق المطلوب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


ماذا قصد ماكرون بـ"الترهيب"؟

لكن البارز في التمهيد لتجديد مساعي ماكرون اللبنانية، كان ما قاله في 29 ديسمبر لقناة "العربية" عندما سُئل عما إذا كان سيزور لبنان بعدما أجلت إصابته بكورونا في ديسمبر الماضي زيارةً كان ينوي إجراءها، فأجاب بأنه سيزوره "لكني أريد أن تكون الزيارة مفيدة وفور توضيح قضايا أساسية أريد الحصول على نتائج ونُحضّر الآن للهجوم" (الدبلوماسي). وقال في معرض إشادته بالشعب اللبناني مذكراً بمعاناته "لبنان ليس لديه قادة يستحقّونه... النظام السياسي اللبناني في مأزق بسبب الحلف الشيطاني بين الفساد والترهيب... سأفعل كل شيء كي تكون هناك حكومة على المدى القصير، حتى لو لم تكن كاملة المواصفات (المعايير)،  كي تسمح بانتقال سياسي سلمي".
واتجهت الأنظار نحو تفسير عبارات ماكرون وما قصد بكلامه عن "الحلف الشيطاني بين الفساد والترهيب". وعاد المتابعون إلى تصريحات الرئيس الفرنسي في 27 سبتمبر الماضي بعد إفشال الرئيس المكلف السفير مصطفى أديب فاعتذر عن عدم مواصلة المهمة، فتوجه إلى "حزب الله" بالقول "عليك أن توضح اللعبة فلا يمكنك أن ترهب الآخرين بقوة السلاح وتدعي أنك حزب سياسي وأن تتبع منطقاً تمليه عليك إيران". يومها اتهم الرئيس الفرنسي القيادات اللبنانية بخيانة التزامها أمامه بتشكيل "حكومة المهمة"، وفي مقدمهم الرئيس عون وخص "حزب الله" بكلام قاسٍ.
ويُعدّ مبرر الحديث عن "الترهيب"، برأي سياسيين متصلين بباريس، هو تزايد القناعة بين الأوساط السياسية اللبنانية في الأسابيع الأخيرة بأن "حزب الله" يقف وراء عرقلة حليفه عون ومعه باسيل لولادة الحكومة، وأن "الحزب" يترك تسهيل ولادة الحكومة كورقة تفاوض بين طهران وواشنطن، حين تفتح قنوات الاتصال بين الدولتين حول عودة أميركا إلى الاتفاق النووي. أو أن "الحزب"، وإن كان أكد أكثر من مرة استمرار تأييده للمبادرة الفرنسية، لا يوافق على تولي مستقلين بالكامل الوزارات العائدة للطائفة الشيعية، لأن على الحكومة المقبلة اتخاذ قرارات مهمة ومواكَبة مرحلة إقليمية حساسة يرغب خلالها بأن يكون قادراً على التأثير في آراء وزراء فاعلين حيال ما سيصدر عنها.
 

ماذا تعني الحكومة غير كاملة المواصفات؟

وطُرحت أسئلة عما عناه ماكرون بالضغط من أجل تشكيل حكومة ولو كانت غير كاملة المواصفات. هل يقصد ألا تكون بكاملها من الاختصاصيين والتكنوقراط، وأن يتم التساهل مع تسمية الفرقاء لبعض الوزراء، من أجل تجاوز الخلاف بين عون والحريري؟ أم أن المقصود هو التسليم بوجود الحريري على رأسها على الرغم من أنه رجل سياسي وليس من التكنوقراط؟ إلا أن الأجوبة التي حصل الذين استفسروا من قصر الإليزيه عن مقاصد ماكرون كانت ألا تغيير في المعايير التي سبق للجانب الفرنسي أن نصح بها باسمه وباسم المجتمع الدولي، أي أن تتشكل من وزراء نزيهين لا ينتفعون من مناصبهم ولا يسهلون التهريب عبر الحدود خصوصاً إلى سوريا، وكفوئين يتمتعون بصدقية أمام الشعب اللبناني والمجتمع الدولي وقادرين على تنفيذ الإصلاحات الواردة في خريطة الطريق التي اتفق ماكرون مع القيادات السياسية التي التقى بها في 1 سبتمبر 2020 في بيروت. وهي الصفات التي يختصرها الحريري في توصيفه للوزراء الذين اختارهم بأنهم من الاختصاصيين الكفوئين، غير الحزبيين، ليشكلوا فريقاً متجانساً يعمل على انتشال البلد من أزمته.

لكن تعميم ماكرون المسؤولية عن الفشل في تأليف الحكومة على كل القادة السياسيين هو مساواة هؤلاء في إعاقة تنفيذ خريطة الطريق التي قال إنها الوحيدة على الطاولة. وهناك في الإدارة الفرنسية اعتقاد بأنه على الرغم من مسؤولية تحالف عون – "حزب الله" الرئيسة، فإن مسؤولية الحريري تكمن في رفضه الاجتماع بباسيل الذي يحيل عون مسألة معالجة العقد إليه، بسبب رفضه تحميل صهره وزر إفشال معالجة مشكلات البلد، وإبقائه خارج الحكومة تحت عنوان اختيار وزراء اختصاصيين غير حزبيين، ومن باب رد الاعتبار له بعد فرض عقوبات أميركية عليه مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. ويرى بعض الدبلوماسيين الفرنسيين أن على الحريري القبول بعقد اجتماع مع باسيل لأنه قد يقود إلى معالجة أسباب عرقلة تأليف الحكومة، فيما ينقل المقربون من الرئيس المكلف عنه رفضه ذلك، لأن باسيل سيقحمه مرة أخرى في المطالب التي يراها تعجيزية فيكون قدم تنازلاً بلا فائدة. وكان استعجال باريس تأليف الحكومة في سبتمبر الماضي، دفعها إلى الضغط على الحريري ليقبل باستثناء حقيبة المال من المداورة بناءً لطلب "الثنائي الشيعي". وحين فعل لم تولَد الحكومة.

يبقى أن تختبر باريس في الأسابيع المقبلة، قدرتها على فرض الحلول التي سعت إليها منذ أغسطس الماضي من دون أن يتجاوب معها الرئيس عون ولا "حزب الله". فماكرون قال إنه ينتظر توضيح بعض القضايا الأساسية قبل أن يزور لبنان مرةً ثالثة بعدما أجًل زيارته في ديسمبر الماضي إثر إصابته بكورونا.

المزيد من العالم العربي