Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حتى الآن حصل مؤيدو "بريكست" على ما أرادوه دوما

يعتبر الخروج من أوروبا في نهاية المطاف تضحية بالازدهار من أجل السيادة لكن عديداً من مؤيديه سعداء بدفع ثمن ذلك

رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في مواجهة تحدٍ كبير واحتمال خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي بدون صفقة (غيتي)

بعد أربع سنوات ونصف من الاستفتاء، وبعد ما يقرب من عام كامل منذ مغادرة المملكة المتحدة للاتحاد الأوروبي، وعلى بعد أسبوعين من نهاية الفترة الانتقالية، لا يزال البريطانيون والشركات البريطانية بلا أدنى فكرة عما يمكن توقعه من "بريكست".

يبدو أن ثلاث ساعات من المحادثات المباشرة وعدد ساعات أكبر من المحادثات عبر الهاتف بين بوريس جونسون ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، لم تنجح في جسر الهوة بين الجانبين "المتباعدين للغاية" حسب ما قاله كلاهما.

وفي الواقع، يلوح في الأفق بشكل كبير خروج من الاتحاد الأوروبي بلا صفقة، وتلوح معه تشكيلة واسعة من المشاعر. وبطبيعة الحال، توقع أولئك الذين لم يرغبوا أبداً في مغادرة الاتحاد الأوروبي كل هذا، وكانوا يعلمون أنه سيكون كارثة.

كانت حجة المؤيدين لـ"بريكست" (المتمثلة في كون بريطانيا أصبحت متداخلة مع الاتحاد الأوروبي بأشكال معقدة يصعب تصورها، بالتالي لم تعد دولة ذات سيادة) الحجة الأفضل أيضاً للبقاء في الاتحاد الأوروبي، لأن عملية الخروج ستكون في منتهى البؤس والتعقيد وستجلب قدراً كبيراً من الألم.

والأكثر وضوحاً هو أن مؤيدي "بريكست"، على مدى أربع سنوات ونصف، قبل وبعد الاستفتاء، قدموا وعوداً غير معقولة لا يُمكن الوفاء بها، مثل وعد التوصل إلى "أسهل صفقة تجارية في التاريخ" الذي تبين أنه لن يحدث. وحتى إذا حدث، سيكون ترتيباً فارغاً سيُحدث أضراراً جسيمة على كِلا الجانبين، ولكن في الغالب على الجانب البريطاني. وسيكون ذلك على نقيض ما صرح به الوزير السابق المسؤول عن الملف  ديفيد ديفيس عندما قال "لن يكون هناك أي جانب سلبي لـ"بريكست"، بل سيكون هناك فقط جانب إيجابي كبير". من الصعب أن نتخيل وجود عديد من الأشخاص، في تاريخ البشرية كله، يخطئون باستمرار بشأن ما، من جوانب كثيرة جداً، أكثر مما كان يخطئ ديفيد ديفيس في "بريكست".

بطبيعة الحال، هناك تسونامي من الحزن والغضب لدى مؤيدي البقاء وهم مستعدون لإفراغه، بطريقة بدأت تتخذ فعلاً شكلاً من أشكال الخيانة. وبعبارة أخرى، سيصبح، إن لم يكن قد أصبح بالفعل، دور أولئك الذين لم يرغبوا أبداً في مغادرة الاتحاد الأوروبي التظلم نيابة عن أولئك الذين رغبوا في الخروج.

عندما تبدأ الاختناقات المرورية الصعبة في دوفر (مرفا العبور الرئيسي باتجاه السواحل الأوروبية)، وتغلق مصانع السيارات في سندرلاند، وتنهار برامج التقاعد في إسبانيا المشمسة، سيدخل نوع من "بريكست" حيز التنفيذ وهو مخالف لما صوت من أجله الناس.

المشكلة هي أنه ليس من الواضح ما إذا كان هذا صحيحاً أصلاً، لأنه ولمدة أربع سنوات ونصف (ولقد تم التأكيد على هذه النقطة باستمرار، لاسيما من قبلي) أن أنصار "بريكست" كذبوا من أجل الفوز بالاستفتاء، ولن يفوا بأي وعد من وعودهم. هذا صحيح، لكنه صحيح جزئياً فقط. صحيح أنه كان قراراً إستراتيجياً اختزال قضية الاتحاد الأوروبي في مسألتين، أن تركيا كانت على وشك الانضمام إليه وأن الخروج سيوفر مزيداً من الأموال لهيئة الخدمات الصحية الوطنية، وأنه صحيح أيضا أن كلا الادعاءين خاطئ، لكنهما كانا يحملان في ثناياهما حقيقة معينة.

يكفي أن نسأل أي داعم عادي لـ"بريكست" في الشارع، إذا كان بإمكانه أن يتذكر، وأنا على استعداد للتكهن بأن السببين الرئيسين لتصويته مع الخروج من أوروبا في ذلك الوقت هما نفس السببين الرئيسين اللذين تم تقديمهما له، وهما وقف إرسال أموال دافعي الضرائب البريطانيين إلى الاتحاد الأوروبي، ووضع حد لحرية تنقل الأشخاص.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ربما تنهار الأمور على طاولة المفاوضات في بروكسل ولندن، لكن هذين الأمرين يظلان ثابتان. فبينما حقق ديفيد فروست (كبير المفاوضين البريطانيين) وميشيل بارنييه (كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي) تقدماً ضئيلاً طوال العام، لم تضيع بريتي باتيل (وزيرة الداخلية البريطانية) أي وقت في تطوير وتنفيذ نظام لئيم وشرير جديد للهجرة. من ناحية أخرى، تستمتع حسابات المحافظين على وسائل التواصل الاجتماعي بنشر رسومات صغيرة يرفرف فيها علم الاتحاد أثناء تنفيذ وعدهم بإنهاء حرية تنقل الأشخاص.

بالنسبة إلى مؤيدي البقاء في الاتحاد الأوروبي، يعد هذا أمراً مُفجعاً بطبيعة الحال، وهو مجرد سبب آخر يدفعهم لكره "بريكست". فمن أشد المآسي في العملية برمتها التلويح بعلم بلادك للاحتفال بانتزاع حقوقك وتضييق آفاقك وتقييد فرصك وجعل حياتك أكثر ضيقاً. لكن الأمر ليس كذلك إذا كنت من مؤيديه، لأن ذلك ما أردته، وقد حصلت عليه.

إذا كان البؤس الاقتصادي قادماً، كما هو متوقع، فلا يمكن القول إنه لم يكن هناك تحذير. وفي هذا الصدد، أنا لا أؤيد بشكل كامل النظرية القائلة بأن مؤيدي "بريكست" صوتوا لصالح المتاعب الاقتصادية. غالباً ما يُزعم أنه نظراً لحديث ديفيد كاميرون وجورج أوزبورن وشركائهما عن ميزانيات الطوارئ والركود الفوري، فقد صوت ناخبو "بريكست" عن قصد لجعل أنفسهم أكثر فقراً. صحيح أنهم فعلوا ذلك إلى حد ما، لكن من العبث القول، كما يدعي مؤيدو "بريكست" حالياً، أن الناخبين قد صوتوا لصالح البؤس الذي حذرهم منه مؤيدو البقاء، وليس الوهم الذي باعهم إياه دعاة الخروج.

بالطبع، لا يمكننا أن نعرف أو نفهم ذلك تماماً – وهذا سبب آخر يجعل الاستفتاءات فكرة سيئة. ومع ذلك، تعد "بريكست"، في نهاية المطاف، تضحية بالازدهار من أجل السيادة. هكذا هي المعادلة في جميع الاتفاقيات التجارية وهذه لا تختلف عنها. لكن عديداً من مؤيديها سعداء لدفع ثمن ذلك.

في الأيام التي سبقت الاستفتاء، حينما كان يُشار إلى أن التصويت لصالح الخروج سيكون قفزة إلى المجهول، وأنه سيكون قرارا كبيراً من دون أي فكرة عما ستؤول إليه الأمور، كانت تظهر نفس الحجج المضادة، وهي أن البقاء سيعني نفس الشيء وأن الوضع الراهن لا يمكن الحفاظ عليه.

لم تكن حجةً مقنعة تماماً، غير أنه عندما صوت البريطانيون في الاستفتاء في يونيو (حزيران) 2016، لم يكن أي منهم تقريباً قد سمع عن الحزب السياسي الفرنسي  "الجمهورية إلى الأمام"، الذي كان عمره شهرين فقط، ولا زعيمه إيمانويل ماكرون.

لم يكن ممكناً معرفة أن فرنسا ستفرض سلطتها وسيادتها على مؤسسات الاتحاد الأوروبي. ولو صوتت المملكة المتحدة بالطريقة الأخرى، لكان رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، أو جورج أوزبورن أو ربما بوريس جونسون، مضطراً الآن إلى التعامل بحذر مع السياسة الداخلية المرعبة بشأن الإسهام في صندوق التعافي من أزمة كوفيد -19 الخاص بالاتحاد الأوروبي، التي تبلغ قيمته 700 مليار جنيه إسترليني (أي حوالي أكثر من 900 مليار دولار أميركي) وهو رقم كان سيكون أضخم من ذلك لو بقيت المملكة المتحدة في الاتحاد.

ويستهدف هذا الصندوق، خلال ضائقة مالية هائلة على الصعيد المحلي، تدخل الدول الأكثر ثراء في أوروبا لإنقاذ بلدانها الفقيرة. هذا ليس لدي اعتراض كبير عليه شخصياً، لكن الحقيقة الانتخابية حالياً تقول إن أمثالي ليسوا في الأغلبية.

كل هذه المشاكل السياسية الرهيبة لم تدخل حتى الرادار السياسي للمملكة المتحدة.

بالطبع، من المحتمل، بل يكاد يكون من المؤكد، أن يندلع غضب وطني كبير، لأنه لطالما كانت "بريكست" مجرد خدعة، ولم يكن من الضروري أن تكون على هذا النحو. لقد كانت، ولم تكن كذلك.

ولكن مهما حدث، سيكون الأمر متروكاً لدعاة الخروج، وليس لدعاة البقاء، ليقولوا إن هذا ليس هو ما صوتوا من أجله. وبالنظر إلى الواقع الحالي للأمور، فإنهم حصلوا إلى حد كبير على ما يريدون.

© The Independent

المزيد من آراء