Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التحولات والتغييرات التي طرأت على القرن الأفريقي

تشرف هذه المنطقة على خليج عدن ومضيق باب المندب والبحر الأحمر، وهي ممرات مائية لها أهميتها التجارية والعسكرية

تداعيات مشروع سد النهضة تتفاعل إقليمياً ودولياً (رويترز)

متغيرات تحدث على نطاق القرن الأفريقي في حيثيات الحرب القومية الدائرة في إثيوبيا، وقضية مشروع سد النهضة، بدأت انعكاساتها ترتد إقليمياً، كما أن أخرى دولية تلقي بأعباء إضافية على دول القرن الأفريقي والقارة ككل.

التعريف الجغرافي والسياسي

منطقة القرن الأفريقي، وفق التحديد الجغرافي التقليدي، هي الواقعة على رأس مضيق باب المندب من الساحل، ويحدها المحيط الهندي جنوباً، والبحر الأحمر شمالاً.

ويقصد بها الجزء الممتد على اليابسة الواقع غرب البحر الأحمر وخليج عدن على شكل قرن، وبهذا المفهوم يحدد الجغرافيون شموله أربع دول هي الصومال وجيبوتي وإريتريا وإثيوبيا، وتتسع المنطقة أكثر عند النظر إليها من زاويتين سياسية واقتصادية لتشمل كينيا والسودان وجنوب السودان وأوغندا.

يصف بعض الأكاديميين المنطقة بحدودها الضيقة أو الواسعة، بأنها استراتيجية، كونها تطل على خليج عدن وتشرف على باب المندب، ومقابلة لآبار النفط في شبه الجزيرة العربية والخليج العربي، وملاصقة لإقليم البحيرات العظمى في وسط أفريقيا، الذي يتميز بغنى موارده المائية والنفطية والمعدنية، ولهذا كانت محلاً للتنافس الاستعماري الذي عمل على تأجيج الصراعات داخلها، خدمة لمصالحه.

يقول بعض الباحثين إنه وفقاً لهذا المفهوم فإنها تمثل منطقة شرق أفريقيا المتحكمة بمنابع النيل والمسيطرة على مداخل البحر الأحمر وخليج عدن، وإن لم تكن جزءاً رئيساً من القرن الأفريقي فهي امتداد حيوي له.

يمتد نطاق القرن الأفريقي ليضم السودان وكينيا وأوغندا، وهذا المعنى الأخير هو الذي يدخل في إطار سياسة الولايات المتحدة التي تروّج لها في الآونة الأخيرة لإقامة منطقة القرن الأفريقي الكبير الذي يكتسب أهمية حيوية من الناحية الجغرافية، نظراً إلى أن دوله تطل على المحيط الهندي من ناحية، وتتحكم بالمدخل الجنوبي للبحر الأحمر حيث مضيق باب المندب من ناحية ثانية، ومن ثم فإن دوله تتحكم أيضاً في طريق التجارة العالمي، خصوصاً تجارة النفط من دول الخليج والمتوجهة إلى أوروبا والولايات المتحدة، كما أنه يُعدّ ممراً مهما لأي تحركات عسكرية قادمة من أوروبا أو الولايات المتحدة باتجاه منطقة الخليج العربي.

وثيقة بريطانية

وردت في الأرشيف السوداني وثيقة في دار المحفوظات البريطانية، عبارة عن خطاب موجه من المفوض البريطاني في أديس أبابا ويلفريد ثيسيجر إلى حاكم عام السودان في ظل الحكم الثنائي المصري البريطاني للسودان بتاريخ 11/10/1917. وقد عرضت تصوراً شاملاً لمنطقة القرن الأفريقي والسودان وكينيا.

استناداً إليها كان من رأي بعض علماء السياسة الدولية أن القرن الأفريقي هو الواقع بين الشرق الأفريقي الذي يشرف على المحيط الهندي، وخليج عدن، يمتد شمالاً على ساحل البحر الأحمر، وإلى داخل القارة الأفريقية ليشمل كلاً من الصومال، وجيبوتي، وإريتريا، وإثيوبيا، وكينيا والسودان، وبالنسبة إلى الأخيرتين، فقد أُدخلت ضمن دول القرن الأفريقي بسبب التداخل العرقي واللغوي بينهما وبين دوله.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

طرحت سوزان رايس التي شغلت سابقاً منصب مستشارة الأمن القومي الأميركي مشروع القرن الأفريقي الكبير في الفكر الاستراتيجي الأميركي، الذي يعتمد بمعناه الجغرافي زائداً السودان امتداداً إلى منطقة البحيرات العظمى، في حين ذكر الأكاديمي المهتم بمنطقة القرن الأفريقي عبد الله أنس الإرياني أنه سمي بهذا الاسم بسبب شكله كقرن على المحيط الهندي وخليج عدن، وبحسب رأيه، فهو يتكون من الصومال، وإثيوبيا، وجيبوتي، وإريتريا إضافة إلى السودان وكينيا، بسبب التداخل الحدودي والقبلي، بل يعتبر اليمن دولة من دوله بحكم التقارب الجغرافي والتواصل السكاني، وهي في رأيه مرتبطة ارتباطاً جذرياً به.

مدلول غير واضح المعالم

يرى آخرون أن تعبير القرن الأفريقي له مدلول غير واضح المعالم جغرافياً، سياسياً، اقتصادياً وتاريخياً نظراً لانعدام الملامح الضرورية لوضع المنطقة في إطار مفهوم جغرافي وعرقي متناسق، لذلك، فإن هذه التسمية فرضية جيوسياسية، يمتد مفهومها الجغرافي عبر مسيرة التفاعلات الدولية المتسارعة، وانطلاقاً من ذلك، فإن هذه المنطقة تضم إثيوبيا، إريتريا، جيبوتي، الصومال، كينيا والسودان، والتي تغطي مساحة قدرها 2362000 كيلومتر مربع.

خرائط أخرى نادرة تعدّ الصومال القديمة الموحدة (الصومال وصوماليلاند وجيبوتي) بمفردها منطقة القرن الأفريقي، وهذه التقسيمات يوائم بينها إطار فكري سياسي واجتماعي، بل استراتيجي في الوقت نفسه، فالخرائط القديمة التي ترى أن هذه المنطقة لا تتعدى أراضي الصومال وجيبوتي وبعض المناطق الشرقية من إثيوبيا والمقاطعات الشمالية من كينيا بُنيت على أساس الارتباط الوثيق لكل هذه الشعوب منذ فترات بعيدة في البحر، وكذلك الحقيقة الجيوسياسية القائلة إن المساحات السهلية كافة تتآزر مع بعضها بعضاً لتشكل كتلة متصلة وصولاً إلى أقرب منصة لها عليه.

الخرائط الأخرى التي تضم دولاً كالسودان وتنزانيا وكينيا، فقد صُمّمت على اعتبار الاتصال الجيوسياسي الديناميكي بين الساحل البحري ومنابع النيل في هضاب الحبشة والبحريات العظمى وسط القارة، حيث تُعدّ المنطقة الواقعة بينهما واحدة.

الأهمية السياسية

يشكل القرن الأفريقي أهمية ضمن ما يحتويه من دول متباينة الثقافات وموقع جيواستراتيجي على البحر الاحمر ومضيق باب المندب، وتعد هذه المنطقة استراتيجية في العالم، لاعتبارات عدة أهمها:

- أولاً، أنها تشرف على خليج عدن ومضيق باب المندب والبحر الأحمر، وهي ممرات مائية لها أهميتها التجارية والعسكرية خصوصاً بعد افتتاح قناة السويس عام 1869.

- ثانياً، باكتشاف النفط والغاز في شبه الجزيرة العربية والخليج، أصبحت هذه الأخيرة منطقة مصالح حيوية للدول الصناعية، واكتشاف النفط في الجزيرة العربية للمرة الأولى تم في البحرين عام 1932.

بالتالي ازدادت قيمة الممرات المائية السالفة الذكر، إذ إن منطقة منابع النفط لا تقل أهمية عن ممرات نقله، وازدادت قيمتها لأنها تتحكم بهذه الممرات ومقابلة لمنطقة مصالح حيوية عالمياً، وفي هذا الإطار يقول الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون، "يجب أن نتعامل مع المصالح الثانوية أحياناً وكأنها حيوية"، وعليه، إذا كانت دول القرن الأفريقي لا ترقى إلى مرتبة المصالح الحيوية للولايات المتحدة، فهي من دون شك في المرتبة الثانية، أي ضمن المصالح الثانوية، وبالتالي يتم التعامل معها أحياناً في إطار المصالح الحيوية لها.

ضمن هذه الحيثية تظل منطقة القرن الأفريقي حيوية لا يتضعضع وضعها في السياسة الدولية مهما يحدث من متغيرات في موازين القوى.

تنافس شديد

يقول الأكاديمي السوداني صلاح الدين الدومة في كتابه "أمن القرن الأفريقي"، "على الرغم من التطور التكنولوجي الهائل الذي طرأ على التسليح ووسائل إدارة الصراع العسكري إلا أن المناطق الاستراتيجية من وجهة نظر الجغرافيا العسكرية لا يمكن أن تفقد أهميتها الحيوية بسهولة، والقرن الأفريقي من المناطق الاستراتيجية".

ظلت هذه المنطقة محل اهتمام دائم ومستمر من القوى الغربية وميداناً للصراع والتنافس منذ بدء الحملات الاستكشافية البرتغالية في القرن الـ 16، وبحلول القرن الـ 19 كان لمعظم القوى الاستعمارية مناطق نفوذ ومستعمرات فيها.

خلال سبعينيات القرن الماضي وأثناء الحرب الباردة شهدت المنطقة تنافساً شديداً وتبادلاً للمواقع وحروباً بالوكالة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، ومع تراجع الأخير عن مكانته كقطب منافس ثم انهياره أصبح التنافس بين الولايات المتحدة وفرنسا.

أهمية متجددة

احتل القرن الأفريقي أهمية متجددة على مدار التاريخ بحكم ما يجمعه من دول وكيانات متباينة ذات مصالح وتأثيرات متبادلة، فضلاً عن كونه موقعاً استراتيجياً مؤثراً في المصالح الدولية والإقليمية، وأهميته مرتبطة بتاريخ طويل، فمنذ القدم يعتبر تجمعاً اقتصادياً وسياسياً بحكم إطلال دوله على باب المندب والبحر الأحمر.

إذن، المنطقة ومنذ العصور القديمة محط أنظار القوى والإمبراطوريات المهيمنة، لأهميتها الاستراتيجية وإطلالتها على طرق التجارة الدولية، ومنذ القرن الـ 15 ازداد التنافس الغربي على النفوذ فيها، بل تحول إلى صراع في حالات عديدة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات