Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أبعاد نزاع أوغندا ودولة جنوب السودان

ظلت المنطقة ساحة مختلطة للقتال بين القوات الرئيسة للبلدين وحلفائهما المعارضين من خصوم كل طرف

أفراد من الجيش الأوغندي أثناء توجههم نحو جوبا في جنوب السودان عام 2016 (أ ف ب)

على الرغم من علاقات التعاون السياسي والعسكري بين أوغندا ودولة جنوب السودان، إلا أن نزاعاً حدودياً قديماً طفا على السطح ليعكر صفو هذه العلاقة، فيما كان العداء المتبادل تجاه النظام السوداني السابق يوحّد الطرفين من قبل، خصوصاً في استعانته بـ "جيش الرب" المعارض الأوغندي، وتداخله في حرب الجنوب. إلا أن الخلافات الآن أخذت أبعاداً أخرى ستؤثر بشكل مباشر في السودان، كما ستؤثر في الخيارات التي ستتخذها دولة الجنوب، من حيث الاستغناء عن أوغندا وإدارة علاقاتها الدولية بعيداً منها، أو أن تظل تحت الرعاية الأوغندية سياسياً واقتصادياً تلبية لطموحات الرئيس الأوغندي يوري موسفيني السياسية والاقتصادية.

تدخلات موسفيني

على أرض دولة جنوب السودان، كانت النزاعات تدور بين القوات السودانية والأوغندية مع تصاعد التوتر بين رئيس النظام السوداني السابق عمر البشير والرئيس الأوغندي موسفيني، بسبب دعم أوغندا للحركة الشعبية لتحرير السودان في قتالها مع القوات السودانية في حرب الجنوب، مما أدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1995. 

ومثلما استعانت أوغندا بالحركة الشعبية، استعان النظام السابق بـ "جيش الرب" الذي دخل السودان منذ تسعينيات القرن الماضي لمواجهة الجيش الشعبي لتحرير السودان، وخفّت المواجهة المباشرة بين البلدين بعد توقيع الاتفاق الأمني بوساطة الرئيس الكيني الأسبق دانيال أراب موي، والرئيس الأميركي الأسبق جيمى كارتر عام 1999، والذي يضمن عدم دعم أي من البلدين المعارضة المسلحة للبلد الآخر. 

وفي عام 2000 سلمت أوغندا إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر ما يزيد على 100 فرد سوداني، كانت أسرتهم منذ العام 1997، بعد أن وعد السودان بالإفراج عن الأطفال الأوغنديين الذين اعتقلهم المتمردون في جنوب السودان، ولكن السودان لم يفِ بذلك إلا بعد جهد. 

بعدها عادت العلاقات الدبلوماسية في سبتمبر (أيلول) 2002، وأعيد تسيير الرحلات الجوية بين الخرطوم وكمبالا. وعندما تم توقيع اتفاق السلام بين الحكومة السابقة والحركة الشعبية في نيفاشا الكينية عام 2005، غادر "جيش الرب" إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، ولكنه أحدث مناوشات أثرت في الأمن الإقليمي هناك أيضاً. 

وبعد استقلال جنوب السودان عام 2011، عاد "جيش الرب" لدعم رياك مشار وقواته، بعد خلافه مع رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت، واستمر في شن هجماته على قوات جنوب السودان وقوات موسفيني، ونتيجة ذلك تدخلت أوغندا بقواتها العسكرية بدعوى إجلاء الرعايا الأوغنديين، ولكنها في الحقيقة أتت بطلب من سلفاكير للمساعدة في حماية المطار وقصر الرئاسة في جوبا عاصمة الجنوب، ومواجهة الجيش الأبيض المكون من جماعات المتمردين بزعامة رياك مشار في مناطق جونقلي وأعالي النيل في يناير (كانون الثاني) 2014. 

وظلت منطقة شمال أوغندا وجنوب السودان ساحة مختلطة للقتال بين القوات الرئيسة للبلدين وحلفائهما المعارضين من خصوم كل طرف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تغير خريطة الهجوم

وتغيرت خريطة الهجوم في جنوب السودان وشمال أوغندا باندلاع صراع عسكري بين الجيش الأوغندي وجيش دولة جنوب السودان في مقاطعة حدودية بين البلدين، معيدة نزاعاً قديماً إلى الواجهة، وبدأ النزاع في العام 2007 في ظل السودان الموحد، على منطقة زراعية في مدينة كاجو كاجي التي دارت على أرضها معارك القوات السودانية المدعومة بميليشيا الجبهة الإسلامية من جهة، والحركة الشعبية من جهة أخرى. 

وبعد استقلال جنوب السودان عام 2011 عادت الأزمة العالقة وضمت عدداً من المناطق على طول الحدود التي تتوزع فيها التركيبة الديمغرافية للقبائل والجماعات الإثنية، وكانت بمثابة مناوشات محدودة لم تكن مؤثرة في ما قبل على العلاقات بين البلدين، بل إن العلاقات تجاوزت مرحلتها الطبيعية إلى الدعم. 

وبالنظر إلى الإطار الزمني الذي تمت فيه هذه المناوشات، فإنه بعد سقوط نظام الإنقاذ حدث تقارب بين الحكومة الانتقالية ودولة جنوب السودان، وأصبحت جوبا محطة لمحادثات السلام السودانية بدلاً من كمبالا، كما رعت الخرطوم المفاوضات بين سلفاكير وخصومه، وبدأت الحكومة الانتقالية في التحاور حول عدد من القضايا العالقة بين البلدين، وعقد عدد من الاتفاقات الاقتصادية والأمنية، وفتح المعابر الحدودية أمام التجارة، وقضايا عبور نفط الجنوب عبر الشمال إلى ميناء بشاير بشرق السودان. 

وكانت حكومة الجنوب مترددة في هذا المسار خلال عهد البشير، وشرعت في استبدال هذا الطريق بميناء لامو الكيني مروراً بأوغندا، ما يوفر لها فائدة اقتصادية كبيرة، بخاصة أن فائدة أوغندا كانت ستكون متكاملة، وبنت آمالاً عليها، إضافة إلى العرض الكيني ببناء ميناء جاف لمشروع سكة الحديد التي تمتد من نيفاشا إلى كمبالا التي تعد أكبر مستورد للبضائع الكينية. 

وعلى الرغم من أن عدم الاستقرار في دولة جنوب السودان وظروف الحروب المستمرة والفقر لن تؤهلها لأن تكون محوراً مثالياً أو قِبلة لحل المشكلات الإقليمية، إلا أن ذلك يمثل هاجساً لأوغندا، كما أن استقلال دولة الجنوب جرّد أوغندا وعدداً من دول شرق أفريقيا من دورها الوصائي على شعب جنوب السودان الذي كان يعاني التمييز والتهميش، وخلق دولة تحاول الخروج على تلك الوصاية باستقلال القرار، والتعامل في علاقتها مع دولة الشمال بمعزل عن مصالح دول شرق أفريقيا.

التأثير في السودان

لن تستطيع أوغندا استعداء دولتي جنوب السودان والسودان معاً، إذ إن هذه التقسيمات السياسية حجبتها سنوات الحرب الأهلية، وطغت عليها في ما بعد صراعات الجنوبيين الداخلية، ثم النزاع على منطقة أبيي الغنية بالنفط بين دولتي الجنوب والشمال. وعوضاً عن ذلك ستحاول أوغندا الاستفادة من هذه الثغرات في إرضاخ الجنوب للعودة إلى رعايتها بأن تعود إلى التدخل، الأمر الذي أوقفه الرئيس سلفاكير.

 وقد كان مبررها للمجتمع الدولي هو مساعدة دولة الجنوب في التغلب على المتمردين، وإعادة توطين اللاجئين من جنوب السودان في مخيمات المنطقة المتنازع عليها باعتبارها أراض أوغندية، وذلك بغرض الاستفادة من الموارد الطبيعية من نفط ومعادن وموارد زراعية وغيرها. 

أما السودان، فيمكن أن ينتهز هذه الفرصة لطلب اعتماد الترسيم المعروف للحدود بين الشمال والجنوب عند استقلال السودان عام 1956. وعلى كلّ، فإن وقائع النزاع هذه تختلف اختلافاً واضحاً عن طبيعة الخلاف بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية، لأن الأخيرة اشتملت على مخزون كبير من دوافع النزاع التي بمقدور أية واحدة منها تأجيجه بمفردها.

نقطة الضعف

أما نقطة الضعف التي لن تمكن موسفيني من مواصلة خلافه مع سلفاكير، إلا إذا تواءم مع خصمه رياك مشار، فهي أن موسفيني يرى في مشار الشخصية المفضلة لدى الغرب بحكم تعليمه وثقافته الغربية وعلاقاته الواسعة هناك، مما يحضه على العمل للحد من وصوله إلى السلطة. 

وإذا حدث ذلك فسيسحب البساط من تحت أقدام موسفيني باعتباره حليفاً للغرب في المنطقة، إضافة إلى كينيا، وسيلعب دوراً محورياً لن يستطيع سلفاكير بشخصيته الضعيفة القيام به، كما أن دور موسفيني بدأ في الخفوت بعد إصراره مراراً على الاستمرار في السلطة، إضافة إلى علاقات مشار الممتدة مع الخرطوم منذ النظام السابق، وعلاقاته القديمة مع بعض أعضاء الحكومة الانتقالية في إطار التقائه معهم في فعاليات المنظمات الإقليمية. 

والخلاف الآخر بين موسفيني ومشار أن الأخير يرى أن تدخلات موسفيني غرضها تدمير الجنوب اقتصادياً، لأنه يراه منافساً لأوغندا التي بدأت أسواقها تنفتح على أفريقيا، ومنها جوبا نفسها التي تنشط حركة وارداتها منها، وتعتمد عليها في شكل أساسي.

وستحاول أوغندا تعظيم حجم مسؤوليتها الإقليمية على حساب دولتي السودان وجنوب السودان، ويمكنها التدخل كما فعلت من قبل من دون الحصول على تفويض بموجب القانون الدولي، ولأن موسفيني يحمل أهدافه وطموحاته الاقتصادية والسياسية أمامه ليدير بها هذه العلاقة، ولذلك فهو على استعداد لتأجيج النزاعات عوضاً عن إنهائها.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل