Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رحلة منصب نائب الرئيس الأميركي من الظل إلى الصدارة

أحدث كارتر تغييراً حقيقياً في مهمات نائبه عام 1977 وأعين الناخبين تتجه إلى بنس وهاريس في 2020

يعوّل كثير من الأميركيين على النائبين مايك بنس وكامالا هاريس مستقبلاً (أ ف ب)

عندما كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب يرقد في مركز والتر ريد الطبي بعد إصابته بفيروس قتل بالفعل 210 آلاف أميركي، كان نائبه مايك بنس على بعد خطوة من رئاسة البلد الأكبر في العالم، ليبدأ نقاش كبير داخل المجتمع الأميركي حول المنصب الذي لم يكن يثير كثيراً من الاهتمام في أجندة الناخب الأميركي.

وفي تلك الأثناء وبينما كان الرئيس لا يزال في طور التعافي، عُقدت المناظرة التلفزيونية الوحيدة بين نائبي المرشحين المتنافسين حول مقعد الرئاسة في الانتخابات المقررة في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، لتحظى بمشاهدة واهتمام غير مسبوقين.

الخليفة المحتمل

ويمنح الدستور الأميركي نائب الرئيس دورين، فهو يمثل منصب رئيس مجلس الشيوخ في الكونغرس والأول في ترتيب الحكم في حال وفاة الرئيس أو استقالته أو عزله أو عجزه عن أداء مهماته، ما يعني أن دور "الخليفة المحتمل" مهم بالمعنى العرضي. لكن التاريخ يذكر أن تسعة من رؤساء الولايات المتحدة الـ45 تولوا المنصب نتيجة موت أو استقالة أسلافهم.

يتنافس في سباق عام 2020 مرشحان يتجاوز الأول السبعين عاماً، بينما يقترب الثاني من العقد الثامن، وهما الأكبر سناً في تاريخ الانتخابات الأميركية. وليس العمر فحسب عاملاً محدداً للصحة، فعلى الرغم من أن ترمب تجاوز أزمة كورونا بسلام وتعافى تماماً، فإن هناك أحاديث عن عاداته الغذائية غير الصحية، ومن ثمّ فإنه يعاني السمنة، كما أن منافسه الديمقراطي جو بايدن واجه سلسلة تحديات صحية في الثمانينيات ظلت آثارها معه.

ويقول جون هوداك، نائب مدير مركز الإدارة العامة الفعالة في واشنطن، "سواء أُعيد انتخاب ترمب أو فاز بايدن الشهر المقبل، فسيؤديان القسم خلال جائحة قاتلة ثبت أن كبار السن هم الفئة الأضعف في مواجهتها، مما يجعل عيون الناخبين تتركز حول مَن يتولى منصب نائب الرئيس سواء بنس أو هاريس، على اعتبار أن أحدهما ربما يصبح الرئيس بسهولة".

منصب النائب والدستور الأميركي

خلال لقاء افتراضي عقدته وزارة الخارجية الأميركية في منتصف أغسطس (آب) الماضي، حول منصب نائب الرئيس، استدعى جويل غولديستين، أستاذ القانون في جامعة سانت لويس، مشهداً من مسرحية "هاملتون" عندما ناشدت إليزا هاملتون زوجها ألكسندر (أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة) لقضاء بعض الوقت في الصيف مع العائلة، قائلةً إن نائب الرئيس جون آدامز يقضي وقتاً في الصيف مع عائلته، ليرد ألكسندر "ليس لدى آدامز وظيفة حقيقية".

وتاريخياً، كان نائب الرئيس هو أكثر المناصب نيلاً للاستخفاف في الولايات المتحدة. ووصفه أول نائب رئيس أميركي، جون آدامز بأنه الأكثر تفاهة، قائلاً "لا يمكنني أن أفعل الخير ولا الشر". كما أن دانيال ويبستر، الذي تولى مرتين منصب وزير الخارجية الأميركية، أحد أبرز رجال الدولة في القرن التاسع عشر، رفض منصب نائب الرئيس للمرشح زاكاري تيلور عام 1848 قائلاً "أنا لا أقترح أن أُدفَن حتى أموت".

غير أن غولديستين يقول إن "كل هـذا قد تغير مع مرور الزمن، وأصبح منصب نائب الرئيس في القرن العشرين قوياً للغاية، وجزءاً لا يتجزأ من الرئاسة، بالتالي صار مثالاً على كيفية تطور النظام الدستوري الأميركي".

وبدأ تشكل أهمية المنصب عندما توفي الرئيس ويليام هنري هاريسون أثناء وجوده في الرئاسة عام 1841. وبينما جادل الخصوم السياسيون بأن نائب الرئيس جون تايلر يجب أن يصبح قائماً بالأعمال فقط، فسر تايلر الدستور على أنه لا يمنحه مجموعة من الواجبات، بل منصب الرئيس نفسه، ومن ثم انتقل إلى البيت الأبيض، وأدى اليمين الرئاسية، وألقى خطاب تنصيب قصيراً. لكن يقول هوداك إن الأمر استغرق نحو أقل قليلاً من قرن من الزمان حتى جرى تكريس السابقة في الدستور من خلال التعديل الخامس والعشرين عام 1967.

هل النائب مستعد للحكم؟

الظروف الحالية تفرض على نائب الرئيس أن يكون مستعداً دائماً لإدارة البلاد، إذ أنها تزيد من أهمية جاهزية النائب لتولي الحكم عند أي لحظة ممكنة، فبحسب ما ذُكر في الصحافة الأميركية، فإن هاري ترومان نائب الرئيس فرانكلين روزفلت، الذي تولى الرئاسة بعد وفاة الأخير، قال في وقت لاحق عن وفاة روزفلت "شعرت وكأن القمر والنجوم وكل الكواكب قد سقطت عليّ"، إذ كان عليه أن يتعامل بشكل عاجل مع قضايا صعبة، مثل القنبلة النووية، واحتمال نشوب حرب باردة، ونهاية الحرب في المحيط الهادئ، وهي أزمات لم يطلع عليها مطلقاً.

وتقول إيروين جيلمان، في كتابها "الرئيس والمتدرب: أيزنهاور ونيكسون 1952 - 1961"، إن الرئيس دوايت دي أيزنهاور، الذي خلف ترومان عام 1953، كان مرعوباً من فكرة عدم استعداد سلفه للرئاسة، لذلك كان حريصاً على أن يكون نائبه ريتشارد نيكسون منخرطاً بشكل وثيق في الحياة التنفيذية. وضم أيزنهاور نائبه نيكسون إلى الاجتماعات، ومنحه مهمات كبيرة، مثل رحلة طويلة إلى آسيا وتشريعات الحقوق المدنية المهمة. جزئياً بسبب اعتلال صحته، اتخذ أيزنهاور الترتيبات، ليكون نيكسون مسؤولاً بالكامل عن الدور الرئاسي إذا أصبح عاجزاً.

وبحلول الستينيات، كان من الواضح أن الكونغرس سيحتاج إلى توضيح الدور الغامض لنائب الرئيس. وفي عام 1963، اغتيل الرئيس جون إف كينيدي، وتُرك منصب نائب الرئيس شاغراً عدة أشهر تولى بعدها ليندون جونسون الرئاسة. رداً على ذلك، أقر الكونغرس التعديل الخامس والعشرين، الذي يحدد إجراءً لتعيين نائب رئيس بديل، وقرر بشكل نهائي أنه إذا مات الرئيس أو أصبح عاجزاً يصبح نائبه رئيساً بدلاً من مجرد تولي المهمات.

وحسب غولدستين، فإن التغيير الحقيقي حدث في ظل إدارة جيمي كارتر عام 1977، حين كان والتر مونديل نائب الرئيس وأحضر كارتر، للمرة الأولى إلى الجناح الغربي للبيت الأبيض، ومنحه حق الوصول إلى كل اجتماعاته، ودعاه إلى حضور أي اجتماع في جدوله، وتأكد من أن نائبه يحصل على جميع الوثائق التي بحوزة الرئيس نفسه، حيث جرى تأسيس دور جديد للنائب كمستشار رئاسي شامل في كل مسائل السياسة والموظفين الدبلوماسيين والمحليين وحل المشكلات المتعلقة بالأزمات الرفيعة المستوى ذات الأهمية. وهو الدور الذي باتت تتبعه كل الإدارات الأميركية اللاحقة.

بنس وهاريس والفرصة القريبة

على الرغم من الجدل الدائر في أوساط السياسة الأميركية بشأن ترمب وبايدن، حيث الانتقاد الدائم لطريقة الأول في إدارة ملفات شائكة، مثل جائحة كورونا والتمييز ضد الأميركيين السود، وانتقاد الثاني باعتباره سيكون امتداداً لإدارة الرئيس السابق باراك أوباما، حيث خدم نائباً للرئيس، ومع ذلك يبقى نائباهما محل احترام وتقدير في أعين الناخبين.

فعلى نقيض رئيسه، فإن بنس البالغ من العمر 60 سنة، يحظى بخبرة سياسية كبيرة، إذ شغل منصب حاكم ولاية إنديانا، وكان عضواً في مجلس النواب بين عامي 2001 و2013، وكذلك رئيس المؤتمر الجمهوري بين 2009 و2011. وفي مرات عدة نأى بنفسه عن بعض سياسات ترمب، مثل قرار حظر سفر مواطني بعض الدول، بما في ذلك بلدان ذات غالبية مسلمة، على الرغم من أنه سعى علناً للدفاع عن الرئيس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتحظى هاريس (55 سنة)، بقبول واسع كأول امرأة غير بيضاء، مولودة لأم هندية وأب جامايكي، تحصل على ترشيح أحد الحزبين الكبيرين في أميركا لمنصب نائب الرئيس. وعلى الرغم من أنها دخلت مجلس الشيوخ في عام 2017 فقط، حيث انتُخبت سيناتورة، لكنها تتمتع بملف مهني بارز، إذ أصبحت المدعي العام الأعلى في سان فرانسيسكو عام 2003 قبل أن تُنتخب مدعياً عاماً لولاية كاليفورنيا. ولفتت شخصيتها الأنظار خلال المناظرة الخاصة بالانتخابات التمهيدية لتسمية مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة قبل أن تنسحب من السباق في ديسمبر (كانون الأول) 2019، بعد أن أخفقت في حشد التأييد اللازم.

وقبيل المناظرة التي أجريت الأسبوع الماضي بين بنس وهاريس، وضع كثير من المراقبين ثقتهم في أن يصلح النائبان ما أفسده رئيساهما خلال مناظرتهما التي شابها الفوضى وتبادل السخرية والشتائم.

وقال نائب رئيس مركز الإدارة العامة الفعالة للأبحاث، إن مايك يتمتع بشخصية تتسم بالهدوء والتحكم والثبات، كما بدا في مؤتمراته الصحافية حول فيروس كورونا، مضيفاً أنه لا يجب لبنس أن يظهر فقط أنه على استعداد لتولي الرئاسة إذا لزم الأمر، لكن يجب أن يبدو قادراً على أن يكون قائداً قوياً في حد ذاته، ومستعداً لقيادة سفينته. وأشار إلى أن هاريس مناظِرة قوية. وخلص إلى أن أمام النائبين فرصة لفعل شيء لم يقدمه ترمب وبايدن، وهو أن يكونا المرشحين الرئاسيين اللذين تريدهما أميركا وتحتاج إليهما الآن، لا سيما مع التركيز على حقيقة واحدة: أن أحدهما قد يصبح رئيساً في وقت أقرب مما هو مخطط له.

اقرأ المزيد

المزيد من سياسة