ملخص
يمتلك السودان بحسب وثائق وزارة الطاقة احتياطياً نفطياً يقدر بنحو 6 مليارات برميل لم يستخرج منها سوى 20% فحسب، ويمتلك أيضاً نحو 12 حوضاً رسوبياً في مواقع متنوعة واحتياطات كبيرة من الغاز الطبيعي في وسط البلاد وشرقه.
ضربات قاصمة تلقاها قطاع النفط في السودان بأقسامه الثلاثة، حقول الإنتاج وأنابيب النفط ومصفاة الخرطوم، بسبب الحرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع" المستمرة حتى الآن، التي ألقت بتداعياتها على مستقبل صناعة النفط والاقتصاد السوداني.
ومع سقوط "هجليج" أكبر حقول النفط بالبلاد، وقبلها توقف الصيانة، وتعرض خطوط الأنابيب للتلف، فضلاً عن مغادرة الخبرات الفنية، فقدت السيطرة على معظم المنشآت الحيوية للنفط.
في السياق أوضح المهندس الجيولوجي محمد عوض الله "أن قطاع النفط ظل يعاني أهوال الحرب بتوقف جزئي للعمليات الفنية في الحقول المنتجة، وأيضاً توقف عمل الشركات بسبب ما أصاب مؤسساتها في الخرطوم من أضرار بالغة عقب حرق أبراج شركتي النيل وبترودار والمبني الرئيس لوزارة الطاقة والنفط، مما أدى لتلف كميات كبيرة من المعلومات النفطية والخرائط والمستندات الحقلية". ورأى عوض الله أنه كان من الأفضل تحييد مناطق إنتاج النفط بتفاهمات تضمن استمرار تشغيل الحقول، أسوة بالتجربة الليبية أثناء فترة الصراع، إذ إن إعادة بناء هذا القطاع ستشكل عقبة كبيرة في اليوم التالي للحرب.
ولفت المهندس الجيولوجي إلى أن قطاع النفط في السودان كان، قبل الحرب، في مقدم القطاعات الناشئة، لافتاً إلى أن أولى عمليات الاستكشاف بدأت عام 1959، "إلا أن تصدير أول شحنة تجارية من النفط السوداني لم يتحقق إلا عام 1999 من حقل هجليج"، وتابع "ظل القطاع بعدها في حال نمو مستمرة بتوالي الاكتشافات الجيولوجية في منطقة غرب كردفان، حقل بليلة، ومنطقة أعالي النيل في حقلي عدارييل وفلج، إلى جانب استكشافات متفرقة في عدد من المناطق الأخرى، وأسهم في ذلك استخدام تكنولوجيا عالمية، واستقدام مستثمرين من كل وجهات العالم". وقال إنه "مع هذا الزخم الهائل من الأعمال المتواصلة من عمليات الاستكشاف والإنتاج كان لا بد من بناء أصول ضخمة تم إنشاؤها من عوائد الخام لكي تساعد في عمليات النقل والترحيل، وتكرير النفط الخام المنتج حتى يتم استخدامه كمواد بترولية وكمدخلات في النقل والزراعة والكهرباء كما هو معلوم"، لافناً "إلى أنه على رغم عمليات الفساد الممنهجة التي اتبعتها المجموعة الحاكمة خلال عهد عمر البشير (رئيس سابق)، إلا أن الأصول الثابتة التي تقدر بنحو 3 مليارات دولار، ظلت مكتسبات للأمة السودانية، وإحدى مقومات جذب المستثمرين".
مواصفات عالمية
وأشار عوض الله إلى أن من أهم الأصول التي تم إنشاؤها بمواصفات عالمية هي مصفاة الخرطوم التي توفر نحو 120 ألف برميل من المنتجات النفطية يومياً، في حال عملها بكامل كفاءتها، "وتم بناء خط من منطقة فلج وعدارييل بولاية أعالي النيل أيضاً مروراً بمحطة أم دباكر حتى المصفاة، ثم إلى ميناء بشائر-2 للتصدير، أما الخط الناقل الثاني وسمي لاحقاً خط بتكو، فهو الخط الناقل من منطقة هجليج مروراً بمصفاة أبو خريس بمدينة الأبيض عاصمة شمال كردفان، ثم مصفاة الخرطوم، ومنها إلى ميناء بشائر". وينقل هذا الخط النفط الخام المنتج من حقول "هجليج" التي كانت سعتها التشغيلية تقدر بنحو 340 ألف برميل يومياً، قبل أن تتدنى في الآونة الأخيرة نتيجة انخفاض معدل الإنتاج من الحقول السودانية، الذي يبلغ 22 ألف برميل يومياً للسودان، و60 ألف برميل لدولة جنوب السودان.
كارثة اقتصادية
غير أنه، ومنذ مساء الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الجاري تاريخ سقوط حقل "هجليج"، توقفت كل العمليات بصورة كاملة في منطقه هجليج وخط أنابيب بتكو، مما يعني خسارة يومية لرسوم ترحيل نحو 60 ألف برميل لدولة جنوب السودان ونحو 22 ألف برميل من خام جمهورية السودان، إضافة إلى الخسارة المهولة الناتجة من توقف العمليات في الخط الناقل، الذي تكلف إعادة تشغيله مبالغ طائلة نتيجة التعقيدات الفنية المصاحبة لذلك، هذا في حال ظل الخط سليماً"، وعد المهندس الجيولوجي ما حدث في قطاع النفط كارثة اقتصادية ستسهم في دمار ما تبقى من اقتصاد البلاد الذي ظل يعاني ويلات الحرب المستمرة.
خروج الصين
أما بخصوص خروج شركة "سي أن بي سي" الصينية من مربع ستة في منطقة بليلة فأوضح عوض الله "أن خروج الصين كان بسبب القوة القاهرة المتضمنة في اتفاقية قسمة الإنتاج، كما هو في الوضع الحالي (وضع الحرب)، مما يمنح الحق لأي من الشركاء طلب إنهاء الاتفاقية من طرفه"، معتبراً خروج الشريك الأجنبي الوحيد في هذه الفترة خسارة آنية وعلى المدى القصير أيضاً.
واستغرق استكشاف واستخراج النفط بالسودان مراحل طويلة امتدت من ستينيات القرن الماضي وصولاً إلى بداية الإنتاج التجاري له عام 1999. ومنذ ما بعد الاستقلال، بدأت الحكومة السودانية آنذاك بإجراء دراسات جيولوجية في غرب وجنوب السودان، وتم تحديد مؤشرات إيجابية بوجود احتياطات فعلية من النفط من دون أن تتمكن من الدخول في عمليات استخراجه أو إنتاجه فعلياً.
"شيفرون" والبدايات
شكل دخول شركة "شيفرون" الأميركية (1984 – 1974) نقطة تحول تشكل البداية الحقيقية لعهد النفط في السودان، ومن أبرز إنجازاتها اكتشاف حقل بليلة بغرب كردفان عام 1976، ثم حقل "هجليج" عام 1978، ولاحقاً حقول أخرى في جنوب السودان، غير أنه، بسبب اندلاع الحرب الأهلية بجنوب البلاد ومقتل موظفين من الشركة بهجوم مسلح عام 1984، أوقفت "شيفرون" نشاطها وغادرت البلاد من دون رجعة. ومثلت الفترة بين عامي 1985 و1996 مرحلة من الجمود في مسيرة استكشاف واستخراج النفط، بسبب الحرب، وغياب الشركات العالمية.
التوجه شرقاً
خلال الفترة بين عامي 1996 و1999 كثفت الحكومة السودانية جهودها في البحث عن بدائل أثمرت عن دخول شركات آسيوية لتبدأ معها مرحلة استخراج وتطوير إنتاج النفط، وكونت الحكومة آنذاك "كونسورتيوم" من مجموعة شركات بقيادة الشركة الصينية للبترول "سي أن بي سي"، و"بتروناس" الماليزية، و"أو أن جي سي" الهندية، عرف باسم "جي أن بي أو سي"، وأنشأت هذه المجموعة خط أنابيب النفط من "هجليج" إلى بورتسودان بطول 1600 كيلومتر، ثم شيدت مصفاة الخرطوم للنفط بالتعاون مع الصين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
العهد الذهبي
بلغ الإنتاج في بداياته الأولى في تلك الفترة نحو 150 ألف برميل في اليوم، ثم قفز ليتجاوز 450 ألف برميل يومياً، ليدخل الإنتاج إلى أوج عهده الذهبي في الفترة بين عامي 2008 و2010، ثم توجت تلك الجهود بتصدير أول شحنة للنفط السوداني من ميناء بشائر في البحر الأحمر تحت اسم "نفط النيل" أو "مزيج النيل" كعلامة تجارية، في 30 أغسطس (آب) عام 1999. وبعد انفصال جنوب السودان عام 2011، ذهب نحو 75 في المئة من الاحتياط والإنتاج إلى دولة الجنوب، لذا انخفض الإنتاج السوداني من 450 ألف برميل يومياً إلى أقل من 60 ألف برميل يومياً.
ما بعد الحرب
وطالت الحرب حقل "بليلة" في ولاية غرب كردفان، الذي كان ينتج 16 ألف برميل من الخام يومياً، واحترق مطار "بليلة" بالكامل، ونهبت مكاتب الشركات، ودمرت قوات "الدعم السريع" كل مرافقه، وشملت عمليات التخريب مكاتب شركة "بترو إنرجي" مالكة الحقل بالشراكة مع الشركة الوطنية الصينية. وبحسب تقارير رسمية، فقد خرجت 10 حقول بولاية غرب كردفان من الإنتاج مع تعرض الآبار للتخريب.
وفي إقليم دارفور هاجمت "الدعم السريع" حقل "سفيان" النفطي بولاية شرق دارفور، ودمرت المنشآت والآليات، مما تسبب في توقف الإنتاج بالحقل.
وفي دارفور أيضاً شمل التخريب حقول "شارف" و"أبو جابرة" و"زرقة أم حديد"، وتعرض معظم المنشآت والبنية التحتية للنهب، وأحرقت أجزاء حقل منطقة "زرقة أم حديد"، والتهمت النيران بالكامل أكبر الآبار إنتاجاً بالحقل.
مصفاة "الجيلي"
كانت مصفاة "الجيلي" لتحرير النفط، 70 كيلومتراً شمال الخرطوم، أول المواقع التي استولت عليها "الدعم السريع" منذ الأيام الأولى للحرب، لأنها كانت تشارك في حراستها، لقربها من إحدى قواعدها إذ تبعد عنها نحو سبعة كيلومترات. وتعد "الجيلي" من كبريات المصافي في السودان، وترتبط بخط أنابيب للتصدير بميناء "بشائر" على ساحل البحر الأحمر شرق السودان بطول 1610 كيلومترات، وتبلغ طاقتها الإنتاجية 100 ألف برميل يومياً، وتنتج نحو 10 آلاف طن من الغازولين و800 طن من غاز الطهي يومياً. وتعرضت المصفاة للتخريب والقصف بخاصة مستودعات ومكاتب الشركات، وطال تبادل القصف جانباً من مركز التحكم ومستودعات المشتقات الاستراتيجية، وجزءاً من خط الأنابيب، وتقدر خسائر التوقف بنحو 5 ملايين دولار يومياً.
خسائر الرسوم
وكان السودان يستفيد من عائدات النفط الذي تنتجه دولة جنوب السودان، بتحصيل رسوم مقابل نقل نفطها بواقع 170 ألف برميل يومياً عبر خط الأنابيب السوداني إلى ميناء "بشائر" على ساحل البحر الأحمر، وقد أعاقت "الدعم السريع" الروابط اللوجيستية وأنابيب النقل بين حقول النفط في جنوب السودان والميناء، بسيطرتها سابقاً على إحدى محطات ضخ نفط الجنوب في منطقة العيلفون شرق الخرطوم.
قبيل سيطرة "الدعم السريع" على حقل "هجليج" الذي يضم نحو 75 بئراً نفطية، كان الحقل الوحيد المستمر في الإنتاج على رغم تراجعه من 35 ألفاً إلى 18 ألف برميل في اليوم، مع توقف كل عمليات الحفر والصيانة للآبار ومنشآت المعالجة النفطية، وقدرت خسارة هذا التراجع في الإنتاج بمليوني دولار يومياً.
ويمتلك السودان بحسب وثائق وزارة الطاقة احتياطاً نفطياً يقدر بنحو 6 مليارات برميل لم يستخرج فيها سوى 20 في المئة فحسب، ويمتلك أيضاً نحو 12 حوضاً رسوبياً في مواقع متنوعة واحتياطات كبيرة من الغاز الطبيعي في وسط البلاد وشرقه.