Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أقدم قصة عشق يونانية في الإسكندرية بطعم القهوة

"سوفيانو بولو" مطحن بن عمره أكثر من قرن ومن أبرز زبائنه السادات وديميس روسوس وأم كلثوم وعبد الحليم وعبد الوهاب

كان مقهى سفيانو بولو عبارةً عن مطحن لبيع البن فقط حتى عام 1990 (اندبندنت عربية)

حين تطأ قدمك محطة "الرمل" تلك البقعة الصاخبة نسبياً، القابعة وسط مدينة الإسكندرية (شمال القاهرة) تبهرك تفاصيلها التي مزجت بين القديم والحديث، وبمجرد أن تدلف خلف المحطة إلى شارع سعد زغلول الشهير، تواجهك لافتة كتب عليها "سوفيانو بولو"، تخطف نظرك منذ الوهلة الأولى بتلك الأرقام التي خطت عليها لتخبرك عن عمر هذا المقهى.
 مكان تنبعث منه رائحة "النوستاليجيا"، ماض يعود تاريخه إلى عام 1908، أكثر من قرن مر على تلك البقعة، حيث يتسلل إليك صوت "جارة القمر" فيروز، ويتداخل مع رائحة مميزة لـ"تحويجة" وضع سرها الخواجة اليوناني العاشق للإسكندرية "سوفيانو بولو"، ليخبرك كم صمد أمام الزمن وما زال صامداً لم يتأثر بجائحة "كورونا" التي نالت من الجميع، في استثناء له سر خاص حيث تسمع صوت حبات القهوة يتكسر في المطحنة، وأنت تجلس وتسمع حكايا وأسرار تلك "التحويجة"، وهذا المقهى الذي لطالما ارتاده أبرز أعلام مصر.


العاشق اليوناني... الخواجة "سوفيانو بولو"

"سوفيانو بولو" الذي سمي هذا المقهى باسمه، هو مواطن يوناني اشتهر بعشقه الإسكندرية، استقر فيها طويلاً مثله في ذلك مثل كثيرين من اليونانيين الذين تعلقوا بتلك المدينة وأمضوا قسماً كبيراً من عمرهم في أحيائها، وبخاصة حي "لوران" الذي يعد الأرقى والأقدم فيها، وحيث لا تزال الشقق التي يمتلكونها كما هي بكامل محتوياتها، تكسو الأتربة قطع الأثاث الثمين فيها، فمن رحلوا كان لديهم حلم العودة ولا يزالون عالقين في عشقها.
صداقة جمعت بين الخواجة سوفيانو بولو والحاج إيهاب طنطاوي الإسكندراني، وكان هذا المقهى نتاج المحبة التي جمعتهما في لقائهما الأول على شاطئ المعمورة، لذا حافظ طنطاوي على اسم المقهى كما هو حتى بعد رحيل رفيقه اليوناني من مصر وإنهاء الشراكة بينهما.
المقهى لم يكن في البداية مطحناً للبن، إنما كان مكتب بريد، ولكن عشق الخواجة "سوفيانو بولو" للقهوة وبراعته في أسرار التحويجة لفتت إعجاب كثيرين من أصدقائه، فحوله إلى مقهى في عام 1932 ليقدم سره الخاص للإسكندرانية، ويذيع صيته في المدينة طولاً وعرضاً. وظل المقهى عبارةً عن مطحن لبيع البن فقط، حتى عام 1990، حين طالب قسم كبير من الزبائن بإيجاد مكان مخصص للاستمتاع بتناول القهوة المميزة. وبالفعل خصصت صالة من طراز خاص لاستضافة عشاق تحويجة الخواجة "سوفيانو"، لكنها احتفظت بالطراز القديم ذاته، وبصمته الكلاسيكية.
الصبغة القديمة للمكان، بدءاً من الشكل العتيق، تمتد إلى مختلف التفاصيل حولك، فتراها حيث المعلبات التي تضم حبات القهوة المتنوعة موزعة بعناية على الرفوف هنا وهناك، فمنها البن العربي على اختلاف أنواعه، الهندي والحبشي واليمني، والغربي لتضم أذواقاً تلبي رغبات كل محبي القهوة. كما ترى بوضوح آلات طحن البن وإعداده القديمة، التي ما زالت تحافظ على سلامتها على الرغم من مرور عشرات السنين على استخدامها للمرة الأولى.



السادات وديمس روسوس

لجودة القهوة التي يوفرها "سوفيانو بولو" شهرة واسعة، إذ كان مقصداً ليس فقط لأهالي الإسكندرية، وإنما لكل المصريين الزائرين لعروس البحر الأبيض المتوسط، وأيضاً لكثير من الشخصيات المهمة داخل مصر وخارجها. ومن أبرز مرتادي المحل، الرئيس المصري الراحل أنور السادات والسيدة أم كلثوم و"العندليب الأسمر" عبد الحليم حافظ، والموسيقار محمد عبد الوهاب وغيرهم، كما روى الجد لحفيده، محمد طنطاوي، الشاب الثلاثيني، أحد أصغر أحفاد الحاج طنطاوي. وقال محمد طنطاوي لـ"اندبندنت عربية" إن "المكان شهد زيارات عدة من مشاهير الكتاب والفنانين وكثير من اليونانيين المقيمين في الإسكندرية وزائريها على مدار سنوات، مثل عمدة أثينا، والمغني اليوناني الشهير ديميس روسوس ووالده اللذين كانا من أبرز زبائننا".
ويشير طنطاوي إلى أن "يونانيين كثراً من الذين كانوا مقيمين في الإسكندرية وعادوا إلى اليونان، كانوا حريصين على التردد على سوفيانو بولو خلال زيارتهم مصر لاستعادة ذكرياتهم وشراء القهوة التي أحبوها خلال إقامتهم في الإسكندرية. وحتى الآن يحرص بعض اليونانيين الزائرين للإسكندرية على زيارة المكان وشراء القهوة والتقاط الصور التي تذكرهم بماضي أسلافهم في المدينة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


سر "التحويجة"

وعن أشهر تحويجات القهوة، يقول طنطاوي إن "ما يميز قهوة سفيانو بولو هو أننا نتعامل مع كل مراحل البن، بدءاً من طحنه وتجهيزه وإعداد التحويجات المختلفة وصولاً إلى تقديمه للزبائن في الفنجان ما يكسبه مذاقه الخاص والمميز. ولدينا تحويجات خاصة بنا، من أشهرها توليفة البن الشهيرة الخاصة بسوفيانو بولو التي يمزج فيها بين البن البرازيلي والكولومبي والحبشي واليمني ليحصل شارب القهوة في النهاية على فنجان يحمل مذاقاً خاصاً يجمع بين أفضل ما في كل نوع من هذه الأنواع. كما نقدم أنواع القهوة العربية بتحويجات الهيل والمستكة. ونقدم البن المحروق أيضاً ونشتهر به". ويضيف طنطاوي أنه ومن أجل "مواكبة التطور والزبائن من الشباب، أصبح يتوافر لدينا أيضاً أنواع القهوة الحديثة مثل الكابتشينو والموكا والإسبرسو والقهوة بالنكهات المختلفة مثل الفانيليا والبندق، وأنواع القهوة الأجنبية مثل الإيطالية والأميركية، إلا أن تحويجة البن الخاصة بسوفيانو بولو تظل هي الأساس، إذ حافظنا على مذاقها المتميز المحمل بخبرة أكثر من مئة عام".


جائحة كورونا

وتطرق طنطاوي إلى تأثير جائحة كورونا على المقهى، فقال إنه "على الرغم مما فعلته جائحة كورونا بكل المقاهي، لكن التأثير علينا لم يكن كبيراً، حيث إن مقهانا لا يعتمد بالأساس على طلبات الزبائن في صالة المقهى، بل نعتمد على طلبات القهوة بمختلف أنواعها وتوصيلها إلى المنازل والأماكن الأخرى مع الالتزام بارتداء الكمامة والتعقيم المطلوب، إضافة إلى حركة الشراء المباشر من قبل زبائننا ومرتادي المقهى الدائمين والذين نعرفهم منذ زمن طويل".

المزيد من منوعات