Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حزب العدالة والتنمية يعود ليعلن الأكراد "الأعداء الجدد"

أردوغان لا يبحث عن السلام بل عن حرب تصلح لأن تكون وسيلة لإحداث مزيد من التوتر في المسرح السياسي

لافتة لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا (أ ف ب)

كنتُ أنتظر من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يعلن عن أعداء جدد له ليرفع من خلالهم مستوى التوتر السياسي في البلاد. ولكن - بصراحة - لم أكن أتوقع منه هذه السرعة الفائقة المفاجئة.

فبعد أن وافق على الجلوس إلى الطاولة مع أثينا، استفاق الرأي العام التركي على نبأ العملية الموسعة ضد السياسيين الأكراد.

وأعلن مكتب المدعي العام في أنقرة عن فتح تحقيق ضد 82 سياسياً بارزاً من حزب "الشعوب الديمقراطي" بحجة ضلوعهم في الاحتجاجات التي اندلعت في صفوف الأكراد في عام 2014 ضد هجمات "داعش" لبلدة كوباني السورية التي تتشكل غالبيتها من الأكراد، وباتت تُعرف في ما بعد بـ"حوادث كوباني".

وفي إطار ذلك تم تحضير مذكرات اعتقال بحق سبعة نواب في البرلمان يتمتعون بالحصانة البرلمانية.

وفي السياق ذاته رفع المدعي العام دعوى قضائية ضد الرئيس المشارك السابق لحزب "الشعوب الديمقراطي"، صلاح الدين دميرطاش، المسجون حالياً، بتهمة "التحريض ضد المسؤولين الذين شاركوا في مكافحة الإرهاب".

المثير للاهتمام هو أن المدعي العام في أنقرة يوكسَل كوجامان الذي يدير عملية الاعتقال الواسعة هذه، زار أردوغان في قصره برفقة عروسه الجديدة قبل يومين من بدء هذه العملية.

لذلك يمكننا القول إن أردوغان هو الذي يقود هذه العملية الواسعة ضد السياسيين الأكراد، وإن هذه العملية سياسية بكل معنى الكلمة ولا علاقة لها بالقانون أصلاً.

وقد كان حزب العدالة والتنمية نفسه هو الذي يدعو الأكراد قبل بضع سنوات إلى التخلي عن العنف ومواصلة العمل السياسي بالوسائل المشروعة وتحت قبة البرلمان.

ولكننا نرى أنه الآن يقوم باعتقال رؤساء البلديات من حزب "الشعوب الديمقراطي" الذين شاركوا في العمل السياسي القانوني، وتقلدوا المناصب بالبلديات نتيجة فوزهم في الانتخابات التي تمت بإذن من الدولة.

وتم تعين الأوصياء من الدولة ليحلوا محل هؤلاء المعتقَلين. كما تم اعتقال نوابهم في البرلمان بمن فيهم رؤساء الحزب، وزُج بهم في السجون بحجج واهية.

أنا شخصياً كنت بالأمس وسأكون اليوم وغداً ضد "حزب العمال الكردستاني"،  الجناح المسلح لهم، وأنا أتفق مع دولتي في التصدي للأعمال المسلحة/ الإرهابية. ولكن المشكلة هي أن أردوغان نفسه هو الذي أصبح يضيق المساحة السياسية أمام الأكراد ويحرمهم من ممارسة العمل السياسي ويضطرهم للُّجوء إلى استخدام السلاح.

والسبب واضح، وهو - كما ذكرت في مقالي السابق - أن أردوغان لا يبحث عن الهدوء والسلام، بل يبحث عن حرب وعدو مناسب يصلح لأن يكون وسيلة لإحداث مزيد من التوتر في المسرح السياسي. 

فمنذ سنوات نراه كلما دخل في مأزق على المستوى الدولي أو الاقتصادي يختلق لنفسه عدواً في الداخل ليستخدمه للتستر على إخفاقاته. والعدو المناسب في هذه الأيام هم في الأغلب أتباع فتح الله غولن أو الساسة الأكراد.

ولكن بالإضافة إلى ما قلنا يمكن أن نستخرج من العمليات الأخيرة نتيجة أخرى وهي أن أردوغان بهذه العملية الأخيرة يكون قد لوح ببداية موسم الانتخابات، حيث أنه لاحظ مدى فاعلية حزب "الشعوب الديمقراطي" ودوره المفتاحي في تغيير موازين القوى، خصوصاً في التحالفات الانتخابية، (كما ظهر ذلك واضحاً في الانتخابات الأخيرة التي أدت إلى خسارة حزبه في كبرى البلديات).

ولكنه بعدما فشل، على الرغم من كل الضربات القاتلة، في القضاء على السياسيين الأكراد بالكلية، بدأ يحاول من خلال هذه العمليات الواسعة ضد كوادرهم البارزين أن يشل حركتهم، ويحرج حزب الشعب الجمهوري الذي تَحالَف معه في الانتخابات الأخيرة. 

وكان يأمل من خلال هذه الخطوة أن يُحدِث شرخاً مهماً في صفوف المعارضة التي وقفت صفاً واحداً ضده في الانتخابات الأخيرة. 

 لذلك سيكون لرد فعل رئيس "حزب الشعب الجمهوري" كمال كليجدار أوغلو ضد هذه العمليات، دور مهم للغاية في مستقبل تركيا، لأنه إذا لم يتحالف "حزب الشعب الجمهوري" مع حزب "الشعوب الديمقراطي" ضد أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فلن يكون من الصعب خسارة المعارضة ضد أردوغان في الانتخابات. 

 لذلك فلن يكون من الغريب أن يضرب أردوغان بكل ثقله على قمع المعارضة بكل أطيافها، والقضاء على تماسكها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأعتقد أنه من المفيد أن أشير إلى نقطة واحدة لقرائي الأعزاء، أنني لست كردياً، بل أنا تركي ونشأت في بيئة قومية محافِظة. وحتى سنوات دراستي الجامعية كانت آرائي حول المُواطنين الأكراد منحازة للخطاب الرسمي الذي يمليه الحكام على المواطنين.

ولكن عندما عاشرت في أيام الجامعة الزملاءَ الأكراد وأصبح لدي منهم أصدقاء تغيرت لدي هذه النظرة بشكل كبير.

ولكن في الوقت نفسه عندما كنت أسمع المشكلات التي يعاني منها الأكراد في المنطقة الكردية، بخاصة في التسعينيات، كنت ألقي بنصف اللائمة على المسؤولين في تلك الفترة وبالنصف الآخر على الأكراد أنفسهم.

ولكنني لم أتوقف عن البحث حولهم، وعن خلفيتهم التاريخية، وأتساءل، من أين هؤلاء القوم؟ ولماذا لا تستسيغهم الدولة التركية؟ وأخيراً اكتشفت أنهم مِن أقدم القوميات في تلك المنطقة، شأنهم شأن الأرمن الذين استوطنوا بلاد الأناضول قبل أن تمسها أقدام الأتراك.

ويبلغ عدد الأكراد في تركيا (بحسب السجلات الرسمية) 15 مليون نسمة، وهو نصف عدد مجموع الأكراد المتوزعين بين دول المنطقة (30 مليون نسمة).
وبعد هذه اللفتة التاريخية أود أن أعود إلى التسعينيات.

ففي تلك الفترة الحالكة بدأت الدولة في استخدام الضغط المنهجي والعنف المتواصل لفرض السيطرة على السكان الأكراد ومنعهم من التنظيم في ما بينهم.

وتشير السجلات الرسمية للدولة إلى أنه تم حرق حوالى خمسة آلاف قرية من قِبل استخبارات الدرك لمكافحة الإرهاب المعروف باسم  (JITEM) وقد قُتِل في تلك الفترة حوالى 17 ألف كردي ولم يتم الكشف عن القاتلين حتى الآن.

وأخيراً، اعترف (عارف دوغان) الذي كان آنذاك عقيداً في قوات الدرك، والذي حوكم وأدين في قضية أرجينيكون عام 2013 أمام المحكمة بأن الدولة هي التي فوضت إليه تأسيس منظمة (JITEM)، وكان تحت إمرته 10 آلاف شخص.

وقد أدين العقيد دوغان مع أشخاص آخرين بالسجن لمدد تتراوح بين 15 و47 عاماً. لاحقاً، ألّف هذا الشخص كتاباً سلط فيه الضوء على الجرائم التي ارتكبتها الدولة في الجنوب الشرقي من البلاد.

نعم، اضطر ملايين الأكراد، الذين يعيشون في تلك القرى التي تم تدميرها وحرقها، إلى الهجرة إلى المحافظات الغربية في البلاد. وبطبيعة الحال ارتفعت نسبة الأكراد بسرعة في المحافظات ذات الكثافة السكانية العالية من الأتراك.

ومن الغريب أنه بدلاً من أن يناقش الناس أسباب تدمير قرى الأكراد وإجبارِهم على الهجرة، بدأ البعض يناقش أسباب تزايدهم بكثافة في المدن الغربية ذات الغالبية التركية.

وبالتزامن مع هذه النقاشات بدأت عواصف التغيير تهب في الأوساط السياسية التركية.

ففي عام 2003 وصل "حزب العدالة والتنمية" إلى السلطة تحت قيادة أردوغان، وأصبح الناس يتفاءلون بأن حكومته ستحل "المشكلة الكردية"، لأن شريحة عريضة من الأكراد هي أيضاً صوتت لهذا الحزب الذي قدم نفسه على أنه سيقوم بدور "المدافع عن كل المظلومين".

وبالفعل اتخذت الحكومة في أعوام 2008-2009 و2013 خطوات جيدة تهدف إلى حل المشكلة الكردية، وأخذت البلاد تعيش نوعاً من الهدوء من دون حوادث إرهابية للمرة الأولى منذ 30 عاماً.

وقد كانت حكومة أردوغان آنذاك تقول دائماً بأن المشكلة الكردية ليست عبارة عن مجرد عمليات إرهابية، بل هي (على حد تعبيرهم) نتائج سياسات خاطئة اتبعتها الحكومات السابقة وعلى رأسها حكومة "حزب الشعب الجمهوري".

ما يعني أن الإرهاب نتيجة لتلك الأسباب، فإذا أزيلت الأسباب فستزول النتيجة من تلقاء نفسها. نعم هذه العبارات موجودة في إعلان تأسيس "حزب العدالة والتنمية".

ولكن عندما أدرك أردوغان في عام 2014 أنه لن يحصل على أصوات الأكراد وأنه سيخسر الانتخابات، سرعان ما أفسد هذا الجو من السلام ليكسب أصوات القوميين الأتراك.

وتوصل الإسلاميون السياسيون إلى استنتاج مفاده بأن شرط البقاء في السلطة هو خلق عدو يقاتلونه حتى تتراص الصفوف حولهم.

وقد كانوا في السابق يطلقون شعار "الإسلامي" أو "الأمة" ولكنهم أخيراً قاموا بتفريغ هذين التعبيرين أيضاً من مفهومهما لينحازوا بالكلية إلى خط "قومي، شوفينيّ" يخدم خطهم المؤدي إلى نظام سلطوي بل دكتاتوري قامع.

لكن كان أمامهم مشكلة كبيرة هي أن هناك جماعات لن تقوم بمبايعتهم والترحيب بكل سياساتهم في داخل البلاد وخارجها. وكان على رأس هؤلاء الحركة الكردية التي بلغت في التنظيم والوعي السياسي مستوى لا بأس به، وكذلك جماعة غولن التي تضم العدد الأكبر من الذين تلقوا تعليماً جيداً، فكانا العدو الأكبر وتتم محاربتهم بكل ما يتقنون من فنون الصراع.

في حين أن التنظيمات الإرهابية من أمثال "داعش" وأضرابها فقد وجدوا لأنفسهم متنفّساً جيداً في عهد أردوغان. 

ففي كل مرة كانت الحكومة تطلق حملة اعتقال ضدهم، حتى تشعر الرأي العام الداخلي والخارجي بأنها تحارب أمثال هذه التنظيمات، ثم لا تمضي الأيام إلا ويتم الإفراج عنهم ويطلق سراحهم.

وفي الأسبوع الماضي تم الإفراج عن أشخاص حوكموا في قضية تنظيم "داعش" وثبتت جرائمهم.

وأخيراً، دخل أردوغان مرحلة الانتخابات وسيقوم جاهداً بإعداد بيئة تضمن له الفوز فيها.

اقرأ المزيد

المزيد من سياسة