Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حديث الدولة المدنية و"أجندة" الدولة الدينية

هل نحن بالفعل في مرحلة انتقالية بين لبنان مات في مئويته ولبنان لم يولد بعد؟

الكل يطلب فك "ألغاز" ما كان يدور بمرفأ بيروت قبل قصة نترات الامونيوم وبعد فصولها حتى الانفجار (أ ب)

لا أحد يعرف القيمة الحقيقية لأي شيء إلّا إذا فقده، وليس غريباً أن يتذكر العرب والعالم قيمة بيروت الكبيرة بعد انفجار المرفأ الذي دمّرها، وأن تكثر المراثي لها خوفاً من فقدانها، ولا بالطبع أن يراهن كثيرون على قيامتها مثل طائر الفينيق الذي يقوم من رماده، بحسب الأسطورة، لكن الواقع، حتى إشعار آخر، مخيف، شيء من حطام وطني وسياسي بين حطام المرفأ وبيروت التراثية والحديثة، وشيء من المقاومة العنيدة للإصلاح الذي يطالب به الشارع وتتبنّاه العواصم الخارجية كشرط لإنقاذ لبنان، على الرغم من تسارع الانهيار النقدي والمالي والاقتصادي والاجتماعي، فالبلد مكشوف بالكامل. ولم يعد ممكناً الهرب من كشف الحقائق كما كان يحدث في السابق، ولا تغطية الأمور الخطيرة المسكوت عنها في لبنان بتركيز الأضواء على كارثة المرفأ كأنها من صنع الطبيعة أو الإهمال البيروقراطي.

فكّ "ألغاز"

فالكل يطلب فكّ "ألغاز" ما كان يدور في المرفأ قبل قصة نيترات الامونيوم وبعد فصولها على مدى سبع سنوات حتى الانفجار، وليس قليلاً عدد الذين صاروا يقولون بصوت عالٍ ما قاله ذلك الطفل في القصة المشهورة وسط نفاق الحاشية للإمبراطور وامتداح ثوبه: الإمبراطور بلا ثياب. والإمبراطور العاري ليس مجرد شخص في قصر، بل تركيبة مافياوية متحكّمة بلبنان من القصور وغير القصور.

وليس أخطر من كارثة بيروت سوى كارثة كوننا "مجتمعات متخيّلة" على حد تعبير بنديكت أندرسون، إذ لكل جماعة "سردية مشتركة" مختلفة عن سرديات الجماعات الأخرى، بعضها يوحّد الجماعة بالخوف من الآخرين أو بحلم الغلبة أو بسحر المال والسلطة والسلاح، وبعضها الآخر لا يحول دون الانقسامات والصراعات والرهانات على تحالفات مع جماعة أخرى أو قوة خارجية، والأخطر هو اليد المحلية، الإقليمية الثقيلة على لبنان والتي تحمّله أعباء كل الصراعات في المنطقة: من الصراع العربي الإسرائيلي إلى الصراع العربي الإيراني، مروراً بالصراع العربي التركي، وصراع الإمامة والخلافة وما في "أجندات" التنظيمات التكفيرية الإرهابية، وصولاً إلى الصراع الأميركي الإيراني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"شرط وجود"

وحين تقول أميركا بلسان وكيل الخارجية للشؤون السياسية ديفيد هيل "إن "حزب الله" جزء من الاختلال في النظام اللبناني الذي يسمح له بالعمل كدولة داخل الدولة"، فإن "دولة" "حزب الله" التي تأكل دولة لبنان يراها السيد حسن نصر الله "شرط وجود"، وعندما يضع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورقة إصلاحية ومعها خريطة طريق للتنفيذ من أجل أن تتدفق المساعدات الخارجية لإنقاذ لبنان، فإن أهل السلطة يمارسون كل الألاعيب الممكنة لسدّ الطريق على الإصلاح الذي يبدأ بالتوقف عن السرقة ونهب المال العام.

أي مرحلة انتقالية؟

والسؤال هو: هل نحن بالفعل في مرحلة انتقالية بين لبنان مات في مئويته ولبنان لم يولد بعد؟ وأي مرحلة انتقالية؟ الانتقال من نظام طائفي إلى "دولة مدنية" دولة مواطنة أم إلى "دولة دينية" تابعة لولاية الفقيه في إيران أو للخلافة التي يعمل الإخوان المسلمون والتنظيمات الأصولية لاستعادتها بقيادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأموال قطر؟

الأرجح هو: لا هذه ولا تلك، فالدعوات إلى دولة مدنية تأتي إما من أحزاب علمانية ضعيفة الشعبية ومنها نخبة ثقافية وفكرية وفنية محدودة التأثير، وإما من مواقع طائفية ومذهبية قوية، الأولى عاجزة عن فتح الطريق إلى دولة مدنية، والثانية تحاول بوسائل ملتوية وغير مباشرة تركيب "غلبة" مذهبية في بلد من 18 طائفة، عبر الدعوات من دون التخلي عن الموقع الطائفي والمذهبي إلى إجراء انتخابات نيابية خارج القيد الطائفي وعلى مستوى لبنان دائرة واحدة، وهذه وصفة لوضع ليس مقبولاً من الطوائف والمذاهب الأخرى قبل المرور بمرحلة انتقالية على مراحل، تبدأ بما نص عليه الدستور من تأليف "هيئة وطنية عليا" تدرس السبل الآيلة إلى تجاوز الطائفية، تمهيداً لإلغاء الطائفية السياسية والحرص على الستاتيكو مستمر.

أسرع طريقة لإنهاء الحرب

وفي الحالين، قفز من فوق الكارثة والواقع والحاجة إلى معالجة ما هو ملحّ: إصلاحات مالية واقتصادية لضمان الحصول على مفتاح المساعدات الذي في يد صندوق النقد الدولي، ومعالجة مشكلة الكهرباء المزمنة التي كلّفت لبنان حتى اليوم 54 مليار دولار أي أكثر من نصف الدين العام من دون الحصول على كهرباء.

يقول جورج أورويل "أسرع طريقة لإنهاء الحرب هو أن تخسرها"، ونحن خسرنا الحرب بالغباء وقصر النظر والبعد عن التفكير الاستراتيجي والوقوع تحت سطوة قوى إقليمية ودولية لكل منها "أجندة" خاصة، لكن الحرب لم تنتهِ، وليس انفجار المرفأ سوى الصوت المدوّي للحرب المستمرة باردة وأحياناً حارة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل