Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"أوميرتا مافيوية" في المرفأ ولبنان

كل شيء مقسم إلى حصص للنافذين و"عيش مشترك" بين الشرعي واللاشرعي

المرفأ الذي بُني في النصف الثاني من القرن الـ 19 كان رمزاً للازدهار الاقتصادي والتجارة العالمية (غيتي)

بيروت الثقافة والفن والحريات وحوار الأفكار والانفتاح الحضاري ونمط الحياة كانت "المدينة" في "الريف" العربي، وهي البيت الثاني لكل عربي، كما أعادت كشفه القصائد والمقالات وردود الفعل العفوية في كل العالم العربي بعد كارثة انفجار المرفأ.

لكن بيروت السياسة هي النقيض، حيث التخلف في الممارسة والعجز عن بناء دولة وتلاعب أمراء الطوائف بالناس عبر إثارة العصبيات.

وليس ما كان عليه مرفأ بيروت قبل الانفجار سوى صورة مصغرة لما صار إليه لبنان المهدد باكتمال الانهيار، وهي صورة يختصرها عنوان كتاب عن لبنان أصدره خلال الحرب المؤرخ كمال الصليبي "بيت بمنازل كثيرة". 

كل شيء مقسّم إلى حصص للنافذين، "عيش مشترك" بين الشرعي واللاشرعي، بين الإثراء بالقانون والسطو من خارج القانون، وبين الوكيل المحلي و"الكومبرادور" الخارجي، والفساد هو الـ" دي.إن.أي" للسلطة.

ذلك أن المرفأ الذي بُني في النصف الثاني من القرن الـ19  كان البوابة البحرية لما يسمى "برّ الشام" وصولاً إلى الموصل. كان رمزاً للازدهار الاقتصادي والتجارة العالمية، حيث السوابق الناجحة للتجار الفينيقيين في جبيل وصيدا وصور قبل قرون، وهو لم يعد قطاعاً خاصاً بل صار رسمياً قطاعاً عاماً، لكنه بقي عاماً - خاصاً معاً. الهيئة التي تديره معيّنة من مجلس الوزراء من دون أن تكون السلطة العليا أو المرجعية لكل شيء فيه.

شغل الجمارك منفصل عنها. ثلاثة أجهزة أمنية تعمل هناك بكثير من "الاستقلالية "لكل حزب نافذ موقع، وما يستورده أو يصدره حزب الله له "منفذ" خارج أي رقابة. بعض الخدمات فيه مخصصة منذ زمن لعائلات و"قبضايات" بيروتية.

محتويات بعض العنابر من "أسرار الآلهة"، فلا وضوح في "لغز" الباخرة الآتية من جورجيا إلى موزنبيق والتي دخلت المرفأ محملة بـ 2750 طناً من نترات الأمونيوم، ومن ثم غرقت بعد مصادرة حمولتها وتخزينها في العنبر 12 منذ العام 2013، من دون معرفة مالكها أو مستأجرها، وما إن كان أحد يدفع رسوم تخزينها أو لا.

الكل يعرف شيئاً عن خطورة المواد ولا أحد يجرؤ على إخراجها أو إتلافها كما يسمح القانون، لماذا؟ يبدو أن جهة نافذة تستعملها، والكل يلتزم الصمت أو ما يسمى بلغة المافيا "أوميرتا" حيال كل ما يحدث من مخالفات وفساد.

وعلى صورة المرفأ ومثاله يبدو لبنان. السلطة حصصٌ موزعة على أمراء الطوائف، والمعابر الحدودية شرعية وغير شرعية معاً. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الدفاع عن البلد مشترك بين العام والخاص، فسلاح الجيش الشرعي وسلاح حزب الله غير الشرعي تحت عنوان "المقاومة الاسلامية" من دون حتى التنسيق بينهما، وحزب الله يقاتل في سوريا ويعمل في العراق واليمن وله خلايا في أميركا وبلدان أوروبية أساسية وصولاً إلى ليتوانيا على بحر البلطيق.

وهو للمفارقة ليس "حزباً مرخصاً"، فتمويله وتسليحه من إيران خارج النظام المصرفي. الوزارات "الدسمة" مخصصة لأحزاب وتيارات بعينها، والسطو على المال العام والخاص قائم من دون أن يفضح طرف طرفاً آخر إلا إذا حدث خلاف بين عائلات المافيا، بحيث تعرف الناس شيئاً ما، ولكن الملفات تتم "لفلفتها". وكل شيء في الأساسيات على طريقة الـ "أوميرتا".

الانفجار الذي دمّر المرفأ وبيروت كشف بعض المخبأ وظل "لغزاً"، والانفجارات والكوارث التي ضربت لبنان أمنياً ومالياً واقتصادياً يتم التعامل معها كأنها من أعمال الطبيعة.

الضحايا تدفع الثمن من حياتها ورزقها، و"المجرمون" يقبضون ثمن ما تفعله أيديهم ويزدادون ثراء مع "حصانة" طائفية لهم.

لا شيء يوحي أننا سنصل إلى معرفة الحقيقة في انفجار المرفأ أو إلى تجاوز التحقيق الإداري والعقاب "القانوني" للصغار نحو التحقيق السياسي بمساعدة دولية وتطبيق "العدالة" الأهم من القانون. 

ولا أحد يعرف إن كنا سنشهد تغييراً يصلح النظام ويبني دولة لوطن ومواطنين، بدلاً من سلطة لأمراء طوائف وأرض سائبة في الداخل، وبلا سياج تجاه الخارج.

يقول لوسيان باي "إن الصين حضارة تتظاهر أنها دولة". وما نخشاه هو أن لبنان الثقافة والفن والحريات والانفتاح الحضاري صار أزمة بنيوية دائمة في "ساحة" صراعات تتظاهر أنها حلّ ودولة.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء