Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اغتيال الحريري وانفجار مرفأ بيروت: القضاء الدولي والقدر اللبناني

الحكمة التقليدية تقول "الخوف مستشار سيء، لكن الإهمال مستشار أسوأ"

القضاء الدولي يحاكم القدر اللبناني، لكن حكم القضاء يبقى لأسباب لبنانية، عاجزاً عن التأثير في تحكّم القدر، فنحن أمام حكمين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه يوم 14 فبراير (شباط) عام 2005، حكم سياسي شعبي سمّى النظام السوري وحزب الله وراء الاغتيال منذ اليوم الأول لدوافع سياسية، وحكم قضائي أصدرته المحكمة الدولية الخاصة بلبنان يوم 18 أغسطس (آب) 2020، وأشار إلى دوافع سياسية وراء الجريمة، ودان متهماً واحداً هو سليم عياش، وبرّأ ثلاثة آخرين "لعدم كفاية الدليل". ولم تكن أمام القضاة معلومات عن كل من قرّر أو خطط ومن نفذ.

وهناك بالطبع "حكم ثالث" تمسّك به النظام السوري وحزب الله وحلفاؤهما، خلاصته رفض التحقيق الدولي والمحكمة الدولية، وادعاء البراءة واتهام فريق أصولي إسلامي ثم إسرائيل وحتى أميركا.

والواضح منذ 15 سنة والمرشح للاستمرار هو العجز عن تطبيق أي حكم، فلا الحكم السياسي الشعبي قاد إلى موقف سياسي قوي من حزب الله ومشاركته في السلطة، بحيث اكتفى ولي الدم الرئيس سعد الحريري ومعه "تيار المستقبل" باللجوء إلى ما سمي "ربط نزاع"، وبالتالي المشاركة والحوار مع الحزب، ولا الحكم القضائي يبدو ممكن التنفيذ، لأن حزب الله رفض ولا يزال تسليم سليم عياش، ومثول أي متهم من أعضائه أمام المحكمة. والسُلطة التي صاحبها حزب الله لن تحاول القبض على المدان بالجريمة الإرهابية، لكن القدر يلعب لعبته أيضاً، إذ جرى حذف الضباط غازي كنعان ورستم غزالي وجامع جامع والمسؤولين الكبيرين في حزب الله عماد مغنية ومصطفى بدر الدين.

لكن "رمزية" الحكم القضائي مهمة، وإن بدا نوعاً من خيبة أمل بالنسبة إلى جمهور الحريري وأطراف عدة، فهو ولو بإدانة مسؤول واحد ينتمي إلى حزب الله، يؤكد بشكل ضمني الحكم السياسي. وهو كسابقة في إصدار حكم في قضايا الاغتيال السياسي، يقول عملياً إن الجرائم السياسية لن تبقى بلا عقاب. وهي سلسلة ممتدة من اغتيال الزعيم الاشتراكي كمال جنبلاط إلى اغتيال الرئيس بشير الجميل والرئيس رينيه معوض والمفتي الشيخ حسن خالد وكوكبة من السياسيين والمفكرين والصحافيين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من هنا كانت مسارعة حزب الله والعهد والحكومة ودمشق ومن معهم إلى رفض المطالبة بتحقيق دولي في كارثة بيروت التي تسبب بها الانفجار الكيماوي الهائل ذو الحجم "النووي" في مرفأ بيروت، فالتحقيق القضائي اللبناني محكوم بسقف محدد من المسؤوليات الإدارية المتعلقة بما رافق وصول سفينة مبحرة من جورجيا إلى موزامبيق بشكل غير مفهوم نحو مرفأ بيروت وعلى متنها 2750 طناً من نترات الأمونيوم، وبالذات من النوع المعدّ للاستخدام في صنع المتفجرات، لا من النوع المستخدم في السماد الزراعي. وطبعاً بما رافق مصادرة الشحنة وتركها في العنبر 12 منذ العام 2013. أما التحقيق الدولي فإن سقفه أعلى بكثير، إذ يبدأ بالإهمال والتواطؤ، ويصل إلى المسؤوليات السياسية لكبار المسؤولين الذين علموا، أقله منذ 20 يوليو (تموز)، من خلال تقرير أمن الدولة الذي وصل إليهم، أن هناك خطراً رهيباً محدقاً ببيروت جراء وجود الأمونيوم في المرفأ. فهم لم يقوموا بأي جهد عملي وسريع لنقله وتدارك الكارثة التي أوقعت نحو 200 شهيد، وجرحت أكثر من 6 آلاف، ودمرت آلاف المنازل والمحال والمعامل ومعها مرفأ بيروت.

إهمال، غلطة، خوف أم شيء آخر؟ تاليران كان يقول "هذه أكثر من جريمة، إنها غلطة". والحكمة التقليدية تقول "الخوف مستشار سيء، لكن الإهمال مستشار أسوأ".
فضلاً عن أن ما سبق التحقيق أبقى كثيراً من الأمور بلا بحث، وكل ما يتعلق بحقيقة ملكية السفينة واستئجارها والوجهة الحقيقية لحمولتها، وحال العنبر 12 وما فيه من مواد أخرى، ومن كان يدفع أو لا يدفع رسوم الحجز.
وفضلاً أيضاً عن أن الصحف العالمية تقوم بالبحث عن الحقيقة بدل السلطة اللبنانية، وما نشرته "درشبيغل" الألمانية المشهورة بقربها من مصادر المعلومات، رواية تسلّط الضوء على ما أريد حجبه في بيروت، وما حاول السيد حسن نصرالله نفيه، وهو علاقة حزب الله بالشحنة والمالك الحقيقي القبرصي للسفينة، وهناك روايات أخطر.
ولا شيء يوحي بأن السلطة يمكن أن توافق على لجنة تحقيق دولية يطالب بها معظم اللبنانيين، ولا أن القضاء اللبناني يستطيع، ولو أراد، كشف كل شيء. والمعادلة واضحة منذ أيام الوصاية السورية، فكل تفجير أو اغتيال يوضع في خانة المجهول يكون من وراءه معروفاً جداً.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل