نكأت تغريدةُ الرئيس الأميركي دونالد ترمب، داعياً فيها الاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية المحتلة، الجرحيْن العربي والسوري مُستفيداً من حالة الفوضى التي تعيشها المنطقة العربية، وسوريا خصوصاً، إذ أطل معترفاً أنه كان قراراً صعباً على كل رؤساء الولايات المتحدة. وسبق تغريدته تلك إجراء من قبل وزارة الخارجية الأميركية ألغت في ١٣ مارس (آذار) الماضي كلمة (احتلال) مستفزّة السوريين أصحاب الحق في الأرض، ووضعت مكانها كلمة سيطرة إسرائيل على الهضبة، وجرى ذلك تزامناً مع تحرك مجموعة نواب من الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأميركي لإعداد مشروع قرار بهذا الخصوص.
كل الخيارات مفتوحة
وتنعم إسرائيل المحتلة لهضبة الجولان، جنوب سوريا منذ يونيو 1967 بفرحة كبيرة ولذة نصر بعد نصر، كيف لا ورئيس دولة عظمى يهدي إليها أرضاً ليست من حقها وامتيازات آخرها نقل السفارة الأميركية للقدس في حين لم تكن لدى الرؤساء الأميركيين السابقين جرأة الإقدام عليها وكانت هذه الملفات قيد التأجيل. ومع غرابة تغريدات ترمب كما يصفها مراقبون، سارعت معظم الدول الأوروبية للاعتراض على ما جاء في حديثه، ليطل متحدث أممي، معلناً أن الأمم المتحدة "ملتزمة جميع قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة "التي تنص على أن احتلال مرتفعات الجولان السورية من قبل إسرائيل هو عمل غير مشروع بموجب القانون الدولي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سوريا تدرس جميع الاحتمالات
في المقابل، أتى الرد السوري على لسان نائب وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، بأنه لا حدود أمام دمشق لاستعادة الجولان والقيادة السورية تدرس كل الاحتمالات، ملوحاً باستخدام الأساليب السلمية والكفاح المسلح بكل أشكاله لتحرير الأراضي. وعلى الرغم من كل الإدانات، فإن مسؤولين أميركيين يعدّون وثيقة رسمية باعتراف واشنطن بسيادة إسرائيل على الجولان، ومن المرجح أن يوقعها ترمب الأسبوع المقبل أثناء زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لواشنطن نقلاً عن مصادر إعلامية كشف عنها مسؤول كبير بالإدارة الأميركية في 22 مارس (آذار).
السوريون في المواجهة
ويلتف السوريون حول قضايا مصيرية لا يمكن التفريط بها، منها الأرض ووحدتها، إذ تكتسي هضبة الجولان أهمية استراتيجية سواء من ناحية الموقع الجغرافي أم الثروات التي تمتاز بها خصوصاً مواردها الكبيرة من المياه العذبة، وتطل هذه الهضبة (60) كيلومتراً غرب العاصمة دمشق على الجليل وعلى بحيرة طبرية في الجانب الإسرائيلي، كما تتحكم بالطريق المؤدية إلى دمشق على الجانب السوري.
ولا يستبعد المعارض السوري الدكتور وليد البني، رئيس سابق لمكتب العلاقات الخارجية في المجلس الوطني المعارض، أن ما يحدث هو خدمة لمصالح انتخابية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المقبل على انتخابات، كما أنه مهدد بمحاكمة، وهذا القرار يصبُ بمصلحته، وفي مقابل ذلك يتوهم ترمب أن المنظمات الصهيونية وقوى اللوبي اليهود الأميركي ستقف بجانب الرئيس الأميركي في انتخاباته المقبلة.
الجولان عكس لواء اسكندرون
يضيف البني "يتوهم كل من يقول إن أهالي الجولان لا يريدون العودة كجزء من وطنهم سوريا، على افتراض صحة ذلك (وهو امر يكذبه الكثير منهم) إلا أن خمسة في المئة فقط من سكان الجولان بقوا فيه، بينما طرد 95 في المئة من مدنهم وقراهم، وإن الجولان على عكس لواء اسكندرون يقع ضمن الحدود المعترف بها دولياً لسوريا ولا يحق لمتطرف كترمب ولا لعنصري فاشيّ كنتنياهو ان يعلنا ضمها لإسرائيل، والسوري الذي يفرط بالجولان لن يصدقه أحد بأنه يبحث عن وحدة واستقلال بلاده وحرية شعبه".
لا قيمة قانونية بل أجندة انتخابية
حاولت سوريا استعادة الجولان في حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 وحررت القنيطرة، وبموجب اتفاق فض الاشتباك عام 1974 أقيمت منطقة عازلة منزوعة السلاح، يحيط بها من كل جانب قطاع، إذ إن الأسلحة محدودة، ومنذ ذلك الحين تشرف قوة من الأمم المتحدة على مراقبة فض الاشتباك واحترام الاتفاق. وما تصريحات ترمب الأخيرة إلا مخالفة للأعراف والقوانين الدولية، ولا يرى فيها الدكتور أحمد مرعي، المختص في القانون الدولي ونائب في البرلمان السوري عن الحزب السوري القومي الاجتماعي لها، أية قيمة قانونية ويقول "ربما لها قيمة معنوية تعود بالنفع على نتنياهو الذي سيخوض انتخابات بعد أسبوعين، الوضع القانوني للجولان وفقاً للقرار 497 واضح وهو أن الجولان أرض محتلة، وهذا يعني أن الإسرائيليين لا يستطيعون بسط سيادتهم على الجولان".
المجتمع الدولي لا يعترف بالضم
وفي الثمانينيات، أعلنت إسرائيل ضم القسم المحتل من الهضبة ومساحته حوالي 1200 كيلومتر مربع، أيضاً لبنان والأردن، لكن المجتمع الدولي لم يعترف مطلقاً بهذا الضم، وا تزال سوريا تسيطر على نحو 500 كيلومتر مربع من الهضبة. وطالبت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بتطبيق القرارات الدولية 242 و338 وانسحاب إسرائيل إلى خط الرابع من يونيو، وأن هذه الحقوق لا تسقط بالتقادم، وفي السياق نفسه، تطالب الشبكة مجلس الأمن باتخاذ ما يكفي من التدابير والإجراءات اللازمة لمنع تنفيذ مثل هذه القرارات الاستفزازية والعدوانية السافرة.
أهمية هضبة الجولان
ووصف بيان للشبكة ما يجري بخرق واضح للقرار ألأممي تحت بند قوات اليونيفيل رقم 1701 لعام 2006 وأن الجولان هو أرض سورية وللدولة السورية أن تستخدم جميع الوسائل بما فيها العسكرية لاستعادته كونه أرضاً محتلة وهذا ينسجم وميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. وتزداد أهمية هضبة الجولان بالنسبة لإسرائيل المحتلة ولا سيما أنها تعاني نقصاً مزمناً في المياه، بحسب سلطات الاحتلال الإسرائيلية، التي صرحت أن 21 في المئة من إنتاج إسرائيل من الكرمة يأتي من الجولان، و50 في المئة من إنتاج المياه المعدنية و40 في المئة من لحوم البقر.