Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قصر "السقاف" مَعْلَم يؤرخ لدخول مؤسس السعودية مكة 

مبانٍ عدة تحتفظ بإرث ذلك العهد تنتظر إعادة إحيائها فيما لا يزال بعضها مهجوراً

قصر السقاف كما بدا على بعد أمتار من إمارة مكة ونحو 3 كيلو من المسجد الحرام (إندبندنت عربية)

تختزن شوارع مكة المكرمة أكثر مما تقول اللوحات الإرشادية، فما إن يترك العابرون حي "الجميزة" متجهين صوب حي المعابدة شمال شرقي المسجد الحرام حتى تحيط بهم على "شارع السقاف" أبنية طينية مذهّبة، تطلّ بين مساحات العمائر الحديثة، موارية خلف أسوارها أحداثاً وأزمنة وشخوصاً عابرة للتاريخ.

يتصل سياج حديدي عبر الشارع محيطاً بقصر البياضية كما تحتفظ به ذاكرة المؤرخين، أو "قصر السقاف" كما يطلق عليه شعبياً، بينما يقابله على الضفة الأخرى قصر الملك سعود (قصران متعامدان في عمارتهما وامتدادهما)، الذي كان يشكل طوقاً لحدود مكة الشرقية قبل ما يناهز مائتي عام، كما يوثق المؤرخ المكي سمير برقة.

استدعى القصران اهتمام جهات حكومية توالت على بحث طرق للعناية بهما، انتهت بمصير القصرين ومبانيهما الممتدة على مساحة شاسعة إلى عهدة صندوق الاستثمارات العامة، كما عرفا قبلها عناية هيئة السياحة والتراث الوطني، وينشد المؤرخون أن يتحولا إلى متحف وطني يختزن عمارة أزمان وتحولات المدينة في العصر الحديث.

وارتبط قصر السقاف المجاور للبياضية بكونه مدرسة للأمراء، كما يروي العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في محاضرة له بجامعة أم القرى في 2008 نشرتها دارة الملك عبدالعزيز، مبيناً أنه كان يدرس في قصر السقاف الذي تنتقل إليه مدرستهم عند انتقالهم مع والدهم الملك المؤسس، مضيفاً أنه يفرح عندما يأتون إلى مكة حينما كان وإخوته صغاراً، فضلاً عن الاستمتاع بالإقامة فيها، والدراسة في قصر السقاف.

مقر الحكم  

يعود بناء قصر البياضية إلى شريف مكة غالب بن مساعد عام 1795 حسب حديث المؤرخ برقة، الذي ذكر أن أحد رموز الدولة السعودية الأولى حل به أيضاً في 1805، كما اتخذه مؤسس الدولة السعودية الحالية الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود مقراً لحكمه مكة عام 1924.

وعن أبرز الأحداث التي شهدها القصر يوضح برقة أن مبايعة الملك عبد العزيز من أهل مكة جرت في البياضية، كما شهد الاتفاقية الأولى لتسليم مدينة جدة، مشيراً إلى أنها أضيفت مبانٍ للقصر عام ‏1924، وأنه كان مقراً للحكم، ثم أصبح مقراً لإمارة منطقة مكة، ثم مقراً لرابطة العالم الإسلامي. وفي عام ‏2013 ‏صدر أمر من السلطات العليا في الدولة بتسليمه وزارة السياحة، التي كانت حينها تسمى "الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني".

وعلى الجانب المقابل من البياضية يقف قصر الملك سعود في المعابدة كمعلم أُثري وتاريخي، يعود بناؤه إلى الحقبة ما بين 1936، و 1941 وذلك خلال شغله منصب ولاية العهد، ويعد القصر من أهم المباني الموجودة في مكة لموقعه الاستراتيجي، وتاريخه الوطني وفنه المعماري.
 

شهرة شعبية وذاكرة مكانية

يوثق الوزير السعودي محمد عبده يماني في كتابه "أيامي" أن حدود مكة المكرمة من الناحية الشرقية ترتبط بالقصر الملكي، وقصر السقاف، وقصور أبا نمي في المعابدة آخر حدود المنطقة، وكان يسمى "قصر السقاف"، وقبله كان بيتاً لآل الشيبي.

ويرى برقة تصحيحاً للخطأ الشائع الذي يعتقده كثير من الناس، فإن قصر السقاف هو المبنى الذي يجاور البياضية، وتشغله وزارة المالية حالياً، ويخلط شعبياً بينه، والبياضية، مشيراً إلى أن قصر السقاف يعود للشريف آل غالب، وقد نزل به الملك عبدالعزيز وألحق به مباني متعددة، وتنقل الإشراف عليه بين عدة جهات منها السياحة، ثم الثقافة، واليوم يتبع صندوق الاستثمارات العامة.

ويبين برقة أن الاهتمام بالقصر يعود إلى الأمير سلطان بن عبدالعزيز حين كان ولياً للعهد، فقد تبرع بمليوني ريال لترميمه وتطويره، ووجه بتسليمه الهيئة العامة للسياحة والآثار لترميمه، والعناية بتطويره، وفتحه للزوار بالشكل الذي يتناسب مع قيمته التاريخية، وشهد أعمالاً ترميمية وإنقاذية عقب اختياره ضمن قصور المملكة التاريخية ضمن المسار التابع لبرنامج التحول الوطني.

يمتاز البياضية كما يسميه سكان مكة بمساحة شاسعة، وغرف عالية وقاعات كثيرة، وهناك قاعة تتسع لنحو خمسمائة إلى ألف شخص، وحين كان تحت مظلة رابطة العالم الإسلامي عمدت إلى بناء مسرحه الذي تتناسب سعته مع حضور فعالياتها على هيئة الكراسي المتدرجة.
 

جوار تاريخي  

يعد موقع البياضية استراتيجياً ضمن حي المعابدة، إذ يقع قرب المحصب والمنحنى، فهو طريق للحجاج إلى المشاعر المقدسة (منى ومزدلفة وعرفات) ومنها إلى مكة، وحوله كثير من المعالم كمسجد الإجابة الذي خيم عنده النبي في عمرة القضاء، وبجواره تقريباً مكان مبنى الناقة، ومقبرة الخربانية التي يرجح فيها دفن الصحابي عبدالله بن عمر بن الخطاب.

ويفيد برقه بأن الموقع الاستراتيجي للقصر أدى لاحتوائه على قنطرة داخله لماء سبيل "زبيدة" الذي أعده الملك عبدالعزيز. ولفت إلى أن موقع المبنى يتوسط المسافة بين غار حراء وخط السيل، كما يتميز بقربه من الإمارة، والقصور الملكية، وقصر الملك سعود، وفيصل، وهو مؤهل ليكون فندقاً أو متحفاً.

قصور مكية أخرى

ويوثق الباحث والمؤرخ المكي  جوانب أثرية وتاريخية تتمثل في القصور الشهيرة التي بقيت حية في الذاكرة وبقيت أبنيتها حتى الآن، وتقع ضمن نطاق التاريخ العمراني لمكة المكرمة وهندستها الفنية في العصر الحديث، أهمها قصر الملك عبدالعزيز بالزاهر، ويعرف اليوم بمتحف مكة للآثار والتراث، يعود بناؤه إلى عهد الملك عبدالعزيز ما بين 1365هـ و1369هـ، وهو شبيه بقصر الملك فاروق بمصر، استخدم مدرسة، ثم مستودعاً لوزارة المعارف، ثم متحفاً تابعاً للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني.

 

قصر الملك فيصل بالعدل، وكان مقرا لنائب الملك في الحجاز الملك فيصل فيما بعد، وقد رمم عقب الموافقة الحكومية قبل بضع سنين وأعيد ترميمه وتأهيله ليكون مقرا لمتحف عام يجسد ويحكي تاريخ الفترة الزمنية بهويتها الإسلامية.

قصر عبدالله السليمان بالتيسير، وشيد عام 1347هـ ومالكه السليمان أول وزير مالية في الدولة السعودية، ويقال انه اشتراه من آل البوقري، وكان الملك عبدالعزيز يزوره فيه، وأصبح مقرا لوزارة الداخلية ثم لمحاكم مكة، ثم مكتبة الحرم المكي الشريف.

قصر حمد السليمان بجرول، ويعود لشقيق وزير المالية عبدالله السليمان وهو على مساحة عشرة آلاف متر، وقد تحول إلى مدرسة للبنات، وسلم من الإزالة لقربه من بئر طوى التاريخي، وتشرف عليه الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني.

 استراحة السليمان بشرائع النخل، ويعد هذا القصر استراحة عبدالله السليمان على ربوة عالية تشرف على موقع معركة حنين وقناطر زبيدة، كما يشكل موضع استراحة للملك عبدالعزيز حين يأتي من نجد للحجاز.

 قصر كوير بالبيبان، ويعود للمعلم أحمد عمر باشنم العمودي المعروف بكوير، أحد أشهر تجار السمن والعسل بمكة، وسكن فيه الأمير محمد بن عبدالعزيز، ويقع على تلة تطل على حي البيبان بموقعه الاستراتيجي.

المزيد من منوعات