Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فلنساعد أجهزة الأمن البريطانية كي تحمي الديمقراطية

تقرير روسيا يطرح أسئلة أكثر مما يقدم إجابات في هذا العالم الغامض لكن قد يكون ثمة طريق للمضي قدماً

فلاديمير بوتين: تكرس النفوذ الروسي باعتباره "الوضع الطبيعي الجديد" بالنسبة إلى المملكة المتحدة (أ.ف.ب) 

شعر رجل الأعمال المؤيد لبريكست آرون بانكس بقلق إزاء تقرير روسيا جعله يرغب في الاطلاع عليه قبل نشره. فالأوليغارشيون الروس وعائلاتهم الذين قدموا مساهمات سخية إلى حزب المحافظين، بما في ذلك 160 ألف جنيه إسترليني (202 ألف و600 دولار) في مقابل لعب كرة المضرب مع بوريس جونسون، حرصوا على التأكيد على أن أي إشارة إلى مخالفات في الملف ستكون غير صائبة.

ولم يكن هناك ما يدعو لقلقهم. فالنسخة المتوافرة علناً للتقرير الذي وضعته "لجنة الاستخبارات والأمن" التابعة لمجلس العموم لا تتهم أحداً بأنه عمل أو لا يزال يعمل في شكل غير قانوني لصالح الكرملين. وبدلاً من ذلك، تتعرض أجهزة الأمن والاستخبارات والحكومة إلى اللوم لفشلها الفظ في معالجة المحاولات الروسية لتخريب الانتخابات والاستفتاء على بريكست.

وأفادت اللجنة بأن السبب يعود إلى تردد الوكالات أو الوزارات في تولي القيادة. وأشار التقرير إلى أن أجهزة الأمن والاستخبارات كانت قلقة في شكل خاص من أن تُتَّهم بالتدخل في العملية السياسية. ونتيجة لذلك، أصبحت مهمة "الدفاع عن العمليات الديمقراطية في المملكة المتحدة"، وهي ضمانة أساسية للبلاد، "مسألة خلافية": وتكرس النفوذ الروسي باعتباره "الوضع الطبيعي الجديد" بالنسبة إلى المملكة المتحدة.

وشددت "لجنة الاستخبارات والأمن" على وجوب اتخاذ إجراءات عاجلة الآن، مع تولي جهاز الاستخبارات الداخلية "أم أي 5" MI5 قيادة جهود مكافحة هذا التهديد.

وثمة مزاعم مستمرة بأن دعم موسكو لبريكست، والتبرعات الروسية إلى المحافظين، وبعض الروابط الروسية بحزب العمال، قد تشكل كلها جزءاً من استنتاجات اللجنة.

وكتب محامو بانكس إلى اللجنة يقولون إن معلومات مسربة جعلت موكلهم يعتقد بأن اسمه سيرد في التقرير. وأشاروا في رسالتهم إلى "قضية تشهير جارية في شأن المنشور السابق حيث أُشِير إليه كعميل روسي".

 

وتؤكد اللجنة أنها أشارت إلى أن "آرون بانكس أصبح أكبر مانح في التاريخ السياسي البريطاني حين قدم ثمانية ملايين جنيه إسترليني (حوالي 10 ملايين دولار) لحملة "غادروا الاتحاد الأوروبي" (Leave.EU)". لكنها تقر بأن "التحقيق أُغلِق في ضوء تحقيق للوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة National Crime Agency لم يتوصل إلى أي دليل على ارتكاب أي جرائم جنائية بموجب "قانون الأحزاب السياسية والانتخابات واستطلاعات الرأي" الصادر في عام 2000".

أما شريكة جونسون في لعب كرة المضرب، لوبوف تشيرنوكين، وهي الآن مواطنة بريطانية، فمتزوجة من فلاديمير تشيرنوكين، نائب وزير المالية سابقاً في حكومة فلاديمير بوتين. وما لبثت أن دفعت 30 ألف جنيه إسترليني (حوالي 38 ألف دولار) في مقابل تناول العشاء مع وزير الدفاع وقتئذ غافين ويليامسون.

وأشار أصدقاء لفلاديمير إلى أنه كان قد فقد الحظوة لدى بوتين منذ توليه منصبه الوزاري وهو بالتالي غير مناصر للحكومة الروسية الحالية. أما جونسون، الذي كان وزير الخارجية حين لعب كرة المضرب مع لوبوف، فشدد على أنه "ما لم يجرِ التوصل إلى دليل وحتى التوصل إلى دليل يدين روساً أفراداً، لا أظن أن سمعة أمة كاملة يجب أن تتلطخ". ونفى مسؤولون مقربون من ويليامسون إمكانية وصفه بالمؤيد لروسيا. ألم يتوجه في أحد خطاباته الأولى كوزير للرئيس بوتين قائلاً "اخرس وارحل"shut up and go away؟

ويعبر تقرير "لجنة الاستخبارات والأمن" عن القلق من تبرعات الأوليغارشيين إلى الأحزاب السياسية، مشيراً إلى أن "عدداً من أعضاء مجلس اللوردات لهم مصالح أعمال تتصل بروسيا، أو يعملون مع شركات روسية رئيسة ترتبط بالدولة الروسية. ويجب التدقيق بحذر في هذه العلاقات نظراً لوجود احتمال باستغلالها من قبل الدولة الروسية".

لكن غابت مرة أخرى الأسماء والتفاصيل الأخرى الخاصة بالأشخاص والمنظمات والشركات المعنية بالتقرير.

ويلفت النواب الذين أعدوا التقرير إلى "طفرة في التقارير المؤيدة لبريكست والمناوئة للاتحاد الأوروبي" على القناتين التلفزيونيتين التابعتين للكرملين، "آر تي" ("روسيا اليوم" سابقاً) Kremlin’s RT و"سبوتنيك"  Sputnik broadcast channels، رافقت التصويت على بريكست، إلى جانب "استخدام "برامج روبوتية" و"حسابات مشاغبة" bots and trolls في "تويتر" موجهة لمحاولة التأثير في النتيجة". ويشيرون إلى حملة مماثلة رافقت الاستفتاء على استقلال اسكتلندا.

بيد أن هذه معلومات معروفة. ورأينا أنشطة روسية مشابهة خلال الانتخابات الفرنسية والألمانية والإيطالية، وخلال الاستفتاء على استقلال كتالونيا، وكذلك، بالطبع، خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية التي أوصلت دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

لكن لماذا لم تواجه وكالات الأمن والاستخبارات البريطانية هذه الأنشطة؟ يؤكد التقرير أن الوكالات ترددت إزاء التدخل، مضيفاً أن جهاز "أم أي 5" MI5 للاستخبارات الداخلية "قدّم في البداية نصاً من ستة أسطر فقط" حين طُلِب منه أن يأتي بدليل مكتوب. فالخدمة الأمنية عملت "بحذر شديد"، في موقف تصفه "لجنة الاستخبارات والأمن" بأنه "غير منطقي" في ما يخص ضمان "حماية العملية والآلية من تدخل حكومي عدواني، وهذه مهمة تقع على عاتق وكالاتنا الاستخبارية والأمنية".

وتبين للجنة أن الوكالات "لا تعتبر أنها تتحمل المسؤولية الأولى عن الدفاع الفاعل عن العمليات الديمقراطية البريطانية في مواجهة تدخل أجنبي عدواني. وهي بدت بالفعل مصممة على النأي بنفسها عن أي إشارة إلى احتمال توليها دوراً بارزاً في ما يتعلق بالعملية الديمقراطية نفسها، لافتة إلى وجوب التزام الحذر في ما يخص صلاحيات التدخل في السياق الخاص بأي عملية ديمقراطية".

وقيل للنواب الأعضاء في اللجنة إن "وزارة التكنولوجيا الرقمية والثقافة والإعلام والرياضة" تتحمل المسؤولية الرئيسة في مواجهة حملات التضليل، وإن "اللجنة الانتخابية" تتولى المسؤولية عن الأمن الإجمالي للعمليات الديمقراطية. لكن الوزارة أخبرت اللجنة أن سياستها "تقتصر إلى حد كبير على السياسة العريضة لحكومة جلالتها في شأن استخدام التضليل بدلاً من تقييم الحملات الحكومية العدوانية وتنفيذ عمليات في مواجهتها".

 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووجدت اللجنة أن تحديد المسؤوليات أمر شبه مستحيل. "ففي شكل عام، بدت مسألة الدفاع عن العمليات الديمقراطية والخطاب الديمقراطي في المملكة المتحدة خلافية، فما من مؤسسة تعتبر نفسها صاحبة الدور القيادي في شكل عام".

ولوحظ فقط بعد قرصنة كمبيوترات الحزب الديمقراطي الأميركي خلال المرحلة السابقة للانتخابات الرئاسية في عام 2016 ، أن الحكومة البريطانية تنبهت في شكل متأخر إلى مستوى التهديد الذي قد تمثله روسيا في هذا المجال، بعد التغير الواضح لحدود المخاطر في الكرملين، ووصفت "القرصنة والتسريب" في الولايات المتحدة بـ'الأمر المحوري".

وأفادت اللجنة بأنه "لو كانت الأقسام ذات الصلة من المجتمع الاستخباري الصغير أجرت تقييماً مماثلاً للتهديد قبل الاستفتاء (على مغادرة الاتحاد الأوروبي)، لكان من غير المتصور أنها لن لتتوصل إلى النتيجة نفسها في شأن النية الروسية، الأمر الذي كان يمكن أن يؤدي بها إلى اتخاذ إجراءات لحماية عملية الاستفتاء".

وثمة مفارقة ما في تنبه المملكة المتحدة إلى التهديد بسبب أفعال الكرملين في الولايات المتحدة. وهناك جملة من الروابط البريطانية الواردة في التحقيقات التي أجريت في الولايات المتحدة في شأن الروابط المزعومة بين معسكر ترمب والروس.

فالتحقيق الأميركي في اختراق اتصالات هيلاري كلينتون و"اللجنة الوطنية الديمقراطية" تلقى مساعدة كبيرة من جهاز "مكاتب الاتصالات الحكومية البريطانية" GCHQ المعني بالتنصت، والذي قدمها عبر نظيرته الأميركية، "وكالة الأمن القومي". ونُشِرت رسائل البريد الإلكتروني المخترقة، التي أضرت بحملة كلينتون وأفادت ترمب، من قبل "ويكيليكس". ومن المزعوم أن مؤسس "ويكيليكس"، جوليان أسانج، الذي كان يقيم آنذاك في سفارة الإكوادور في لندن، شارك في تلك العملية، وهي تهمة ينكرها.

ويشير المحامي الخاص روبرت مولر إلى "ويكيليكس" بوصفها "المنظمة الأولى" التي حازت معلومات من شأنها أن تضر بهيلاري كلينتون. وكان مستشار ترمب وصديقه روجر ستون، الذي خفف الرئيس الأميركي أخيراً حكم السجن الذي صدر بحقه بعد إدانته في التحقيق الذي أجراه مولر، على اتصال بأسانج وأرسل وسطاء لرؤيته في لندن.

وكان الشخص الذي برز كحلقة اتصال مزعومة بين حملة ترمب وأسانج، هو نايجل فاراج. وزعيم حزب بريكست هذا، الذي يعتبر صديقاً لآرون بانكس Arron Banks ويتباهى بقربه من ترمب، زار أسانج في السفارة في عام 2017 بعد عودته من رحلة إلى الولايات المتحدة.

وقال غلين سيمبسون، الذي كلفت شركته المتخصصة في التحقيقات وتتخذ من واشنطن مقراً لها كريستوفر ستيل بوضع تقرير ترمب، خلال تحقيق في الكونغرس الأميركي إن فاراج زار أسانج  بشكل تكرر أكثر مما كان معروفاً، وأنه نقل البيانات إلى أسانج على "ذاكرة محمولة" a thumb drive.

ونفى فاراج هذه المزاعم، لكنه رفض إخبار عدد من المؤسسات الإعلامية بما ناقشه مع أسانج. وقال لـ"اندبندنت" موضحاً  "قابلت جوليان أسانج مرة واحدة فقط. وذهبت إلى هناك كصحافي لأنني أردت أن أعرف  المزيد عن رسائل البريد الإلكتروني، فلم تكن ثمة إجابة حقيقية تلوح في الأفق. ومن قبيل الهراء القول إنني اجتمعت به سراً. هل تعتقدون بأن أحد أشهر الوجوه في البلاد يمكن أن يذهب إلى السفارة من دون أن يلاحظ الناس"؟

وليست الوكالات الأمنية في المملكة المتحدة الجهة الوحيدة التي تشعر بأنها مقيدة بسبب الحذر من اتهامها بالتدخل في السياسة. فمدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) جيمس كومي زعم أنه لم يعمم دليلاً مبكراً على تآمر روسي مع معسكر ترمب لأن الانتخابات الرئاسية كانت قريبة جداً. لكن هذا الأمر لم يمنعه من إعادة فتح التحقيق في الاستخدام غير المناسب المزعوم من قبل هيلاري كلينتون لأحد الخوادم الخاصة المشغلة للبريد الإلكتروني، في خطوة رحب بها ترمب في ذلك الوقت.

وما لبث الرئيس ترمب أن أقال كومي لاحقاً لرفضه وقف التحقيق المعروف باسم "روسيا غيت"، وأعلنت الإدارة أن السبب الرسمي لإقالته كان تسييسه المزعوم للتحقيق في مسألة كلينتون.

ويشير تقرير "لجنة الاستخبارات والأمن" إلى أن "لجنة التكنولوجيا الرقمية والثقافة والإعلام" التابعة لمجلس العموم سبق وسألت الحكومة عن مدى ملاءمة التشريعات الحالية لحماية العملية الانتخابية من "تدخل خبيث" malign interference وأكدت أن "التشريع يجب أن يواكب أحدث التطورات التكنولوجية".

وإذ تؤيد "لجنة الاستخبارات والأمن" ذلك، فهي تضيف "لقد شككنا بالفعل في ما إذا كانت "اللجنة الانتخابية" تتمتع بسلطات كافية لضمان الأمن الديمقراطي حين ينطوي الأمر على تهديد حكومي عدواني: فإذا كان لها أن تتصدى للتدخل الأجنبي، يجب منحها الصلاحيات التشريعية اللازمة".

وتأخر صدور تقرير روسيا لفترة طويلة وسط اتهامات وتبادل للاتهامات. كما أُرجأ تشكيل لجنة جديدة للاستخبارات والأمن لأشهر عدة في أعقاب الانتخابات الأخيرة  فيما اتهمت أحزاب المعارضة مكتب رئاسة الوزراء بممارسة تكتيكات من أجل مزيد من التأخير.

وتميزت الأيام الأخيرة قبل النشر حتى بضغائن، إذ نفذ النائب المحافظ جوليان لويس "انقلاباً"، أو أدى دوراً وفق منتقديه، ليحل محل كريس غرايلينغ الذي اختاره مكتب رئاسة الوزراء رئيساً للجنة.

وطُرد لويس من الحزب عملياً نتيجة لذلك، واتهم الحكومة بتسييس الرقابة على وكالات الاستخبارات. وقال "تعرضت هذه اللجنة إلى تأخير وتشويش غير مسبوقين. هذا يجب ألا يحدث أبداً مرة أخرى. وكلما تطبعت العلاقات في شكل أسرع بين هذه الحكومة واللجنة، كان ذلك أفضل لجميع المعنيين".

ويبدو أن المسألة الحقيقية الآن تتمثل في إيجاد هيكل فاعل يسمح لأجهزة الأمن والاستخبارات البريطانية بحماية العملية الديمقراطية من دون التعرض إلى اتهامات بالتدخل في السياسة. وخلص تقرير روسيا إلى أن حماية خطابنا وعملياتنا الديمقراطية من التدخل الأجنبي العدواني مسؤولية من المسؤوليات المركزية للحكومة، وينبغي أن تكون أولوية وزارية.

© The Independent

المزيد من سياسة