Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حملة تضليل روسية أججت "التطرف السياسي" والانقسام في بريطانيا

خبراء الاستخبارات والأمن يقولون إن حساباتٍ روسية أسهمت في تأجيج وجهات النظر المتعلقة بخروج المملكة المتحدة من الاتّحاد الأوروبي والهجمات الإرهابية والعرقية في إطار "الحروب الثقافية"

من تظاهرة في لندن مطلع العام الجاري طالبت بنشر تقرير عن التدخل الروسي في الحياة السياسية البريطانية (غيتي)

كشف تقريرٌ صدر أخيراً أن تضليلاً تقف وراءه روسيا "حرّض على التطرّف السياسي" في شأن مسألة الخروج البريطاني من الاتّحاد الأوروبي، وغيرها من القضايا الخلافية داخل المملكة المتّحدة.

تقرير "لجنة الاستخبارات والأمن" ISC الذي طال انتظاره، توصّل إلى خلاصاتٍ بشأن مزاعم عن تدخّل موسكو في تقويض العملية الديمقراطية في المملكة المتّحدة، تشير إلى أن روسيا كانت تنشر أخباراً زائفة، وتحاول التأثير على الأحداث السياسية "وفق مجموعة واسعة من الأهداف والغايات التي وضعتها".

وأوضحت اللجنة أن تلك الغايات تتضمّن "تسميم السردية السياسية في الغرب بشكلٍ عام، من خلال إثارة التطرّف السياسي، وافتعال "مسائل من شأنها زرع الفتنة والخلافات"، وأيضاً عبر "تنظيم حملات تضليلٍ إعلامية تستهدف الرأي العام الغربي".

وأضاف تقرير "لجنة الاستخبارات والأمن" (لجنة مؤلفة من نواب يتبعون مختلف الأحزاب الوطنية) أن "موظّفين في الدولة الروسية قاموا - إلى جانب استخدام برامج تكنولوجية رقمية تنفّذ أوامر صادرة عن موسكو، وتردّ تلقائياً على الرسائل عبر الإنترنت، عبر التخفّي على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي بصورة مواطنين بريطانيّين عاديّين - بإعطاء انطباع للسياسيّين، والصحافيين وغيرهم من الأفراد النافذين في المملكة المتحدة، من خلال بثّ كمٍّ هائل من المنشورات، بأن وجهات النظر المتداولة إنما هي ما تعبّر حقاً عن آراء ورغبات الأغلبية الساحقة للناس في المملكة المتّحدة".

وتحدّثت اللجنة في تقريرها عن ممارساتٍ روسية لبث روح الشقاق والخلاف بين الناس، قائلةً إنها "طرحت مواضيع مثيرة للانقسام إلى حدّ كبير أسهمت في زرع شرخٍ ما بين سكّان البلاد" غالباً بين معسكر ليبرالي وآخر محافظ، بشكلٍ تجاوز الحدود السياسية الحزبية التقليدية. وقد وُصف هذا المنحى، تحديداً في الولايات المتحدة، بـ"حرب الثقافات".

وذكر التقرير الذي يُعدّ ملخّصاً منقّحاً عن النتائج التي توصّلت إليها "لجنة الاستخبارات والأمن"، عدداً من هذه المسائل، ومنها مواضيع مثل الإجهاض، وتقييد (حمل) الأسلحة في الولايات المتّحدة، ومسألة الخروج البريطاني من الاتّحاد الأوروبي في المملكة المتّحدة.

لكن بحثًا سابقاً كان قد أجراه "معهد أبحاث الجريمة والأمن"Crime and Security Research Institute التابع لـ"جامعة كارديف" (في ويلز)، أظهر كيف أن الحسابات المغفلة والمزيّفة عبر "تويتر"، التي تسيطر عليها "وكالة أبحاث الإنترنت" Internet Research Agency التي تتّخذ من مدينة "سانت بطرسبرغ" الروسية مقرّاً لها، حاولت تأجيج الانقسامات الاجتماعية والتوترات الدينية في بريطانيا، في أعقاب الهجمات الإرهابية التي وقعت في العام 2017.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان بحث معهد "جامعة كارديف" قد أشار أيضاً إلى أنه بعد الهجمات التي طاولت منطقة ويستمنستر في لندن، ومدينة مانشستر، وموقع "لندن بريدج"، ومنطقة "فينسبري بارك"، أعيد نشر نحو 475 رسالة أصلية من حسابات محدّدة أكثر من 153 ألف مرّة.

ولاحظ كذلك أن إحدى أكثر التغريدات التي نُشرت بعد تفجير "مانشستر أرينا" دعت إلى "حظر فوري للإسلام"، في حين ضخّمت تغريداتٌ أخرى صورة مسيئة لامرأةٍ مسلمة تظهرها غير مكترثة لدى مرورها إلى جانب أحد ضحايا حادثة جسر ويستمنستر.

وأورد البحث الذي أجرته "جامعة كارديف" أن الحسابات الروسية حاولت تعزيز وصولها إلى الرأي العام البريطاني، من خلال الإشارة إلى طومي روبنسون اليميني المتطرّف، ونايجل فاراج زعيم حزب "بريكست"، بغية الوصول إلى قواعد المؤيّدين لهما "المهيّأة من الناحية الإيديولوجية" للتفاعل مع صدى مثل هذه الرسائل".

واستخدمت الحملة الروسية كذلك مجموعة من المشاهير، والشخصيات السياسية بمَن فيها جي كي رولينغ JK Rowling الكاتبة البريطانية، اعتماداً على الهوية الإلكترونية للحسابات المعنية التي "نشرت تفسيراتٍ متباينة جدّاً عن الأحداث نفسها".

وأوضح في هذا الإطار المؤلّف مارتن إينيس الأستاذ في "جامعة كارديف" الذي قاد بحثاً في شأن أعمال التضليل الإعلامي، أن الحسابات التي تسيطر عليها روسيا حاولت بعد مجموعة من الهجمات الإرهابية التي وقعت، وسلسلة من الأحداث السياسية، "تأجيج الخلافات الاجتماعية والتلاعب بها".

وقال في حديثٍ مع صحيفة "اندبندنت" إن الرسائل ركّزت على القضايا الخلافية من الناحية السياسية، بما في ذلك العلاقات بين الأعراق في البلاد، والهجرة، والاندماج في المجتمع.

وأضاف البروفيسور إينيس أن "هذا النوع من التلاعب هو ما يُعرف بالحروب الثقافية. وهي مناورات يُجرى خلالها تارةً التركيز على صياغة محتوى أصلي، فيما تُستخدم تارة أخرى بهدف تضخيم بعض المواقف المشحونة سياسياً لأشخاص في مراكز رفيعة المستوى، والعمل على ترسيخ تلك الأفكار، والنزعات في أذهان الناس".

ونبّه مارتن إينيس إلى أن التكتيكات الروسية قد تغيّرت منذ العام 2016، موضحاً أن عملاء موسكو باتوا "أكثر مهارة في إخفاء أنشطتهم". وأضاف، "لقد شهدت تلك التحركات كثيراً من التطورات منذ ذلك الحين، حتى أن تحديد مصدرها، وكشفها أصبحا أكثر صعوبة وتعقيداً".

ورأى أن "من المهم أن يصبح لدينا هذا المستوى من الوعي، لأن هذه الأمور لا تبقى ثابتة على حالها فهي قابلة للتطوّر والتكيّف، وصار أصعب تحديد تلك الحسابات الروسية على نحو مؤكد، والتعرف على الجهة المسؤولة التي تقف وراءها".

وفي عودةٍ إلى تقرير "لجنة الاستخبارات والأمن"، فقد ذكر أن الجهود الروسية لم تركّز على الأحداث التي تجري على المستوى المحلي فحسب، بل تعدّتها لتشمل أيضاً تلك المتعلقة بالمجالس المحلية، على الرغم من أن التقرير لم يذكر تفاصيل وافية حول هذه النقطة. وتبيّن في المقابل، أن حملات التضليل الروسية من الممكن أن تدعم أيضاً سردية (رواية) الكرملين أو النتائج التي يرغب أن تؤول إليها الأمور.

وأشار إلى أن هذا النمط لوحظ بعد الهجوم الذي حصل في ساليسبوري  Salisbury العام 2018، عندما نشرت وسائل إعلام رسمية، وحسابات على وسائط الإعلام الاجتماعية التي تسيطر عليها روسيا، مجموعةً من نظريّات المؤامرة تستهدف التخفيف من وطأة المسؤولية حول جريمة تسميم سيرغي سكريبال.

وأفاد التقرير بأنه "في وقت لا تلقى بعض المعلومات المغلوطة التي يُسوق لها التصديق على نطاقٍ واسع، إلا أن الأثر الذي تركته قادر على إلقاء ظلال الشك حول الرواية الحقيقية للأحداث".

ورصد باحثون في "معهد السياسات" Policy Institute التابع لـ"جامعة كينغز كوليدج لندن" في وقتٍ سابق أن محطة "روسيا اليوم" RT، ووكالة "سبوتنيك" Sputnik الروسيّتين نشرتا نحو 138 روايةً منفصلة ومتناقضة عن طريقة تسميم سكريبال عبر 735 تقريراً ومقالة، في الأسابيع الأربعة التي تلت الاعتداء.

واستخدمت التغطية (الروسية) "تعليقات موازية" كما عملت على تضخيم ما أفادت به مصادر الحكومة الروسية، إضافةً إلى استخدام "جميع موارد حملات التضليل سعياً إلى زرع البلبلة، وبث الشكوك، من خلال نشر مجموعةٍ كبيرة من الروايات المتباينة، ونظريّات المؤامرة التي لا يمكن الطعن في صحّتها".

ولاحظ التقرير حملات تضليل كبيرة في ما يتعلّق بالحرب الأهلية السورية، لاسيما لجهة الهجمات الكيماوية التي قامت القوّات التابعة لبشّار الأسد بشنّها، بدعمٍ من روسيا.

وفي يوليو (تموز) الماضي، قامت هيئة "أوفكوم" Ofcom التي تتولّى تنظيم قطاع الاتّصالات المرئية والمسموعة في المملكة المتّحدة، بفرض غرامةٍ بقيمة 200 ألف جنيه إسترليني (حوالى 250 ألف دولار أميركي) على قناة RT بسبب ارتكابها "إخفاقات خطيرة" في التزام قواعد البث لجهة عدم التحيّز في البرامج المتعلّقة بقضيّتي التسميم في سالزبري، والحرب السورية.

© The Independent

المزيد من سياسة