صدرت أمس الثلاثاء مجموعتان من الأرقام الرسمية حول الاقتصاد البريطاني، التي ترسم صورة أكثر قتامة مما سبق بشأن توقعات الأداء بعد أزمة وباء فيروس كورونا (كوفيد 19). ويتضح من الأرقام أنّ الركود الاقتصادي الحالي أشد وطأة من ذلك الذي أعقب الأزمة المالية العالمية في 2008، ولم تشهد بريطانيا مثله منذ ثلاثة قرون، بينما سترتفع معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة منذ نحو أربعة.
وأعلن مكتب الإحصاء الوطني أن الناتج المحلي الإجمالي البريطاني تحسَّن في مايو (أيار) 1.8 في المئة مقارنة بأبريل (نيسان)، وهو معدل أقل بكثير من توقعات الاقتصاديين الذين قدّروا نمو الاقتصاد بنسبة خمسة في المئة خلال مايو. وأكدت بيانات المكتب أن حجم الاقتصاد البريطاني انكمش نحو الربع، مقارنة بحجمه قبل أزمة وباء كورونا، وتراجع 24.5 في المئة عن فبراير (شباط) الماضي.
وفي التفاصيل، أظهرت البيانات بعض النمو في قطاع التصنيع والبناء مع عودة بعض الأعمال للنشاط في مايو، أمّا في قطاع التجزئة فظهر بعض التحسُّن نتيجة الزيادة في التسوق الإلكتروني. لكن مع وجود أغلب إجراءات الإغلاق للوقاية من انتشار الوباء في مايو شهدت أغلب مكونات قطاع الخدمات تراجعاً.
وينتظر أن يعلن مكتب الإحصاء الوطني أرقام يونيو (حزيران) والربع الثاني من العام الشهر المقبل، إذ تشير التقديرات الأولية إلى أنها ستكشف عن أعمق ركود اقتصادي منذ قرون.
ومن الأرقام التي أعلنت أيضاً موافقة الحكومة على قروض مرتدة على الشركات الصغيرة بنحو 40 مليار دولار (31.7 مليار جنيه إسترليني)، واستمرار استفادة 9.4 مليون بريطاني من برنامج حماية الوظائف.
المجموعة الثانية من الأرقام والبيانات جاءت من مكتب مراقبة الميزانية العامة الذي رفع تقديراته لتكلفة رد فعل الحكومة على أزمة وباء كورونا إلى أكثر من 242 مليار دولار (192.3 مليار جنيه إسترليني)، مقابل تقديرات الشهر الماضي عند 167 مليار دولار (132.5 مليار جنيه إسترليني). وبلغ تقدير إجمالي عجز الميزانية لهذا العام نحو 466 مليار دولار (370 مليار جنيه إسترليني).
كما عدّل المكتب السيناريوهات المتوقعة للتعافي الاقتصادي في بريطانيا من أزمة وباء كورونا، مؤكداً أن البلاد تشهد أعمق ركود اقتصادي منذ 300 عام. وأكدت الأرقام أن وزير الخزانة يقترض الآن بمعدل لم تشهده بريطانيا منذ الحرب العالمية الثانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتضمّنت السيناريوهات تقديرات لنمو الناتج المحلي وسوق العمل وعجز الميزانية العامة. ومع خفض التوقعات أصبح السيناريو الرئيس السابق بشأن التعافي السريع والقوي هو السيناريو الأفضل، بالتالي مستبعد إلى حد كبير في ظل البيانات الحالية عن الأشهر الأخيرة. أمّا السيناريو الأسوأ فيتوقع انكماش الناتج المحلي الإجمالي البريطاني هذا العام 14.3 في المئة، على أن يتأخر التعافي حتى يصل الاقتصاد إلى مستويات ما قبل أزمة الوباء حتى 2024.
والسيناريو الأفضل يتوقع انكماش الناتج المحلي الإجمالي 10.6 في المئة هذا العام، في أسوأ أداء للاقتصاد البريطاني في ثلاثة قرون. والسيناريو الأساسي المعدّل الذي أعلنه مكتب مراقبة الميزانية العامة يتوقع انكماش الناتج المحلي الإجمالي هذا العام 12.4 في المئة، وارتفاع معدلات البطالة 11.4 في المئة.
وأشار مكتب مسؤولية الميزانية إلى أن تقديراته تلك لا تأخذ في الاعتبار الإجراءات الجديدة التي أعلنها وزير الخزانة الأسبوع الماضي.
وتشير أرقام مكتب الإحصاء الوطني وتقديرات مكتب مسؤولية الميزانية إلى أن الركود الاقتصادي الذي تشهده بريطانيا أعمق من ذلك الذي شهدته في الأزمة المالية العالمية قبل أكثر من عقد من الزمن. يضاف إلى ذلك أن الانكماش الحالي يترجم أكثر بفقد ملايين البريطانيين وظائفهم، ما يعني توقف الدخل تماماً، وليس احتمال تخفيضه، كما حدث في الأزمة السابقة. وحسب سيناريوهات مكتب مسؤولية الميزانية فإنّ معدلات البطالة المتوقعة تعني فقدان ما بين 3.5 و4 ملايين بريطاني وظائفهم. وانعدام الدخل لتلك الأسر سيعني ضغطاً مضاعفاً على الإنفاق الاستهلاكي الذي يشكّل النسبة الأكبر من نمو الناتج المحلي الإجمالي.
كما أن العجز الهائل في الميزانية نتيجة زيادة الإنفاق الحكومي على برامج دعم الاقتصاد للخروج من الأزمة، وتراجع عائدات الضرائب والرسوم ستعني استمرار الضغط على المالية العامة. ومهما كانت الإجراءات التالية التي ستتخذها الخزانة لتحسين مواردها فستظل نسبة العجز أكبر من أن تُتجاوز خلال مدة البرلمان الحالي.
كل تلك الأرقام والبيانات والتوقعات جعلت احتمالات تعافي الاقتصاد البريطاني العام المقبل تتبخّر، وتزيد الشكوك حتى حول احتمالات التعافي في العام التالي 2022. هذا مع الأخذ في الاعتبار أن هذه البيانات والأرقام لا تأخذ التبعات المحتملة للخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست) من دون اتفاق نهاية هذا العام باعتبارها.