Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قبضة روسيا على أوروبا تشتد تدريجا وعلينا أن نستعد لمواجهتها

يكتب وزير الخارجية البريطانية الأسبق قائلاً إننا اعتدنا أن نسمع عن أعمال يمكن تشبيهها تماماً بما يجري في إحدى روايات إيان فليمنغ، مؤلف سلسلة جيمس بوند، لكن ثمة تطورات مقلقة لن تقرأوا عنها في الصحف الصباحية

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته في عرض عسكري في الذكرى الـ 75 للانتصار على ألمانيا النازية (أ ف ب)

اجتذبت، في الأيام الأخيرة، إعادة "هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي) رواية حادثة التسميم في سالزبوري عام 2018 اهتمام الملايين من المشاهدين البريطانيين، فقد ذكّرتنا بالتهديد المستمر من جهات حكومية وغير حكومية روسية.

فهذا العمل الحقير زعزع العلاقات البريطانية الروسية أكثر من أي عمل آخر في التاريخ الحديث. وواصلت روسيا إنكار أي ذنب على الرغم من الأدلة القاطعة. وبالنسبة إليّ ترمز محاولة التسميم تلك إلى التهديد الدائم الناجم عن جهود روسيا لزعزعة المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وبصفتي وزير الخارجية خلال أول زيارة رسمية قام بها فلاديمير بوتين للمملكة المتحدة في عام 2003، أيدتُ بشدة فتح صفحة جديدة من التعاون البريطاني - الروسي. وكان كولن باول، وزير الخارجية الأميركي الأسبق، يقول إن علينا ممارسة الواقعية التقدمية حين يتعلق الأمر بالتعامل مع روسيا. ولا أزال متمسكاً بهذا الرأي. فموسكو لا تزال طرفاً فاعلاً دوليّاً مهمّاً، في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وفي أمكنة أخرى، ولا يمكن تمني زوالها. وهي لا تزال تشعر بضيق حيال تعاونها في شأن العراق قبل غزوه، وإزاء الحملة الجوية الغربية على معمر القذافي في عام 2011. وتواصل التعاون مع المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا حيال الاتفاق النووي مع إيران. لكن وعلى الرغم من إنفاقها الضخم على جيشها، فهو لا يوازي الجيش الأميركي، الذي يبلغ الإنفاق عليه 12 ضعفاً، أو الجيش الصيني الذي تصل ميزانيته إلى أربعة أضعاف ميزانية نظيره الروسي. وتتقلص الكتلة السكانية في روسيا، ويحتل الناتج المحلي الإجمالي للبلاد المرتبة العالمية الـ50 على صعيد حصة الفرد منه. وتشعر روسيا بعزلة، إذ تحيط بها قوى معادية على الأرجح، كما تحس أيضاً بضعف.

وتعني سلسلة من الأعمال التي قامت بها الدولة، من غزوها جورجيا في عام 2008، إلى ضم شبه جزيرة القرم، وقتل 298 مدنياً بإسقاط الرحلة 17 للخطوط الجوية الماليزية، إلى جانب حالات التسميم تلك التي حصلت في سالزبوري، أن روسيا شرعت في تنفيذ أعمال تصطدم بالمصالح الاقتصادية والأمنية القومية الغربية.

وفي حين أن عديداً من أعمال روسيا المؤكدة والمشتبه فيها يمكن تشبيهها تماماً بما يجري في إحدى روايات إيان فليمنغ، ثمة أعمال أخرى لا تصل إلى الصفحات الأولى للصحف الصباحية.

وتشمل هذه الأعمال الأخيرة التمويل غير المشروع والقروض الميسرة لزيادة التحكم والنفوذ على حد سواء. ويبدو أن قواعد اللعبة الروسية لا تستبعد سوى القليل من الأعمال، ويركز جزء كبير منها على إضعاف منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي ككل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ففي أوروبا القارية، يُوصَف خط أنابيب "نورد ستريم 2"، الذي سيوصل الغاز الطبيعي الروسي إلى ألمانيا وغيرها من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بأنه مشروع جيوسياسي. وبمجرد استكماله، سيجعل "نورد ستريم 2" ألمانيا مركزاً أوروبيّاً أكبر من أي وقت مضى للغاز الروسي الوفير والرخيص. وانضمت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي إلى عديد من المشككين الأوروبيين، في التعبير عن القلق من أن خط أنابيب الغاز يضعف أمن الطاقة الأوروبي، ويزيد من اعتماد دول أوروبا الغربية، مثل ألمانيا والنمسا على النفط والغاز الروسيين.

ويشارك "سبيربنك"، المعروف على نطاق واسع باسم "بنك بوتين"، في شكل كبير في تمويل خط أنابيب الغاز الطبيعي "نورد ستريم 2". وتمول مؤسسته الفرعية التي تتخذ من فيينا مقراً لها، وهي "سبيربنك أوروبا"، صفقات في مختلف أنحاء أوروبا تعمّق منطقة النفوذ الجيوسياسي لروسيا.

ويشمل أحد الأمثلة الحديثة واحدة من أشهر العلامات التجارية للمياه في النمسا، "غوسينغر للمشروبات". فقد وفّرت جهود الشركة لإعادة الهيكلة لـ"سبيربنك" أحدث موطئ قدم له، على الرغم من إشكالية الاستثمار. وتفيد تقارير بأن "غوسينغر"، التي كانت تملكها الشركة القابضة "إي أند إيه"، يسيطر عليها الآن الأوليغارشي الروسي أندريه كوتشيتكوف، وهو عضو في الدائرة الداخلية لبوتين. وتشارك شخصيات سياسية نمساوية بارزة مثل فرانز لوسشناك، وزير الداخلية السابق، وأندرياس ستاريباخر، وزير المالية السابق، كأعضاء في مجلس الإدارة للشركة الأم، "إي أند إيه".

وفي عام 2019، باع "سبيربنك أوروبا" أكثر من 11 مليون يورو من ديون "إي أند إيه" في "غوسينغر" إلى "ريجنت كابيتال"، وهي شركة استثمارية أوروبية ذات مساهمين أميركيين. ومن ضمن تلك الصفقة، تلقت "ريجنت كابيتال" من "سبيربنك" حزمة ضمان لـ"إي أند إيه". وكانت "غوسينغر" جزءاً كبيراً من الحزمة. ويُزعَم أن الضمانة كانت احتيالية، تزامن بواسطتها تحويل الدين مع توطيد السيطرة على الموجودات المتبقية.

وتقدمت "ريجنت كابيتال" أخيراً بدعاوى قانونية أمام المحكمة التجارية النمساوية، زاعمة أن "سبيربنك" فشل في تحويل أصول بالقيمة المذكورة إلى "سبيربنك أوروبا" في احتيال على المستثمرين الغربيين، وهذا مثال واضح على النفوذ الروسي الخبيث في أوروبا. فعندما تغش المصارف الروسية، تخسر الشركات الغربية مثل "ريجنت كابيتال".ولم تمر التكتيكات من دون أن يلاحظها أحد على الإطلاق.

ففي حين وقع صفقة "سبيربنك" ألكسندر ويت، كبير المسؤولين عن المخاطرة الذي يشغل منصب عضو في مجلس الإدارة، وافق إيغور ستريل، المسؤول عن ممارسات الإقراض في "سبيربنك"، على الصفقة مع "ريجنت كابيتال".

ويجري حاليّاً التحقيق مع ستريل أمام مكتب المدعي العام في فيينا، في حين اتُّهِم الممول ستريل ببيع "قروض ميسرة" في أوروبا، في امتدادات شبه رسمية للسياسة الخارجية الروسية. ومن خلال استخدام "سبيربنك" كوكيل، تواصل روسيا تشديد قبضتها على الكثير من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، التي تُعَد حليفة تقليدية للمملكة المتحدة والولايات المتحدة.

ولدى حلفائنا في فيينا أرضية للتعويض في هذا النزاع. فالنمسا كانت واحدة من عدد قليل من دول الاتحاد الأوروبي التي لم تطرد دبلوماسيين روساً بسبب التسميم في سالزبوري. ودعت كارين كنيسل، وزيرة خارجية النمسا بين عامي 2017 و2019، بوتين إلى حفل زفافها، وراقصته أمام الكاميرات، بينما كان العالم ينظر إليهما.وكان آخرون في أوروبا أقل تكيفاً مع النفوذ الروسي.

 وعلى المملكة المتحدة والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن تتخذ خطاً متشدداً ضد وكلاء روسيا الذين يسعون إلى إلحاق الضرر بنا. وكخطوة أولى، حريّ بالمملكة المتحدة والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مثل النمسا أن ترسل إشارة قوية من خلال العمل الثنائي والمحاكم على حد سواء، بأن نشاطات روسيا الخبيثة، بما في ذلك ممارسات موسكو في مجال الإقراض المفترس والمافيوي وحملات التضليل والحروب الاقتصادية، غير مقبولة.

وإذا كان لهذه الممارسات أن تستمر، يتمثل أحد الخيارات في فرض عقوبات على المصارف الروسية كلها من قِبل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، الأمر الذي سيغلق أسواق رأس المال الأوروبية في وجه روسيا.

 وجلستُ حول طاولة المفاوضات في الجهة المقابلة لبوتين في وقت كنا قادرين فيه على العمل معه بطريقة جادة. لكن أخشى أن استراتيجيتهم الحالية هي ممارسة نفوذ جيوسياسي أكبر من خلال مزيج من المبادرات الاقتصادية ومبادرات الطاقة، تتخلله هجمات عرضية وقاتلة في كثير من الأحيان تجذب انتباه العالم. ولا ينبغي لنا أن ننتظر الهجوم المقبل حتى تتوحد الديمقراطيات الأوروبية، وتطبق سيادة القانون على روسيا ووكلائها، وتقف بقوة في وجه الاضطراب الذي تتسبب به موسكو.

تولى جاك سترو سابقاً مناصب وزير الخارجية، ووزير العدل، ووزير الداخلية المسؤول عن أجهزة الأمن في المملكة المتحدة

© The Independent

المزيد من سياسة