Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رغم تزايد التوترات ومشاكل السيولة المالية، من غير المرجح أن تغير روسيا مسار سياساتها في عام 2019

يقول أوليفر كارول: في ظل الاستياء الشديد وارتفاع حدة السخط، من المرجح ألا يكون العام المقبل بشيرًا بالخير بالنسبة إلى الرئيس فلاديمير بوتين، ولكن نظامه لا يزال يمتلك الكثير في جعبته

ستواصل روسيا بقيادة بوتين التموضع كقوة مُعرقلة (أ. ب)

لقد كان العام المنصرم عامًا عاصفًا بالنسبة إلى الرئيس بوتين.

ولكن العام لم يخلُ أيضًا من اللحظات الجميلة؛ ففي مارس حقق بوتين فوزًا ساحقًا في الانتخابات الرئاسية التي تم التخطيط لها بطريقة مثيرة للإعجاب وحققت معدلات مشاركة مرتفعة من مؤيدي بوتين في ظل غياب واضح للمعارضة.

وفي صيف ذلك العام، أشرف بوتين على استضافة روسيا لكأس العالم وإخراج الحدث بالمستوى المطلوب، وبالتالي كسب ود مئات الآلاف من الأجانب المحبين لروسيا والداعمين لها في بلدانهم.

وخلال العام الماضي، عزز بوتين مكانته كمُنظِّرٍ للسياسة العالمية، مودعًا خلال ذلك العام منافسته في هذا المجال لفترة طويلة، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.

من غير المرجح أن يتخلص بوتين، وهو في السادسة والستين من عمره، من عدم ثقته في النظام الدولي، ولا من غضبه عندما يشعر بعدم وضع الاعتبار الكافي لبلاده، أو التعبير عن قدرته على الانتقام لعدم احترام بلاده على ذلك النحو

ولكن الرئيس الروسي يبدو غير مهتم بإبداء رأيه عندما تنشب أحداث غير عادية أو لم يتوقع حدوثها؛ ففي هذه اللحظات يبدو وكأنه ينتمي إلى عالم آخر.

وقد وقف الكرملين عاجزًا عندما ساعد موقع Bellingcat الاستقصائي مفتوح المصدر في التعرّف على اثنين من ضباط المخابرات العسكرية المتهمين بقضية "نوفيتشوك" في سالزبوري. ولم يكن الأمر بهذه الأهمية عندما تم تسريب هويات عدة مئات آخرين. وقد حاول الكرملين حظر تطبيق التواصل الاجتماعي تليجرام ولكنه وفشل في ذلك؛ فعلى ما يبدو أنه أساء فهم طبيعة الإنترنت في روسيا. كما أنه فشل أيضًا في احتواء رد الفعل العنيف على التغييرات غير المرغوبة شعبيًا بشأن سن التقاعد أو ما تبع ذلك من تدنى شعبية الرئيس إلى أدنى مستوياتها خلال مدة أربع سنوات.

نادرًا ما تكون الرؤية واضحة في روسيا، وعادةً ما يكون أولئك الذين يدَّعون امتلاك رؤية واضحة للمستقبل واهمين. وبناءً على ذلك، يمكننا بالتأكيد افتراض أن التقلبات التي تشهدها روسيا سوف تستمر في عام 2019 كذلك.

لا يزال قسم كبير من النظام الروسي مركزيًا بامتياز، ويرجع ذلك إلى طبيعة شخصية الرئيس وتصورات الآخرين لما يريده منهم. ومن غير المرجح أن يتخلص بوتين، وهو في السادسة والستين من عمره، من عدم ثقته في النظام الدولي، ولا من غضبه عندما يشعر بعدم وضع الاعتبار الكافي لبلاده، أو التعبير عن قدرته على الانتقام لعدم احترام بلاده على ذلك النحو.

ومن خلال الحادث الذي وقع قرب مضيق كيرتش في شهر نوفمبر عندما فتحت القوات الروسية النار على مجموعة سفن أوكرانية صغيرة تحاول الوصول إلى المياه المشتركة، يمكننا رؤية زعيم لا يزال يرغب في التصعيد.

هناك ثلاثة عوامل أخرى تزيد غموض ما يمكن توقعه في ظل كل هذه الظروف.

أولاً، يبدو أن هناك مشاعر احتجاجية متنامية داخل روسيا. وقد تضمّن النصف الثاني من عام 2018 العديد من العلامات التحذيرية للنظام؛ ففي منطقة بريموري أقصى شرق روسيا، على سبيل المثال، اضطُر الكرملين للمحاولة مرتين لتثبيت حاكمًا تابعًا له هناك (وحتى ذلك لم يخلو من الادعاءات بالتزوير).

ثانيًا، لقد نفدت الأموال الحكومية و تضاءل ما يمكن الاستحواذ عليه من رساميل بشكل سهل. وقد تمكنت سياسة الاقتصاد الكلي المُدارة بصورة جيدة في روسيا حتى الآن من تجنب أزمة كبيرة رغم فرض مجموعة عقوبات خطيرة على البلاد. ولكن مناخ الأعمال لا يزال ضعيفًا، كما أن الأجور ثابتة والنمو منخفض؛ إذ بلغ معدل النمو 1.7% وفقًا للأرقام غير المؤكدة التي أعلنها الرئيس.

وقد أعلن الرئيس أيضًا خططًا طموحة للبنية التحتية والاستثمار الاجتماعي. ولكن كل هذا يحتاج إلى المال، وهكذا فمن المرجح أن تزيد الضرائب نتيجةً لذلك.

أما العامل الثالث فهو الأهمية المستمرة للفزاعة الغربية المعادية في إدارة السياسة الداخلية للبلاد؛ فنجد الناخبين الروس يستجيبون بشكل جيد لفكرة أن بلادهم عبارة عن قلعة محاصرة، تستعرض عضلاتها، وتتميز على وجه الخصوص بالوقوف في وجه أمريكا. ولا يخفى على أحد وجود احتمال لنشوب صراع ودخول البلاد في مزيد من المغامرة غير محسوبة النتائج، إلا أن التوقيت المحتمل لحدوث مثل ذلك ما هو إلا تخمينات شخصية.

وسوف تواصل روسيا ترسيخ مكانتها كقوة مدمرة، حتى ولو كان ذلك فقط بسبب تراجع احتمال تحقيق انفراج إيجابي في أيٍّ من القضايا السياسية المهمة بالنسبة إلى روسيا.

من المرجح أيضًا أن تظل العلاقات مع الغرب سيئة جدًا، بل وربما تزداد سوءًا. وقد سبق للكرملين في فترة انتخابات الرئيس دونالد ترامب في نوفمبر 2016 أن أظهر سعادته بشكلٍ خاص بصورته التي تُمثّل "عبقرية الشر". والآن يرى الكثيرون مشكلة في ذلك. وقد أصبحت المصالح الروسية في الولايات المتحدة وأوروبا الآن معرّضة لكثير من المخاطر.

استطلاعات الرأي في تراجع مستمر في البلاد، ولكن هناك مورد ضخم للمعلومات داخل النظام، أو على الأقل داخل الجهاز القمعي للحكومة

تبقى هناك حلول سهلة في سوريا، فالجيش الأمريكي الآن ربما في طريقه إلى الخروج من سوريا، أو الخروج جزئيًا على الأقل، ومن ثم تسليم راية النصر العسكري بأكمله إلى الكرملين. ولكن موسكو تفتقر إلى الموارد اللازمة لمرحلة إعادة البناء، وليس من المرجح أن تحصل عليها من الغرب، وسوف يكون خروجها من المنطقة أمرًا صعبًا كذلك.

وفي الوقت نفسه، فقد خسرت أوكرانيا جيلاً كاملاً على الأقل. وقد عزّزت الحرب مستويات العداء بين الجانبين على نحو سوف يصعُب إصلاحه.

وجدير بالذكر أنه في حال البلدان الأخرى ذات الحكومات غير السلطوية، يمكن أن يكون لمثل هذه المآزق المتعلقة بالسياسة الداخلية والخارجية عواقب خطيرة على النتائج الانتخابية.

أما في روسيا، فليس هناك من يستطيع أن يُسبب ذعرًا للحكومة. كما أن استطلاعات الرأي في تراجع مستمر في البلاد، ولكن هناك مورد ضخم للمعلومات داخل النظام، أو على الأقل داخل الجهاز القمعي للحكومة. ومع النظام الانتخابي الزائف ومساحة المعلومات الخاضعة بشكلٍ كبير لسيطرة الحكومة، لا يوجد أي احتمال تقريبًا لظهور قوى سياسية بديلة.

وباختصار، فمن المرجح أن يواصل عام 2019 مسيرة العام الماضي نفسها: اقتصاد راكد واحتجاجات من آن لآخر، ولكن مع استقرار سياسي نسبي. لا يُحتمل حدوث معجزة. وكذلك لا يُحتمل وقوع كارثة. إنما هي مسيرة عادية، ولكن نظام بوتين، بالتأكيد، لا يزال باقيًا لبعض الوقت في الفترة القادمة.

© The Independent

المزيد من اقتصاد