أفادت دراسة دولية صدرت حديثاً أنّ مستويات المناعة ضدّ "كوفيد-19" بين الناس ربما تصل إلى 30 في المئة.
اكتشف باحثون في "معهد كارولينسكا" للبحوث الطبية في السويد أنّ الأشخاص الذين تظهر عليهم أعراض كورونا خفيفة، أو عديمي الأعراض طوّرت أجسامهم ما يُسمى "خلايا تائية" (T-cell)، ذلك على الرغم من أنّ فحوصاً خضعوا لها تتقصّى وجود الأجسام المناعية التي تحارب المرض المستجد أظهرت نتائج سالبة. ومعلوم أنّ "الخلايا التائية" (T-cell) نوع من خلايا الدم البيضاء في الجسم التي تتعرّف على الخلايا المصابة، وهي تشكِّل جزءاً أساسياً من الجهاز المناعي. وكذلك وجد الباحثون أنّ الأشخاص الذين يحظون بـ"مناعة الخلايا التائية" ربما يبلغ عددهم ضعفي عدد الأشخاص الذين طوّروا أجساماً مناعية مضادة لـ"كوفيد-19".
وتطرّق إلى النتائج ماركوس بوغرت، البروفيسور المساعد في "مركز طب الأمراض المعدية" التابع لـ"معهد كارولينسكا"، أحد الباحثين الرئيسيين في الورقة البحثية، فقال "الآن، سمحت لنا الدراسات التحليليّة المتقدّمة أن نحدِّد بشكل مفصّل استجابة الخلايا التائية خلال الإصابة بـ"كوفيد-19" وبعد التخلّص منه". وأردف، "تشير نتائجنا إلى أنّ عدد الأشخاص الذين طوّروا مناعة الخلايا التائية يبلغ نحو الضعفين مقارنة مع أولئك الذين يمكننا اكتشاف وجود الأجسام المضادة (لكورونا) لديهم".
وفي الدراسة، أجرى العلماء اختبارات مناعة على عينات مأخوذة ممّا يزيد على 200 شخص بين مارس (آذار)، ومايو (أيار) الماضيين. وشمل ذلك مرضى "كوفيد-19" في "مستشفى جامعة كارولينسكا" في ستوكهولم، وأفراد عائلاتهم الذين لا يشكون أعراضاً". وعلاوة على ذلك، حلّل فريق البحاثة عينات دم من متبرعين لم يصابوا بالمرض. ووفقاً للباحثين تشير النتائج إلى أنّ مستويات الحصانة بين الجمهور الأوسع ربما تكون أعلى بأشواط مما كان يُعتقد سابقاً. وعلى الرغم من ذلك، لا يتوفّر دليل على أنّ الأشخاص الذين طوّروا "مناعة الخلايا التائية" حسبما ظهر في الاختبارات الطبية لن يصابوا بعدوى كورونا في المستقبل.
وفي تطور متصل، قال سو أليمان، وهو مستشار في "معهد كارولينسكا" "كانت إحدى الملاحظات المثيرة للاهتمام أنّ مناعة الخلايا التائية لم تقتصر على الأفراد الذين أثبتت الفحوص أنهم أصيبوا بـ"كوفيد-19"، إنما ظهرت أيضاً لدى كثير من أفراد عائلاتهم العديمي الأعراض الذين كانوا عرضة للفيروس". وتابع، "علاوة على ذلك، ظهرت لدى 30 في المئة تقريباً من المتبرعين بالدم الذين أُخذت عينات من دمائهم في مايو 2020 خلايا تائية خاصة بـ"كوفيد-19"، وهو رقم أعلى بأشواط ممّا أظهرته اختبارات سابقة تتقصّى وجود الأجسام المضادة للفيروس".
وأضاف البروفيسور هانز-غوستاف لونغيرن، الباحث المساعد المشارك في الدراسة "تشير نتائجنا إلى أنّ المناعة ضدّ "كوفيد-19" الموجودة لدى الناس ربما تفوق كثيراً النسبة التي أشارت إليها اختبارات الأجسام المناعية المضادة (للفيروس). إذا كانت هذه هي الحال، فهي قطعاً أخبار جيدة جداً على مستوى الصحة العامة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونُشرت الدراسة في "بيوأركايف" bioRxiv، وهو موقع إلكترونيّ متخصّص بالعلوم البيولوجيّة قبل أن تخضع لتحكيم علماء نظراء، وقد وجدت أنّ استجابة الخلايا التائية كانت متوافقة مع مستويات أُخذت بعد تلقي لقاحات معتمدة مضادة لفيروسات أخرى، من بينها الإنفلونزا الموسمية.
وأضاف الباحثون أنّه يجب إجراء مزيد من الدراسات حول إنتاج الخلايا التائية، والأجسام المضادة في حالة "كوفيد-19"، من أجل معرفة إلى أي مدى تبقى الحصانة موجودة. وأما البروفيسور داني ألتمان، المتحدث باسم "الجمعية البريطانية لعلم المناعة" بروفيسور علم المناعة في "كلية إمبريال كوليدج" في لندن، فقال "من بين دراسات عدة حول المناعة الخلوية (التي توفّرها الخلايا التائية) ضدّ "سارس-كوف-2" التي صدرت في الأشهر القليلة الماضية تبدو هذه الدراسة الأمتن والأكثر إقناعاً ومقاربتها الأكثر شمولية".
وأضاف، "تدعم (الدراسة) الأدلة المتزايدة التي تقول إنّ كثيراً من الأشخاص الذين أعطت فحوصهم نتيجة سالبة للأجسام المضادة، لديهم في الواقع استجابة مناعية متخصصة وفقاً لاختبارات الخلايا التائية، ما يؤكد أن فحص الأجسام المضادة في معزل عن غيره من المقاييس يشير إلى نتائج لا تعكس الحجم الحقيقي للمناعة. ومع ذلك، يبقى المجهول الكبير في الوقت الحالي هو معرفة أي من عوامل الحصانة يقدّم المؤشر الأكثر صدقاً للمناعة الحقيقية التي تقي من العدوى في المستقبل". و"حتى الآن، ثمة تصوّر من بعض الدراسات بأنّ الأجسام المضادة المتخصصة التي تمنع تكاثر الفيروس تمثِّل واحداً من عوامل عدة مرتبطة تحمي من الفيروس. نحن بحاجة ماسة إلى دراسات تجريبية بغية المساعدة في تأكيد ما إذا كانت مناعة الخلايا التائية وحدها كافية لتوفير الحماية"، كما قال التمان.
يُذكر أنّ دراسة بريطانية صدرت عن "مكتب الإحصاءات الوطنية" Office for National Statistics الشهر الماضي أشارت إلى أن واحداً من كل 20 شخصاً (5 في المئة) في المملكة المتحدة أُصيب بـ"كوفيد-19". وفي لندن، بلغت النسبة واحداً من كل ستة أشخاص (17 في المئة). وما زال الخبراء غير متأكدين من مستوى الحصانة التي تتشكّل لدى الشخص الذي تعافى من المرض، وإلى أي مدى قد تبقى فاعلة. وفي هذا السياق، أبلغت المملكة المتحدة عمّا يربو على 300 ألف إصابة بفيروس كورونا، فيما سجلت ما يزيد على 43 ألف حالة وفاة، وفقاً للأرقام الرسمية.
وفي وقت سابق من الأسبوع الحالي، أغلقت المملكة المتحدة مدينة ليستر بعد ارتفاع كبير في معدل الإصابات، فيما حذّر خبراء من إمكانية فرض إجراءات عزل محلية إضافية في حال خالف الناس إرشادات التباعد الاجتماعي. وأمّا السويد، وهي إحدى الدول القليلة في العالم التي لم تفرض إجراءات حجر، فسجلت أكثر من 68 ألف إصابة، وأقل من ستة آلاف حالة وفاة.
© The Independent