Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حصاد الجائحة 2020

شهدنا في زمن كورونا على أن المساواة بين البشر "حقيقة"

عنصران من الطاقم الطبي في مدينة برغامو الإيطالية مركز تفشي وباء كورونا في البلاد يعتنيان بمريضين (رويترز) 

لم تكن الحرب الكبرى الثانية انتهت بعد، عندما شرع ليبيون في المهجر، في تأسيس "جمعية عمر المختار" في عام 1943، كانت حينها جيوش الحلفاء والمحور، قد دكت البلاد دكاً، وتبادلت السيطرة على مدينة بنغازي لأكثر من مرة، حتى تمكن مونتغمري، مارشال جيش الإمبراطورية العجوز "المملكة المتحدة العظمى"، من هزيمة الثعلب الألماني رومل. وأثناء الحرب، بدأ المهاجرون الليبيون العودة، ليجدوا نتائج الحرب الأوروبية، متحالفةً على أرضهم، مع الجهل والمرض والفقر.
كانت نتائج جائحة تلك الحرب الكبرى، تجتاح العالم وتتعين في ليبيا، لذا جاءت "جمعية عمر المختار" بكل ما تستطيع إليه سبيلاً، ومن ضمن ما فعلت، كان تدريب كوادر صحية "مصابة بالأمية". وعقدت في فرعها بمدينة "درنة"، ندوات وملتقيات توعوية، كان أولها مناظرة حول أيهما أهم: التعليم أم الصحة؟ أخذ رئيس الفرع الشاعر إبراهيم الأسطى عمر جانب الصحة في المناظرة، فيما كان السكرتير عبد الله السنكي محامي التعليم. وأكدت نتيجة المناظرة على أهمية التعليم بطبيعة الحال.

أخذ الدروس

كثيراً ما رددتُ هذه الواقعة، إذ رأيت فيها، مبادرةً لدراسة الحصاد قبل أن تنجلي الوقائع، وفي مرحلة مبكرة من دون القفز إلى مستقبل مجهول، أي النظر في الحاصل لتدارك ما يمكن تداركه، وأخذ الحيطة والدرس المستفاد مما هو حاصل الآن وهنا.
وإذا أمعنا النظر في جائحة عام 2020، سنجد أنها تفعل فعلها باضطراد، وتدق الأبواب المغلقة بكل يد مضرجة، أما الأبواب المفتوحة وحتى المواربة، فكأنما هي دعوة لأن تكون "الجائحة أعظم"، أو أن تكون "المذبحة البشرية الأعظم".

"قاطع طريق غير مرئي"، هكذا وصف بوريس جونسون رئيس وزراء "الأمبراطورية المحتضرة"، الجائحة. وإذا كان السيد جونسون، قد تمكن من مشاهدة "قاطع الطريق"، حيث كاد أن يموت جراء إصابته بالفيروس، فإن مَن لم يلتق هذا القاتل قد شاهد حصاده، خلال الأشهر الأولى من هذا العام، الذي راهنت البشرية عليه، باعتباره رقماً مميزاً، فخاب رهانها.


المساواة بين البشر
وشهدنا في زمن كورونا على أن المساواة بين البشر "حقيقة"، فالفيروس كشف المكشوف، الذي تعمى القلوب والعقول وترغب في عدم رؤيته. فالخطر اجتاح الجمع البشري، بغض النظر عن الفروق بين ما تملك من ثروات. بل إن الضربة القاصمة تغرق من يجيد العوم، حيث يغلبه ظن المقدرة، فتكون المكابرة هي الغالبة، فتساوي بين بوريس جونسون ودونالد ترمب وفلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان، وهذا ما جعل من بلدانهم الضحية الأكبر.
وكشفت المساواة عن عطب أساسي هو الفوضى التي ظهرت في المجتمع الرأسمالي الذي يعم الأرض، فأصحاب "العجل الذهبي"، اجتاحهم الرعب من فقدان العجل، فغفلوا عن أن "قاطع الطريق"، يقطع الرقاب قبل أن يقطع الأرزاق، إذاً أول الحصاد المساواة وثانيها الفوضى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


فوضى وتقصير

الفوضى تعم العالم، وتضرب أطنابها، مما يمكّن الجائحة في الموجة الثانية، من التوسع وزيادة الخسائر في الأرواح والاقتصاد، فالخوف على المستقبل، يدمر الحاضر بتسارع ملحوظ، هذا الحاضر الذي هو مستقبل الماضي، ينظر إليه بذات النظرة السابقة، أي يتم القفز عنه. ولأجل تحصين الغد يتم التفريط في الصحة العامة، لسان حالهم "لا تموتوا من الجوع، بل موتوا من المرض".

وظهر ذلك في الشكوى المتصاعدة مما تلقته الطواقم الصحية، والمهمة الصحية عامةً، من إهمال وتقصير. وكشف ذلك وفضحته المساواة التي حققتها كورونا، فالاحتجاجات تعمّ مستشفيات وكوادر صحية في دول كبرى، كما تجتاح هذه الدول حالةً من الفوضى في الأرقام، فالتضارب بين المسؤولين جلي، من إيران حتى بريطانيا، في ما يخص الإعلان عن أرقام الإصابات والوفيات وغيرها.

النتائج الأولى تظهر أن المساواة أزاحت الستار عن فوضى وتقصير وتضارب في الأولويات، حيث غدت النتائج أسباباً، كما هو واضح الآن من اعتبار أن فك العزلة التي فرضتها الجائحة ضرورة وفرض عين، فباتت العزلة "الكورونا الأعظم".

حصاد الجائحة 2020 حتى الآن، هو هروب إلى الأمام أولاً، وثانياً فإن ما يحدث هو تحصيل حاصل، إذ واجهت الرأسمالية العالمية بقيادة الإمبريالية الغربية، الحرب الكبرى الأولى في غضون عقدين، بحرب كبرى ثانية، إضافة إلى البطالة التي لم توقف الحياة، وهبوط أسعار النفط، الذي لا يزال يُعدّ أوكسجين الحياة المعاصرة حتى الآن، إلا أنه لم يقطع التواصل، الذي تمتّن وزاد بواسطة الإنترنت.

هكذا الحصاد حتى الآن، مزيد من الإرباك، فإعادة استثمار المعتاد، وكأنما فيروس كورونا كلما انتشر ينشر معه الاعتيادي، وأن أفق اللقاح البعيد، يستدعي أولاً وأخيراً، فك العزلة وفي هذا الخلاص، فك العزلة اللقاح والتعويذة السحرية. وباعتبار أن البشر يموتون لا محالة، فالأمر يُختصر في أن نعتاد جائحة 2020 ونصدرها لـ2021 وهكذا.

المزيد من آراء