Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جونسون المراسل الحربي لا يشبه صورته الرائجة

تقدم تجربة رئيس الوزراء كمراسل صحافي في كوسوفو والعراق صورة مختلفة تماماً عن الحياة "المريحة" التي يتصور الكثيرون أنه عاشها

بعد خروجه من العناية المركزة بعد إصابته بكورونا سيخضع رئيس الوزراء بوريس جونسون للراحة أياما عدة حتى تعافيه تماما (رويترز)  

يفتقر بوريس جونسون للياقة البدنية بسبب أسلوب حياته المريح، كما يصفه البعض في وسائل التواصل الاجتماعي، لذا سَيصعّب عليه التعامل مع فيروس كورونا الذي أدخله العناية المركزة.

 لكن رئيس الوزراء، وفقاً لمكتب رئاسة الحكومة في 10 داونينغ ستريت، لا يعاني من أي مشكلات صحية خطيرة، ويصرّ أصدقاؤه على أنه في الواقع في وضع قوي للغاية على الرغم من معاناته من زيادة الوزن قليلاً. في هذا الصدد، قال ويل والدن، الذي عمل مدير الاتصالات لديه عندما كان محافظ لندن، لبرنامج "توداي" الإخباري الذي يبثه راديو فور التابع لـ "هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي)، إن جونسون "رجل قوي جداً، جداً" وقادر على "هزيمة أي شخص في ملعب التنس. يركض بانتظام، ولا يدخن، ويشرب باعتدال".

لن تهزم الإرادة وحدها الفيروس. لكن ينبغي إعادة النظر في الفكرة القائلة بأن جونسون قبل أن يصبح عضواً في البرلمان ومحافظاً للندن ووزيراً للخارجية ثم رئيساً للوزراء، كان يقضي كل وقته  جالساً خلف المكتب. لم تكن حياته كلها تدور حول إرسال تقارير إخبارية من بروكسل حول إملاءات الاتحاد الأوروبي المفترضة بشأن الموز المستقيم، أو تحرير مجلة "ذا سبيكتايتر" من مقرها الأنيق، أو كتابة أعمدته لصحيفة "ذا تلغراف" من المنزل مقابل ربع مليون جنيه إسترليني مزعوم سنوياً.

كثيرا ما يفوتنا أن جونسون كان مراسلاً حربياً، غطّى نزاعات عنيفة جداً وعمل غالباً في ظروف صعبة، مخاطراً بحياته أحياناً. 

أتذكر أنني التقيته صدفة  في فندق غراند في بريشتينا عام 1999 أثناء حرب كوسوفو. كنت بين الصحافيين القادمين من مقدونيا مع قوات الناتو بقيادة بريطانية وجيش تحرير كوسوفو. كنا قد أمضينا بعض الوقت مع ألبان كوسوفو الذين كانوا يقاتلون الصرب، فيما جاء هو من بلغراد حيث كان يُعِدُّ تقارير لصحيفة "ذا تلغراف" حول قصف صربيا من قبل الناتو.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كان جونسون في كتاباته غالباً ينتقد الضربات الجوية الغربية بما فيها البريطانية. وقال في أحد مقالاته إن "الناتو نجح في قطع رأس كاهن وهو يعبر جسراً في وضح النهار في عيد الثالوث المقدس. وقتلوا طفلة صغيرة وهي جالسة على كرسيها... بالطبع، لم يكن هذا متعمداً، بمعنى أن بعض كبار المسؤولين في مونس لم يستهدفوا هذا الكاهن أو تلك الطفلة الصغيرة. لكن يمكنك القول إنه كان متعمداً نظراً إلى أن الناتو أسقط قنابل من 15000 قدم وهو يعلم علم اليقين بأن المدنيين سيُقتلون".

أخبرته أنني استمتعت بقراءة مقالاته، فأجاب "شكراً، تعرف ليس جميع من في لندن معجب بها. أنتم كنتم مع المقاتلين الكوسوفيين لذا يمكنني أن أتفهم سبب اختلاف رأيك". تحدثنا لفترة وجيزة عن الصحافيين المصابين بـ "متلازمة استوكهولم" في تغطية الصراعات، ووضعنا خطة أولية لزيارة بعض القوميين الصرب المسلحين المتحصنين في منطقة تسمى كوسوفو بولجيي.

غير أن القوات الروسية ظهرت حينها فجأة في كوسوفو، وكانت هناك مواجهة في مطار بريشتينا. رفض الجنرال مايك جاكسون، القائد البريطاني لقوات الناتو، بصراحة بالغة أمراً من الجنرال الأميركي ويسلي كلارك، القائد الأعلى لقوات الناتو في أوروبا، باتخاذ إجراء عسكري ضد الروس، قائلاً له "لن أبدأ الحرب العالمية الثالثة من أجلك". وكانت تطورات أخرى ستقع بوتيرة سريعة، فتخلينا عن رحلة كوسوفو بولجي.

التقيت جونسون مرة أخرى في أبريل (نيسان) عام 2003 في خضم حرب أخرى تسبّب بها التدخل الغربي. كنت مع زملائي في عمّان بعد أشهر قضيتها في العراق عندما ظهر جونسون، الذي كان آنذاك نائباً برلمانياً ورئيساً لتحرير مجلة "ذا سبيكتايتر". انضمّ إلى مجموعة منا على مائدة العشاء وأعلن عن رغبته بالذهاب إلى بغداد. لم يكن العنف الوحشي قد بدأ في العراق في ذلك الوقت، ومع ذلك كانت زيارة البلد محفوفة بالمخاطر.

أراد جونسون استعارة سترتي الواقية من الرصاص، لكنه في النهاية أخذ واحدة من مراسل الـ "بي بي سي" البارز فيرغال كين.

عبّر بوريس عن مدى سعادته بارتداء السترة الواقية أثناء تجوله في بغداد، إذ كتب في مقاله قائلاً، "ذهبت إلى هناك جزئياً لإشباع فضولي، ولكن بشكل رئيسي لإراحة ضميري. لقد كتبت وتحدثت وصوّتت لصالح الحرب وشعرت بارتياح كبير عندما انتصرنا. غير أنني، بلا شك، بسبب خلل في شخصيتي أجد صعوبة كبيرة في الإفراط بالحماسة... ومما يثير القلق أننا كنا نستعد للحرب ضد دولة ذات سيادة لم تسبّب لنا أي أذى مباشرٍ حتى الآن. وكلما طال بحث (هانز) بليكس وفريقه عن أسلحة الدمار الشامل، كلما زادت شكوكي بشأن الذريعة".

حينذاك أعلن جورج دبليو بوش النصر في العراق، كما أعلن توني بلير نجاح المهمة. كان التشكيك في أسباب الحرب، وأسلحة الدمار الشامل غير الموجودة، والغياب التام للتخطيط لما بعد الفوضى، يثير اتهامات بالمهادنة. أتذكر أن وزير دولة للشؤون الخارجية قد صرخ في وجهي خلال حفل استقبال بمناسبة يوم الباستيل بالسفارة الفرنسية في لندن، مُتهماً إيانا جميعاً بالدفاع عن صدام حسين.

عاد بوريس إلى العراق في عام 2005، حين بلغت إراقة الدماء مستويات عالية. كان زمناً خالداً في ذاكرة البعض منا لأسباب شخصية. فقد نسف انتحاريون فندقنا في بغداد، وخطف مسلحون زوجين كانا من أصدقائي المقربين، سيدة شيعية وزوجها السني، وقد اغتيل زوجها لاحقاً واضطرت هي للهروب من البلاد، فيما قُتل سائق أحد زملائنا بالرصاص.

كتب جونسون في ذلك الوقت أننا "قد أنفقنا حوالى 5 مليارات جنيه إسترليني من أموال دافعي الضرائب البريطانيين وأنفق الأميركيون 400 مليار دولار. لقد نشرنا في هذا البلد 150 ألف جندي أجنبي وبنينا قواعد كبيرة جداً لدرجة أن المروحية كانت تستغرق دقائق عدة قبل تجاوز غابة مركبات هامفي والمدرعات. لقد جربنا الترهيب والطيبة والرشوة والرصاص، فانظر إلى الحالة التي يبدو أننا قد أوصلنا إليها العراق".

وأضاف "ها نحن في عام 2005، وليست المباني العامة الرئيسة كلها حتى الآن مشوّهة ومهدّمة ومليئة بثغرات شاسعة خلفتها صواريخ كروز، فحسب، بل هناك أيضاً انقطاع مستمر للتيار الكهربائي وخدمات صحية متخلفة كأنها تعود للقرون الوسطى، وتضخم بنسبة 30 في المئة، ويصطف الناس ليومين في طوابير للحصول على البنزين،  وبات الفساد في غياب رادع الرعب البعثي أسوأ من أي وقت مضى. هل يلوموننا؟ ثمة أدلة أنهم يفعلون كذلك".

اضطر جونسون إلى تغيير بعض مواقفه، علناً على الأقل، مع ارتقائه السلم السياسي. أشاد بتوني بلير لإقامته علاقة قوية مع بوش. وقال عن تغطيته للحرب "أعتقد، بالنظر إلى الماضي، أنني كنت منشغلاً بصغائر الأمور... يمكنك النظر إلى توني بلير كما يحلو لك، لكنه شارك في إسقاط اثنين من الطغاة ميلوسيفيتش وصدام، اللذين تركهما (جون) ميجور في السلطة".

تحدث جونسون بعد عودته إلى كوسوفو كوزير للخارجية في عام 2016، أمام  برلمانها  قائلاً، "لقد كنت حاضراً عندما دخل الجيش البريطاني، وأتذكر رؤية الفرح على وجوه القرويين وكيف ألقوا الورود على طريق مركبات الجيش البريطاني. أتذكر أنني رأيت المساجد تلتهمها النيران والقرى التي أحرقت، وفي بعض الأحيان سُويت بالأرض من قبل القوة المنسحبة... تريد بريطانيا العمل معكم كشريك. أنا فخور بأن بريطانيا كانت من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال كوسوفو عام 2008. لقد كنّا حلفاء وقتها، ونحن اليوم حلفاء... أنا متأكد أنه سيكون لديكم مستقبل عظيم حقاً، وبينما تحققون هذا المستقبل العظيم لكوسوفو وتدركون إمكانات هذا البلد، أود أن أؤكد أن لكم أصدقاء ومؤيدين في المملكة المتحدة".

عدتُ إلى كوسوفو العام الماضي في الذكرى العشرين للحرب. كان بيل كلينتون، الرئيس الأميركي في زمن الصراع، نجم ذلك الحدث إلى حد كبير، هو ووزيرة الخارجية الأميركية آنذاك مادلين أولبرايت، على رأس فريق من أعضاء الإدارة السابقين والحاليين.

لم يكن هناك وزراءٌ بريطانيون بارزون بين ممثلي الدول الأوروبية الكبرى الأخرى. وتغيّب توني بلير، وهو الذي زار كوسوفو بعد الحرب مباشرة قبل كلينتون وحظي باستقبال حافل، إذ كان يتمتع بشعبية كبيرة لدرجة أن كثيراً من الآباء أطلقوا اسم "تونيبلر" على أولادهم الجدد. كما لم يحضر الجنرال السير مايك جاكسون، قائد قوة الناتو في كوسوفو، هو الآخر. في المقابل، كان الجنرال الأميركي ويسلي كلارك بين أعضاء الوفد الأميركي.

زار جونسون العراق عندما كان محافظ لندن في عام 2015، وقد منعت الحكومة البريطانية خطته لاحقاً لزيارة خطوط الجبهة ضد داعش، مع أنه تمكن من زيارة ميليشيات البيشمركة في كردستان. ذكر الرحلة حين التقيته مصادفة في حفل استقبال، وتجاذبنا أطراف الحديث أيضاً عن رحلاته السابقة إلى تلك البلاد والمخاطر التي تحملها المرء آنذاك لإعداد التقارير. تساءلت عما حدث لسترة فيرغال كين الواقية ضد الرصاص، وقال لي "آه... سؤال جيد، دعني أفكر، أحاول أن أتذكر...". تأمل، وحكّ رأسه.

لا أعرف ما إذا كان فيرغال قد استردّ سترته الواقية. ليس غريباً على الإطلاق أن تكون ملقاةً في مكان في داونينغ ستريت وقد علاها الغبار بعدما أدت خدمات جلى.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء