Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أطباء إيطاليا ومستشفياتها على رأس ضحايا الوباء

"أصعب شيء يمكن هضمه عاطفياً هو كيف يموت هؤلاء الأشخاص وحيدين"

بدأت إيطاليا خلال الشهر الماضي تتحول تدريجاً إلى بؤرة لتفشي فيروس كورونا، فيما يُثقل الموت كاهل الكوادر الطبية العاملة في الخطوط الأمامية.

فمع بلوغ عدد الموتى 10023 شخصاً، أي ضعف عددهم المسجل في أي بلد آخر، ووصول حالات الإصابة المؤكدة بالفيروس إلى 92472 حالة، راح الأطباء والممرضون الإيطاليون يعملون في نوبات مضنية لتسيير المستشفيات التي تفيض بالمرضى، وغالباً ما يدفعون ثمن ذلك من صحتهم النفسية.

وإذا كان طبيب التخدير غريغوريو سباغنولين، الذي تعلّم كيف يخفف آلام مرضاه وإدارة الإنعاش، قد اعتاد على إنقاذ حياة الناس بقدر ما اضطر للسماح لهم أحياناً بالموت، فإنه مع ذلك لم يكن مستعداً من قبل لتحمّل ما شاهده خلال وباء كوفيد-19. فهو يقول إن "قبول موت شخص انتشر السرطان في جسده أسهل من قبول موت مريض شاب في الثلاثين من عمره... لكن أصبح الآن ذلك روتينياً". ويشاهد حالياً من حالات الموت في يوم واحد ما كان يشاهده سابقاً في شهر، لكن حجم الكارثة الهائل الذي ضرب إيطاليا لا يقتصر على عدد الوفيات الكبير.

ويؤكد سباغنولين لصحيفة "اندبندنت "، أن "أصعب شيء يمكن هضمه عاطفياً هو كيف يموت هؤلاء الأشخاص... إنهم وحيدون".

معروف أنه يتوجب على المصابين بوباء كوفيد-19 اتباع قواعد العزل المشدّدة وبروتوكولات التحكم بانتشار العدوى، ما يجعل زيارات أفراد عائلة المريض مستحيلة. وكان طبيب التخدير، 31 سنة، في بعض الأحيان يتجاهل قواعد المستشفى، ويغطي هاتفه الجوال بالبلاستيك لتجنب العدوى ثم يعطيه للمرضى في محاولة لإتاحة الفرصة لهم كي يودعوا أحبتهم الوداع الأخير. ويعترف سباغنولين أن "هذا غير مسموح به، من الناحية النظرية، لكنه الشيء الإنساني الوحيد الذي يمكن فعله".

وتجنب طبيب التخدير الشاب ذكر تفاصيل عن المستشفى الذي يعمل فيه، والكائن في منطقة لومباردي التي تعتبر من أكثر مناطق إيطالياً تضرراً بوباء فيروس كورونا، وهذا لأنه غير مصرَّح له بالتحدث باسم المستشفى.

وتعمل الكوادر الطبية تحت ضغط هائل يعود بعضه إلى المخاطرة القوية بالإصابة بالعدوى والعمل أحياناً من دون وقاية كافية. ونتيجة لذلك كانت فحوصات أكثر من 5 آلاف عامل في المجال الصحي، إيجابية للفيروس بسبب وجود نقص مزمن في عدد الكمامات وأدوات التنظيف والتجهيزات الأولية.

وهذا الوضع يمكن أن يؤدي إلى ظهور أعراض التوتر والقلق والكآبة، بحسب ما تقول دراسة نشرت في مجلة "ذا لانسيت" العلمية في فبراير (شباط) الماضي، وركزت على الكوادر الطبية بمدينة ووهان، في إقليم هوبي الصيني، حيث ظهر الفيروس للمرة الأولى في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

ويقول الدكتور سباغنولين إن الالتزام بعمله أقوى بكثير من أن يتيح مجالاً للاهتمام بأي اعتبارات تتعلق بعواقبه النفسية على المدى البعيد. ويضيف "أنتِ لا تدركين حين تكونين في حرب، ما تشعرين به، أنت تحاربين فقط".

لكن ثقل هذا العبء بات أكبر بكثير مما يستطيع البعض تحمله. وهذا ما دفع ممرضة، 49 سنة، تعمل مع مرضى كوفيد-19 في منطقة فينيسيا إلى الانتحار الأسبوع الماضي، وحذت حذوها ممرضة ثانية اسمها دانييلا تريزي، 34 سنة، قررت أيضاً أن تنهي حياتها في مونزا، شمال ميلانو. وذكر "الاتحاد الوطني للممرضين" أن شعوراً بالذنب من احتمال أن تكون قد لعبت دوراً في نشر العدوى بعد اكتشاف إصابتها بكوفيد- 19، لازم تريزي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جانبه، قال إيفان جياكوميل، الطبيب النفسي الذي يساعد الكادر الطبي في منطقة لومباردي وهو عضو "الجمعية الإيطالية لأطباء الطوارئ النفسيين"، إن الأطباء والممرضين، الذين لم تكن لديهم تجربة سابقة في التعامل مع حالات يكون فيها المريض مهدداً بالموت، ويشاهدون حالياً أسوأ نتائج تفشي فيروس كورونا القاتل، ستكون لذلك تداعيات سيئة على صحتهم النفسية.

وأضاف جياكوميل قائلاً لـ " اندبندنت"، إن "الكثير يعتمد على قوة الفرد نفسها، لكن العديد منهم باتوا يشعرون بالإرهاق والعجز الشديدين... لقد دُفع بهم للتعامل مع أوضاع يخيم عليها شبح الموت ويسقط فيها الناس من حولهم، وهذا أمر لم يسبق له مثيل في نظامنا الصحي".

معلوم أن العزلة تفاقم الشعور بالتوتر، إذ إن الخوف من العدوى وضع حداً نهائياً للتفاعل مع أفراد العائلة والأصدقاء خلال الأزمة، وبات "التواصل البدني غير وارد في حياتهم المهنية وفي حياتهم الخاصة أيضاً، في وقت هم في أشد الحاجة إلى من يضمهم ويشعرهم ببعض الدفء"، بحسب ما يذكر جياكوميل.

وقارن الطبيب النفسي الوضع الحالي بساحة حرب، وتوقع أن تشمل العواقب على المدى البعيد الإصابة بـ "الاضطرابات النفسية ما بعد الصدمة"، ما يؤذي صحة العاملين في النظام الصحي بشكل عام في المستقبل المنظور.

وأمام هذا الوضع تقدم منظمات بما فيها "الجمعية الإيطالية لأطباء الطوارئ النفسيين" و"منظمة سوليتير غير الحكومية"، دعماً نفسياً مجانياً للكوادر الطبية والمتطوعين الذين يعانون من أعراض قد تؤثر في قدرتهم على اتخاذ القرارات، كما قد تلحق أضراراً مزمنة بأوضاعهم النفسية بشكل عام".

من جانبه، قال جيان كارلو تشيكوليني رئيس "الاتحاد الوطني للممرضين"، إن هذه الأزمة وجهت ضربة موجعة للغاية للممرضين خصوصاً، وذلك بسبب النقص في عدد الكوادر الطبية. فحسب إحصاءات قدمتها المنظمة تبلغ نسبة عدد الممرضين 5.5 لكل ألف من السكان في إيطاليا، وهذا أقل من المعدل في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى حيث يصل إلى 8.9.

وأضاف تشيكوليني "هناك دائماً ممرضون لم يرتاحوا بشكل حقيقي لأسابيع من أجل سدّ النقص في الكوادر... على كل البلدان التي تتهيأ لارتفاع في إصابات فيروس كورونا أن تعد المصادر البشرية لتجنب الوصول الى نقطة انهيار مماثلة".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من صحة