وصل وباء "كورونا" إلى أفريقيا متأخراً في انتقاله من الشرق باتجاه الغرب، وعلى الرغم من خبرتها في انتشار ومكافحة الوبائيات، فقد يشكِّل ضعف الإمكانات تحدياً للقارة السمراء في حال تفشي الفيروس وزيادة عدد الدول الأفريقية التي وصلها حتى الآن، لا سيما الدول الأشد فقراً في أفريقيا جنوب الصحراء، التي تربطها حدود مشتركة وقبائل مشتركة تعتمد على الرعي. إضافة إلى احتمال نضوب الدعم الدولي الذي ظلت تقدمه المنظمات الدولية من قبل لأفريقيا، ما يشكِّل تحدياً مغايراً لما يواجه العالم الآن.
تصاعد الخطر
بعد الإعلان عن أول حالة إصابة بالوباء في القارة الأفريقية من قِبل وزارة الصحة المصرية، حذّر بيل غيتس مؤسس شركة مايكروسوفت من خلال مؤتمر التقدم العلمي في مدينة سياتل من أن وصول الفيروس إلى القارة الأفريقية، ضعيفة التجهيزات الصحية، يمكن أن ينتشر سريعاً ويؤدي إلى وباء يقتل 10 ملايين شخص. أما الإصابة الأولى في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء فقد ظهرت في مواطن إيطالي عاد إلى مقرِّ عمله في نيجيريا من ميلانو في 25 فبراير (شباط) وتم تأكيدها في 27 فبراير 2020، ما صاعد الإحساس بالخطر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحتى كتابة هذا التقرير، وصل عدد الدول الأفريقية المعلِنة عن حالاتٍ أصيبت بالوباء إلى 36 دولة أفريقية من أصل 54 دولة مكونة للاتحاد الأفريقي، وسط تخوفٍ من احتمال زيادة الإصابة بالفيروس في القارة خلال الاسابيع المقبلة، بحسب توقعات منظمة المراكز الأفريقية للوقاية من الأمراض، التابعة للاتحاد الأفريقي. وأكدت المنظمة أن المرض لم يظهر من الداخل الأفريقي وإنما تم تسجيل حالات قادمة من أوروبا على وجه التحديد قبل أن يتفشى بوتيرة متسارعة.
عوامل الانتشار
وبالنظر إلى طبيعة الفيروس الغامضة وطرق انتشاره، كثرت التكهنات بشأن تأخر وصوله إلى أفريقيا، فمنهم من أرجع ذلك إلى المناخ الأفريقي الحار والجاف، ومنهم من أرجعه إلى الجينات الأفريقية. ولكن عمليّاً، ومع الأخذ في الاعتبار أنه ليس ثمة دلائل علمية ومختبرية بشأن هذه الاعتقادات حتى الآن، وبعد وصول المرض إلى دول أفريقية عدة، تكمن خطورة الانتشار في توقعات وصوله إلى المناطق الأشد فقراً في أفريقيا. وما يساعد على ذلك، أن مسببات فيروس "كورونا" المستجد تمثِّل تحدياً في صعوبة اكتشاف الحالات المؤكدة قبل انتقال العدوى، وعلى الرغم من خبرة أفريقيا في احتواء الأوبئة واكتسابها كفاءة حقيقية في هذا المجال، إلا أن عوامل أخرى تسهم في خلق كارثة على مستوى القارة الأفريقية ومنها:
-الظروف المعيشية السيئة والازدحام والاكتظاظ في السكن، إذ تعيش عائلات كبيرة في مساحة ضيقة ومحدودة، وتتشارك مع العائلات الأخرى في الحي في الخدمات ما يجعل مطالبة الناس بالعزل المنزلي غير عملية في معظم الحالات. وذلك إضافة إلى من يعيشون في مستوطنات غير رسمية في الأحياء الفقيرة والمناطق الريفية. كما تشهد أفريقيا تزايداً في مناطق عدة تعاني من نقص الغذاء، بنسبة زيادة بلغت (24 في المئة) خلال الفترة (1990/1992– 2014/2016) بحسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحد. (FAO)
- المشاكل البيئية: تشهد القارة أزمة عدم كفاية إمدادات المياه الآمنة، إضافة إلى تلوث الهواء الداخلي إذ لا يزال استخدام الوقود للطهي سائداً في مناطق مختلفة في القارة، الأمر الذي يتسبب في تزايد الأعباء الصحية المترتبة عليه، وضعف المناعة بسبب وجود أمراض رئوية أخرى بسبب تلوث الهواء.
- البنية الصحية الهشة: يحول الفقر في الموارد دون سهولة الفحص والكشف عن الأمراض والأوبئة، وتعاني معظم الدول الأفريقية من أنظمة صحية متردية لا يمكنها الصمود أمام انتشار الفيروس، خصوصاً أن الطاقة الاستيعابية للمستشفيات في أنحاء القارة ضعيفة على الدوام، كونها مثقلة بحالات من الأمراض المستوطنة مثل الملاريا وغيرها. كما تعاني دول القارة من الضعف الهيكلي في النظم الصحية والقدرات والموارد البشرية والمرافق الكافية، إضافة إلى اقتصار التجهيزات الطبية على العلاج، وعدم الاستعداد المادي لتجهيزات الوقاية. وبحسب منظمة الصحة العالمية، يتدنّى حجم الإنفاق على الرعاية الصحية إذ يبلغ متوسط الإنفاق 6.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلدان الأفريقية. وأكدت المنظمة أن أثر الأمراض السارية لا يقتصر على أنها تفرض تكاليف بشرية عالية من حيث المعاناة والموت، بل تترافق أيضاً بتكاليف مالية ثقيلة على الأسر الفقيرة. وبينما تتزايد الأمراض غير السارية لتحتل الصدارة بين أسباب المرض والوفيات في البلدان النامية، لا سيما في أفريقيا، فهي أيضاً تؤدي إلى تكاليف مرتفعة على الأفراد والاقتصادات الوطنية وهي تمثل عائقاً ملموساً للتنمية البشرية في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، بالتالي، يمثل التحول الصحي تحدياً عظيماً لأفريقيا لأنها الإقليم ذو الموارد الأقل للحلول الفعالة للعبء المزدوج من الأمراض السارية وغير السارية.
- المصاعب الأمنية: أدى الوجود المزمن للنزاعات والحروب في أفريقيا، خصوصاً جنوب الصحراء إلى تدمير البنية التحتية، وتشريد ونزوح السكان، فغابت مؤسسات الدولة والخدمات ما يجعل الوقاية واختبار التشخيص والعلاج تحدياً في أوساط الفئات السكانية النازحة وفي مناطق الانتقال الهامشي مثل الصحاري والهضاب الحدودية، وبذلك تشكل مجتمعات النازحين بيئة خصبة لتفشي الفيروس.
-الحدود المفتوحة: على الرغم من أن دولاً أفريقية عدة أغلقت حدودها وألغت رحلات الطيران وفرضت شروطاً صارمة، إلَا أنه تصعب السيطرة على كل الحدود المشتركة المفتوحة بين الدول وتحركات الرعاة. فمعظم التجمعات القائمة على الهامش هي لقبائل رعوية يصعب حصر تحركاتها أو إمدادها بالخدمات، إضافة إلى مقدرتها على إثارة القلق إن شعرت بتدخل مؤسسات الدولة أو محاولة حصرها.
- الجهل وربط الأوبئة بالخرافات واللعنات: إذ يتفشى الجهل في عدد من المناطق في أفريقيا جنوب الصحراء، ويربط كثير من القبائل الأفريقية بين الأمراض والأوبئة وبين المعتقدات الخرافية والإصابة باللعنات، ويعانى المرضى جراء تلك المفاهيم معاناة تؤدي إلى حرمانهم من الوصول إلى العناية الصحية، بالتالي تودي بحياتهم. فمثلاً يعاني مصابو مرض المُهق (albinism) في أفريقيا جنوب الصحراء من التمييز والتعذيب ويصل أحياناً إلى القتل للاستفادة من أعضائهم في أعمال السحر. ولم تفلح منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية الدولية في حماية هؤلاء المرضى أو تغيير مفهوم تلك القبائل.
خبرات متراكمة... ولكن
وعلى مدى عقود، ظلت أفريقيا في حالة تأهبٍ لظهور أمراض واختفائها وعودتها مرة أخرى، وتوقعات ظهور أمراض لم تكن معروفة من قبل. وتواجه أفريقيا بشكل خاص الأمراض المنقولة نسبة لكثافة التغير البيئي الناتج من تغير المناخ والأكثر تأثيراً في البلدان الاستوائية.
ولمواجهة هذه الأمراض، أقرّ رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي في مؤتمر قمة أبوجا الخاص المنعقد بأبوجا في يوليو (تموز) 2017 بشأن أمراض الإيدز والسل والملاريا، بالحاجة الملحة إلى إنشاء وكالة متخصصة لدعم الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي في جهودها الرامية إلى تعزيز النظم الصحية وتحسين المراقبة والاستجابة لحالات الطوارئ والوقاية من الأمراض المعدية.
وخلال هذه القمة الخاصة، طلب المؤتمر من مفوضية الاتحاد الأفريقي أن تحدد طرائق إنشاء المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها. وبناء على ذلك، أُنشئ مركز مكافحة الأمراض في أفريقيا رسمياً في 31 يناير (كانون الثاني) 2017 في أديس أبابا بإثيوبيا، بحسب خطة استراتيجية، لمدة خمس سنوات (2017-2021) ما يعني أن أزمة تفشي "كورونا" في أفريقيا تقع في نطاق عمل هذا المركز.
صحة السكان
وهناك خبرة تم بناؤها على النجاح الذي أحرزته القارة في التصدي لتفشي فيروس إيبولا غرب أفريقيا، الذي أودى بحياة أكثر من 11 ألف شخص في غرب القارة السمراء في الفترة بين عامي 2013 و2016، معظمهم في غينيا وليبيريا وسيراليون. وعلى الرغم من أنها تعكس استجابة قارية للأمراض المزعزعة للأمن الصحي، إلا أن التحديات تظل قائمة ما يعيق الجهود في التصدي لتفشي فيروس "كورونا".
كما أُنهكت الدول الأفريقية جنوب الصحراء أيضاً، بوباء الملاريا الذي تصنفه منظمة الصحة العالمية ضمن طوارئ الصحة العمومية التي قد تؤثر تأثيراً كبيراً في صحة السكان، وعلى فرص النمو الاقتصادي للبلدان. وهو مرض ناشئ من التغيرات البيئية ووجود المستنقعات الناتجة من الأمطار الكثيفة مع عدم وجود بنية تحتية حضرية للتصريف، وتزداد حدتها مع الكوارث الطبيعية في الأقاليم الموبوءة.
إن استراتيجية المكافحة للتصدي لـ "كورونا" مبنية على الخطة السالف ذكرها، وحتى يتسنّى للدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي تسريع وتيرة تنفيذ الإجراءات، التي تمّ تحديدها على المستويات العالمية والإقليمية لتنفيذها، ينبغي تفعيل الأهداف الوطنية لمكافحة الأمراض السارية استناداً إلى الوضع الحالي، إذ ربما يخفِّف ذلك من وقع الكارثة، ولكن لن يفلح في مواجهتها أو الوقاية منها.