تنفيذاً للاتفاق الموقع مع حركة "طالبان" في العاصمة القطرية الدوحة، بدأت الولايات المتحدة سحب قواتها من أفغانستان.
وأفادت وكالة "أسوشيتد برس" اليوم الاثنين 9 مارس (آذار)، نقلاً عن مسؤول أميركي قوله إن هذه الخطوة جاءت بموجب اتفاق وُقّع في فبراير (شباط) الماضي، يقضي بسحب القوات الأميركية من أفغانستان خلال 14 شهراً.
وأفاد دبلوماسيون أن الولايات المتحدة دعت، اليوم الثلاثاء، للتصويت في مجلس الأمن الدولي على مشروع قرار يؤيد اتفاقها مع طالبان.
ويأتي طلب التصويت بعد إجراء مفاوضات حول مسودة مشروع قرار متعلق بالاتفاق، وفق ما ذكر دبلوماسيون الإثنين.
لقاء ترمب السري
الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة وحركة "طالبان" شرعتا أخيراً في استئناف مباحثات سلام في قطر. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، قد علق هذه المباحثات وألغى لقاءً سرياً كان مقرراً مع عدد من قادة الحركة في البيت الأبيض في سبتمبر (أيلول) الماضي، عقب إعلان "طالبان" مسؤوليتها عن هجوم في أفغانستان أدى إلى مقتل عشرات الأشخاص من بينهم جندي أميركي.
وكانت وزارة الدفاع الأميركية قد وضعت خطط الانسحاب الأولي لقواتها من أفغانستان، لكنها رجحت ألا ينتهي العنف في البلاد، حتى بعد أن وقعت واشنطن و"طالبان" اتفاق سلام. ووكّل وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، في الثالث من مارس، قائد القوات الأميركية في أفغانستان الجنرال سكوت ميلر، باتخاذ قرار بدء الانسحاب الأولي الذي سيتم في غضون عشرة أيام.
يذكر أن الولايات المتحدة بدأت عملياتها الحربية في أفغانستان بعد شهر من هجمات سبتمبر (أيلول) 2001، حين اتهمت "القاعدة" التي كانت قيادتها موجودة في أفغانستان في ذلك الوقت بتنفيذها، وقتل أكثر من 2400 جندي أميركي في أفغانستان، حيث لا يزال هناك حوالى 12 ألف جندي أميركي.
انتكاستان للمسار السلمي
وكانت سُجلت الاثنين في أفغانستان انتكاستان للمسار السلمي، الأولى سياسية تمثلت بإقامة المتنافسَيْن على الرئاسة، أشرف غني وعبدالله عبدالله، حفلَيْ تنصيب منفصلين، أعلن خلالها كل منهما نفسه رئيساً للبلاد، أما الانتكاسة الثانية فكانت أمنية، إذ دوّى انفجاران تزامناً مع مراسم تنصيب الخصمَيْن. وذكرت مصادر إعلامية فيما بعد أن الانفجارين نتجا عن هجوم صاروخي تبناه تنظيم "داعش" على قصر الرئاسة أثناء أداء غني القسَم الرئاسي.
ونصّب رئيس السلطة التنفيذية السابق في أفغانستان عبدالله عبدالله نفسه رئيساً الاثنين، بعد دقائق على أداء أشرف غني اليمين كرئيس لولاية ثانية، ما زاد نسبة المخاوف بشأن مصير محادثات السلام المنتظرة بين الحكومة الأفغانية و"طالبان".
No one should have underestimated our commitment to genuine democracy & our resolve to uphold rule of law. Our track record of self-denial & compromise should not have given cause to anyone to take us for granted. Invalidation of all fraudulent votes is the way out! pic.twitter.com/FbEXLyljUy
— Dr. Abdullah Abdullah (@DrabdullahCE) March 9, 2020
وأظهرت لقطات تلفزيونية غني وهو يؤدي اليمين في القصر الرئاسي في كابول في مراسم حضرها عدد من الدبلوماسيين الأجانب، من بينهم المبعوث الأميركي الخاص زلماي خليل زاد. وقال غني "أقسم بالله أن أطيع وأحمي دين الإسلام المقدس، وأن أحترم وأشرف على تطبيق الدستور".
في المقابل، وعلى الرغم من إعلان فوز غني في الانتخابات التي جرت في سبتمبر (أيلول) الماضي، إلاّ أنّ عبدالله الذي شكّك في النتيجة، تعهّد خلال حفل التنصيب الذي أقامه، محاطاً بمئات من أنصاره "حماية الاستقلال والسيادة الوطنية وسلامة الأراضي" الأفغانية.
ديمقراطية هشة
وأثار الخلاف بين الرجلين مخاوف حيال الديمقراطية الهشة في أفغانستان في وقت تستعد الولايات المتحدة للانسحاب من البلاد عقب الاتفاق مع متمردي "طالبان"، وتعهّد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بإنهاء أطول حروب واشنطن.
وجرت الانتخابات الرئاسية الأفغانية في سبتمبر 2019 لكن لم يُعلن فوز غني بولاية ثانية إلاّ في فبراير الماضي، بعدما تأجّل الكشف عن النتيجة مراراً وسط اتهامات بالتزوير. وأثار ذلك رداً غاضباً من رئيس السلطة التنفيذية عبدالله عبدالله الذي تعهّد بتشكيل حكومة موازية.
وذكرت تقارير أنّ الطرفين أجريا محادثات استمرت حتى وقت متقدم الأحد في إطار محاولتهما للتوصل إلى اتفاق، لكن بحلول صباح الاثنين، لم تصدر مؤشرات إلى حل، بينما أعلن المتحدث باسم غني أنه سيؤجّل حفل تنصيبه لساعات.
كذلك، أرجأ عبدالله الحفل الخاص به حتى بعد الظهر، في حين شدّد أحد أعضاء حملته لأنصاره أنه إذا مضى غني قدماً "بحفل تنصيبه، فسنمضي قدماً بكل تأكيد بحفلنا".
واشنطن تعارض محاولة تشكيل "حكومة موازية"
وأعلنت الولايات المتّحدة الإثنين أنّها "تعارض بشدّة" محاولة تشكيل "حكومة موازية" في أفغانستان.
وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في بيان "نحن نعارض بشدّة أي إجراء لتشكيل حكومة موازية وأيّ استخدام للقوّة لحلّ الخلافات السياسية"، مشدّداً على أنّ "إعطاء الأولوية لحكومة جامعة وأفغانستان موحّدة هو أمر بالغ الأهمية لمستقبل البلاد وبخاصة لقضية السلام".
غير أنّ بومبيو رحّب في الوقت نفسه بإعلان غني وعبد الله التزامهما هدف تحقيق السلام، مؤكّداً أنّ "الولايات المتحدة تعمل على التوصّل لاتّفاق بين الطرفين".
قلق شعبي
ومن شأن الانقسامات التي تزداد حدّتها بين السياسيين الأفغان أن تقوّي شوكة المتمردين في المفاوضات المنصوص عليها. وأثار صراعهما على السلطة قلق عددٍ كبيرٍ من الأفغان بشأن مستقبل بلدهم.
وقال أحمد جاويد (22 سنة) "لا يمكن أن يكون هناك رئيسان في بلد واحد"، داعياً إيّاهما إلى "تنحية مصالحهما الشخصية جانباً والتفكير فقط في بلدهما، بدلاً من الصراع على السلطة". وأضاف أنه "بدلاً من إقامة مراسم لأداء القسم، عليهما التحدّث إلى بعضهما البعض لإيجاد حل".
ولم يُظهر الأفغان حماسةً لأي من عبدالله أو غني أو العملية الانتخابية برمّتها. وتجاهل كثيرون منهم التصويت في انتخابات العام الماضي الباهتة التي لم يطرح المرشحون خلالها الكثير من الأفكار أو المشاريع السياسية.
وتعاني البلاد من ارتفاع معدّل البطالة، إذ يواجه خريجو الجامعات على غرار جاويد صعوبات كبيرة في الحصول على وظائف، بينما يتواصل العنف باستثناء فترة الهدنة الجزئية التي استمرت لأسبوع وسبقت الاتفاق بين "طالبان" والولايات المتحدة.
وفي هجوم كان الأكثر دموية في أفغانستان منذ أسابيع، قتل مسلّحون من تنظيم "داعش" 32 شخصاً وجرحوا العشرات خلال تجمّع سياسي في كابول الجمعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هجمات طالبان
بالتوازي، كثّفت "طالبان" التي اعتبرت العملية الانتخابية "زائفة ومُدارة من الخارج" هجماتها ضد القوات الأفغانية والمدنيين. وقال المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد إن تنظيم حفلَيْ تنصيب رئاسي متوازيين يعكس أنّ "لا شيء أهم بالنسبة إلى العبيد من مصالحهم الخاصة".
ورجّح خبراء بأن يؤثر النزاع الداخلي في الحكومة التي تواجه ضغوطاً في الوقت الحالي، بعدما استُثنيت من مفاوضات السلام التي تم خلالها التوصل إلى الاتفاق بين واشنطن و"طالبان".
وينصّ الاتفاق الذي وُقّع في العاصمة القطرية الدوحة على انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان في غضون 14 شهراً، مقابل تقديم الحركة التزامات أمنية عدّة والتعهّد بعقد محادثات مع الحكومة الأفغانية.
وأفاد المحلل السياسي عطا نوري بأن السجال "سيؤثر بشدّة في موقف الحكومة في المحادثات الأفغانية الداخلية المقبلة"، مؤكداً أن "الوحدة هي الطريقة الوحيدة (للمضي قدماً)، إذا كانوا يرغبون في الفوز على طاولة المفاوضات".
وأعادت الأزمة السياسية المطوّلة إلى الأذهان انتخابات عام 2014 التي شهدت خلافات عميقة وأُعلن فيها فوز غني.
ونظّم أنصار عبدالله تظاهرات عنيفة حينها قبل أن تتدخّل الولايات المتحدة في نهاية المطاف لترعى اتفاقاً، نُصّب بموجبه غني رئيساً وعبدالله رئيساً للسلطة التنفيذية.
وحذّر عبدالله الاثنين من أنه لن يستسلم هذه المرّة وكتب في حسابه على تويتر "على تاريخنا في إنكار الذات والتنازل ألاّ يعطي مبررات لأيّ كان لاعتبار ذلك من المسلّمات".
وزاد تجدّد السجالات بين الطرفين درجة إحباط المواطنين الأفغان. فقال نعمان فورمولي (24 سنة)، وهو من سكان العاصمة كابول، "يقدّمون تعهّدات خلال الحملة لكنّهم لا يطبّقون ما وعدوا به". وأضاف "تعهّدوا بإرساء الأمن، وفشلوا. تعهّدوا بتوفير وظائف في البلاد، وفشلوا... مللنا منهم".