أثبتت السياسات المتعلقة بالهجرة أنها سيف ذو حدين للمحافظين خلال السنوات الأخيرة، إذ أدى خطاب حزب المحافظين المتشدد في عدائه للمهاجرين إلى فوزه بمزيد من الأصوات أحياناً، فهو قد تسبب أيضاً في أحيان أخرى بنفور مجموعات من الناخبين، وإزعاج شخصيات قيادية في قطاعات الأعمال، كما أوقع الحزب في اضطرابات وحيرة كان في غنى عنها.
وكان ديفيد كاميرون قد وعد بإبقاء عدد المهاجرين في حدود "عشرات الآلاف" خلال سنوات حكومته الائتلافية مع حزب الديمقراطيين الأحرار، إذ تشدد في خطابه حيال المهاجرين بهدف كبح رواج "حزب استقلال المملكة المتحدة" المناهض لهم الذي كان يتزعمه نايجل فاراج.
بيد أن هذا الهدف، الذي لم يتحقق أبداً، بات بمثابة حجر الرحى الذي أخذ يطحن حزب المحافظين. فعلى الرغم من وعود الحكومة، وصل عدد المهاجرين الصافي في شهر مارس (آذار) 2015، إلى 330 ألف مهاجر.
ولم تكن تيريزا ماي في وضع أفضل من سلفها، فالسيدة التي وصلت إلى القمة من وزارة الداخلية حيث اتخذت الموقف الأكثر تشدداً تجاه الهجرة بين أعضاء مجلس الوزراء، تشبثت بعناد بتأييدها لوعد كاميرون الآنف الذكر عندما أصبحت رئيسة للحكومة البريطانية عام 2016. لكن، فيما كانت ولايتها تقترب من نهايتها بدا واضحاً أن رئيسة الوزراء السابقة كانت معزولة في دعمها لهدف إبقاء عدد المهاجرين دون العتبة التي ذكرها كاميرون.
وافترضت ماي أن الناخبين المؤيدين للخروج من الاتحاد الأوروبي كانوا يريدون موقفاً متشدداً تجاه الهجرة، لذلك شملت خطوطها الحمراء إنهاء حرية التنقل، وبالتالي نسف أي آمال لدى المملكة المتحدة بإبقاء أبواب السوق الأوروبية الموحدة مفتوحة أمامها.
قد ترضي التصريحات المتصلبة حول الهجرة بعض الناخبين، غير أنها تقلق قطاع الأعمال والخدمات العامة مثل "خدمة الصحة الوطنية" التي تعتمد كثيراً على كوادر قادمة من دول الاتحاد الأوروبي.
وكان لإصرار ماي على ترسيخ سياسة "البيئة المعادية" للمهاجرين غير الشرعيين آثار سلبية كبيرة، نتج عنها خلاف حاد حول معاملة أبناء "جيل ويندراش"، وهم أولئك المهاجرون القادمون من دول حوض البحر الكاريبي بين عامي 1948 و1970.
والآن، يستعد بوريس جونسون، بعد وصوله إلى سدة الحكم، لخوض معاركه حول الهجرة.
واشتملت تعهداته الانتخابية الأساسية على اتباع نظام يقوم على النقاط شبيه بذاك المطبق في أستراليا، حين تخرج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، واستمرار الالتزام بفكرة أن بريكست هي نداء لإعادة التحكم بحدود بريطانيا.
لكن الخطط لتنفيذ نظام كهذا، يستند إلى عوامل مثل السن، والمؤهلات والتحصيل الدراسي السابق في المملكة المتحدة، قد تعرض للانتقاد من قبل مستشاري الحكومة المستقلين أنفسهم.
فالبروفسور ألان مانينغ، رئيس "هيئة الهجرة الاستشارية"، مثلاً وصف وعود جونسون بأنها مجرد "عبارات طنانة"، وحثه على عدم تكرار "أخطاء" المحاولات السابقة لفرض نظام النقاط بشكل أوسع.
ودعمت لجنة الخبراء المستقلين أيضا تطبيق حد أدنى للأجور للقادمين الجدد هو 25 ألف جنيه إسترليني في السنة، وهذا أقل بخمسة آلاف جنيه استرليني سنوياً من الحد الأدنى المقترح أيام حكومة ماي.
إلا أن ذلك لن يرضي أرباب العمل الذين يسعون إلى الحصول على كوادر ماهرة بأجور أقل، مثل العاملين في مجال الرعاية وتقنيي المختبرات. فقطاع الرعاية الاجتماعية الذي يعاني حالياً ضغطاً شديداً سيتضرر كثيراً من ذلك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لذلك فإن خلافاً حول الهجرة يتهدد جونسون على الرغم من فوزه بأغلبية 80 مقعداً في مجلس العموم، إذ إن تطبيق الوعود الانتخابية الجذابة يمكن أن يكون صعباً، وينبغي على رئيس الوزراء أن يتوخى الحذر من اقتفاء خطى تيريزا ماي بالتشبث بأهداف لا يمكنه أن يحققها.
في هذه الأثناء، يمضي الوقت بسرعة خلال فترة بريكست الانتقالية التي ستنتهي أواخر ديسمبر (كانون الأول) المقبل، فتصبح حرية التنقل إلى بريطانيا بحكم الملغاة بالنسبة لمواطني الاتحاد الأوروبي، ومن الضروري أن يكون هناك نظام جديد جاهز للتطبيق في ذلك الوقت.
© The Independent