Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الانتقال السياسي في السودان مهدد... وتباعد الأحزاب يعقد المشهد

جهات تدعو إلى انتخابات مبكرة باعتبار أن الحكومة فشلت في حل المشكلات الأساسية خصوصاً الاقتصادية منها

تظاهرة في وسط الخرطوم عاصمة السودان تطالب بإعادة الجنود الذين أُجبروا على التقاعد بعد أن أعربوا عن دعمهم لثورة العام الماضي (أ.ف.ب)

بات الوضع في السودان ينذر بمخاطر جمة نتيجة استفحال الوضع الاقتصادي وتأزمه لدرجة فاقت التصور، فضلاً عن تباعد المواقف السياسية داخل قوى "الحرية والتغيير" التي تمثل الحاضن السياسي للحكومة الانتقالية، وكذلك حالة الاستقطاب الحاد بين مكونات المجتمع السوداني، ما وسع من دائرة الخصومة السياسية في مجتمع متعدد الأعراق والثقافات. وهو ما اعتبره مراقبون بأنه يمثل تهديداً وعقبة للانتقال السياسي السلمي، ما دفع بأطراف سياسية إلى الدعوة لانتخابات مبكرة، متعلّلة بفشل الحكومة الانتقالية في حل المشكلات الرئيسة خصوصاً الاقتصادية، والتأخير في تحقيق السلام مع الحركات المسلحة، بينما انطلقت دعوات من قوى سياسية أخرى لإقامة مصالحة وطنية وتوسيع المشاركة في الحكم الانتقالي لتجاوز العقبات التي تعترض استقرار البلاد.

عدم انسجام

وأوضح الباحث في الشؤون السياسية في السودان معتصم عبدالرحمن، في استعراضه لما يجري في الساحة السودانية وما يعترض البلاد من عقبات قد تهدد استقراره، قائلاً "في نظري أن المشكلة التي تهدد الانتقال السياسي في السودان لها أبعاد سياسية واقتصادية عدة وأخرى اجتماعية مرتبطة بسلوك الفرد السوداني، وفي ما يختص بالمسألة السياسية لا يزال هناك تنافر وعدم انسجام داخل مكونات قوى الحرية والتغيير الحاضن الرئيسي للحكومة الانتقالية، وهو ما أثّر في أداء الحكومة وعدم حسم كثير من القضايا العالقة والمهمة في الوثيقة الدستورية، كتشكيل المجلس التشريعي المناط به إجازة التشريعات والقوانين ومراقبة أداء الحكومة، والذي كان مقرراً تشكيله بعد ثلاثة أشهر من إعلان الحكومة الانتقالية التي تشكلت في سبتمبر (أيلول) 2019، ما أحدث فراغاً مهما يصعب تداركه. وكذلك الحال بالنسبة لعدم تعيين ولاة الأقاليم من المدنيين حتى الآن، ما أدى إلى اجتهادات فردية واستفحال المشكلات في أقاليم عدة، فضلاً عن عدم التوصل إلى السلام مع الحركات المسلحة المحدد له، وفقاً للوثيقة الدستورية قبل ستة أشهر من عمر الحكومة، إضافة إلى بطء الحكومة في اتخاذ القرارات والتشريعات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"أما المسألة الاقتصادية فهي مربط الفرس، فالوضع الاقتصادي الآن في أسوأ حالاته، إذ تحاصر البلاد أزمات مستفحلة، خصوصاً في السلع الاستراتيجية كالوقود والخبز والغاز، فضلاً عن الارتفاع الجنوني للأسعار بمستويات قياسية، إلى جانب تدني قيمة الجنيه السوداني أمام الدولار، الذي قفز إلى أكثر من 120 جنيهاً للدولار الواحد، أي بمعدل زيادة 100 في المئة خلال الأشهر الستة الماضية، ما يعني فشل البرنامج الإسعافي للحكومة الانتقالية ومواصلتها في سياسة الدعم في ظل شح مواردها من النقد الأجنبي. وهو أمر زاد من سخط الشارع السوداني الذي كان أكثر تفاؤلاً بهذه الفترة التي أعقبت الثورة الشعبية ضد النظام السابق"، بحسب عبد الرحمن.

وتابع "أما في ما يتصل بالمسألة الاجتماعية، فهناك كثير من السلوكيات والمفاهيم الخاطئة التي أصبحت سمة في المجتمع، وهي كثرة الوقفات الاحتجاجية والمسيرات المطلبية، وجميعها تشكل عامل ضغط على الحكومة، إلى جانب تحريك النعرات القبلية والعنصرية تجاه البعض، فضلاً عما يُثار من مشاحنات وملاسنات على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يسبب شعوراً سلبياً يقود إلى تفشي الفوضى".

جيوش كثيرة

من جهته، يبدي الناشط السياسي عماد الدين السيد تخوفه من ضياع الديمقراطية والدخول في أتون المعادلات الصعبة، التي قد تقود البلاد إلى نفق مظلم وعدم استقرار، مرجعاً السبب إلى عوامل كثيرة من أهمها ما خلّفه النظام السابق من أزمات اقتصادية زادت تعقيداً الآن بشكل مخيف، خصوصاً أن الاقتصاد السوداني لا يزال يتراجع بمعدلات قياسية وتشهد العملة المحلية فقداناً مستمراً لقيمتها، مع أزمات معيشية طاحنة تفوق أحياناً التي كانت في العهد السابق، إلى جانب ما أنشأه هذا النظام من جيوش عدة موازية للقوات السودانية المسلحة مثل قوات الدفاع الشعبي، والدعم السريع وغيرها من المجموعات التي لعبت دوراً في تأزيم أوضاع البلاد. مضيفاً أن الخطر الحقيقي الذي يعاني منه السودان ويهدد انتقاله إلى نظام ديمقراطي سلمي، لا يتمثل فقط في الثورة المضادة ولا في المكون العسكري شريك القوى السياسية المدنية التي تمثل الثورة الشعبية، لكنه يأتي من الحكومة الانتقالية نفسها كونها تتألف من أحزاب سياسية غابت عن إرادة الدولة لفترة 30 سنة، فضلاً عن اختلافاتهم الفكرية والأيديولوجية ما جعل كل مكون سياسي يتبنى وجهة نظر مختلفة عن الآخر. فهناك من يتحدث عن ضعف الأداء الحكومي والدعوة لإجراء تعديل وزاري يشمل غالبية الوزارات السيادية مثل المالية والخارجية والتجارة والصناعة، وهناك من يدعو لقيام انتخابات مبكرة لفشل الحكومة في تسيير دولاب الدولة وحل المشكلات الرئيسة.

منوهاً أيضاً إلى أن الوعود التي أطلقتها الحكومة ممثلة في رئيس وزرائها عبدالله حمدوك، في بداية استلام مهامها، بسعيها لتحسين الوضع المعيشي والاقتصادي في أقرب وقت ممكن، وتحقيق السلام في أقل من ستة أشهر، أحبطت الكثيرين وجعلتهم أكثر تشاؤماً للمستقبل وهو ما يقود إلى سيناريوهات قد تعصف بالديمقراطية برمتها. إضافة إلى ذلك نجد أن الحكومة الانتقالية وسّعت من دائرة الخصومة السياسية بما يقلل من أرضية الوحدة الوطنية في بلد متعدد مثل السودان. لكنه استبعد أي سيناريو يحوّل البلاد إلى ساحة صراع إقليمي أو حرب أهلية، لأن الشعب السوداني غير ميال بطبعه إلى العنف، فضلاً عن تماسكه الوجداني والروحي.

هياكل الانتقال

وتجدر الإشارة إلى أن الفترة الانتقالية في السودان المحددة بـ 39 شهراً بموجب الوثيقة الدستورية، جرى حصر مهامها في 16 مهمة تبدأ من العمل على إنهاء الحروب وتحقيق السلام خلال فترة الستة أشهر الأولى، مروراً بمعالجة الأزمة الاقتصادية وتفكيك بنية النظام الساقط ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت خلال الأعوام الـ30 الماضية، سواء كانت جرائم حرب أو قتل أو تعذيب أو نهب أو فساد، والعمل على تسوية أوضاع المفصولين تعسفياً والإصلاح القانوني وإنشاء آليات الأعداد لوضع الدستور الدائم، وانتهاء بتعزيز دور المرأة والشباب وتوسيع فرصهم في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وتضم هياكل السلطة خلال هذه الفترة الانتقالية ثلاثة مجالس، هي مجلس الوزراء والمجلس التشريعي ومجلس السيادة، الذي يتألف من 11 عضواً من بينهم ستة مدنيين وخمسة عسكريين. ويرأسه حالياً عبد الفتاح البرهان للأشهر الـ 21 الأولى، بينما سيحكمه في فترة الـ 18 شهراً المتبقية أحد المدنيين سيجري تعيينه لاحقاً.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي