Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجزائر راغبة في مراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي

تسعى الحكومة الجزائرية إلى الدخول في تكتلات اقتصادية وسياسية جديدة

تجلى خصام الجزائر مع الاتحاد الأوروبي خلال محطة الانتخابات الرئاسية الأخيرة (مواقع التواصل)

تسعى السلطات الجزائرية إلى إيجاد منفذ قانوني يمكّنها من مراجعة أجزاء كبيرة من اتفاق الشراكة الذي يجمعها بالاتحاد الأوروبي بسبب "عدم تكافؤه". وعمّق تعامل المجموعة الأوروبية مع الحراك الشعبي على مدار العام الماضي، رغبة الجزائر في التخلص من تبعات لجان مشتركة مع الأوروبيين بما تتضمنه من توصيات مدرجة تحت بند "الحريات الأساسية" تخصّ المرأة ووضع المجتمع المدني.

واندفع وزير التجارة الجزائري كمال رزيق مباشرة بعد تسلمه منصبه، نحو انتقاد صريح لاتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي القائم منذ عام 2005 في سياق "عملية غربلة" تريد الجزائر الخوض فيها مع عدد من التكتلات الاقتصادية والسياسية. ونقل رزيق مسؤولية أي تغيير متوقع في صيغة الاتفاق الأولي مع الاتحاد الأوروبي إلى "استشارات موسعة مع المتعاملين الاقتصاديين والخبراء لتقييم الاتفاق".

وتأتي تصريحات وزير التجارة في أول حكومة شكّلها الرئيس عبد المجيد تبون، بعد محاولات عدة للجزائر لفرض منطق مغاير في التعامل مع القارة العجوز تزامناً مع تراجع مداخيل الخزينة العامة، لكنّ حسابات سياسية داخلية جعلت من موقف الجزائر أضعف من أن تجهر رسمياً في اللقاءات الدورية الثنائية.

تركة بوتفليقة

جعل الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة بلاده "رهينة" في مزاد المواقف الدولية، بحثاً عن دعم أجنبي منذ تحريره للمادة التي تقيّد فترة حكم الرئيس في دستور البلاد، فاتحاً المجال أمام "الحكم مدى الحياة" في تعديل عام 2008 الدستوري. وكان بوتفليقة "مهووساً" بخطاب أوروبي أو أميركي يشيد بـ"الديمقراطية" في الجزائر حتى في فترة اعتلال صحته بشكل أبعده نهائياً عن ممارسة الحكم منذ عام 2013.
وغلب على اتفاق الشراكة الجزائري - الأوروبي الموقع عام 2002 ودخل حيز التنفيذ عام 2005، الطابع السياسي، وكان الهدف منه وقف القطيعة المفروضة على الجزائر خلال سنوات "العشرية السوداء" (في تسعينيات القرن الـ20). لذلك، لم يحرص الجانب الجزائري على البنود الاقتصادية، لكنه وجد نفسه بعد سنوات في مأزق بسبب الأزمة المالية التي عصفت بالبلاد، ما يفسر عدم الالتزام الحرفي ببنود الاتفاق.
ويقول الصحافي المتخصص في الشأن الاقتصادي سفيان سلاوي إن "تبعية الجزائر للسلع الأوروبية حقيقة اقتصادية تكرّسها أرقام المبادلات التجارية، فالاتحاد الأوروبي هو المموّن الأول للسوق الجزائرية"، كل ذلك يجعل "رغبة الجزائر في إقرار أي تعديل على الاتفاق أمراً صعباً". هذا من جهة، أما من جهة ثانية، فإنّ السلطات الجزائرية وقّعت الاتفاق ولم يكن بمقدورها الانسحاب منه، و"لجأت مراراً إلى طلب التأجيل في ما يتعلق ببنود التفكيك الجمركي، إذ استنفذت حلول التأجيل لمرتين، الأولى عام 2012، والثانية عام 2017 وتنتهي عام 2021 بداعي حماية المنتج المحلي الذي لا يملك صفة تنافسية مع ما تورّده أوروبا".


رفض حضور مراقبين أوروبيين

من جهة أخرى، تجلّى خصام الجزائر مع الاتحاد الأوروبي خلال محطة الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حين رفضت دعوة مراقبين أوروبيين كما درجت العادة في السنوات العشر الأخيرة، إذ راقب الأوروبيون الانتخابات الرئاسية لعام 2014 وقبلها راقبوا الانتخابات التشريعية لعام 2012 وتلك التي جرت عام 2017، لكن التقارير التي أعدوها لاحقاً لم تثر ملاحظات تتعلق بـ"نزاهة العملية الانتخابية"، مكتفين باقتراحات تقنية، أبرزها تسليم المرشحين سجلات عن قوائم الناخبين قبل بدء العملية الانتخابية.
في الحقيقة، لم يكن ذلك "الخصام" سوى ترجمة لغضب رسمي سجلته السلطات الفعلية في الجزائر خلال فترة الحراك الشعبي، إذ تحمّل السلطات، الاتحاد الأوروبي مسؤولية "ممارسات" كانت تشير إليها سابقاً في خطب رسمية، تنتقد "دور عملاء الداخل والخارج".
ولا تبدي الجزائر أي إعجاب بخمسة محاور تتعلّق بالشق السياسي ضمن اتفاق الشراكة، وهي الإصلاحات في مجال الحوكمة والديمقراطية القائمة على المشاركة وتعزيز حقوق الإنسان وتعزيز دور المرأة في المجتمع وتحديث الأنظمة القضائية والإدارية وتشجيع المجتمع المدني.

عام 2012، أعدّت الجزائر قانوناً لـ"ترقية مشاركة المرأة في الحياة السياسية" وأقرّت بموجبه "حصة ثابتة" للنساء في المجالس المنتخبة، وعلى الرغم مما حظيت به من "إشادة" أوروبية حول هذا الملف، إلاّ أنّه يثير خلافات داخلية بين أنصار "حرية المرأة" وخصومهم، فالطرف الأول ينتقد حصر "الحصة" النسائية بثلاثين في المئة فقط، فيما يشير الطرف الثاني إلى أن القانون "يمنح المرأة مكانة إجبارية على حساب الكفاءة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


"تلميذ غير نجيب"

على الجهة المقابلة، ظل الاتحاد الأوروبي يصف الجزائر بـ"التلميذ غير النجيب" في مجال التعاون الثنائي في قضايا سياسية، فالجزائر تحفظت على محاور "سياسة الجوار الأوروبية" المرفَقة باتفاق الشراكة الاقتصادي، لكنها لم تكن قادرة على إعلان رفضها مباشرةً، حفاظاً على الترابط ما بين السياسي والاقتصادي.
ويتوقع سفير الاتحاد الأوروبي لدى الجزائر جون أورورك، في كلمة سُلّمت إلى صحافيين قبل 10 أيام، أن تشهد العلاقات مع الجزائر انفتاحاً أكبر في المستقبل. وأضاف أنه "بعد عودة المياه إلى مجاريها في الجزائر (أي بعد الانتخابات الرئاسية)، عاد الاتحاد إلى تقاليده الراسخة في التبادل المنفتح والبنّاء، حول مسائل الساعة واتفاق الشراكة المبرم عام 2002".
ويرى الدبلوماسي السابق في بعثة الجزائر في بروكسل عبد الحميد بلباقي أن "حواجز سياسية لطالما أفقدت البلاد فعاليتها أمام الكتلة الأوروبية، إذ لحقت الجزائر بالاتفاق مع بروكسل منفردةً وفي ظروف عزلة دولية كبيرة، لا سيما من أوروبا، انعكست سلباً على تسليح الجيش الجزائري في معركته ضد الإرهاب خلال سنوات التسعينات".
ويضيف بلباقي أن "الجزائر تعمل حالياً على الدخول في تكتلات اقتصادية وسياسية جديدة. هناك حيوية دبلوماسية ملحوظة، وآخرها زيارة رئيس الجمهورية إلى السعودية اليوم (26 فبراير). في الوقت ذاته، تنفتح الجزائر أكثر على الصين. أما أوروبياً، فتختار ألمانيا". ويختم أنه "للتعاطي بمنطق قوة مع الاتحاد الأوروبي، يجب تحضير قاعدة دبلوماسية بديلة ومتنوعة تنهي الارتباط الرأسي وتقود إلى ارتباط بمعادلة رابح - رابح".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي