Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مثقفون سعوديون... وقائع حب معلن

الأحكام المسبقة عن المملكة مجرد كليشيهات كلاسيكية

مدينة الرياض (غيتي)

لو استعرنا رواية غابرييل غارسيا ماركيز "وقائع موت معلن"، لكي نعيد قراءتها وفق المزاج السعودي هذه الأيام، وخصوصا في يوم الحب، لأمكن منحها عنوانا جديدا بتفاصيل مختلفة، فتصبح عن سابق تصور وتصميم: "وقائع حب معلن".

نعم، وبكل أريحية يمكن القول، أن السعوديين، بنخبهم وعامتهم، معنيون بالحب كما بقية شعوب الأرض. ففي هذه الأرض الواسعة الأرجاء متسع لخفقات القلوب، ومدى حيوي للتعبير عن المشاعر الطيبة والمخلصة، وخطاب متصاعد ومتجدد ضد كل أنواع الكراهية وبواعثها. 

في البلاد الخارجة من وعلى مختلف الأحكام المسبقة، أصبحت المحددات الكلاسيكية مجرد كليشيهات عفا عنها الزمن. فالمجتمع السعودي يتميز بحيوية ظاهرة، وبتفاعل نشط مع الذات والآخر. وعندما يحتفل السعوديون بيوم الحب هذا العام، وتعمر أسواقهم ومجمعاتهم بمنتجات تحكي عن المناسبة، وبورود حمراء، فإنهم يؤكدون مثل غيرهم، أو قبل غيرهم، أن الحب هو في الأصل والأساس قيمة إنسانية، أو هو القيمة التي نشأت عليها الإنسانية قبل أن تشوهها نزعات الشر والحقد والاستئثار والغلبة.

يتبادل السعوديون، في هذا اليوم، كما يفعل غيرهم، الهدايا المعبرة، والمشاعر الطيبة، فالحب ليس لفظًا يمكن تداوله فحسب، بل هو خلق للأرواح من العدم، وشراع القلوب الصادقة، واحتواء لكل ما في الكون من جمال. وما دخل الحب قلب إلا حوله من حال إلى حال، والعالم المتناسق والمتكامل في كل شيء، قائم على الحب والمودة والرحمة، وإذا ما اختل هذا الركن الأساسي أضحينا ذرات متناثرة لا قيمة لأجسادنا مهما كانت قوية، والمحب دوما في حاجة ملحة إلى أن يراجع ويراقب مشاعره وخلجات قلبه.

ربما ينقص المجتمعات الشرقية والغربية على حد سواء ثقافة الحب التي تبدأ من التربية والتنشئة في الصغر، فهي ليست عيبا، أو أنها تليق بالراشدين فقط، فمفهوم الحب هو اتقان ومصداقية ومسؤولية، وهو ما خرجت به "اندبندنت عربية" لدى سؤالها مثقفين سعوديين عن موقفهم من هذا اليوم الاستثنائي بين أيام السنة، وعن مشاعرهم مع نصفهم الحلو وعلاقات الحب الأولى والكشف عن أسرار ذكرياتهم مع شركائهم. فكان منهم من يرى أن اظهار الحب للعلن يعد اعترافا بقيمته وعرفانا بجميله وتكريما لحسن العشرة فاختاروا نثر مشاعرهم، بينما رفع آخرون  شعار "استعينوا على بقاء ذكريات حبكم بالكتمان" فبرأيهم أن الإفراط في سرد حياتهم العاطفية وذكريات ملكت فؤادهم علانية ينتهك خصوصيتهم ويعرضهم للحرج.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

تركي الحمد: لخولة أطلال...

الكاتب والمحلل السياسي الدكتور. تركي الحمد رسم بكلماته عن الحب الأول في حياته صورة أبدية لهذه العاطفة النبيلة وأفصح عنه بقوله "لم يكن حبا بالمعنى الدقيق للكلمة، فقد كنت دون العشرين سنا، بل كان نوع من الرومانسية الحالمة، متأثر بأمراء الطرب آنذاك: عبد الحليم وعبد الوهاب وفريد، ولكنه في لحظتها كان حبا جارفا استهلك كل المشاعر والأحاسيس، ثم استهلكتنا الحياة في دوامتها التي لا تهدأ، ولم يبق من ذلك العبد البعيد إلا ذكرى باهتة، أو كما يصفه طرفة بن العبد في معلقته: لخولة أطلال ببرقة ثهمد.. تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد".

ويؤكد أن "الحب في هذه الحياة لا يموت، فهو كالربيع قادم لا محالة، وإن اختفت الأزهار في هذه الفترة أو تلك، قد نعيش فترات من الكراهية والتعصب" وتفصح كلمات الحمد عما تختزنه ذاكرته من قوة في الحب الذي يعطي بسخاء لينتصر كعاطفة أبدية، فيضيف "الحب ينتصر في النهاية، فالحب فطرة وغيره من مشاعر سوداء عارض من العوارض لا يلبث أن يزول. قد لا يكون قوة فاعلة في هذا الزمان، ولكنه يبقى قوة فاعلة على مر الأزمان، فهو ترياق الحياة وجوهر وجودها، وستعود الأزهار للتبرعم من جديد بإرادة الحياة، وهي الإرادة التي تتغذى بالحب".

جاسم الصحيح: البحث عن نار جديدة

وفي قصص المحبين كان الشاعر نزار قباني سيدا ومرشدا لهم، فيقف معهم على درب الحبيبةويتلو من أجلهم قصيد العشق العفيف، ولذلك لم يبتعد الشاعر السعودي جاسم الصحيح كثيرا عما روته كتب الشعر ومشاعر العرب في الحب وصنف الحب في حديثه معنا بأنه "طاقة إنسانية عالية، والطاقة لا تموت ولكنها تتحول من شكل إلى آخر. لذلك، أستطيع أن أقول أنّ ما تبقَّى من الحبِّ هو كلُّ الحبّ، ولكنْ لم يعدْ في شكلِ نار ولهب، وإنَّما في شكلِ ذكريات وقصائد وخواطر... أي في شكل رماد" وأضاف "وهذا الشكل الرماديّ الجديد يدفع القلب للبحث عن حبّ جديد أو نارٍ جديدة كي تستمرَّ الحياة التي لا يمكن لها أن تستمرَّ إلا بالحبّ في أجمل تجلياته الإنسانية، القلب موقدٌ للمشاعر، وإذا بقيَ مسكونا بالرماد، لم تستطع المشاعر أن تتدفأ في شتاء هذا العالم القارس، وقد تفقد حميميَّتَها في علاقتِها بالأشياء والناس من حولها، فتتبلَّد وتتجمَّد وتخسر ذاتها والهدف الذي خلقها الله من أجله". وعن مدى قدرة ثقافة الحب على مواجهة منظومة الكراهية والتعصب يضيف الشاعر "الحبَّ يتضاعف تأثيرُهُ في ظلال الكراهية والتعصب، فهو المخرج الوحيد منهما إلى عالم جميل. الحبُّ عابرٌ للأديان والأزمان والأعراق والتكوينات الإثنيَّة العرقيَّة... إنُّه احتفاليةُ الحياة بالإنسان، والإنسان فقط، كما أن الحبُّ هو المخلِّص الحقيقي من الأغلال التي تعتقل البشرية، وهو البلسم الشافي الذي يمكن أن يطبٌّب جراحها، وهو الترياق الذي تحتاجه كي تتخلَّص من سموم الكراهية".

حليمة مظفر: الخروج من وهم الصحوة

وعند المرأة تحديدا يستعصي الحديث عن العلاقات الإنسانية والتساؤلات التي تؤطر الحب إذ لم يتدرب مجتمعنا على ممارسة الصراحة ولم يملك الجرأة على قولها، لكن الأديبة والكاتبة السعودية حليمة مظفر قابلت تساؤلاتنا بابتسامة استحضرت فيها ذكريات حبها الأول العجيب كما نعتته في حديثها "كان حبا بريئا في بداية المراهقة التي تتفتح فيها المشاعر كزهرة للحياة، وفي ظل بيئة شديدة المحافظة كان أمامي المطرب الراحل عبد الحليم حافظ الذي أحببته من أفلامه الأبيض والأسود خاصة فيلم "الوسادة الخالية"، وأضافت "لا أتذكر كم مرة شاهدته لفرط إعجابي به، ولم أكن أعلم أنه ميت من الأساس حينها، وأعتقد أني وجدت فيه أنموذج حينها لشخصية الرجل التي تجتذبني، وحتما لم يتبق من هكذا حب سوى ابتسامة على سذاجة التفكير وبراءة العواطف التي ساعدت على نضج المشاعر خلال مشوار الحياة".

تنتقل مظفر بعدها لاستعراض تركيب علاقة الحب والأسباب التي تصل بالفرد ليجد نفسه في علاقة حب بقولها "لا يمكننا من الأساس أن نعيش دون حب، وإلا سنتحول إلى مكائن بشريّة ويصبح عالمنا ميكانيكي ولن نشعر بما يميزنا عن عالم الحيوان؛ لقد فًطر الإنسان على الحب وهو وحده ما يشعرنا باللذة في إنسانيتنا، وعن نفسي وكثيرين مثلي في مجتمعنا متأكدة تماما بأننا لا نعيش دون حب ولن نستطيع؛ ولكن الحب كما تصفه إيفا بيرون: "كالحرب من السهل جدا أن تُشعلها، ومن الصعب أن تخمدها" وهو بين الرجل والمرأة حالة كيميائية خاصة جدا، لدرجة جعلت شكسبير يجد: "الحبّ أعمى؛ والمُحبون لا يرون الحماقة التي يقترفونها".

وتابعت، "سأكون صريحة لا شك أن السنوات التي عشناها كسعوديين في غيبوبة "الصحوة" شوهت الكثير من عواطفنا بظنون وخرافات صحويه، وكان "الحب" ضحية اختطفته من قلوب الكثيرين نتيجة أوهام وهلاوس صحويه، فكم من شاب أحب فتاة ورأى فيها أحلامه ثم طوى صفحتها حين قرر الزواج، ليتزوج من تختارها أمه، فقط لأجل "وهم صحوي" تغذى عليه هو: “كما عرفتك ستعرف غيرك!!" أليس كذلك؟! ما جعل كثيرين ينظرون إلى الزواج كعلاقة ميكانيكية، هدفه "سرير" و"إنجاب" وحياة "تمشي بالبركة"!! و"ديكور اجتماعي" لا صداقة ولا متعة!! لكني أعتقد أنه مهما تمت محاولة تلويث "الحبّ" بالتعصب والاحتقان الصحوي والماديات التي حولته إلى "سلعة" تباع وتشترى!! أو بـ"التقنيّة" التي جعلته وجبة سريعة كـ"تغريدة" انفعالية؛ إلا أن هناك قصص ناجحة جديّة في حياتنا؛ لمن أدركوا أن "الحب" فرصة تقدمها لهم الحياة ولن تتكرر، كي يصبحوا أفضل وأجمل وأسعد".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات