Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أمّهات موريتانيات يكسرن الصمت بشأن أطفالهن المصابين بالتوحد

تقول إحدى الأمهات "في موريتانيا لا أحد يفهم كنه هذا المرض. البعض يعتقد أنه مسّ من الشيطان، وآخرون يعتقدون أنه نتيجة إصابة بالعين أو حسد. أهالي الأطفال وحدهم يعرفون ماذا يعني أن يكون ابنك مصاباً بالتوحد"

أطفال مصابون بالتوحد في مركز "التكوين والترقية الاجتماعية للأطفال ذوي الإعاقة" (إندبندنت عربية)

تجلس مينه بنت بانمو، وهي أمّ لطفل مصاب بالتوحد، في مكتبها، في مقر الجمعية التي تترأسها، في العاصمة الموريتانية نواكشوط، منتظرةً الاجتماع الأسبوعي للمنتسبات في الجمعية، لتقويم حصاد أسبوع شاق من العمل التطوعي.

أُسست جمعية "متّحدون من أجلهم"، نهاية العام 2018، لكن مسيرتها التوعوية سبقت التأسيس بسنوات. فحين تعرفت الأمهات بعضهن إلى بعض، تقاربن بسبب المرض الغامض على المجتمع الموريتاني، الذي أصاب أبناءهن.

تقول بنت بانمو "لاحظت ضعفاً في التواصل عند ابني، وذلك قبل أن ينهي عامه الثاني. طرقت جميع الأبواب، لكن الأطباء عجزوا عن تشخيص مرضه. سافرت إلى المغرب، وهناك أخبرني طبيب أن ما يعانيه صغيري هو مرض يُسمى التوحد. شعرت برهبة، فاسم المرض لا يوحي الاطمئنان، وقررت أن أتستر على المسألة، وبقيت في المغرب لمعالجته".

تضيف بنت بانمو أنها، في انتظار انتهاء جلسات العلاج الطويلة، "سجلت ابني في مركز مخصص للأطفال المصابين بالتوحد. هناك لاحظت وجود العشرات من الأمهات الموريتانيات، اللواتي هربن إلى المغرب بأبنائهن من وصمة العار التي تلاحق الأسر التي لديها أبناء مصابون بهذا المرض".

وتشير إلى أن النساء قررن إنشاء مجموعة على تطبيق "واتسآب"، باسم "العيادة النفسية"، "كنا نبوح فيها بمعاناتنا ونواسي بعضنا بعضاً. وقد تزايد عدد المشاركات في المجموعة، حتى بلغ نحو 130". تحولت دردشة الأمهات إلى ترياق نفسي دائم، واستطعن استعادة ثقتهن بأنفسهن.

وبعد ثلاثة أشهر من مناقشة مآسيهن في السر، قررن أن يُظهرن مشكلتهن إلى العلن، فعدن إلى نواكشوط، وأسسن جمعية "متحدون من أجلهم".

اعتراف رسمي متأخر

لم تعرف موريتانيا قبل نهاية العام الماضي وجود مركز متخصص للأطفال المصابين بالتوحد. لكن، اليوم، في العاصمة ثلاثة مراكز، أقدمها يتبع إلى جمعية "متحدون من أجلهم"، ثم تبعه في الظهور مركز جمعية "أطفال التوحد". وكان آخر مركز أنشئ هو مركز "التكوين والترقية الاجتماعية للأطفال ذوي الإعاقة" التابع للدولة.

كان هذا المركز بمنزلة اعتراف رسمي بوجود مشكلة تعانيها مئات الأسر الموريتانية. يرى الدكتور سيدي ولد بياه، المستشار الإعلامي في وزارة الشؤون الاجتماعية الموريتانية، أن "العقد الماضي شكل قفزة نوعية في مجال التعاطي مع قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة، من ناحية الدعم والمؤازرة والإنصاف والتكوين والتعليم والتشغيل".

أرقام لا تعكس الواقع

لا توجد أرقام رسمية تحدد عدد الأطفال المصابين بالتوحد في موريتانيا، وفق ولد بياه. وهو يرد ذلك إلى تكتم بعض الأهالي على وجود أطفال لديهم مصابين بالتوحد.

إلا أن مريم منت الداه، رئيسة جمعية "أطفال التوحد"، تُقدر أعداد الأطفال المصابين بالتوحد في موريتانيا بـ3700، في حين ينتظم فى مركز جمعيتها 200 طفل.

ويضم مركز "التكوين والترقية الاجتماعية للأطفال ذوي الإعاقة"، التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية، 70 طفلاً مصاباً بالتوحد. بينما يتابع أكثر من 12 طفلاً، تتجاوز أعمارهم سن الروضة، التعليم والتأهيل في جمعية "متحدون من أجلهم".

نظرة المجتمع

تقول والدة الطفل بابا، المصاب بالتوحد، وهي تغالب دموعها، "في موريتانيا لا أحد يفهم كنه هذا المرض. البعض يعتقد أنه مس من الشيطان، وآخرون يعتقدون أنه نتيجة أصابة بالعين أو حسد. أهالي الأطفال وحدهم يعرفون ماذا يعني أن يكون ابنك مصاباً بالتوحد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويفسر ولد بياه أسباب الدونية التي ينظر بها المجتمع إلى هذه الفئة بالقول "أعتقد أن الحواجز النفسية والصور النمطية ظلتا تحولان لعقود كثيرة دون تصريح الأهالي بالأطفال المصابين بالتوحد. لكن الجهود التي بُذلت أدت إلى تصحيح بعض تلك الصور السلبية".

وتؤكد بنت بامنو أن "أهالي الأطفال المصابين بالتوحد استطاعوا كسر جدار الصمت، وخرجوا بمعاناة أولادهم إلى رحابة الواقع الاجتماعي لبلدهم".

التوحد والطلاق

تعاني الأسر، التي لديها طفل مصاب بالتوحد، صعاباً حياتية كبيرة قد تعصف بتماسكها الداخلي، إذا لم يتفهم الوالد حجم المسؤولية الملقاة على كاهله.

تقول مريم منت أحمد، العضو في "متحدون من أجلهم"، إن "غالبية الرجال ينفصلون عن زوجاتهم، بعد تشخيص اصابة أبنائهم بالتوحد. والقليل منهم يواصل رحلة المعاناة التي لا تنتهي مع شريكته". وتشير إلى أن أحد أسباب تفكك هذه الأسر، هو انشغال الوالدة برعاية ابنها المصاب بالتوحد، واهمالها رعاية أفراد الأسرة الآخرين. وهي "شرارة الخلاف الأولى التي تؤدي إلى الطلاق".

ويرى مراقبون للشأن الاجتماعي فى موريتانيا أن التعاطي الرسمي مع أطفال التوحد تغيّر كثيراً في السنوات الماضية. كما أن انفتاح المجتمع الموريتاني، بسبب ثورة الاتصالات وتأثير منصات التواصل الاجتماعي، طبّع العلاقة بين الموريتانيين والأطفال المصابين بالتوحد.

المزيد من العالم العربي