Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دروس كورونا الاقتصادية والنفطية والغازية

آثار نتائج الفيروس لم تعد تقتصر على الصين... وتعدت النفط إلى الغاز والمصافي والمنتجات المكررة

متعاملون في بورصة نيويورك للأوراق المالية (أ.ف.ب.)

هناك دروس اقتصادية عِدة من فيروس كورونا، أولها أن دول الخليج، سواء كانت منتجة للنفط أو التفاح أو الطيارات، فإنها ستتأثر سلباً بحالة الطوارئ الناشئة عن هذا الفيروس في الصين ودول أخرى، لهذا فالقول إن ضربة كورونا للدول الخليجية ستكون أخف لو كانت قامت بتنويع اقتصاداتها منذ سنوات غير صحيح، خصوصاً أن أكبر ضربة أصابت القطاع السياحي في كل الدول السياحية المشهورة عالمياً، بما في ذلك قطاع السفر والطيران، والحديث عن تنويع مصادر الدخل يكون عن حدوث تغيرات هيكلية عالمية تؤثر في أسواق النفط والغاز على المدى الطويل، وليس في حالة الطوارئ مثل تخلي قطاع الكهرباء في عدد كبير من الدول الصناعية عن استخدام النفط بعد ارتفاع أسعاره في السبعينيات.

انهيار الأسهم في السوق الصينية

الدرس الثاني أنه في ظل غياب المعلومات أو الشك فيها، تشيع حالة من الخوف والهلع تؤثر سلباً في الأسواق المختلفة، والمشكلة أن اتخاذ البنك المركزي أو الحكومة خطوات لمنع انهيار الأسواق يأتي بنتائج عكسية في أكثر الحالات، لأن الناس ترى في التصرفات الحكومية تأكيداً للإشاعات، وأن الأمر أخطر مما يتصور البعض.

وهذا ما حصل فعلاً صباح الاثنين، عندما افتتحت الأسواق الصينية بعد عطلة رسمية طويلة وانهارت الأسهم بأكثر من 10%، بعد إعلان البنك المركزي الليلة التي قبلها عن عمليات نقدية وائتمانية، تضمنت ضخ 173 مليار دولار أميركي في الاقتصاد.

ويرى البعض أن هذا الإعلان قد يكون الأصدق حكومياً حتى الآن، ويكشف حجم أزمة فيروس كورونا، الأمر الذي أدى إلى هذا الانخفاض الكبير في الأسهم، فيما يرى آخرون أن هذا الانخفاض منطقي، لأنه جاء بعد إجازة طويلة، ولولاها لكان إجمالي الانخفاض في السوق أكبر بكثير مما رأيناه يوم الاثنين، والحقيقة أنه يمكن جمع الرأيين معاً، لأن ذلك قد يكون أكثر تعبيراً عن الواقع.

أسواق النفط وأوبك

استمرت أسعار النفط في الانخفاض رغم وقف ضخ أغلب الحقول الليبية، متأثرة بالنتائج الاقتصادية للفيروس القاتل، ورغم اختلاف آراء الخبراء حول أثر هذه النتائج في الطلب على النفط، فإنه من الواضح أن تقديرات التخفيض تزيد يوماً بعد يوم.

ويمكن إجمال مصادر انخفاض الطلب على النفط في وقف رحلات الطيران داخل الصين، ومنها إلى الدول الأخرى والعكس، وإغلاق عدد ضخم من المحال التجارية والمقاهي، بما في ذلك آلاف المطاعم الأجنبية مثل ماكدونالدز وستاربكس وغيرهما، وإغلاق بعض المصانع ودور السينما، وتوقف كل الحفلات الخاصة سواء في الفنادق أو غيرها، وتأثر سلسلة الإمدادات اللازمة لإنتاج منتجات كثيرة، خصوصاً الإلكترونية منها. أضف إلى ذلك وقف السياحة داخل الصين وإلى الخارج، وقد بدأت العديد من الفنادق في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط تشتكي من انخفاض نسبة التشغيل.

وانخفضت أسعار النفط رغم قرار اجتماع اللجنة الفنية في "أوبك" لتقييم وضع السوق واقتراح ما إذا كان الأمر يتطلب اجتماعاً طارئاً للمنظمة الدولية في شهر فبراير (شباط)، وستواجه اللجنة مشكلة كبيرة بسبب تناقض البيانات عن فيروس كورونا وتنوع مصادرها، وبسبب عدم اتفاق الخبراء والمحللين على أثر نتائج الفيروس في أسواق النفط، وبسبب توقف جزء كبير من صادرات ليبيا.

أضف إلى ذلك وجود عوامل موسمية تجعل من الصعب التفريق بين انخفاض الطلب على النفط بسببها أو بسبب فيروس كورونا، مثل انخفاض الطلب على النفط في الربع الأول من السنة، والقيام بأعمال الصيانة الروتينية في المصافي، والمشكلة الأكبر أن هناك مبالغات كثيرة في وسائل الإعلام يتأثر بها التجار والمضاربون، الأمر الذي يخفض الأسعار.

وهنا يأتي الدرس الثالث، وهو أن مهمة السعودية و"أوبك" في محاولة إعادة التوازن إلى أسواق النفط ليست سهلة، وإنما تتطلب دراسة ومثابرة وتحليلاً، ورغم ذلك فإن القرارات المتخذة قد تكون صائبة أو خاطئة، ولتفادي الخطأ، تتبنى "أوبك" أكثر الخيارات سلامة.

فخ الإعلام

ولعل الدرس الرابع الأهم في هذا المجال، هو عدم الوقوع في فخ المبالغات الإعلامية، و"أوبك" تدرك ذلك تماماً، لكنها تدفع ثمن هذه المبالغات بسبب تصرفات التجار والمضاربين الذي يصدقونها، فقد نشرت "بلومبرغ" خبراً انتشر كالنار في الهشيم، مفاده أن بعض مسؤولي الشركات النفطية الأجنبية والصينية، من دون ذكر أسمائهم، قالوا إن الطلب على النفط في الصين انخفض بمقدار 3 ملايين برميل يومياً.

وبالنظر إلى التفاصيل يتبين أن هذه الملايين الثلاثة هي الفارق بين الطلب الذي كان متوقعاً قبل انتشار الفيروس في أعلى يوم في السنة في فترة العطلة، والرقم الفعلي! ومن ثم فإن الانخفاض الفعلي أقل كثيراً من هذه الأرقام. كما كان هناك خلط في الأخبار فيما يتعلق بانخفاض استخدام النفط الخام في المصافي، حيث إن جزءاً كبيراً من هذا التخفيض كان مخططاً له منذ فترة لإجراء عمليات الصيانة في المصافي.

لهذا فإنه من غير الواضح إذا كانت هناك حاجة إلى تعميق التخفيض، وإذا ما كانت "أوبك" ستعقد اجتماعاً طارئاً أو ما إذا كانت ستعمِّق تخفيض الإنتاج.

الأثر أصبح عالمياً في كل مصادر الطاقة

المشكلة الآن أن آثار نتائج فيروس كورونا لم تعد تقتصر على الصين، وتعدت النفط، وأصبحت تغطي الغاز والغاز المسال والمصافي والمنتجات المكررة أيضاً، ولكن عند الحديث عن الآثار الفعلية، وهذا هو الدرس الخامس، علينا أن نتجنب خطأ بعض وسائل الإعلام التي لم تفرق بين الطلب والاستهلاك، فقد ينخفض الاستهلاك، لكن الطلب قد لا ينخفض، أو ينخفض قليلا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والطلب هو الاستهلاك مضاف إليه التغيُر في المخزون، فإذا قررت الشركات الصينية تخزين النفط والغاز والغاز المسال الذي لم يستهلك بسبب كورونا، فإن الأثر النهائي على مصادر الطاقة هذه أقل مما يُذكر في وسائل الإعلام والتقارير المختلفة. أما إذا قررت بكين تخفيض وارداتها من هذه المصادر، فإن الأثر سيكون أكبر.

وفي الوقت الذي انشغل أغلب الناس بالنفط، فإن نتائج كورونا ستؤثر عالمياً في صناعة الغاز المسال، خصوصاً بعد أن أعلنت حكومة بكين أنها ستساعد الشركات الصينية المستوردة في استخدام حق "القوة القاهرة" الذي يعطيها القدرة على عدم الالتزام بعقود التوريد من دون أي عقوبات. وتحتوي عقود التوريد قسماً يتعلق بالقوة القاهرة وتتضمن الأوبئة.

أميركا تعاني تخمة في الغاز

وفي حين سيؤدي انخفاض الطلب على الغاز المسال إلى تراجع أسعاره، فإن دولاً أخرى ستستفيد من الوضع وتشتريه بسعر مخفض، لكن المشكلة أكبر من ذلك، فحدوث فائض عالمي قد يؤدي إلى مشاكل كبيرة في الولايات المتحدة التي تعاني أصلاً تخمة في الغاز، وانخفاض في أسعاره، وأي انخفاض أكثر من الذي حصل ولفترة شهور سينتج عنه إفلاس عدد من الشركات المعروفة في قطاع الغاز الصخري.

ومن أهم دروس العلاقة بين السياسة وأسواق النفط والغاز، أنه يجب تنويع الأسواق وعدم التركيز على سوق واحد، وهذا هو الدرس السادس، فقد نتج عن العقوبات الأميركية والأوروبية على روسيا تركيز الأخيرة على الصين، فقامت ببناء أنابيب نفط وغاز لتوريد بكين بهما، كما شيدت محطات تسييل غاز في سيبيريا وغيرها لإرساله إلى دول مختلفة بما فيها الصين. وبعبارة أخرى، حاولت موسكو التخفيف من أثر العقوبات الاقتصادية بالتركيز الشديد على بكين، والآن تدفع ثمن هذا الاعتماد، حيث يُتوقع أن تخفض الصين واردات المحروقات من روسيا.

خلاصة القول إن الأثر الآن أصبح عالمياً ويشمل أغلب مصادر الطاقة، وهذا سيؤثر مباشرة في دول الخليج و"أوبك" والولايات المتحدة وروسيا، وسيؤدي تفاقم وضع أسواق المسال إلى إفلاس بعض شركات الغاز الأميركية، كما أن هناك دروساً عِدة من نتائج فيروس كورونا في مجال النفط والغاز.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء