Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دوافع جيوسياسية خفية تقف خلف قضية الاغتصاب في قبرص

كيف أثرّت التجاذبات السياسية في محاكمة الشابة البريطانية في الجزيرة؟

محتجون ينددون بقرار القاضي سجن مواطنة بريطانية ادعت أن 12 إسرائيلياً قاموا باغتصابها في قبرص (رويترز) 

في وقت تحطّمت حياة الشابّة التي كانت تقضي إجازة في قبرص وتحوّلت إلى أنقاض بعد تعرّضها للاغتصاب هناك، وفقاً لتصريحاتها، من جانب عصابة من الشبّان الإسرائيليّين، ثمة سؤال لم يجب عليه أحد بعد وهو: لماذا كانت السلطات القبرصية متساهلة للغاية بشأن السماح للمغتصبين المزعومين بمغادرة البلاد؟.

ينبغي في ظل الظروف العادية في أوروبا الحالية، وقبرص هي دولة عضو في الاتّحاد الأوروبي، أن تؤخذ الاتّهامات بالاغتصاب بجدّية بالغة، حتى في سياق العلاقات الجنسية التي يحفزها تناول الكحول وتصاعد معدل التستوستيرون في منتجعات العطلات. ويتوجّب على المحكمة القبرصية الآن أن تقرّر ما إذا كانت ستبرّىء الفتاة البريطانية، بدلاً من وقف تنفيذ الحكم المطبّق حالياً بالنحو المريح  الذي يستخدمه القضاة للسماح لشخص ما بالإفلات من عقوبة السجن، وهو إجراء يترك وصمة ذنب على صاحب العلاقة تحرمه من البراءة الكاملة.

لكن ما لم يُذكر في سياق هذه القضية هو أنها  اصطدمت  بإحدى أهم العقد الجيوسياسية في شرق البحر المتوسط، التي تنطوي على تجاذبات سياسية إقليمية تعمل على مستوى أعلى بكثير من أي قاض قبرصي ذي رتبة متوسطة، بغض النظر عن أن المراهقة كانت ضحية سلوك جنسي وحشي  مزعوم من جانب الذكور. وفي الوقت الذي كانت فيه الصحف الشعبية البريطانية تسعى للظهور بمظهر الغاضب من النظام القضائي القبرصي، كانت حكومة قبرص تدخل في تحالفٍ جديد رئيسي مع إسرائيل واليونان من شأنه أن يغيّر ميزان القوى في منطقة شرق البحر المتوسط.

ففي الثالث من يناير (كانون الثاني) باتت إسرائيل في مصاف القوى العظمى المحتملة في مجال الطاقة، عندما وقّع رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو اتفاقاً في أثينا مع رئيسي الوزراء اليوناني والقبرصي، لبناء خط أنابيب للغاز الطبيعي في البحر يصل بين إسرائيل وأوروبا. وسينقل خط الأنابيب هذا الذي يبلغ طوله 1900 كيلومتر، الغاز من المياه الإقليمية الإسرائيلية إلى البرّ الرئيسي لغرب اليونان، عبر قبرص وجزيرة كريت، قبل ان يمضي في اتّجاه أوروبا. ويُعتبر هذا أكبر مشروع اقتصادي مشترك بين إسرائيل والاتّحاد الأوروبي، وذلك في إطار بحث أوروبا اليائس عن مصادر طاقة بديلة للفحم والطاقة النووية والنفط.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من شأن هذه الصفقة أن تقلّل من تأثير منتجي النفط الخليجيّين وكذلك إيران. وعندما ينتهي تطوير خط الأنابيب بشكل كامل، ستلبّي حقول الغاز الإسرائيلية احتياجات إسرائيل من الطاقة لمدة 60 عاما. وكما فعل النفط والغاز في بحر الشمال البريطاني اللذان أمّنا دخلاً لبريطانيا سمح لمارغريت تاتشر رئيسة الوزراء السابقة بتخفيض الضرائب وتقليص أو انهاء التصنيع في المملكة المتّحدة في ثمانينيّات القرن الماضي، فإن الصفقة ستحقّق مكاسب اقتصادية كبيرة لإسرائيل.

أما بالنسبة إلى اليونان وحكومة قبرص اليونانية، فتُعدّ الصفقة خطوة استراتيجية كبيرةً على صعيد خلافهما الذي لا ينتهي مع تركيا، الدولة التي ما زال جنودها يحتلون الثلث الشمالي من جزيرة قبرص والتي تحلّق طائراتها الحربية بانتظام فوق الجزر اليونانية والمياه الإقليمية لليونان في بحر إيجه. وتقع بعض جزر العطلات اليونانية على مسافة قريبة جدّاً من تركيا تعادل المسافة بين جزيرة "آيل أوف وايت" ومقاطعة هامبشاير. ويحب زعيم تركيا القوي رجب طيّب إردوغان بشكل متزايد أن يظهر بمظهر الرجل المستعد لاستخدام القوة العسكرية لتحقيق طموحات بلاده.

ويخشى اليونانيون من أن الغاية الحقيقية للاتّفاق، الذي وقّعه في نوفمبر (تشرين الثاني)  إردوغان مع الحكومة الليبية المعترف بها رسميا وإن كانت غير شرعية في نظر البعض، هي تعزيز السيطرة التركية على المياه اليونانية. وكانت طرابلس وأنقرة قد وضعتا خارطة ترسيم الحدود البحرية لتقاسم مياه شرق البحر المتوسط بين تركيا وليبيا، وهي حدود تتقاطع مباشرة مع المياه التي تطالب بها كل من أثينا ونيقوسيا وتأملان بالعثور فيها على غاز طبيعي لبيعه.

من هنا فإن التحالف الثلاثي بين اليونان وإسرائيل وقبرص، بمباركةٍ من الاتّحاد الأوروبي وموافقةٍ ضمنية من الولايات المتّحدة، يُعتبر بمثابة طلقة تحذيرية للرئيس التركي بأن اليونان وقبرص لن تكونا وحدهما في مواجهته، إذا أراد أن يتسلى بخوض أي مغامرة عسكرية خارج تركيا.

وفي هذا السياق بعينه جرى إرسال الشباب الإسرائيليين إلى بلادهم بالسرعة الممكنة  وذلك لتجنّب احتجازهم في قبرص على ذمة التحقيق في مزاعم الاغتصاب، وتحويل المسألة إلى قضية خلاف عام  بين نيقوسيا والقدس.

معلوم أن إسرائيل لا تسلّم أبداً مواطنيها، كما أن الرأي العام الإسرائيلي متحمّس إلى درجة التعصّب في الدفاع عن الإسرائيليين الذين يتعرضون لأي نوعٍ من أنواع الاستهداف في الخارج. وبمجرّد وصول هؤلاء إلى بلادهم، أصبح الشبّان في مأمنٍ من قبرص أو من أي تحقيق قانوني.

إن كلّ قاضٍ مستقل طبعاً، لكن المصلحة العليا للدولة تبقى قائمة، ويمكن أن تُصاغ الكلمات بطرق مختلفة في كثير من الأروقة المختلفة ما سمح بتفادي  إبقاء الإسرائيليّين المتّهمين قيد الاحتجاز في قبرص، وتعزّيز التحالف المناهض لتركيا.

( دينيس ماكشاين هو وزير دولة سابق لشؤون أوروبا في المملكة المتّحدة، وكان قد تعاطى مع كلٍّ من اليونان وقبرص وتركيا عندما كان في وزارة الخارجية)

© The Independent

المزيد من آراء