Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الاتفاق الكويتي السعودي: ما له وما عليه!

رسالة مفادها بأن العرب لا تُحل خلافاتهم دوماً بالحروب والغزوات

الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز يستقبل أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح في الرياض خلال قمة مجلس التعاون الخليجي (أ.ف.ب)

لم تكن مفاجأة أن توصّل الجانبان في دولة الكويت والسعودية إلى اتفاق حول الإنتاج المشترك في المنطقة الحدودية المقسومة قبل أيام. فالمراقبون والمتابعون للعلاقات بين البلدين كانوا يدركون أن مثل هذا الخلاف لا يمكن أن يستمر بين دولتين ترتبطان ارتباطاً عضوياً، وتحكمهما قيادات حكيمة ممثلةً بأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وبينهما من التاريخ المشترك والعلاقات الأخوية التي عُمّدت بالدم ما لا يتسع ذكره بمقالة. فقد كان العارفون ببواطن الأمور واثقين بأن المسألة مسألة وقت قبل أن يُسدل الستار على هذا الخلاف المحرج.

وأخيراً، طُويت صفحة هذا الملف الذي تجاوز مسألة الإنتاج إلى مسألة السيادة الحدودية، كما ذكر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في مقابلة مع "بلومبيرغ" حول الخلاف الذي بدأ في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2018، حين قال إن "الخلاف بين البلدين له جزء متعلق بالسيادة"، ويُفترض أن يكون الاتفاق الأخير قد طوى هذا الخلاف حول السيادة إلى الأبد.

الشاهد أن الطرفين توصّلا إلى حل الخلاف وعاد الإنتاج إلى المنطقة المشتركة بغض النظر عن تفاصيل الاتفاق، أقول بغض النظر عن تفاصيل الاتفاق لأن أي اتفاق حول مثل هذه المسائل، لا بد من أن يكون له ما له وعليه ما عليه. فقد عجّت وسائل التواصل الاجتماعي بالتعليق حول الاتفاق الكويتي-السعودي، فمن مادح يرى الاتفاق معجزة المعجزات، إلى ناقد يرى أن الاتفاق "قسمة ضيزى" لصالح هذا الطرف أو ذاك. ولا يمكن لأي اتفاق، مهما كان عادلاً ومنصفاً، أن ينجو من النقد والانتقاد، والتحفظ والهجوم، فكلنا نتذكر الاتفاق السعودي-المصري الحضاري الذي أعاد جزيرَتَيْ "صنافر وثيران" إلى سيادتهما الأصلية في السعودية، فثارت ثائرة بعض المصريين تنديداً بعودة الجزر السعودية إلى السعودية، وتعتبرها خيانة قومية وتنازلاً عن أرض مصرية إلى آخر الأسطوانة.

 المهم أن دولة الكويت والسعودية توصّلتا من خلال المفاوضات المباشرة وبطريقة سلمية وحضارية إلى اتفاق يحلّ الإشكالات المتعلقة بالسيادة والإنتاج المشترك. وفي هذا، رسالة لا بد من أنها وصلت إلى الإقليم والعالم أجمع، مفادها بأنّ العرب لا تُحلُّ خلافاتهم دوماً بالحروب والغزوات، ولا باللجوء إلى أطراف ثالثة لحل خلافاتهم، وبأنّ بيننا في هذه المنطقة من العقلاء من يؤمن بأن الخلافات، مهما تصاعدت، يمكن للعرب حلها بالطرق الحضارية السلمية وبالحوار الصريح المباشر.

 لكن أسئلة تطرح نفسها وبقوة حول أسباب هذا الخلاف أصلاً بين دولتين شقيقتين جارتين، استمر خمس سنوات، توقّف خلالها الإنتاج المشترك الذي يصل إلى 300 ألف برميل يومياً، ونتجت من هذا الإيقاف خسائر للطرفين بمليارات الدولارات. فلماذا ينشأ مثل هذا الخلاف ومن يتحمّل تبعاته وخسائره "المليارية"؟ ولِمَ يستمر طيلة هذه المدة من دون حوار شفاف وعلني حول أسبابه من قبل مسؤولين يحرصون على عدم ترك مثل هذه الأمور لصيادي المياه العكرة، والباحثين عن الشهرة والحاقدين على البلدين وأهلهما وقيادتَيْهما؟

ما هي الدروس التي يمكن استخلاصها من مثل هذا الخلاف كي لا ينفجر فجأة خلاف مشابه له في المستقبل؟ وإلى متى غياب آلية مشتركة وموجودة دوماً لحل مثل هذه الخلافات؟ وأين ذهبت تلك الزيارات المشتركة الأخوية و"ترزّز" مسؤولي البلدين أمام وسائل الإعلام، مشيدين بعمق العلاقات وأخوية الروح التي تربط بين البلدين وشعبيهما؟ ماذا لو لم تكن العلاقات بين البلدين بهذا العمق والتشابك الأسري والشعبي والتاريخي والجغرافي والخليجي؟

 الإشادة بالاتفاق بين البلدين مستحقّة، ولكن التوقف والتساؤل حول هذا الخلاف واستخلاص الدروس منه تجنّباً لخلافات مستقبلية، مسائل أكثر استحقاقاً وواجباً على الطرفين الشقيقين.

المزيد من آراء