Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لا تتكلوا على مواد الوقاية من الشمس!

لندقق قليلا في زعم انها منتجات تحمي من سرطانات الجلد

لا تزيد الفائدة الفعلية التي تقدمها مواد الوقاية من الشمس، عن الحماية من حروق الجلد وأنواع محددة من سرطاناته (كونسيومرريبورتس.اورغ)

على مدار عقود طويلة خلت، دأب المجتمع العلمي على إخبرنا بضرورة وضع واقيات من أشعة الشمس، مع التشديد على علاقتها بالوقاية من سرطانات الجلد. وكذلك تجاوب الجمهور مع تلك النصيحة العلمية المتكررة وأقبل على شراء تلك الواقيات، ما أدّى إلى ظهور سوق ضخمة من مستحضرات العناية بالجلد من تأثير أشعة الشمس. ووفق تقارير مؤسسة "إيبسوس" العالمية المختصة بمعلوات الأسواق والمنتجات، نمت منتجات الوقاية من أشعة الشمس بـ2,6% سنوياً بين عامي 2011 و2016، ونجم عنها رساميل سنوية بحوالى 394 مليون دولار (تقرير "إيبسوس" 2016). وعلى الرغم من ذلك، تزايد معدل الإصابة بالورم الخبيث من نوع "ميلانوما" الذي يعتبر من أشد سرطانات الجلد شراسة، في أميركا بحوالى ثلاثة أضعاف منذ سبعينيات القرن العشرين. وبطريقة مثيرة للقلق أيضاً، ارتفعت معدلات الوفاة المتصلة بسرطان "ميلانوما" في أميركا بحوالى الضعفين منذ العام 1975. كيف يمكن تفسير ذلك؟

لنبدأ الإجابة من حقيقة معروفة مفادها أن أشعة الشمس سبب رئيس في تخريب الجلد والتسبب في نشوء أورام خبيثة فيه. وكذلك بات مسلَّماً فيه أن الجمهور يعرف  جيداً أن التعرُّض المفرط لإشعة الشمس يمكن أن يتسبّب بنشوء سرطانات. وفي ذلك الصدد، وثَّقَتْ "مراكز ترصد الأمراض والوقاية منها (اختصاراً "سي دي سي"، ومقرها اتلانتا) أن ما لا يقل عن 70% من البالغين الأميركيين يذكرون أنهم يعمدون إلى وقاية أنفسهم من أشعة الشمس. وكذلك وجدت مسوحات إحصائية أجرتها مراكز "سي دي سي" أن ذلك الرقم سجّل زيادة ملحوظة بين عامي 2005 و2010، ثم استقر عند تلك المستويات المرتفعة. وأميلُ إلى الاعتقاد بوجود مشكلة تتمثّل في شعور زائف بالحماية عند من يستعملون الواقيات من أشعة الشمس، وبل يسهم ذلك أيضاً في زيادة معدلات سرطانات الجلد.

وحاضراً، توصَّلَتْ المؤسسات الأميركية الكبرى في الصحة العامة كـ"مكتب الغذاء والدواء" و"المؤسسة الوطنية للسرطان" و"الوكالة الدولية لبحوث السرطان"، إلى استنتاج مفاده أن البيانات المتوفرة لا تدعم التأكيد القائل بأن استعمال واقيات الشمس وحدها، يكفل تخفيض معدلات الإصابة بسرطان الجلد. إذ بات العلماء الآن يعرفون أن الأنواع المختلفة من سرطانات الجلد تتأثر بأنواع مختلفة من أشعة الشمس، والواقيات من أشعة الشمس لا تحمينا من أنواع الأشد شراسة في سرطانات الجلد، وبالتأكيد لا تقدم حماية في ذلك الصدد لأصحاب الجلود الداكنة (بمعنى أن سكان الشرق الأوسط وشعوب آسيا وأفريقيا تشكل الشريحة السكانية الأكثر عرضة للإصابة بالـ"ميلانوما").

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى الرغم من ذلك، يسمح "مكتب الغذاء والدواء" لمعظم الواقيات من أشعة الشمس، الزعم بأن استعمال تلك المركبات بشكل صحيح، يساعد في تخفيض خطر الإصابة بسرطانات الجلد. في المقابل، لا يمثّل ذلك الأمر سوى جزء من الحقيقة. ويرجع ذلك إلى وجود أنواع عدّة من الأورام الجلدية الخبيثة يتفاعل كل واحد منها مع نوع من الأشعة الشمسية. وفي التفاصيل أن أشعة الشمس التي تؤثر في الجلد لتحدث سرطانات فيه، تتضمن فئات عدّة من بينها فوق البنفسجية "ب"، وفوق البنفسجيّة "أ"، والمرئية وتحت الحمراء. ولأوقات طويلة، اعتُبِر أن الضوء المرئي (يتكوّن من موجات تتراوح أطولها بين 400 و740 نانومتر) والأشعة تحت الحمراء، غير مؤثرين في الجلد إلا ضمن حدود متدنية، إذا نحيَّنا جانباً الإحساس بالحرارة المفرطة الذي يولدة التعرض للأشعة تحت الحمراء. والآن، ثبت أن ذلك الأمر غير صحيح، إذ تستطيع موجات الأشعة المرئية أن تسهم في تخريب الجلد، ما يؤدي إلى ظهور أنواع من الخلايا فيه تُغاير نظيراتها الطبيعية، ما يجعل الأولى عنصراً مؤثّراً في سرطانات الجلد، إضافة الى التسبب في اضطرابات في المواد التي تعطي الجلد لونه الداكن لدى أصحاب تلك البشرة.

وفي تركيباتها المستخدمة حاضراً، لا تقدم الواقيات من الأشعة الشمسية حماية إلى أصحاب الجلد القاتم اللون. وفي ذلك السياق، يبرز السؤال عن نوع السرطان الذي تعطي الواقيات حماية منه، وهل أنه حقاً النوع السرطاني الأشد فتكاً والمفضي إلى الموت؟

لندرس مثلاً ما عن ذلك الأمر يتجسّد في إصابة ثلاثة ملايين أميركي سنوياً بسرطانات الجلد. تتشكّل معظم تلك الحالات من ورمين خبثين يؤديان إلى تشوّهات قويّة في الجلد، لكنهما غير مميتين. ينتمي النوعان إلى فئة سرطانية اسمها "كارسينوما" Carcinoma، ويسمّى النوع الأول "بازل سيل كارسينوما" Basal Cell Carcinoma والثاني "سكويموث سيل كارسينوما"Squamous Cell Carcinoma. ثمة دراسات تقترح أن الورمين كليهما يتأثران بالتعرض على مدار سنوات للأشعة فوق البنفسجية. كذلك وجَد بحّاثة كثيرون أنّ الاستعمال المنتظم للواقيات من أشعة الشمس يخفض خطر الإصابة بـ"سكويموث سيل كارسينوما" ويخفف من حدوث تغيّرات معينة في الجلد تسمّى "أكتينك كيراتوزس" تتصل بظهور "سكويموث سيل كارسينوما". في المقابل، لم يعثر البحّاثة على دلائل قوية عن قدرة الواقيات في درء الإصابة بالأورام من نوع "بازل سيل كارسينوما".

هناك رابط بين نوع الأشعة التي يجري تعريض الجلد لها من جهة، ونوع السرطان الذي تساهم في تحفيزه من الجهة الثانية

في مقلب آخر من  المشهد، تُشخَّص الإصابة بورم جلدي خبيث يُدعى "ميلانوما" لدى حوالى 91 ألف شخص سنويّاً في الولايات المتحدة، يفتك بأرواح 9 آلاف أميركي سنويّاً. ويبدو أن التعرّض للشمس يسهم في ذلك الأمر، لكن الـ"ميلانوما" ورم معقّد وهناك مجموعة من الأسئلة بشأنه لم يتوصل العلماء إلى إجاباتها حتى الآن.

واستطراداً، هناك رابط بين نوع الأشعة التي يجري تعريض الجلد لها من جهة، ونوع السرطان الذي تساهم في تحفيزه من الجهة الثانية. وتعطي الواقيات حماية من الأشعة فوق البنفسجية "ب" التي تتسبّب في حروق جلدية والأنواع السرطانية التي تتصل بتلك الحروق. وكذلك تتميّز تلك الأشعة بأنها الأقوى لجهة ما تحمله من الطاقة. ولا يحول ذلك دون القول أنّ الأشعة فوق البنفسجية "أ" تعتبر الأشد ضعفاً، لكن العلماء يتلمسون الآن علاقتها مع أنواع كثيرة من السرطانات الجلدية، وزيادة البقع ذات اللون الداكن كما تُلحِقْ بالجلد أضراراً متنوعة، لكن الواقيات المتوفرة حاضراً لا تعطي حماية من تلك الأشعة. واستطراداً، لا تشكل الأشعتان فوق البنفسجية "أ" و"ب" سوى 5% من ضوء الشمس.

وكخلاصة، لا أميل الى الموافقة مع قرار "مكتب الغذاء والدواء" في الويالات المتحدة، السماح لصُنّاع الواقيات الترويج لمنتجاتهم عبر اعلانات تسوّقها باعتبارها تعطي وقاية من الأورام الخبيثة في الجلد. ولأن الواقيات تحمي الجلد من الأشعة فوق البنفسجية "ب"، فإنها تعطي وقاية من حروق الشمس والورم الجلدي الخبيث من نوع "سكويموث سيل كارسينوما" المتصل بحروق الجلد. ولدي خشية من تضليل الناس بذلك النوع من الاعلانات، ما يؤدي الى اتّكال الناس على الواقيات وحدها في تخفيف مخاطر إصابتهم بسرطانات جلدية. وكذلك أرى أن استعمال الواقيات أدى إلى وضع يُكثر فيه الناس من تعريض أنفسهم لأشعة الشمس طالما أنها لا تصيب جلودهم بحروق شمسية، ما أدى على الأرجح إلى ارتفاع معدلات الإصابة بالـ"ميلانوما".

المزيد من آراء