في الوقت الذي تسعى فيه السعودية جاهدة إلى تحقيق رؤية 2030، بتنفيذ مشاريع مليارية ضخمة، بهدف التحرر من الاعتماد على النفط وزيادة الإيرادات غير النفطية من نحو 43.5 مليار دولار إلى 267 مليار دولار سنوياً، وزيادة حصة الصادرات غير النفطية من 16 في المئة من الناتج المحلي حالياً إلى 50 في المئة، وتحسين وضعها لتصبح من بين أفضل 15 اقتصاداً، وهي تحتل حالياً المرتبة العشرين، أطلق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، رئيس مجلس إدارة الھيئة الملكية لمحافظة العلا، مساء الأحد، "رؤية العلا" بهدف تحويلھا إلى وجھة عالمية للتراث، مع الحفاظ على تراثها الطبيعي والثقافي. وأكد ولي العهد أن مشروعات العلا، قياساً بالإنجازات المرتقبة في السعودية، هي "لا شيء".
ورداً على سؤال، هل نحن بحضرة الدولة السعودية الرابعة في ظل كل التغييرات التي نشهدها؟ أجاب ولي العهد "نحن امتداد للدولة السعودية الثالثة".
ويعتبر مشروع العلا، الذي يقع على مسافة 300 كيلومترٍ من المدينة المنوّرة، في شمال غرب السعودية، من الأماكن الاستثنائية الزاخرة بالتراث الطبيعي والإنساني. إذ يتضمن وادياً من الواحات الخضراء، وجبالاً شاهقة من الحجر الرملي، ومواقع ثقافية قديمة يعود تاريخها إلى آلاف السنوات، أي إلى عهد الحضارتين الديدانيّة واللحيانيّة. ووفق الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة ومحافظ الھيئة الملكية لمحافظة العلا، يقدم مشروع العلا للمستكشفين من جميع أنحاء العالم وجھة فريدة، من خلال ماضي المكان الذي يمثل تاريخاً حقيقياً للتبادل الثقافي والتجاري بين الحضارات المختلفة، داعياً علماء الآثار والمفكرين من جميع أنحاء العالم إلى المشاركة في استكشاف تاريخ الإنسانية في العلا.
من جهته، قال المهندس عمرو المدني، الرئيس التنفيذي للھيئة الملكية لمحافظة العلا، إن "تدشين رؤية العلا يعدّ خطوة طموحة نحو حماية التراث الطبيعي للمنطقة ومشاركة تاريخھا الثقافي الثري مع العالم أجمع. وبالنسبة إلى السيّاح، فإن زيارة العلا تعدّ رحلة عبر الزمن. فلكل صخرة فيھا قصة تُحكى، ونحن نسعى إلى الكشف عن مكامن الجمال في ھذا المكان وتقديمه ھدية إلى العالم أجمع"، مشيراً إلى أن الھيئة الملكية لمحافظة العلا تعمل على تطوير المنطقة عبر توقيع شراكات مع خبراء ومتخصصين عالميين، وإحدى ھذه الشراكات هي مع الوكالة الفرنسية لتطوير العلا (AFALULA).
وتضمن الاحتفال إطلاق الھيئة لمحمية شرعان الطبيعية، التي ستسهم في حماية المناطق ذات القيمة البيئية الاستثنائية، وستعمل على اعادة التوازن الطبيعي بين الكائنات الحية والبيئة الصحراوية، بالإضافة إلى الحفاظ على النباتات الطبيعية والحيوانات وغيرھا من الأنواع المھددة ذات القيمة العالمية البارزة، بهدف إعادة توطينھا وإكثارھا. كما أُطلقت في المحمية أنواع حيوانية مھددة بالانقراض، بما في ذلك الوعول وطيور النعام الأحمر الرقبة والغزلان. وكجزء من مبادرة المحمية، أعلنت الھيئة الملكية عن سعيھا إلى إنشاء الصندوق العالمي لحماية النمر العربي، وھو أكبر صندوق في العالم لحماية ھذا النوع من القطط الكبيرة المھددة بالانقراض، الذي يستوطن جبال المنطقة.
وتحتضن العلا، حالياً وحتى نهاية فبراير (شباط) الحالي، مهرجان شتاء طنطورة، الذي حظي بمتابعة كبيرة وحضور سياحي غير مسبوق للسياح الأجانب، بمشاركة فنانين عرب وعالميين كبار منهم بوتشيلي وياني ومحمد عبده وماجدة الرومي، إلى جانب حضور متوقع لكاظم الساهر وراشد الماجد وماجد المهندس.
وقد انطلق المهرجان في 9 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، مع أنشطة متنوعة في عطلة نهاية كل أسبوع. واستُمد اسم طنطورة من الشكل الهرمي للساعة الشمسية التي يعتمد عليها أهالي المنطقة في مواسم الزراعة والتعرف إلى الفصول، خصوصاً مربعانية الشتاء التي تشهد أقصر نهار وأطول ليل في السنة.
وتسهم الهيئة الملكية لمحافظة العلا من خلال "رؤية العلا" بإضافة حوالي 120 مليار ريال سعودي للناتج المحلي للمملكة بحلول عام 2035، التي سيُضخ معظمها في الاقتصاد المحلي للمحافظة.
وكانت السعودية قد أعلنت العام الماضي عن ستة مشاريع عملاقة، من المنتظر أن تعيد تشكيل الوجه الجديد للمملكة، منها مشاريع دينية وسياحية وترفيهية، كمشروع "نيوم" و"لقدية" ومشروع البحر الأحمر، إضافة إلى مشروعين عملاقين للنهوض بقطاع الضيافة في المدينتين المقدستين ورفع طاقتهما الاستيعابية، إلى جانب مشروع جدة داون تاون.
رؤية 2030 هي خطة ما بعد النفط للسعودية، تم الإعلان عنها في 25 أبريل (نيسان) 2016، وتتزامن مع التاريخ المحدد لإعلان الانتهاء من تسليم 80 مشروعاً حكومياً عملاقاً، تبلغ كلفة الواحد منها ما لا يقل عن مليار دولار أميركي. ويعتبر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان صاحب هذه الرؤية، إذ يتابع باستمرار مشاريعها ويقف ميدانياً على تنفيذها، فيما تحظى الرؤية باهتمام ومتابعة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وقبول واسع من المواطنين السعوديين.